الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى مصر فَوَقَعت على عسكرة كسرة عَظِيمَة وَقتل مِنْهُم من لَا يُحْصى وَكَانَ ذَلِك في سنة 703 وَلما بلغ ذَلِك غازان حصل لَهُ غم شَدِيد كَانَ سَبَب مَوته كَمَا قَالَ ابْن حجر فَمَاتَ في شهر شَوَّال سنة 703 ثَلَاث وَسَبْعمائة
قَالَ الذهبي كَانَ شَابًّا عَاقِلا شجاعاً مهيباً مليح الشكل مَاتَ وَلم يتكهل واشتهر أَنه سم في منديل يمسح بِهِ بعد الْجِمَاع فتعلل وَهلك انْتهى
وَقد امتحن أهل الشَّام بِهَذَا على رَأس الْقرن السَّابِع كَمَا امتحنوا هم وغالب بِلَاد الإسلام بجده الْأَعْلَى على رَأس الْقرن السَّادِس وكما امتحنوا بتيمورلنك على رَأس الْقرن الثَّامِن وَكلهمْ من التتار وَالْحكم لله الْقَادِر الْمُخْتَار
السَّيِّد غَالب بن مساعد شرِيف مَكَّة وأميرها
عِنْد تَحْرِير هَذِه الأحرف ولي الْإِمَارَة بعد أَبِيه مساعد أَخُوهُ سرُور ابْن مساعد الذي طَار صيته في الْآفَاق وَبلغ من الْمجد والسعي في أَعمال الْخَيْر وتأمين السبل مَا لم يبلغ إِلَيْهِ أحد من آبَائِهِ وَلَقَد كَانَت أَحَادِيث الوافدين لِلْحَجِّ إِلَى بَيت الله الْحَرَام تخبر عَنهُ بأخبار تسر الْقُلُوب وتشنف الأسماع وَتَروح الطباع وَكَانَ عَظِيم السطوة شَدِيد الصولة قامعاً للْفَسَاد رَاعيا لمصَالح الْعباد كثير الْغَزْو لمردة الْأَعْرَاب الَّذين يتخفطون النَّاس في الطرقات ثمَّ مَاتَ في شهر رَجَب سنة 1202 اثْنَتَيْنِ ومايتين وَألف وَقَامَ مقَامه أَخُوهُ عبد الْمعِين ثمَّ رغب عَن الْأَمر لصَاحب التَّرْجَمَة بعد أَيَّام يسيرَة من ولَايَته فَقَامَ بِهِ هَذَا أتم قيام وَهُوَ الْآن فِي سن الشَّبَاب حَسْبَمَا نَسْمَعهُ من الْحجَّاج وَله شغلة عَظِيمَة بِصَاحِب نجد عبد الْعَزِيز بن سعود المستولي الْآن على الْبِلَاد النجدية وَغَيرهَا مِمَّا هُوَ مجاور لَهَا وَكَثِيرًا مَا يجمع صَاحب التَّرْجَمَة
الجيوش ثمَّ يَغْزُو أَرض نجد فيصل أطرافها فيبلغنا أَنه يقوم لحربه طايفة يسيرَة من أَطْرَاف الْبِلَاد فيهزمونه وَيعود إِلَى مَكَّة وَآخر مَا وَقع مِنْهُ ذَلِك سنة 1212 فَإِنَّهُ جمع جَيْشًا كثيراً وغزا نجداً وأوقع بِبَعْض الْبِلَاد الراجعة إِلَى سُلْطَان نجد الْمَذْكُور فَلم يشْعر إِلَّا وَقد دهمه جَيش لَا طَاقَة لَهُ بِهِ أرْسلهُ صَاحب نجد فَهَزَمَهُ وَاسْتولى على غَالب جَيْشه قتلاً وأسرا بل جائت الْأَخْبَار بِأَنَّهُ لم يسلم من جَيش صَاحب التَّرْجَمَة إِلَّا طَائِفَة يسيرَة وَقتل جمَاعَة من أَشْرَاف مَكَّة في المعركة وتمت الْهَزِيمَة إِلَى مَكَّة وَلَو ترك ذَلِك واشتغل بِغَيْرِهِ لَكَانَ أولى لَهُ فَإِن من حَارب من لَا يقوى لحربه جرّ إِلَيْهِ الْبلوى فَإِن صَاحب نجد تبلغ عَنهُ قُوَّة عَظِيمَة لَا يقوم لمثلهَا صَاحب التَّرْجَمَة فقد سمعنَا أَنه قد استولى على بِلَاد الحسا والقطيف وبلاد الدواسر وغالب بِلَاد الْحجاز وَمن دخل تَحت حوزته أَقَامَ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَسَائِر شَعَائِر الْإِسْلَام وَدخل في طَاعَته من عرب الشَّام الساكنين مَا بَين الْحجاز وصعدة غالبهم إِمَّا رَغْبَة وَإِمَّا رهبة وصاروا مقيمين لفرائض الدَّين بعد أَن كَانُوا لَا يعْرفُونَ من الْإِسْلَام شَيْئا وَلَا يقومُونَ بشئ من واجباته إِلَّا مُجَرّد التَّكَلُّم بِلَفْظ الشَّهَادَتَيْنِ على مافى لَفظهمْ بهَا من عوج وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانُوا جَاهِلِيَّة جهلاء كَمَا تَوَاتَرَتْ بذلك الْأَخْبَار إِلَيْنَا ثمَّ صَارُوا الْآن يصلونَ الصَّلَوَات لأوقاتها ويأتون بِسَائِر الْأَركان الإسلامية على أبلغ صفاتها وَلَكنهُمْ يرَوْنَ أَن من لم يكن دَاخِلا تَحت دولة صَاحب نجد وممتثلاً لأوامره خَارج عَن الْإِسْلَام وَلَقَد أخبرني أَمِير حجاج الْيمن السَّيِّد مُحَمَّد بن حُسَيْن المراجل الكبسي أَن جمَاعَة مِنْهُم خاطبوه هُوَ وَمن مَعَه من حجاج الْيمن بِأَنَّهُم كفار وَأَنَّهُمْ غير معذورين عَن الْوُصُول إِلَى
صَاحب نجد لينْظر فِي إسْلَامهمْ فَمَا تخلصوا مِنْهُ إِلَّا بِجهْد جهيد وَقد صَارَت جيوش صَاحب نجد في بِلَاد يام وفي بِلَاد السراة المجاورين لبلاد أبي عَرِيش وَمن تبعه من هَذِه الْأَجْنَاس اغتبط بمتابعته وَقَاتل من يجاوره من الخارجين عَن طَاعَته فَبِهَذَا السَّبَب صَار مُعظم تِلْكَ الْبِلَاد رَاجعا إِلَيْهِ وتبلغنا عَنهُ أَخْبَار الله أعلم بِصِحَّتِهَا من ذَلِك أَنه يسْتَحل دم من اسْتَغَاثَ بِغَيْر الله من نبي أَو ولي وَغير ذَلِك وَلَا ريب أَن ذَلِك إِذا كَانَ عَن اعْتِقَاد تَأْثِير المستغاث كتأثير الله كفر يصير بِهِ صَاحبه مُرْتَدا كَمَا يَقع فى كثير من هَؤُلَاءِ المعتقدين للأموات الَّذين يَسْأَلُونَهُمْ قَضَاء حوائجهم ويعولون عَلَيْهِ زِيَادَة على تعويلهم على الله سُبْحَانَهُ وَلَا ينادون الله جل وَعلا إِلَّا مقترناً بِأَسْمَائِهِمْ ويخصونهم بالنداء منفردين عَن الرب فَهَذَا أَمر الْكفْر الذى لَا شكّ فِيهِ وَلَا شُبْهَة وَصَاحبه إِذا لم يتب كَانَ حَلَال الدَّم وَالْمَال كَسَائِر الْمُرْتَدين وَمن جملَة مَا يبلغنَا عَن صَاحب نجد أَنه يسْتَحل سفك دم من لم يحضر الصَّلَاة في جمَاعَة وَهَذَا إِن صَحَّ غير مُنَاسِب لقانون الشَّرْع نعم من ترك صَلَاة فَلم يَفْعَلهَا مُنْفَردا وَلَا في جمَاعَة فقد دلت أَدِلَّة صَحِيحَة على كفره وعورضت بِأُخْرَى فَلَا حرج على من ذهب إِلَى القَوْل بالْكفْر إِنَّمَا الشَّأْن في استحلال دم من ترك الْجَمَاعَة وَلم يَتْرُكهَا مُنْفَردا وتبلغ أُمُور غير هَذِه الله أعلم بِصِحَّتِهَا وَبَعض النَّاس يزْعم أَنه يعْتَقد اعْتِقَاد الْخَوَارِج وَمَا أَظن ذَلِك صَحِيحا فَإِن صَاحب نجد وَجَمِيع أَتْبَاعه يعْملُونَ بِمَا تعلموه من مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب وَكَانَ حنبليا ثمَّ طلب الحَدِيث بِالْمَدِينَةِ المشرفة فَعَاد إِلَى نجد وَصَارَ يعْمل باجتهادات جمَاعَة من متأخرى الْحَنَابِلَة كَابْن تَيْمِية وَابْن الْقيم وأضرابهما وهما من أَشد النَّاس على معتقدى الْأَمْوَات وَقد رَأَيْت كتابا من صَاحب
نجد الذى هُوَ الْآن صَاحب تِلْكَ الْجِهَات أجَاب بِهِ على بعض أهل الْعلم وَقد كَاتبه وَسَأَلَهُ بَيَان مَا يَعْتَقِدهُ فَرَأَيْت جَوَابه مُشْتَمِلًا على اعْتِقَاد حسن مُوَافق للْكتاب وَالسّنة فَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال
وَأما أهل مَكَّة فصاروا يكفرونه ويطلقون عَلَيْهِ اسْم الْكَافِر وبلغنا أَنه وصل إِلَى مَكَّة بعض عُلَمَاء نجد لقصد المناظرة فناظر عُلَمَاء مَكَّة بِحَضْرَة الشريف في مسَائِل تدل على ثبات قدمه وَقدم صَاحبه فِي الدَّين وفي سنة 1215 وصل من صَاحب نجد الْمَذْكُور مجلدان لطيفان أرسل بهما إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله أَحدهمَا يشْتَمل على رسائل لمُحَمد بن عبد الْوَهَّاب كلهَا في الْإِرْشَاد إِلَى إخلاص التَّوْحِيد والتنفير من الشرك الذي يَفْعَله المعتقدون فِي الْقُبُور وهي رسائل جَيِّدَة مشحونة بأدلة الْكتاب وَالسّنة والمجلد الآخر يتَضَمَّن الرَّد على جمَاعَة من الْمُقَصِّرِينَ من فُقَهَاء صنعاء وصعدة ذاكروه في مسَائِل مُتَعَلقَة بأصول الدَّين وبجماعة من الصَّحَابَة فَأجَاب عَلَيْهِم جوابات محررة مقررة مُحَققَة تدل على أَن الْمُجيب من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين العارفين بِالْكتاب وَالسّنة وَقد هدم عَلَيْهِم جَمِيع مَا بنوه وأبطل جَمِيع مَا دونوه لأَنهم مقصرون متعصبون فَصَارَ مَا فَعَلُوهُ خزياً عَلَيْهِم وعَلى أهل صنعاء وصعدة وَهَكَذَا من تصدر وَلم يعرف مِقْدَار نَفسه وَأرْسل صَاحب نجد مَعَ الْكِتَابَيْنِ الْمَذْكُورين بمكاتبة مِنْهُ إِلَى سيدي الْمولى الإِمَام فَدفع حفظه الله جَمِيع ذَلِك إِلَى فأجبت عَن كِتَابه الذي كتب إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله على لِسَانه بِمَا مَعْنَاهُ أَن الْجَمَاعَة الَّذين أرْسلُوا إِلَيْهِ بالمذاكرة لَا ندري من هم وَكَلَامهم يدل على أَنهم جهال وَالْأَصْل وَالْجَوَاب مَوْجُود ان في مجموعي وَفِي سنة 1217 دخلت بِلَاد أَبى عَرِيش وأشرافها في طَاعَة
صَاحب نجد ثمَّ تزلزلت الديار اليمنية بذلك وَاسْتولى أَصْحَابه على بعض ديار تهَامَة وَجَرت أُمُور يطول شرحها وَهِي الْآن في سريان وَقد أفردت مَا بلغنَا من ذَلِك في مُصَنف مُسْتَقل لِأَن هَذِه الْحَادِثَة قد عَمت وطمت وارتجفت لَهَا أقطار الديار الشامية والمصرية والعراقية والرومية بل وَسَائِر الديار لَا سِيمَا بعد دُخُول أَصْحَاب النجدي مَكَّة المشرفة وطرد أَشْرَافهَا عَنْهَا وَللَّه أَمر هُوَ بالغه
ثمَّ في سنة 1222 وصل إِلَيْنَا جمَاعَة من صَاحب نجد سعود بن عبد الْعَزِيز لبَعْضهِم معرفَة في الْعلم وَمَعَهُمْ مكاتيب من سعود إِلَى الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه رَحمَه الله تَعَالَى وَإِلَى أَيْضا ثمَّ وصل جمَاعَة آخَرُونَ كَذَلِك فِي سنة 1227 ثمَّ وصل جمَاعَة آخَرُونَ كَذَلِك في سنة 1228 وَدَار مَعَ هَؤُلَاءِ الواردين وَمَعَ غَيرهم من الْمُكَاتبَة مَالا يَتَّسِع الْمقَام لبسطه ثمَّ بعد هَذَا في سنة 1229 خرج باشة مصر الباشا مُحَمَّد علي بِجُنُود السُّلْطَان وَوصل إِلَى مَكَّة وَأسر الشريف غَالب وجهزه إِلَى الروم ثمَّ بلغ مَوته هُنَالك وَهَذَا عَارض من القَوْل فلنرجع إِلَى تَرْجَمَة الشريف غَالب فَنَقُول
وَمِمَّا ينبغي ذكره هَهُنَا أَنه وصل من الشريف الْمَذْكُور في عَام تَحْرِير هَذَا الأحرف وَهُوَ سنة 1213 في شهر رَجَب مِنْهَا كتاب إِلَى مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس حفظه الله يتَضَمَّن الْإِخْبَار بالرزية الْعُظْمَى والمصيبة الْكُبْرَى والبلية الَّتِى تبكي لَهَا عُيُون الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وهي اسْتِيلَاء طَائِفَة من الفرنج يُقَال لَهُم الفرنسيس على الديار المصرية جَمِيعهَا ووصولهم إِلَى الْقَاهِرَة وحكمهم على من بِتِلْكَ الديار من الْمُسلمين وَهَذَا خطب لم يصب الْإِسْلَام بِمثلِهِ فان مصر مَا زَالَت بأيدى
الْمُسلمين مُنْذُ فتحت فِي زمن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه إِلَى الْآن وَلم نجد فِي شئ من الْكتب التاريخية مَا يدل على أَنه قد دخل مَدِينَة مصر دولة كفرية والإفرنج الَّذين وصلوا إِلَيْهَا فى أَيَّام العاضد ووزيره شاوور وَكَذَلِكَ الَّذين وصلوا إِلَيْهَا فِي دولة بنى أَيُّوب لم يدخلُوا مَدِينَة مصر بل غَايَة مَا بلغُوا إِلَيْهِ دمياط وَنَحْوهَا وَمَا زَالَت تِلْكَ الْمَدِينَة وَسَائِر بلادها محروسة عَن الدول الكفرية فَإِن التتار دوخوا جَمِيع بِلَاد الْإِسْلَام وَلم يسلطهم الله على مصر بل عَادوا عَنْهَا خائبين مقهورين مهزومين وَكَذَلِكَ تيمورلنك مَعَ تدويخه لسَائِر الممالك لم يُسَلط عَلَيْهِم وَالله ينصر الْإِسْلَام وَأَهله وَأرْسل الشريف في طي كِتَابه بِكِتَاب من سُلْطَان الروم ثمَّ بعد ذَلِك وصل من الشريف كتاب فِيهِ التبشير باستيلاء الْمُسلمين على من بِالْقَاهِرَةِ فضلاً عَن الَّذين مِنْهُم بِسَائِر الأقطار المصرية وبالإسكندرية وَسَنذكر هَهُنَا كتاب السُّلْطَان ثمَّ كتاب الشريف الأول ثمَّ كِتَابه الثاني ثمَّ الْجَواب من مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله تكميلاً للفائدة وتبييناً للقضية فَإِنَّهَا من الْحَوَادِث الْعَظِيمَة الَّتِى ينبغي التَّعْرِيف بهَا والإعلام بشأنها فَلفظ كتاب السُّلْطَان ملك الروم إِلَى شرِيف مَكَّة غَالب بن مساعد هَكَذَا
وَبعد فَهَذَا مرسومنا المبجل الشريف وخطابنا الْمُعظم المنيف لَا زَالَ نَافِذا بعون الله في سَائِر الأرجاء والأقطار مَا دَامَ الْفلك الدوار أصدرناه مَبْنِيا على نظيم فرائد التَّحِيَّة وَالتَّسْلِيم ومنصوباً على قلائد التبجيل والتكريم محتوياً على قَوَاعِد صِيَانة الدَّين مؤكداً لمعاقد حماية سنَن سيد الْمُرْسلين صلى الله عليه وسلم وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
أصدرنا إِلَى عالي جناب الْأَمِير الأمجد المبجّل الْأَجَل الأوحد
المقتفي آثَار أسلافه الْأَشْرَاف من آبَائِهِ الغرّ صَنَادِيد آل عبد منَاف وأجداده السعيدي السير الجميلي الْأَوْصَاف فرع الشَّجَرَة الزكية النَّبَوِيَّة طراز الْعِصَابَة العلوية المصطفوية قُرَّة عين الزهراء البتول المحفوف بصنوف عواطف الْملك الْمَاجِد حَالا شرِيف مَكَّة المشرفة الشريف غَالب بن مساعد لَا زَالَت الْعِنَايَة الربانية لَهُ مُلَاحظَة والكلاية الصمدانية عَلَيْهِ حافظة
وإلى قدوة الْعلمَاء وعمدة الْفُضَلَاء نَائِب مَكَّة المشرفة وكافة السادات الْأَشْرَاف الأجلاء الميامين ومفاتي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَالْعُلَمَاء وَالْأَئِمَّة المحترمين ووجوه كَافَّة الْمُسلمين من ساكني بلد الله الْأمين من حَاضر وباد وفقهم الله إِلَى سَبِيل الرشاد
يحيطون علماً أَن طَائِفَة كفار الفرانسة جعل الله دِيَارهمْ دارسة وأعلامهم ناكسة قد نقضوا العهود وخانوا مواثيق المعبود وَخَرجُوا من أطور الْحُدُود وهجموا على بدوان مصر وسكانها على حِين غَفلَة من أَهلهَا فملكوا الْبِلَاد وأفشوا الْكفْر وَالْفساد وخاضوا بَحر الضلال والطغيان وتحشدوا تَحت راية الشَّيْطَان وَتمكن البغي في أحشائهم وَإِن الشَّيَاطِين ليوحون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لَا حَاكم يردعهم وَلَا دين واعتقاد يجمعهُمْ يعدون النهب غنيمَة والنميمة أكمل شِيمَة قد اتفقت آراؤهم وارتبطت أشوارهم على الهجوم على سَائِر بلدان الْمُسلمين وأقطار عباد الله الْمُوَحِّدين بِأَن أهل الْإِسْلَام قويين وَلَهُم مزِيد الصلابة في الدَّين فَإِذا وصلنا أقطارهم وحللنا دِيَارهمْ فالضعيف مِنْهُم نباشره بِالْحَرْبِ وَالضَّرْب وَالْقَتْل والنهب والقوى مِنْهُم ننصب لَهُ شرائك الْمَكْر والحيل حَتَّى تطمئِن
خواطرهم وتأمن ضمائرهم إِلَى أَن يقعوا فِي أشراكنا ونعمل فيهم مَا شِئْنَا من مقاصدنا ونلقي بَين سَائِر الْمُسلمين المكايد الْخفية بِالْفَسَادِ لإيقاع الْعَدَاوَة المباينة للاتحاد فِي أَحْوَالهم وأديانهم وَلم يعلمُوا لعنهم الله أَن الْإِسْلَام مغروس فِي قُلُوبنَا وَالْإِيمَان ممزوج بلحمنا ودمنا أكفر بعد إِيمَان أضلال بعد هدى كلا وَرب الأَرْض وَالسَّمَاء رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وخصوصاً فِي طوائف الْعَرَب لنبلغ فيهم أقْصَى مرام وأعزّ مطلب ونبذل الْجهد فِي تَخْرِيج الرعايا من الْإِسْلَام عَن طَاعَة من ولي عَلَيْهِم من الْحُكَّام حَتَّى يكون لنا الصولة الْعُظْمَى ويصيرون الْجَمِيع لنا مغنماً فَيَنْقَطِع بذلك سلك نظامهم وينفصم عقد انتظامهم فنملك حِينَئِذٍ رقابهم وَأَمْوَالهمْ فَإِن الْعَرَب أسْرع مَا يستولي على دِيَارهمْ لتفرقهم فِي أَوْدِيَتهمْ من أقطارهم وغفلتهم عَن حزم أَحْوَالهم فَإِن أعظم مَا يشتت جموع الْإِسْلَام ويفل حد سنانهم عَن الانتظام هدم قبلتهم وَحرق مَسَاجِدهمْ فَإِذا ظفرنا بأقطارهم وهدمت كعبتهم وَمَسْجِد نَبِيّهم وَبَيت مقدس عزهم انْقَطع أملهم وتفرق شملهم وملكنا دِيَارهمْ فَإِن الْأُمُور لَا يُدْرِكهَا إِلَّا اتِّفَاق الْجُمْهُور فنقتل جَمِيع رِجَالهمْ وَمن يعقل من صبيانهم فَحِينَئِذٍ نقتسم دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ وأملاكهم ونحول بَقِيَّة النَّاس إِلَى أصولنا وقواعدنا ولساننا وَدِيننَا فبه يمحى الْإِسْلَام وقواعده وشرائعه ويندرس رسومه وآثاره من وَجه الأَرْض من شرقها وغربها وجنوبها وشمالها وعربها وعجمها
فَهَذَا مَا اتّفق رأى الفرنسيس اللعين من سوء الْمَقَاصِد في الْمُسلمين جعل الله دَائِرَة السوء عَلَيْهِم فَلَا يَسْتَطِيعُونَ صرفاً وَلَا نصرا وَنَرْجُو الله
أَن يعاملهم بعدله فِي قَوْله وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيئ إِلَّا بأَهْله فَهَذَا حَال الفرانسة فِي إلحادهم وجدالهم وعنادهم وَمَا اقْتَضَاهُ فَاسد اجتهادهم يُرِيدُونَ ليطفؤا نور الله بأفواههم وَالله متم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ فَكيف لَا يكون فرضاً على كل أحد من مُسلم موحد أَن يشمر عَن ساعد الْجد ويبذل نَفسه وَمَاله في مرضاة الْوَاحِد الْفَرد ويمتثل قَول أصدق الْقَائِلين سارعوا إلى مغْفرَة من ربكُم وجنة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أعدت لِلْمُتقين وَيكون رابحاً فِي بَيْعه عَن الخسران مُسْتَبْشِرًا ببذل نَفسه في سَبِيل الرَّحْمَن لقَوْله إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فى سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات الْبَينَات وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المروية عَن الثِّقَات مِمَّا يحث على نصْرَة الدَّين ويلم شعث الْمُوَحِّدين فَالْآن يَا شرِيف مَكَّة وَيَا سَادَات الْأَشْرَاف وقادات الْعَرَب وحماة الدَّين وكماة الْمُسلمين وغزاة الْمُوَحِّدين وأبطال الحروب الماحين بصوارم عزمهم عَن الدَّين ظلام الكروب يَا رجال الغارات وَيَا أَرْكَان الشَّرِيعَة والعبادات وَيَا حفظَة الدَّين والأمانات وَيَا باذلين النُّفُوس عِنْد انتهاك الحرمات وَيَا كَافَّة إِخْوَاننَا في الدَّين وَالَّذين هم لشريعة رَبهم ناصرين البدار البدار إِلَى طَاعَة الْملك الْغفار لمحافظة قبلتكم ومحتد نَبِيكُم منشأ الْإِسْلَام وَمَسْجِد نَبِيكُم صلى الله عليه وسلم ومواطن مضاعفة عبادتكم من ساحة بَيت الله الْحَرَام فالغيرة الْغيرَة وَالْحمية الحمية من صولة أَعدَاء الدَّين الَّذين هم عَن كل مِلَّة فارقين ولكتب رسل الله مكذبين فشدوا عزائمكم للقائهم
واحفظوا جهاتكم وسواحلكم ومنافذ بلدانكم وسارعوا إِلَى الرِّبَاط إِلَى حُدُود الْكَفَرَة اللئام ببندر جدة وينبع وَمَا والا هما مِمَّا فِيهِ صِيَانة الْمُسلمين وَحفظ أَعْرَاض الْمُوَحِّدين وَكُونُوا عباد الله إخْوَانًا وَلَا تنازعو فتفشلوا وَفِي سَبِيل الله أَنْفقُوا وتجملوا وَكُونُوا كلمتكم وَاحِدَة وَأَيْدِيكُمْ متناصرة ولتكن سُيُوفكُمْ بارقة وسهامكم راشقة وأسنتكم في الطعْن متلاحقة ومدافعكم صَاعِقَة ونبالكم إِلَى أفئدتهم متسابقة ولتقصدوا بذلك إعلاء كلمة الدَّين والذب عَن بَيت الله وَمَسْجِد رَسُول الله وَنَرْجُو الله أَنكُمْ مؤيدون بنصر الله محفوظون بروحانية رَسُول الله وَلَا يكون لكم تخلف عَن ذَلِك وَلَا تراخ في حفظ تِلْكَ المسالك وَنحن في طرف السلطنة السّنيَّة ننشر رايتنا الْعلية فبحول الله وقوته وباهر عَظمته تملكهم عساكرنا المنصورة وتقطعهم سُيُوفنَا الْمَشْهُورَة وَقد سيّرنا عَلَيْهِم شجعاناً لَا يبالون بِالْمَوْتِ لإعلاء كلمة الدَّين وغزاة يقتحمون على النَّار محبَّة فِي دين الله فنتعقب بقدرة الله أدبارهم
لَعَلَّ الله يرزقنا هلاكهم ودمارهم فنجعلهم إِن شَاءَ الله هباءً منثوراً كَأَن لم يَكُونُوا شَيْئا مَذْكُورا
فبادروا أَيهَا الْمُسلمُونَ إِلَى الرِّبَاط بجدة وينبع وَمن تخلّف فقد عصى الله وَخَالف أمرنَا فَإِن ذَلِك أمرنَا إِلَيْكُم وحتمنا عَلَيْكُم يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون
واستجلبوا صَالح الدَّعْوَات من عجازكم وصالحيكم وأفاضلكم عِنْد الْبَيْت الْحَرَام
وَقد قَالَ تَعَالَى انفروا خفافا وثقالا وَجَاهدُوا بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ كالبنيان يشد بَعضهم بَعْضًا
وَهَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تطيعوا فريقاً من الَّذين أُوتُوا الْكتاب
يردوكم بعد إيمَانكُمْ كَافِرين وَكَيف تكفرون وَأَنْتُم تتلى عَلَيْكُم آيَات الله وَفِيكُمْ رَسُوله وَمن يعتصم بِاللَّه فقد هدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تهتدون ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم الْبَينَات وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم يَوْم تسود وُجُوه وتبيض وُجُوه فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون وَأما الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم ففي رَحْمَة الله هم فِيهَا خَالدُونَ تِلْكَ آيَات الله نتلوها عَلَيْك بِالْحَقِّ وَمَا الله يُرِيد ظلماً للْعَالمين وَللَّه مَا في السَّمَوَات وَمَا فى الأَرْض وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه وَلَو آمن أهل الْكتاب لَكَانَ خيراً لَهُم مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ لن يضروكم إِلَّا أَذَى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْنَمَا ثقفوا إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس وباءوا بغضب من الله ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون
فالبدار البدار إِلَى مَا أمرناكم من الرِّبَاط والحذار والحذار من خلاف ذَلِك هَذَا مَا انْتهى أمرنَا إِلَيْكُم لَا زلتم موفقين بعون الْملك الْمعِين وَصلى الله على
سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم انتهى كتاب السُّلْطَان لَا برح فِي حماية الْملك الديَّان
وَهَذِه صُورَة كتاب مَوْلَانَا شرِيف مَكَّة غَالب بن مساعد
إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس حفظه الله وفي طيه كتاب السُّلْطَان السَّابِق ذكره وَلَفظ كتاب الشريف
الْحَمد لله الذي كل يَوْم هُوَ في شَأْن وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيد ولد عدنان وعَلى آله الطاهرين وَصَحبه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدَّين ثمَّ نهدي مزِيد سَلام نَشأ من خَالص الْفُؤَاد وأعرب عَن صدق الْمحبَّة والاتحاد مَعَ تحيّات طَابَ نشرها من المآثر الْعِظَام وَبَيت الله الْحَرَام
وزمزم وَالْمقَام إِلَى الحضرة الباهرة المنصورية والعقوة الزاهرة الهاشمية والسدة الْعلية العلوية ساحة الْخلَافَة اليمنية وَاسِطَة نظام السَّادة الحسنية الجناب العالي الْكَرِيم والمآب الغالي الوسيم أخينا الأكرم وعالي الهمم الإِمَام ابْن الإِمَام حَضْرَة الإِمَام الْمَنْصُور وَفقه الله لصلاح الْجُمْهُور وَلَا زَالَت الْعِنَايَة الربانية لَهُ مُلَاحظَة والكلاية الصمدانية عَلَيْهِ حافظة آمين بجاه سيد الْمُرْسلين وَبعد إهداء شرِيف السَّلَام وإسداء وَاجِب التَّحِيَّة وَالْإِكْرَام فالسؤال عَن حالكم كثير لموجب مالكم عندنَا من جميل الوداد الوافر وَإِن سَأَلْتُم عَنَّا فنحمده سُبْحَانَهُ على جزيل فَضله وعظيم أمتنانه طيبين بِخَير وعافية ونعمة من الْمولى وافية والذي نبديه إِلَى مسامعكم الْعلية وأفهامكم الزكية من الْأُمُور الْحَادِثَة فِي الْوُجُود
وجزيل أَحْكَام الْملك المعبود لموجب احْتِيَاج أهل الْإِسْلَام إِلَى الترفهات عَن نهج المهام وَترك حزم الْأُمُور وغفلتهم عَن حفظ الثغور حَتَّى صَار
مَا صَار من شرذمة أهل البغي وَالْإِنْكَار من التهجم على بِلَاد أسكندرية ومصر الْقَاهِرَة بِجُنُود من الْبَحْر على سفاين متواترة وهم طَائِفَة من جُمْهُور الفرانسة وَالْملَّة الباغية الَّتِى بِفضل الله أعلامهم ناكسة لمشاهدتهم فى أَحْوَال الْمُسلمين ترك الثغور عَن التحصين فَهَجَمُوا على تِلْكَ الْبِلَاد فَلم يَجدوا لجامحهم مدافع وَلَا راد
فافسدوا كَافَّة من بجوارها من العربان بأنواع السياسة الموهمة بِأَنَّهُم من طَائِفَة السُّلْطَان وأبرزوا للبوادي كتبا مزورة بِأَلْفَاظ عَرَبِيَّة بتعظيم الله وَرَسُوله مصدرة حَتَّى انقادوا لَهُ بِالطَّاعَةِ ظناً مِنْهُم بِأَنَّهُم من جنود الدولة المطاعة وَلَيْسَ يخفى عَلَيْكُم حَال البوادي الطغام الَّذين لَا يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام فسلكو بهم الطَّرِيق وصاروا للْمُشْرِكين أعظم مساعد وأعز رَفِيق فَجرى قدر رَبنَا سُبْحَانَهُ باستدراج جند الشَّيْطَان أَرْبَاب الْخِيَانَة بتملكهم للقاهرة ودخولهم إِلَى مصر بِحِكْمَتِهِ الباهرة فلاراد لقضائه وَلَا محيص عَمَّا ارْتَضَاهُ فَهُوَ الْملك الْمُخْتَار وَله المشية فِيمَا يخْتَار فَحِينَئِذٍ بلغ ذَلِك الْخَبَر حَضْرَة سُلْطَان الْإِسْلَام أدحض الله بصوارم سطوته جنود اللئام فَجهز عَلَيْهِم من أبطال الأجناد مَا يعجز عَن حصره جموع الْأَعْدَاد وسير عَلَيْهِم من جيوش الْإِسْلَام ووزرائه الْعِظَام وَجعل مقدمهم الْوَزير الشهير الجزار أَحْمد باشا بلغه الله من الْخَيْر ماشا
فاجتمعت عَلَيْهِ طوائف العربان وتحشدت تَحت رايته كَافَّة أهل الْإِيمَان وهرع إِلَى جهادهم الْمُسلمُونَ من كل مَكَان حَتَّى أقطارنا الحرمية ظَهرت منا للْجِهَاد سَبْعَة آلَاف يردون في طَاعَة الله موارد الْمَوْت والإتلاف وَنَرْجُو الْعَظِيم من فَضله العميم أَن يُؤَيّد بالنصر أجناد الْمُوَحِّدين ويبدد بالقهر شَمل الْكَفَرَة الْمُلْحِدِينَ
وَالْحَمْد الله قد وَردت إِلَيْنَا الْأَخْبَار بتضايق حَال الْمُشْركين من الْحصار لتزاحف جنود أهل الْإِسْلَام وإحاطتهم بِجَمِيعِ المنافذ المصرية والمسام فانتظم أَمر التَّجْهِيز وانتدب لنصرة الْإِسْلَام كل ذليل وعزيز ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عَزِيز وفى هَذَا الأوان ورد الينا هَذَا الفرمان الصَّادِر إليكم مِنْهُ صُورَتَانِ الْمُعْلن بدواعي الْفَلاح والمحرض لكافة الْمُسلمين على مَا يُرْجَى مِنْهُ النجاح من استعداد الْقُوَّة للمصادمة والكفاح
كَمَا هُوَ متحتم على أهل الْإِسْلَام خُصُوصا فى مثل هَذِه الْأَيَّام
وَمن أعظم الشيم والمروءة امْتِثَال قَول الله تَعَالَى وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة فبذل غَايَة المجهود لمحافظة الثغور وتحصين الْحُدُود والمرابطة في بلدان السواحل والذبّ على الْأَدْيَان بِسَهْم المرامي وبيض الصواهل
أَمر محتوم على كَافَّة مُلُوك الْإِسْلَام وَسَائِر الْقَبَائِل
فوصلكم صُورَة الْأَمر الشريف وَالْخطاب المنيف وَمَا الْقَصْد من إرساله إِلَّا تنبيهكم لحفظ الْبِلَاد
والتحذير من ارباب الْكفْر والعناد
كَمَا هُوَ مُصَرح فِي الفرمان السلطاني من ذكر مكايد الْكَفَرَة فى جَمِيع المغانى وَلَا يعزب عَن فهمكم الثاقب أَن مُلُوك الروم أحس بِمَا يبْنى الْكَفَرَة أُمُورهم من المعاطب فحثوا على المرابطة جَمِيع الْمُسلمين
وقووا ثغور بلدانكم بالتحصن الرصين من الْبُنيان وتشييد بروج المناتق بدوى الْبَأْس من الفتيان فإن بَحر الْهِنْد تجري فِيهِ سفاينهم وَقد ظَهرت فِيهِ بِأحد المواسم ضرايرهم فَيجب بن عَزِيز جنابكم كَمَال التحري لدفع مفاسدهم والاستعانة بِاللَّه تَعَالَى في إدحاض مكايدهم
وَمن آكد اللوازم نشر هذَيْن الفرمانين في كَافَّة أقطار أوامركم وأقصى مَا يحادد بلدانكم ومحاكمكم
هَذَا مَا عَن