الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن
واستقاد في النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَله فهم قوي وذهن سوي وَحفظ الْأَدَب وَحسن المحاضرة وَقُوَّة عارضة فِي المذاكرة وعزم من صنعاء إِلَى ذي جبلة مُتَوَلِّيًا على أوقاف تِلْكَ الْجِهَة وَهُوَ الْآن هُنَالك وَلَو تفرّغ للاشتغال وَسلم عَن عوارض الإشغال لنال بفهمه السَّلِيم وفكره الْكَرِيم أَعلَى مَرَاتِب الْكَمَال وَولى ولايات وَجَرت لَهُ قصَص وحروب وَمَات في شهر رَجَب سنة 1227 سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف
السَّيِّد الْقَاسِم بن أَحْمد بن عبد الله بن الْقَاسِم بن أَحْمد بن لُقْمَان ابْن أَحْمد بن شمس الدَّين ابْن الإِمَام المهدي أَحْمد بن يحيى
وَتَمام نسبه قد تقدم في تَرْجَمَة الإِمَام المهدي ولد فِي سنة 1166 سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف بِموضع يُقَال لَهُ صَنْعَة بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُوَحدَة ثمَّ مُهْملَة وهي قَرْيَة بِقرب مَدِينَة ذمّار فِيهَا جمَاعَة من السادات آل لُقْمَان ثمَّ انْتقل صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى مَدِينَة ذمار فَقَرَأَ على جمَاعَة من مَشَايِخ الْفِقْه كالسيد الْعَلامَة أَحْمد بن علي بن سُلَيْمَان والفقيه الْعَلامَة محسن ابْن حسن الشويطر وَغَيرهمَا
وبرع في علم الْفُرُوع وَقَرَأَ هُنَالك في علم النَّحْو ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء لسَبَب اقْتضى ذَلِك فوصل إِلَيْهَا في سنة 1193 وَقَرَأَ في الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول على جمَاعَة وَأخذ عَنى في الْعَرَبيَّة وَحضر فِي دروسي الحديثية وَهُوَ مفرط الذكاء سريع الْفَهم قوي الْإِدْرَاك اسْتَفَادَ بدرايته أَكثر مِمَّا اسْتَفَادَ بروايته ونظم الشّعْر الْفَائِق وطارح بِشعرِهِ جمَاعَة من الأدباء وَاسْتقر بِصَنْعَاء وَتزَوج بهَا وأضرب عَن الْعود إِلَى وَطنه وَله همة عليه وشهامة علوِيَّة وَنَفس أَبِيه وسيادة هاشمية لَا يخضع فِي مطلب من
مطَالب الدِّينَا وَلَا يدنو لأربابها بل يكْتَفى مِنْهَا بِمَا يصل إِلَيْهِ من أَمْوَال لَهُ ورثهَا عَن أَبِيه وَقد يَنُوب في الْأَعْمَال الشَّرْعِيَّة إِذا عوّل عَلَيْهِ من يألف بِهِ من الْقُضَاة فيفصلها على أحسن أسلوب مَعَ عفة ونزاهة وَهُوَ أجل من كثير من قُضَاة الْعَصْر بل يصغر عَن عَظِيم قدره الْقَضَاء
وتحريراته في القضايا الشَّرْعِيَّة مَقْبُولَة عِنْد الْخَاص وَالْعَام مرضية عِنْد الصَّغِير وَالْكَبِير يقنع بهَا الْمَحْكُوم عَلَيْهِ كَمَا يقنع بهَا الْمَحْكُوم لَهُ وبيني وَبَينه مَوَدَّة أكيدة ومحبة قَوِيَّة وَهُوَ لَا يمل جليسه وَلَا يستوحش أنيسه لما جبل عَلَيْهِ من لطف الطَّبْع وَكَمَال الظّرْف وَقد اسْتمرّ الِاتِّصَال بيني وَبَينه زِيَادَة على خمس عشرَة سنة قلّ أَن يمضي يَوْم من الْأَيَّام لَا نَجْتَمِع فِيهِ ويجري بَيْننَا مطارحات أدبية فِي كثير من الْأَوْقَات ومراجعات علمية فى عدَّة مسَائِل مِنْهَا مَا هُوَ منظوم وَمِنْهَا مَا هُوَ منثور
فَمن ذَلِك هَذَا السُّؤَال الذي اشْتَمَل على نظم ونثر يَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب كتبه إِلَى في أَيَّام سَابِقَة وَلَفظه
حرس الله سَمَاء المفاخر بجماية بدرها الزاهى الزَّاهِر وأتحف روضها النَّاظر بكلاية غيثها الهامي الهامر وَأهْدى إِلَيْهِ تَحِيَّة عطرة وبركة خضرَة نَضرة
مَا مسحت أَقْلَام الكتبة مفارق المحابر ورتعت أنظار الطّلبَة في حدائق الدفاتر صدرت هَذِه الأبيات في غَايَة الْقُصُور أقيلوا عثارها إن كَانَ لكم عَلَيْهَا عثور تستمنح مِنْكُم الفرائد وتستمد مِنْكُم الْفَوَائِد أوجب تحريرها أَنه ذكر عِنْد بعض الأماثل جمَاعَة المتصوفة فَأثْنى عَلَيْهِم وَأَطْنَبَ وأطرى وأطرب واستشهدني فَقلت بِمُوجب قَوْله
مستثنياً مِنْهُم الحلاج وَابْن عَرَبِيّ وَمن يساويهما فأصر واستكبر وأبدا قولاً يستنكر فَجرى بَيْننَا خلاف مفرط فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط
(أعن العذول يُطيق يكتم مابه
…
والجفن يغرق فِي خليج سحابه)
(جَازَت ركايبه الْحمى فتعلقت
…
أحشاؤه بشعابه وهضابه)
(نفد الزَّمَان وَمَا نفدن مسائلي
…
في الْحبّ والتنفير عَن أربابه)
(فركضت في ميدانه وكرعت من
…
غدرانه وركعت في محرابه)
(وَسَأَلت عَن تَحْقِيقه وبحثت عَن
…
تَدْقِيقه وكشفت عَن أَسبَابه)
(فَوجدت أَخْبَار الغرام كواذباً
…
فِي أَكثر الفتيان من طلابه)
(فيميت من شهواته لِحَيَاتِهِ
…
وَيرد فضل ذَهَابه لإيابه)
(ولقلّ مَا يلقى امْرَءًا متصوفاً
…
ينحو طَرِيق الْحبّ من أبوابه)
(يجد الْخَطِيئَة كالقذاة لعَينه
…
فَرمى بهَا في الدمع عَن تسكابه)
(أَخذ الطَّرِيقَة بِالْحَقِيقَةِ سالكاً
…
نهج النبيّ قد اقْتدى بصوابه)
(تمضي بِهِ اللحظات وَهُوَ محاسب
…
للنَّفس قبل وُقُوفه لحسابه)
(هذي الطَّرِيقَة للمريد مبلغ
…
مخ التصوّف وَهِي لبّ لبابه)
(وَجَمَاعَة رقصوا على أوتارهم
…
يتجاذبون الْخمر عَن أكوابه)
(يتواجدون لكلّ أحوى أحور
…
يتعلّلون من الْهوى برضابه)
(الوحدة جعلُوا المثاني مونساً
…
واللّحن عِنْد الذكر من إعرابه)
(أَصْحَاب أَحْوَال تعدّوا طورهم
…
فتنكروا فِي الْحَال عَن أحزابه)
(زجروا مطاياهم إِلَيْهِ وَإِنَّمَا
…
نكص الغرام بهم على أعقابه)
(دعواك معرفَة الْعُيُون سفاهة
…
وَالشَّرْع قَاض والنهي بكذابه)
(فَمن الْمحَال ترى المهامه تنطوي
…
لمشعبذ من دون وخد ركابه)
(وخرافة بشر يرى متشكلاً
…
مُتَمَكنًا من لبس غير إهابه)
(رجحت نهاي فَلَا اصدق مَا سوى
…
رسل المليك وترجمان كِتَابه)
(فدع التّصوف واثقاً بِحَقِيقَة
…
واحرص وَلَا يغررك لمع سرابه)
(للْقَوْم تَعْبِير بِهِ يسبي النّهى
…
طَربا ويثني الصبّ عَن أحبابه)
(فيرون حقّ الْغَيْر غير محرم
…
بل يَزْعمُونَ بِأَنَّهُم أولى بِهِ)
(لبسو المدارع واستراحوا جرْأَة
…
عَن أَمر باريهم وَعَن إِيجَابه)
(خَرجُوا عَن الْإِسْلَام ثمَّ تمسكوا
…
بتصوّف فتستروا بحجابه)
(فَأُولَئِك الْقَوْم الَّذين جهادهم
…
فرض فَلَا يعدوك نيل ثَوَابه)
(وَإِذا أَرَابَك مَا أَقُول فسل بِهِ
…
من عِنْده فى الحكم فصل خطابه)
(عَلامَة الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول من
…
حكمت لَهُ الْعليا على أترابه)
(فذ الزَّمَان وتوأم الْمجد الذي
…
سَاد الأكابر فِي أَوَان شباب)
(بدر الْهدى النّظار سَله مُقبلا
…
كفّيه ملتمساً لرد جَوَابه)
(فمحمد بن على ابْن مُحَمَّد
…
منى ومنك مُحَقّق ادرى بِهِ)
(سَله زَكَاة الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ
…
إن صَحَّ فقرك مُحرز لنصابه)
فأجبت عَن هَذَا السُّؤَال برسالة في كراريس سميتها الصوارم الْحداد القاطعة لعلائق مقالات أَرْبَاب الِاتِّحَاد وسأذكر هَهُنَا مَا أجبْت بِهِ عَن النظم فَقَط وَهُوَ
(هَذَا العقيق فقف على أبوابه
…
متمايلاً طَربا لوصل غرابه)
(يَا طالما قد جبت كلّ تنوفةٍ
…
مغبرة ترجو لقا أربابه)
(وَقطعت أنساع الرَّوَاحِل مُعْلنا
…
في كلّ حيّ جِئْته بطلابه)
(حَتَّى غَدَتْ غُدْرَان دمعك فيضاً
…
بالسّفح في ذَا السّفح من تسكابه)
(والعمر وَهُوَ أجلّ مَا خولته
…
أنفقته فِي الدور في أدرابه)
(وعصيت فِيهِ قَول كل مُفند
…
وسددت سمعاً عَن سَماع خطابه)
(بشراي بعد الْيَأْس وَهُوَ خَطِيبه
…
بتبدّلي سهل الْهوى بصعابه)
(قد أنجح الله الذي أملته
…
وكدحت فِيهِ لنيل لبّ لبابه)
(وهجرت فِيهِ ملاعبى وَلَقِيت فِيهِ
…
متاعبي ومنيت من أوصابه)
(وشربت كاسات الْفِرَاق وَقد غَدَتْ
…
ممزوجة بزعافه وبصابه)
(وبذلت للهادي إِلَيْهِ نفائسي
…
ومنحته مني بملء وطابه)
(فحططت رحلي بَين سكان الْحمى
…
وأنخته في مخصبات شعابه)
(وشفيت نفسي بعد طول عنائها
…
في قطع حزن فلاته وهضابه)
(وَوضعت عَن عنقي عصى الترحال لَا
…
أخْشَى العذول وَلَا قَبِيح عتابه)
(فَأَنا وَلَا فَخر الْخَبِير بأرضه
…
وَأَنا العروف بشامخات عِقَابه)
(وَأَنا الْعَلِيم بِكُل مافى شَرحه
…
وَأَنا المترجم عَن خفيّ جَوَابه)
(يَا ابْن الرَّسُول وعالم الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول
…
أَنْت بِمثل ذَا أدرى بِهِ)
(لَا تسألنّ عَن العقيق فَإِنَّهَا
…
قد ذللت لَك جامحات ركابه)
(وكرعت فِي تِلْكَ المناهل بُرْهَة
…
وشربت صفو الْورْد من أربابه)
(وَقَعَدت فِي عرصاته متمايلاً
…
مُتَبَسِّمًا نشوان من إطرابه)
(واسلم وَدم أَنْت الْمعد لمعضل
…
أعنا الورى يَوْمًا بكشف نقابه)
(وَخذ الْجَواب فَمَا بِهِ خطل وَلَا
…
عصبية قدحت بِعَين صَوَابه)
(سكانه صنفان صنف قد غَدا
…
متجرداً للحبّ بَين صحابه)
(قد طلق الدُّنْيَا فَلَيْسَ بضارع
…
يَوْمًا لنيل طَعَامه وَشَرَابه)
(يمشي على سنَن الرَّسُول مفوضاً
…
لِلْأَمْرِ لَا يلوى للمع سرابه)
(يرضى بميسور من الدُّنْيَا وَلَا
…
يغتمّ عِنْد نفارها عَن بَابه
0 -
متقللاً مِنْهَا تقلل موقن
…
بدروس رونقها وَقرب ذَهَابه)
(متزهداً فِيمَا يَزُول مزايلاً
…
إدراك مَا يبْقى عَظِيم ثَوَابه)
(جعل الشعار لَهُ محبَّة ربّه
…
وثنى عنان الْحبّ عَن أحبابه)
(أكْرم بِهَذَا الصِّنْف من سكانه
…
أحبب بِهَذَا الْجِنْس من أحزابه)
(فهم الَّذين أَصَابُوا الْغَرَض الذي
…
هُوَ لامرا فِي الدَّين لبّ لبابه)
(وَلكم مَشى هذي الطَّرِيقَة صَاحب
…
لمُحَمد فَمَشَوْا على أعقابه)
(فِيهَا الغفاري قد أَنَاخَ مَطِيَّة
…
وَمَشى بهَا القرني بسبق ركابه)
(وَبهَا فُضَيْل والجنيد تجاذبا
…
كأس الْهوى وتعلّلا برضابه)
(وكذاك بشر وَابْن أدهم أَسْرعَا
…
مشياً بِهِ والكينعي مَشى بِهِ)
(أمّا الَّذين غدوا على أوتارهم
…
يتجاذبون الْخمر في أكوابه)
(ولوحدة جعلُوا المثاني مونساً
…
واللّحن عِنْد الذكر من إعرابه)
(ويرون حقّ الْغَيْر غير محرّم
…
بل يَزْعمُونَ بِأَنَّهُم أولى بِهِ)
(فهم الَّذين تلاعبوا بَين الورى
…
بِالدّينِ وانتدبوا لقصد خرابه)
(قد نهج الحلاج طرق ضلالهم
…
وكذاك محيي الدَّين لاحيا بِهِ)
(وكذاك فارضهم بتائياته
…
فرض الضلال عَلَيْهِم ودعا بِهِ)
(وَكَذَا ابْن سبعين المهين فقد عدا
…
متطورا فى جَهله ولعابه)
(رام النبؤة لالعا لعثوره
…
روم الذُّبَاب مصيره كعقابه)
(وَكَذَلِكَ الجيلي أجال جَوَاده
…
فِي ذَلِك الميدان ثمَّ سعى بِهِ)
(إنسانه إِنْسَان عين الْكفْر لَا
…
يرتاب فِيهِ سابح بعبابه)
(والتلمسانى قَالَ قد حلت لَهُ
…
كلّ الْفروج فَخذ بذا وَكفى بِهِ)
(نهقوا بوحدتهم على روس الملا
…
وَمن الْمقَال أَتَوا بِعَين كَذَا بِهِ)
(إن صَحَّ مَا نقل الْأَئِمَّة عَنْهُم
…
فالكفر ضَرْبَة لازب لصحابه)
(لاكفر في الدُّنْيَا على كلّ الورى
…
إن كَانَ هَذَا القَوْل دون نصابه)
(قد ألزمونا أن ندين بكفرهم
…
وَالْكفْر شَرّ الْخلق من يرضى بِهِ)
(فدع التعسف في التأول لَا تكن
…
كفتى يُغطي جيفة بثيابه)
(قد صَرَّحُوا أَن الذي يبغونه
…
هُوَ ظَاهر الْأَمر الَّذِي قُلْنَا بِهِ)
(هذي فتوحات الشؤم شَوَاهِد
…
أَن المُرَاد لَهُ نُصُوص كِتَابه)
(وَقد أوضحت في تِلْكَ الرسَالَة حَال كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ وأوردت نُصُوص كتبهمْ وبينت أَقْوَال الْعلمَاء في شَأْنهمْ
وَكَانَ تَحْرِير هَذَا الْجَواب فِي عنفوان الشَّبَاب وَأَنا الْآن أتوقف في حَال هَؤُلَاءِ وأتبرأ من كل مَا كَانَ من أَقْوَالهم وأفعالهم مُخَالفا لهَذِهِ الشَّرِيعَة الْبَيْضَاء الْوَاضِحَة الَّتِى لَيْلهَا كنهارها وَلم يتعبدني الله بتكفير من صَار في ظَاهر أمره من أهل الْإِسْلَام
وهب أَن المُرَاد بِمَا في كتبهمْ وَمَا نقل عَنْهُم من الْكَلِمَات المستنكرة الْمَعْنى الظَّاهِر والمدلول العربي وَأَنه قَاض على قَائِله بالْكفْر البواح والضلال الصراح فَمن أَيْن لنا أَن قَائِله لم يتب عَنهُ وَنحن لَو كُنَّا فِي عصره بل فِي مصره بل في منزله الذي يعالج فِيهِ سَكَرَات الْمَوْت لم يكن لنا إِلَى الْقطع بِعَدَمِ التَّوْبَة سَبِيل لِأَنَّهَا تقع من العَبْد بِمُجَرَّد عقد الْقلب مالم يُغَرْغر بِالْمَوْتِ فَكيف وبيننا وَبينهمْ من السنين عدَّة مئين
وَلَا يَصح الِاعْتِرَاض على هَذَا بالكفار فَيُقَال هَذَا التجويز مُمكن في الْكفَّار على اخْتِلَاف أنواعهم لأَنا نقُول فرق بَين من أَصله الْإِسْلَام وَمن أَصله الْكفْر فَإِن الْحمل على الأَصْل مَعَ اللّبْس هُوَ الْوَاجِب لاسيما وَالْخُرُوج من الْكفْر إِلَى الْإِسْلَام لَا يكون إِلَّا بأقوال وأفعال لَا بِمُجَرَّد عقد الْقلب والتوجه بِالنِّيَّةِ المشتملين على النَّدَم والعزم على عدم المعاودة فَإِن ذَلِك يكفي في التَّوْبَة وَلَا يكفي في مصير
الْكَافِر مُسلما وَأَيْضًا فرق بَين كفر التَّأْوِيل وَكفر التَّصْرِيح على أَنى لَا أثبت كفر التَّأْوِيل كَمَا حققته في غير هَذَا الموطن وَفِي هَذِه الْإِشَارَة كِفَايَة لمن لَهُ هِدَايَة وفي ذنوبنا الَّتِى قد اثقلت ظُهُورنَا لقلوبنا أعظم شغلة وطوبى لمن شغلته عيوبه وَمن حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَالا يعنيه فالراحلة الَّتِى قد حملت مَالا تكَاد تنوء بِهِ إِذا وضع عَلَيْهَا زِيَادَة عَلَيْهِ انْقَطع ظهرهَا وَقَعَدت على الطَّرِيق قبل وُصُول الْمنزل وَبلا شك أَن التوئب على ثلب أَعْرَاض الْمَشْكُوك فِي إسلامهم فضلاً عَن الْمَقْطُوع بِإِسْلَامِهِمْ جَرَاءَة غير محمودة فَرُبمَا كذب الظَّن وَبَطل الحَدِيث وتقشعت سحائب الشكوك وتجلت ظلمات الظنون وطاحت الدقائق وحقت الْحَقَائِق وَأَن يَوْمًا يفرّ الْمَرْء من أَبِيه ويشح بِمَا مَعَه من الْحَسَنَات على أحبابه وَذَوِيهِ لحقيق بِأَن يحافظ فِيهِ على الْحَسَنَات وَلَا يَدعهَا يَوْم الْقِيَامَة نهباً بَين قوم قد صَارُوا تَحت أطباق الثرى قبل أَن يخرج إِلَى هَذَا الْعَالم بدهور وَهُوَ غير مَحْمُود على ذَلِك وَلَا مأجور فَهَذَا مَالا يَفْعَله بِنَفسِهِ الْعَاقِل
وَأَشد من ذَلِك أَن ينثر جراب طاعاته وينثل كنَانَة حَسَنَاته على أعدائه غير مشكور بل مقهور وَهَكَذَا يفعل عِنْد الْحُضُور لِلْحسابِ بَين يدي الْجَبَّار بالمغتابين والنمامين والهمازين واللمازين فَإِنَّهُ قد علم بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّة أَن مظْلمَة الْعرض كمظلمة المَال وَالدَّم وَمُجَرَّد التَّفَاوُت فِي مِقْدَار الْمظْلمَة لَا يُوجب عدم انصاف ذَلِك الشئ المتفاوت أَو بعضه بِكَوْنِهِ مظْلمَة فَكل وَاحِدَة من هَذِه الثَّلَاث مظْلمَة لآدمي وكل مظْلمَة لآدمى لَا تسْقط الا بعفوه ومالم يعف عَنهُ بَاقٍ على فَاعله يوافي عرصات الْقِيَامَة فَقل لي كَيفَ يَرْجُو من ظلم مَيتا بثلب عرضه أَن يعْفُو عَنهُ وَمن ذَاك الذي يعْفُو فِي هَذَا الْموقف وَهُوَ أحْوج
مَا كَانَ إِلَى مَا يَقِيه عَن النَّار وَإِذا الْتبس عَلَيْك هَذَا فَانْظُر مَا تَجدهُ من الطباع البشرية في هَذِه الدَّار فَإِنَّهُ لَو ألْقى الْوَاحِد من هَذَا النَّوْع الإنساني إِلَى نَار من نيار هَذِه الدُّنْيَا وَأمكنهُ أَن يتّقيها بِأَبِيهِ أَو بِأمة أَو بِابْنِهِ أَو بحبيبه لفعل فَكيف بِنَار الْآخِرَة الَّتِى لَيست نَار هَذِه الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا شَيْئا وَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة قَالَ بعض من نظر بِعَين الْحَقِيقَة لَو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أَبى وأمي لِأَنَّهُمَا أَحَق بحسناتي الَّتِى تُؤْخَذ مني قسراً وَمَا أحسن هَذَا الْكَلَام
وَلَا ريب أَن أَشد أَنْوَاع الْغَيْبَة وأضرّها وأشرّها وأكثرها بلَاء وعقاباً مَا بلغ مِنْهَا إِلَى حد التَّكْفِير واللعن فَإِنَّهُ قد صَحَّ أَن تَكْفِير الْمُؤمن كفر ولعنه رَاجع على فَاعله وسبابه فسق وَهَذِه عُقُوبَة من جِهَة الله سُبْحَانَهُ وَأما من وَقع لَهُ التَّكْفِير واللعن والسب فمظلمة بَاقِيَة على ظهر الْمُكَفّر واللاّعن والسباب فَانْظُر كَيفَ صَار الْمُكَفّر كَافِرًا واللاعن ملعوناً والسباب فَاسِقًا وَلم يكن ذَلِك حد عُقُوبَته بل غَرِيمه ينْتَظر بعرصات الْمَحْشَر ليَأْخُذ من حَسَنَاته أَو يضع عَلَيْهِ من سيئاته بِمِقْدَار تِلْكَ الْمظْلمَة وَمَعَ ذَلِك فَلَا بُد من شئ غير ذَلِك وَهُوَ الْعقُوبَة على مُخَالفَة النهي لِأَن الله قد نهى فِي كِتَابه وعَلى لِسَان وَرَسُوله عَن الْغَيْبَة بِجَمِيعِ أقسامها ومخالف النَّهْي فَاعل محرم وفاعل الْمحرم معاقب عَلَيْهِ وَهَذَا عَارض من القَوْل جرى بِهِ الْقَلَم ثمَّ أحجم عَن الْكَلَام سَائِلًا من الله حسن الختام رَاجعا إِلَى كَمَال تَرْجَمَة ذَلِك السَّيِّد الْهمام فَنَقُول صَاحب التَّرْجَمَة حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف مُسْتَمر على تِلْكَ الْخِصَال الجميلة والمناقب الجليلة قَانِع بميسور من الْعَيْش مُؤثر للخمول الذي هُوَ الرَّاحَة وَالنعْمَة المجهولة زَاده الله من أفضاله وأنجح لَهُ مَا يرجوه من آماله وَتوفى رَحمَه الله