الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِك ورفعوه إِلَى أَمِير الركب فَاسْتَحْضرهُ وأهانه جدا وَحلق لحيته وَصَرفه يُنَادى عَلَيْهِ فانزعج من ذَلِك وَمَات كمدا وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير التِّلَاوَة حج مَرَّات وقدرت وَفَاته بعد أَن رَجَعَ من الْحَج سنة 756 سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة فِي شهر محرم وَدفن على قَارِعَة الطَّرِيق
قَالَ ابْن كثير كَانَ يذاكر بِشَيْء من التَّارِيخ ويحفظ شعرا كثيرا وَكَانَ قد أثري من كَثْرَة مَا أَخذ من النَّاس بِسَبَب المديح والهجاء وَكَانَ النَّاس يخَافُونَ مِنْهُ لبذاءة لِسَانه
مُحَمَّد بن يُوسُف بن علي بن يُوسُف الغرناطي أثير الدَّين أَبُو حَيَّان الأندلسي
الإِمَام الْكَبِير فِي الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير ولد أَوَاخِر شَوَّال سنة 654 أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وتلا القراآت أفرادا وجمعا على مشائخ الأندلس وَسمع الْكثير بهَا وبأفريقيا ثمَّ تقدم الْإسْكَنْدَريَّة ومصر ولازم ابْن النّحاس وَمن مشايخه الْوَجِيه بن الدهان والقطب القسطلاني وَابْن الأنماطي وَغَيرهم حَتَّى قَالَ إن عدَّة من أَخذ عَنهُ أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ شخصا وَأما من أجَاز لَهُ فكثير جداً وتبحر فِي اللُّغَة والعربية وَالتَّفْسِير وفَاق الأقران وَتفرد بذلك فِي جَمِيع أقطار الدُّنْيَا وَلم يكن بعصره من يماثله قَالَ الصفدى لم أره قط إِلَّا يسمع أَو يشْتَغل أَو يكْتب أَو ينظر فِي كتاب وَلم أره على غير ذَلِك وَكَانَ لَهُ إقبال على أذكياء الطّلبَة يعظمهم وينوه بقدرهم وَكَانَ كثير النظم ثبتا فِيمَا يَنْقُلهُ عَارِفًا باللغة وَأما النَّحْو والتصريف فَهُوَ الإِمَام الْمُطلق فيهمَا خدم هَذَا الْفَنّ أَكثر عمره حَتَّى صَار لَا يذكر أحد فِي أقطار الأَرْض فِيهَا غَيره وَله الْيَد الطُّولى فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وتراجم النَّاس وَمَعْرِفَة طبقاتهم خُصُوصا المغاربة وَله التصانيف الَّتِى سَارَتْ فِي آفَاق الأَرْض واشتهرت فِي حَيَاته
وَأخذ النَّاس عَنهُ طبقَة بعد طبقَة حَتَّى صَار تلاميذه أَئِمَّة وأشياخا فِي حَيَاته وَهُوَ الَّذِي رغب النَّاس إِلَى قِرَاءَة كتب ابْن مَالك وَشرح لَهُم غامضها وَكَانَ يَقُول إن مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب نَحْو الْفُقَهَاء وألزم نَفسه أَن لَا يقريء أحدا إِلَّا فِي كتب سِيبَوَيْهٍ أَو فِي التسهيل أَو فِي مصنفاته وَكَانَ هَذَا دأبه فِي آخر أَيَّامه وَمن مصنفاته الْبَحْر الْمُحِيط فِي التَّفْسِير وغريب الْقُرْآن فِي مُجَلد والأسفار الملخص من كتاب الصغار وَشرح التسهيل والتذكرة والموفور والتذكير والمبدع والتقريب والتدريب وَغَايَة الْإِحْسَان بالنكت الحسان والشذى فِي مسئلة كَذَا واللمحة والشذرة والارتضاء وَعقد اللئالى ونكت الْإِمْلَاء والنافع والمورد الْغمر وَالرَّوْض الباسم والمزن الهامر والرمزة وَغَايَة الْمَطْلُوب والنير الجلى والوهاج مُخْتَصر الْمِنْهَاج وَالْأَمر الأحلى فِي اخْتِصَار الْمحلى والأعلام ويواقيت السحر وتحفة السندس فِي نحاة الأندلس والإدراك للسان الأتراك منطق الخرس بِلِسَان الْفرس نور الغيش فِي لِسَان الْجَيْش ومسك الرشد ومنهج السالك وَنِهَايَة الْإِعْرَاب وخلاصة التِّبْيَان وَغير ذَلِك مِمَّا حَكَاهُ ابْن حجر فِي الدّرّ مَنْقُولًا من خط صَاحب التَّرْجَمَة وَمِمَّا لم يذكر النَّهر الماد فِي التَّفْسِير
وَهُوَ مُخْتَصر الْبَحْر الْمُحِيط الْمُتَقَدّم ذكره قَالَ ابْن الْخَطِيب كَانَ سَبَب رحلته عَن غرناطة أَنَّهَا حَملته حِدة الشَّبَاب على التَّعَرُّض للأستاذ أَبى جَعْفَر بن الطباع وَقد وَقعت بَينه وَبَين أستاذه أَبى جَعْفَر بن الزبير وَحْشَة فنال مِنْهُ وتصدى للتأليف فِي الرَّد عَلَيْهِ فَرفع أمره إِلَى السُّلْطَان بغرناطة فانتصر لَهُ وَأمر
بإحضار صَاحب التَّرْجَمَة وتنكيله فاختفى ثمَّ لحق بالمشرق وَحضر مجْلِس الشَّيْخ شمس الدَّين الأصبهاني وَكَانَ ظاهريا وَبعد ذَلِك انْتَمَى إِلَى الشافعي وَكَانَ أَبُو الْبَقَاء يَقُول أنه لم يزل ظاهريا قَالَ ابْن حجر كَانَ أَبُو حَيَّان يَقُول محَال أَن يرجع عَن مَذْهَب الظَّاهِر من علق بذهنه انْتهى
وَلَقَد صدق فِي مقاله فمذهب الظَّاهِر هُوَ أول الْفِكر آخر الْعَمَل عِنْد من منح الْإِنْصَاف وَلم يرد على فطرته مَا يغيرها عَن أَصْلهَا وَلَيْسَ وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد الظاهري وَأَتْبَاعه فَقَط بل هُوَ مَذْهَب أكَابِر الْعلمَاء المتقيدين بنصوص الشَّرْع من عصر الصَّحَابَة إِلَى الْآن وَدَاوُد وَاحِد مِنْهُم وَإِنَّمَا اشْتهر عَنهُ الجمود فِي مسَائِل وقف فِيهَا على الظَّاهِر حَيْثُ لَا ينبغي الْوُقُوف وأهمل من أَنْوَاع الْقيَاس مَالا يَنْبَغِي لمنصف إهماله وَبِالْجُمْلَةِ فمذهب الظَّاهِر وَهُوَ الْعَمَل بِظَاهِر الْكتاب وَالسّنة بِجَمِيعِ الدلالات وَطرح التعويل على مَحْض الرأي الذي لَا يرجع إِلَيْهِمَا بِوَجْه من وُجُوه الدّلَالَة وَأَنت إذا أمعنت النّظر فِي مقالات أكَابِر الْمُجْتَهدين المشتغلين بالأدلة وَجدتهَا من مَذْهَب الظَّاهِر بِعَيْنِه بل إِذا رزقت الإنصاف وَعرفت الْعُلُوم الاجتهادية كَمَا ينبغي وَنظرت فِي عُلُوم الْكتاب وَالسّنة حق النظر كنت ظاهريا أَي عَاملا بِظَاهِر الشَّرْع مَنْسُوبا إِلَيْهِ لَا إِلَى دَاوُد الظاهري فَإِن نسبتك ونسبته إِلَى الظَّاهِر متفقة وَهَذِه النِّسْبَة هي مُسَاوِيَة للنسبة إِلَى الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَإِلَى خَاتم الرُّسُل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَوَات التَّسْلِيم
وَإِلَى مَذْهَب الظَّاهِر بِالْمَعْنَى الذي أوضحناه أَشَارَ ابْن حزم بقوله
(وَمَا أَنا إِلَّا ظاهري وأنني
…
على مَا بدا حَتَّى يقوم دَلِيل)
وتصانيف صَاحب التَّرْجَمَة يزِيد على الْخمسين وَمِنْهَا منظومة فِي
القراآت على وزن الشاطبية بِغَيْر رموز وفيهَا فَوَائِد وَلكنهَا لم ترزق حَظّ الشاطبية وَكَانَ عريا من الفلسفة والاعتزال والتجسيم على نمط السلف الصَّالح كثير الْخُشُوع والتلاوة وَالْعِبَادَة مائلا إِلَى محبَّة أَمِير الْمُؤمنِينَ على ابْن أَبى طَالب كرم الله وَجهه متجافياً عَن مُقَاتِلِيهِ قَالَ الأدفوئى جرى على طَرِيقه كثير من النجَاة فِي حب على حَتَّى قَالَ مرة لبدر الدَّين بن جمَاعَة قد روى عَن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ عهد إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم لَا يحبني إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضني إِلَّا مُنَافِق هَل صدق فِي هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ لَهُ ابْن جمَاعَة نعم قَالَ وَالَّذين قَاتلُوهُ وسلوا السيوف فِي وَجهه كَانُوا يحبونه أَو يبغضونه وَكَانَ يجري على مَذْهَب أهل الْأَدَب فِي الْميل إِلَى محَاسِن الشَّبَاب وَهُوَ مَشْهُور بالبخل حَتَّى كَانَ يفتخر بِهِ كَمَا يفتخر النَّاس بِالْكَرمِ وأضر قبل مَوته بِقَلِيل وَمَات فِي ثامن صفر سنة 745 خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَله شعر فَمِنْهُ
(رَاض حَبِيبِي عَارض قد بدا
…
ياحسنه من عَارض رائض)
(وضن قوم إن قلبي سلا
…
وَالْأَصْل لَا يعْتد بالعارض)
وَمن شعره
(عداي لَهُم فضل علي ومنة
…
فَلَا صرف الرَّحْمَن عَنى الأعاديا)
(هم بحثوا عَن زلتي فاجتنبتها
…
وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا)
وَمن شعره الْمشعر ببخله
(رجاؤك فلسا قد غَدا فِي حبائلي
…
قنيصاً رَجَاء للنتاج من العقم)
(أأتعب فِي تَحْصِيله وأضيعه
…
إِذا كنت معتاضا من الْبُرْء بِالسقمِ)