المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا النحو عند أبي العلاء: - شرحا أبي العلاء والخطيب التبريزي على ديوان أبي تمام دراسة نحوية صرفية

[إيهاب سلامة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: نبذة عن شعر أبي تمام وديوانه وشراحه

- ‌المبحث الثاني: ترجمة أبي تمام

- ‌(1) اسمه ولقبه ومولده:

- ‌(2) مكانته وشعره:

- ‌(3) مذهبه في الشعر:

- ‌(4) مؤلفاته:

- ‌(5) وفاته:

- ‌المبحث الثالث: ترجمة أبي العلاء

- ‌(1) اسمه ومولده ومنشؤه:

- ‌(2) مكانته وفضله:

- ‌(3) ثقافته وعلمه:

- ‌(أ) إجادته للغة:

- ‌(ب) ثقافته الموسوعية:

- ‌(4) رواية أبي العلاء للقراءات والحديث:

- ‌(5) إلمام أبي العلاء بشعر أبي تمام:

- ‌(6) تلاميذه ومؤلفاته:

- ‌(7) وفاته:

- ‌المبحث الرابع: ترجمة التبريزي

- ‌(1) مولده ومنشؤه وطلبه العلم:

- ‌(2) رحلته إلي أبي العلاء:

- ‌(3) علمه وفضله:

- ‌(4) إلمام التبريزي بشعر أبي تمام:

- ‌(5) مؤلفاته:

- ‌(6) تلامذة التبريزي:

- ‌(7) وفاته:

- ‌الباب الأولشرحا أبي العلاء والتبريزي دراسة نحوية صرفية

- ‌الفصل الأولالأصول النحوية عند أبي العلاء والتبريزي

- ‌تمهيد: النحو عند أبي العلاء والتبريزي

- ‌أولا النحو عند أبي العلاء:

- ‌ثانيا النحو عند التبريزي:

- ‌المبحث الأولنبذة مختصرة عن المدارس النحوية ومناهجها والأصول النحوية

- ‌ المدرسة البصرية

- ‌المدرسة الكوفية:

- ‌المدرسة البغدادية:

- ‌الأصول النحوية:

- ‌المبحث الثانيالأصول النحوية عند أبي العلاء

- ‌السماع:

- ‌القياس:

- ‌الإجماع عند أبي العلاء:

- ‌نظرية العامل عند أبي العلاء:

- ‌المذهب النحوي لأبي العلاء:

- ‌المبحث الثالث: الأصول النحوية عند التبريزي

- ‌أولا السماع:

- ‌ثانيا القياس عند التبريزي:

- ‌المبحث الرابع: الأصول النحوية بين أبي العلاء والتبريزي

- ‌الفصل الثانيالدراسة الصرفية والنحوية لشرحي أبي العلاء والتبريزي

- ‌المبحث الأولالدراسة الصرفية لشرح أبي العلاء

- ‌المبحث الثاني: الدراسة الصرفية لشرح التبريزي

- ‌ المجموعة الأولى:دراسة المادة الصرفية المتعلقة بالبنى الصرفية عند التبريزي:

- ‌ المجموعة الثانية: دراسة كل ما هومتعلق بالحرف صوتا وإعلالا وإبدلا وغيره

- ‌المبحث الثالث:دراسة المادة النحوية في شرح أبي العلاء

- ‌[أ] دراسة المادة النحوبة المتعلقة بالمنصوبات:

- ‌[ب] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجرورات:

- ‌[ج] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالتوابع:

- ‌[د] ملحوظات نحوية عند أبي العلاء:

- ‌المبحث الرابع:دراسة المادة النحوية في شرح التبريزي

- ‌[أ] دراسة المادة النحوبة المتعلقة بالمنصوبات:

- ‌[ب] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجرورات:

- ‌[ج] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالتوابع:

- ‌[د] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجزومات:

- ‌المبحث الخامس:الموازنة بين المادة الصرفية والنحوية عند أبي العلاء والتبريزي

- ‌ الملحوظة الأولى:

- ‌ الملحوظة الثانية:

- ‌ الملحوظة الثالثة:

- ‌الفصل الثالثنظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي

- ‌المبحث الأول: التعريف بعلم النص

- ‌المبحث الثاني: وسائل التماسك النصي

- ‌المبحث الثالث: نظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي

- ‌الباب الثانيمنهجا أبي العلاء والتبريزي في شرح ديوان أبي تمام

- ‌تمهيد: أهمية الحديث عن المنهج والوقوف على مناهج العلماء

- ‌تحرير مصطلح ((منهج)) المستخدم في هذا الباب

- ‌الفصل الأولمنهج أبي العلاء في شرح ديوان أبي تمام

- ‌ العنصر الأول من عناصر المنهج ((توثيق الرواية)):

- ‌ العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره:

- ‌ العنصر الرابع من عناصر المنهج عند أبي العلاء: توظيف خصائص الصنعة الشعرية:

- ‌ العنصر الخامس من عناصر المنهج: تأويل البيت كل التأويلات الممكنة في غياب القرينة المحددة لمعنى معين:

- ‌ العنصر السادس من عناصر المنهج: الاهتمام بالجوانب الدلالية للكلمة المشروحة:

- ‌ العنصر السابع من عناصر المنهج عند أبي العلاء: الشرح بالإعراب:

- ‌ العنصر الثامن من عناصر المنهج عند أبي العلاء: دعم الشرح وتأييده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشعر والأمثال العربية وأقوال الأدباء:

- ‌الفصل الثانيمنهج التبريزي في شرح ديوان أبي تمام

- ‌1) العنصر الأول من عناصر المنهج: توثيق الرواية:

- ‌2) العنصر الثاني من عناصر المنهج: توظيف القرائن:

- ‌3) العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان:

- ‌4 ـ العنصر الرابع من عناصر المنهج: الاعتماد على الاستعمال اللغوي (أوالكلامي) للألفاظ

- ‌5) العنصر الخامس من عناصر المنهج: الاهتمام الدلالي بالكلمة:

- ‌6) العنصر السادس من عناصر المنهج: الحرص على ذكر غرض القصيدة وسبب قولها قبل الشروع في شرحها:

- ‌7) العنصر السابع من عناصر المنهج: الحرص على ذكر بحر ووزن القصيدة ولقب القافية:

- ‌8) العنصر الثامن من عناصر المنهج: دعم الشرح بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبالأبيات الشعرية، والأمثال:

- ‌الفصل الثالث:منهجا أبي العلاء والتبريزي: العلاقات الداخلية والخارجية

- ‌ المبحث الأول: مقارنة بين منهجي أبي العلاء والتبريزي

- ‌ المبحث الثاني:أوجه التشابه بين منهجي أبي العلاء والتبريزي وبين منهج مفسري القرآن الكريم

- ‌ المبحث الثالث:بين منهج أبي العلاء والتبريزي والمناهج الأدبية المعاصرة

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

- ‌أولا ـ المراجع العربية

- ‌ثانيا المراجع الأجنبية

- ‌ملخص الرسالة

الفصل: ‌أولا النحو عند أبي العلاء:

‌تمهيد: النحو عند أبي العلاء والتبريزي

‌أولا النحو عند أبي العلاء:

كان لأبي العلاء قدم راسخة في اللغة والنحو، فعلى مستوى اللغة كان عالما بـ ((أصولها وأسرارها، تفرد بأشياء لم يسبق إليها لغوي من القدامى، وأمسك من اللغة بنصيب كبير)) (1). ولا يُعرف ((عالم من علماء اللغة العربية منذ العصور الأولى لتدوينها أتى بمثل ما أتى به أبو العلاء، فقد أحاط بمادة اللغة وصرفها في جميع شئونه وأغراضه الفنية، واستعملها أحسن استعمال، فيما أملى من كتبه العلمية والأدبية والدينية: شعرًا ونثرًا)) (2)، وصفه تلميذه التبريزي بقوله:((ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري)) (3). هذا التمكن دفع د. طه حسين أن يقول عنه:

((ما أعرف أحدًا وعى اللغة العربية كما وعاها أبو العلاء، وما أعرف أن أحدًا صرف هذه اللغة في أغراضه وحاجاته الفنيه كما صرفها أبو العلاء)) (4).

وعندما جلس للتدريس في داره استحالت إلى ((مدرسة يؤمها الطلاب الكثيرون من أبعد الأقطار الإسلامية (

) كلهم يطلب عنده العلم والأدب، ويلتمس منه المعرفة والفقة بأصول اللغة)) (5).

(1) د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 5، بدون بيانات أخرى.

(2)

د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 3، المكتبة الثقافية 405، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م

(3)

د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 5

(4)

نقلا عن د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 156

(5)

د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 65/ 66

ص: 63

أما على مستوى النحو فقد كان ((نحويًّا ذا رأي، وعروضيا صاحب حس مرهف، وصرفيا مجيدًا لعلم الصرف)) (1). وصفه ابن القارح في رسالته بأنه

((أعلم بالنحو من سيبويه وباللغة والعروض من الخليل)) (2).

وعلاقة أبي العلاء بالنحو تبدأ منذ النشأة الأولى إذ ((تلقى علوم اللغة والنحو بمعرة النعمان، على أبيه، وعلى أبي بكر بن مسعود النحوي، وجماعة من أصحاب ابن خالوية. وكان الذي ظهر من ذكائه ونجابته، قد أغرى أباه بأن يمضي به إلى حلب ـ وفيها أخواله ـ حيث تلقى النحو على محمد بن عبد الله بن سعد النحوي)) (3). فأقارب أبي العلاء هم ((بنو كوثر الأدباء النحويون وهم من أصحاب ابن خالويه الإمام النحوي ومن طبقته)) (4).

وكان الزجاجي من أئمة النحاة وقصد الشام ((وترك مدرسة وتلاميذ يدرسون كتاب ((الجمل)) فدرسه أبو العلاء)) (5). وكذلك كان بالشام كتاب في النحو مختصر يسمى ((الكافي)) ألفه الشيخ أحمد بن محمد المرادي ((نقل تلاميذه كتابه إلى الشام فكان مما يدرس بها، ولقيه أبو العلاء وقرأه أيضًا)) (6). وعندما استوى علم أبي العلاء بالنحو على سوقه وجلس للتدريس، وضع شروحًا ومؤلفات كثيرة في النحو منها (7):

11.

كتاب إسعاف الصديق، يتعلق بكتاب الزجاجي المعروف بـ ((الجمل)).

12.

كتاب التصريف، ذكره ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة واللغويين.

13.

كتاب تعليق الجليس، وهو مما يتصل بكتاب ((الجمل))، للزجاجي.

(1) د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 5

(2)

نقلا عن د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 5

(3)

أبو العلاء المعري: د. عائشة عبد الرحمن، ص 36

(4)

د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص23

(5)

د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 32

(6)

د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 32

(7)

ينظر المصدر السابق، ص 82 وما بعدها.

ص: 64

14.

كتاب تفسير أمثلة سيبويه وغريبها.

15.

جامع الأوزان، وهو كتاب يعم الأوزان الخمسة عشر التي ذكرها الخليل بجميع ضروبها، ويذكر قوافي كل ضرب من ذلك وبه تسعة آلاف بيت.

16.

كتاب الحقير النافع، مختصر في النحو مقداره خمس كراريس.

17.

شرح كتاب سيبويه. لم يتمه.

18.

ظهير العضدي، كتاب في النحو يتصل بالكتاب المعروف بـ ((العضدي)).

19.

كتاب عون الجمل، يتصل بكتاب الزجاجي.

20.

كتاب غريب ما في جامع الأوزان والقوافي.

21.

مثقال النظم في العروض، جزء ذكره ياقوت والسيوطي وابن العديم.

22.

المختصر الفتحي، يتصل بكتاب محمد بن سعدان الكوفي النحوي.

وعلى الرغم من كل هذه المؤلفات والشروح النحوية إلا أنه من ((اللافت للنظر أن كل كتب أبي العلاء التي وصلتنا ليست نحوية، ولا تمت إلى النحو بسبب، فهي كتب أدبية ورسائل شخصية، باستثناء رسالة الملائكة فقد حشد فيها كثيرًا من قضايا الصرف. ومع أن هذه الرسائل كما قلت أدبية وبعضها رسائل شخصية، إلا أن أبا العلاء ((شحن)) هذه الرسائل بنظرات نفاذة وآراء نحوية غاية في البراعة. وإنك لتعجب كيف أدار هذه الحوارات النحوية في كتب ليست نحوية. ولا تتحمل قضايا النحو ودقائقه، ولكنه نجح في تقديمها من خلال نادرة تروى أو طرفة تحكي وبأسلوب رائق جذاب)) (1).

وإذا تركنا الحديث عن مكانة أبي العلاء النحوية واللغوية واتجهنا إلى الحديث عن تأثره بغيره من النحاة نجد بعض الباحثين يحدثنا أنه كانت ((في حلب آثار مدرسة

(1) د. محمد عبد المجيد الطويل: مشكلات نحوية، ص177، ط1، 2002، مكتبة زهراء الشرق.

ص: 65

نحوية عظيمة أسسها ابن خالويه سنة 370هـ، وابن جني سنة 392هـ وقد تأثر أبو العلاء بهذه المدرسة في البحث، وإن لم يلقَ أحدًا من أئمتها)) (1).

أما ابن خالويه فقد أحبه أبو العلاء ومدحه، وفي هذا يقول د. الطويل: ((نقد أبو العلاء سيبويه، ونقد لغته وشواهده وخالفه في بعض الآراء (

) هذا ولم نجد أبا العلاء مدح أحدًا من النحاة إلا ابن خالويه، فقد ذكره مرتين وتأسف عليه)) (2).

أما تأثره بابن جني فهو أمر واضح جلي، ويمكن أن نحصر هذا التأثر في النقاط التالية:

(أ) الاحتفاء بالقياس:

كان احتفاء ابن جني بالقياس عظيما، ((وكان مثل أستاذه يعنى بالقياس عناية شديدة، حتى ليمكن أن يقال إن كتابه الخصائص إنما هو مجموعة كبيرة من الأقيسة السديدة)) (3). وهو في خصائصه يحدثنا ((أن مسألة واحدة من القياس أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون الناس)) (4). ويقول أيضًا في باب ((تعارض السماع والقياس)): ((إذا تعارضا نطقت بالمسموع على ما جاء عليه، ولم تقسه في غيره؛ وذلك نحو قول الله تعالى: چ ? ? ? چ، فهذا ليس بقياس؛ لكنه لا بد من قبوله؛ لأنك إنما تنطق بلغتهم، وتحتذي في جميع ذلك أمثلتهم. ثم إنك من بعد لا تقيس عليه غيره)) (5). ولا نستطيع أن نغفل أنه صاحب المقولة الشهيرة ((أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب)) (6).

(1) أ/ إبراهيم مصطفى: أبو العلاء وعلم النحو، ص 365، المهرجان الألفي، نقلا عن: د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري ص36

(2)

د. محمد عبد المجيد الطويل: مشكلات نحوية، ص177

(3)

د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 276

(4)

الخصائص: 2/ 88

(5)

الخصائص: 1/ 117

(6)

الخصائص: 1/ 357

ص: 66

ونجد هذا الاحتفاء بالقياس واضحًا عند أبي العلاء، فهو يقيس ما لم يستعمل على ما استعمل من كلام العرب، وفي ذلك يقول: ((

ولا أمنع أن يجيء الفعل على ((فَعْلَن)) وإن كان المتقدمون لم يذكروه؛ لأن الاسم إذا جاء على ذلك، وجب أن يجيء عليه الفعل، إذا كان الاسم أصلا، والفرع متفرع منه، وقد قالوا: ناقة رَعْشن، وهي من الارتعاش وامرأة خلبن وهي من الخلابة)) (1). وقال:((القياس لا ينكسر)) (2). وورد في شرحه على ديوان أبي تمام قوله: ((.. ((أغاض)): قليلة في الاستعمال؛ وإنما يقال: غاض الماءُ وغاضه غيره، ويجوز أن يكون الطائي سمع أغاض في شعر قديم، وإن لم يكن قد سُمِع فالقياس يطلقه)) (3).

فالبناء على المطرد هو عماد القياس عند أبي العلاء؛ لذلك أباح المعري ((توليد ألفاظ جديدة لم تعرفها العربية استجابة لضرورة التعبير)) (4).

(ب) عدم التقيد بمذهب معين:

الوجه الثاني من وجوه تأثر أبي العلاء بابن جني عدم التقيد بمذهب معين، فابن جني ((كان يقيم مذهبه النحوي والصرفي على الانتخاب من المذهبين البصري

والكوفي وما انثبق عنهما من المذهب البغدادي عند أوائل البغداديين)) (5).

فهو ((بغدادي من طراز آخر، طراز أستاذه أبي علي الفارسي والزجاجي، طراز كان ينزع إلى البصريين، وهو الطراز الذي عم وساد منذ النصف الثاني من القرن

(1) رسالة الملائكة: ص236،تحقيق محمد سليم الجندي، دار صادر بيروت،1412هـ، 1992م

(2)

الفصول والغايات: 245

(3)

يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 46ب9].

(4)

د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 89

(5)

د. شوقي ضيف: المدارس النحوية 272

ص: 67

الرابع الهجري، وكان هو وأستاذه من أهم الأسباب في شيوعه، إذ كانا ينتخبان من المذهبين البصري والكوفي مع نزعة شديدة إلى البصريين)) (1).

وقد حذا أبو العلاء حذو ابن جني، فلم ينص على انتمائه لمذهب معين، أو اتباعه لنحوي ما، بل إن القارئ ((لتراثه يعجب من كثرة نقده للنحاة، وشدة مناقشته لهم، كما أنه لا يفرق في نقده هذا ومناقشته تلك بين نحاة البصرة والكوفة)) (2).

كما أننا نلمح ((اجتهاده في كثير من المسائل، واعتداده برأيه في الكثير من القضايا التي يعرض لها وإن كانت مخالفة لرأي كثير من النحاة. وهذا أحد مظاهر الإبداع النحوي عنه)) (3).

وسنزيد الأمر وضوحا بالتفصيل عند حديثنا عن المذهب النحوي عند أبي العلاء في هذا الفصل.

(ج) دورانه مع الدليل:

كان كلا الرجلين من المجتهدين، يجتهد كل واحد منهما ما وسعه الاجتهاد. فابن جني من الذين يؤمنون بـ ((فتح الأبواب على مصاريعها للاجتهاد ومخالفة البصريين والكوفيين بقدر ما يؤديها النظر وتسعفهما الحجة)) (4).

وعلى نهجه سار أبو العلاء، فلم يكن يخالف عن هوى لمجرد المخالفة، بل مخالفته تستند إلى دليل. يقول أبو العلاء:((ولا أمنع أن يخالف الأول مخالف إذا أقام الحجة وأبان الدليل)) (5).

(د) التأثر بالمنهج الاعتزالي:

(1) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية 268

(2)

د. محمد عبد المجيد الطويل: مشكلات نحوية، ص164

(3)

د. محمد عبد المجيد الطويل: مشكلات نحوية، ص164

(4)

د. شوقي ضيف: المدارس النحوية 268

(5)

رسالة الملائكة: ص255

ص: 68

المعتزلة من الفرق الإسلامية التي اعتمدت على العقل اعتمادًا كبيرًا، ولا يجادل أحد في ذلك ولا يماري، وحتي عندما انقسمت إلى مدرستين: مدرسة البصرة، ومدرسة بغداد ظل ((الاعتماد على العقل في تفسير النصوص الشرعية قاسمًا مشتركًا بين المدرستين)) (1). بل إنهم في بعض الأحيان ((اعتبروا العقل قبل الشرع)) (2).

وساند العقلَ عندهم في تأويل القرآن والحديث المروي ((اللغةُ))،فقد حظيت اللغة ((بجانب عظيم من اهتمام المعتزلة، وأخضعوها إلى حد كبير لمنهجهم العقلي)) (3). وأبو الفتح عثمان ابن جني أحد الذين اعتنقوا الفكر الاعتزالي، ومثل كثيرًا من آرائه (4).

وهنا نتساءل: هل تأثر أبو العلاء بهذا الفكر الاعتزالي الذي نقل إليه من خلال آراء ابن جني؟

والإجابة بالإثبات، من جانبين: جانب تاريخي، وجانب عملي.

أما الجانب التاريخي، فأبو العلاء لم يقم برحلة خارج بلدته إلا إلى بغداد، التى كانت ((في القرن الرابع الهجري موئل العلم، ومثابة العلماء، وملتقى الكتاب والشعراء والأدباء، فيها غنيت ساحات الخلفاء والملوك والرؤساء بفنون المناظرة والمساجلة والجدل، وعمرت المكتبات بألوف الكتب المؤلفة والمترجمة، المطولة

(1) الموسوعة الإسلامية العامة: المعتزلة، د. السيد محمد الشاهد، ص 1319، وزارة الأوقاف، القاهرة 1424هـ، 2003م

(2)

موقف المعتزلة من تفسير القرآن والأحاديث المروية، د. مصطفى الصاوي الجويني، مقال بمجلة العربي ع 122، ص138

(3)

المصدر السابق، ص 140

(4)

د. محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي، ص64، ط1، دار الشروق 1991م، ومن الآراء التي تأثر بها ابن جني ما نقله السيوطي في المزهر1/ 10 في قوله:((وقال ابن جني في الخصائص ـ وكان هو وشيخه أبو على الفارسي مُعْتَزِلِيَّيْن: باب القول على أصل اللغة، إلهام هي أم اصطلاح؟ هذا موضع مُحْوِج إلى فضل تأمُّل، غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة، إنما هو تواضع واصطلاح، لا وحي ولا توقيف)).

ص: 69

والمختصرة؛ وغصت دور العلماء وحلقات الدروس بطلاب العلم والمعرفة من شتى الجهات)) (1).

ونجد أبا العلاء يمدح الشريف المرتَضى ـ المعروف بالاعتزال ـ وأخاه في ديوانه سقط الزند (2) فيقول:

رُزِقا العَلاءَ فأهْلُ نَجدٍ كُلّما

نَطَقا الفَصاحَةَ مثلُ أهلِ دِياف

ساوَى الرّضيُّ المُرْتَضى وتَقاسَما

خِطَطَ العُلى بتَناصُفٍ وتَصاف

[بحر الكامل]

أما من الجانب العملي، فمن خلال دراسة الباحث لشرح أبي العلاء ثبت أن أبا العلاء تأثر بالمنهج العقلي واللغوي للمعتزلة عند تفسير النصوص اللغوية.

فالجانب العقلي عند أبي العلاء تمثل في الاعتماد على ((القرائن)) بنوعيها اللغوي وغير اللغوي (3). وهو المنهج الذي نلمح شبهًا مماثلا له عند أحد أعلام المعتزلة الجاحظ (255هـ) في بعض أقواله، التي منها:((وقال آخرون في قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? چ [الإنسان:18] قالوا: أخطأ من وصل بعض هذه الكلمة ببعض. قالوا: وإنما هي: سل سبيلا إليها يا محمد. فإن كان قالوا فأين معنى تسمى، وعلى أي شيء وقع قوله تسمى فتسمى ماذا، وما ذلك الشيء؟)) (4).

أما الجانب اللغوي فنجد منهج المعتزلة في تفسير الكلام واضحا في قول المرتَضى (5): ((وليس يجب أن يستبعد حملُ الكلام على بعض ما يحتمله إذا كان له

(1) مقدمة أمالي المرتضي، غرر الفوائد ودرر القلائد، للشريف المرتضي علي بن الحسين الموسوي العلوي، ص 3، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، 1954 م دار إحياء الكتب العربية

(2)

سقط الزند: ص 35، دار صادر بيروت، 1957م

(3)

ينظر الباب الثاني، الفصل الأول: منهج أبي العلاء، القرائن.

(4)

الحيوان: 1/ 344، تحقيق عبد السلام هارون، طبعة الحلبي، ط2

(5)

الشريف المرتَضى (355 ـ 436هـ، 966 ـ1044م) أحد الأئمة في علم الكلام والأدب والشعر، يقول بالاعتزال. مولده ووفاته ببغداد.، الأعلام للزركلي:4/ 278

ص: 70

شاهد من اللغة وكلام العرب؛ لأن الواجب على من يتعاطى تفسير غريب الكلام والشعر أن يذكر كل ما يحتمله الكلام من وجوه المعاني)) (1). وهذا عين ما كان يفعله أبو العلاء، فقد اعتمد على الخصائص النحوية والصرفية للغة، واعتمد على الشعر والقرآن في تفسير ديوان أبي تمام، وعند تأويله للبيت أو للفظة يذكر كل المعاني الممكنة في حالة عدم وجود قرينة تمنع من إيرادها (2).

ولا ينبغي أن نغفل ونحن في معرض الحديث عن علاقة أبي العلاء بالنحو دعوته إلى إصلاحه، تلك الدعوة التي تتمثل في ((ثورته العارمة على مبدأ التأويل والتقدير فلم يكن هناك ما يغيظه أكثر مما كان يقرؤه ويسمعه من تأويلات النحاة وتكلفاتهم، وتخريجهم بعض الأبيات على غير حقيقتها للاستشهاد بها على آرائهم الخاصة. وكثير من نقده ينصب على هذه الجوانب من نحو النحاة. وقد سدد المعري معظم سهامه إلى نحاة البصرة الذين أكثروا من التأويل والتقدير، وتعسفوا غاية التعسف في تخريج كثير من الشواهد لتستقيم مع أصول مذهبهم)) (3).

وأبو العلاء في دعوته الإصلاحية كان يراعي المقاصد الحديثة التي تَجِدُّ في

عصره، حتى وإن خالفت آراء متقدمي النحاة، نلمح هذا عند قول أبي تمام:

غَدَوتُ بِهِم أَمَدَّ ذَوِيَّ ظِلًّا

وَأَكثَرَ مَن وَرائي ماءَ وادِ [بحر الوافر]

((كان أبوالفتح عثمان بن جني يذهب إلى أن ((أكثر)) في هذا البيت غير مضاف إلى ((من))، ويجعل موضع ((من)) نصبا بفعل مُضمر، وإنما فر من أن يضيف ((أكثر)) إلى ((من))؛ لأن موضوع النحويين المتقدمين أن ((أفعل)) لا يُضاف إلا إلى ما هو بعضه، كقولك فلان أفضلُ الناس، وحسن ذلك لأنه بعضهم، ولوقيل العقاب أشد الناس لاستحال؛ لأن العُقاب ليست من الناس، ولهذا أحالوا قول من يقول: فلان أفضل إخوته؛ لأنه ليس منهم، إنما ينبغي أن يقال: فلان أفضل بني أبيه، وهذا

(1) أمالي المرتضي، غرر الفوائد ودرر القلائد، ص 18/ 19

(2)

ينظر الباب الثاني: الفصل الأول.

(3)

د. أحمد مختار عمر: البحث اللغوي عند العرب، ص 146

ص: 71