الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الأصول النحوية عند التبريزي
أولا السماع:
أول ما يلفت نظر الباحث أن التبريزي كان مولعا باستخدام كلمة ((يُقَال)) التي كانت تتكرر مع كل بيت يشرحه من ديوان أبي تمام، بل أحيانا تتكرر في شرح البيت الواحد مرتين وثلاث مرات. فهويشرح البيت ثم يؤيده بما ((يُقَال)) في القرآن أوقراءاته أوفي الشعر (1) أوالأمثال أوالكلام المتمثل في اللغة الفصيحة القديمة أوالحديثة، بل كانت كلمة ((يُقَال)) تتناول وتطول اللغة العامية عند العوام (2).
(1) كان يحلو للتبريزي أن يسمي الشعر قبل الإسلام ((الشعر القديم)) [يُنْظَرُ 4/ 39ب6، 2/ 32 ـ 33 ب2]، و ((الشعر الأول)) [يُنْظَرُ 2/ 455ب2].
(2)
تراجع جزئية: ((اللغة عند التبريزي))،ونشير إلى أن التبريزي اضطر إلى اللجوء إلى لغة العوام لتوضيح بعض أبيات أبي تمام التي استخدم فيها أبوتمام نفسه كلمات عامية، ومثال ذلك:
قال التبريزي عند قول أبي تمام:
لَم يُسَوَّد وَجهُ الوِصالِ بِوَسمٍ ال
…
حُبِّ حَتّى تَكَشخَنَ العُشّاقُ [بحر الخفيف]
((تَكَشخَنَ: كلمة عامية لا تعرفها العرب، وإذا حملت على القياس فالصواب ((تكشخ))؛ لأنك إذا بنيتَ ((تَفَعَّل)) من سكران فالوجه أن تقول ((تَسَكَّر)) وأما مثل ((تَسَكْرن)) من السكران،
و ((تعطشن)) من العطشان ـ فمعدوم قليل)) [ينظر:4/ 405 ـ 406ب6].
وفي بعض الأحيان نجد التبريزي يقبل ما يستخدم فيها ويجيزه، ومثال ذلك قوله عند بيت أبي تمام:
مِن كُلِّ ضاحِكَةِ التَّرائِبِ أُرهِفَت
…
إِرهافَ خوطِ البانَةِ المَيّاسِ [بحر الكامل]
((في النسخ ((ضاحكة الترائب))، وراية أبي العلاء:((ضاحكة الشمائل))
…
والنحويون يذهبون إلى أن ((شِمالا)) يكون واحدًا وجمعا، والعامة يقولون:((فلان حسن الشمائل))؛ يريدون به ((حسن الخلق والقد))، والاشتقاق يجيز ذلك)). [2/ 243ب5].
وهنا نشير إلى أن الفترة الزمنية التي تتحرك فيها كلمة ((يُقَال)) تشمل الفترة الزمنية قبل الإسلام وبعده حتى عصره. وكان التبريزي لا يجد حرجا أن تكون اللغة حتى عصره، وعلى كافة مستوياتها الفصيحة موضع استخدام عنده (1).
وتردد هذه الكلمة اللافت للنظر عند التبريزي يدل دلالة واضحة على تقيد التبريزي بـ ((السماع))، والاعتماد عليه بشدة في شرح الديوان. بل إننا نجد في أقواله ما يشير صراحة وضمنا لتفضيله ((السماع)) على ((القياس))، وهو بذلك يكون مخالفا لأستاذه أبي العلاء:
ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام:
وَبَيَّتَّ البَياتَ بِعَقدِ جَأشٍ
…
أَشَدَّ قُوًى مِنَ الحَجَرِ الصَّلودِ [بحر الوافر]
((
…
ومن روى: ((أَمَرَّ قوًى)): فالمعنى أشدَّ إمرارًا؛ أي: فتلا، و ((أَشَدّ قُوًى)) أجود الروايتين؛ لأن المعروف أمررت الحبل بالهمز، وهم يجتنبون أن يبنى فعل التعجب على ((أَفْعَلَ)) في التفضيل، إلا في أشياء مسموعة. وقد ذهب بعضهم إلى أن ذلك قياس مطرد في كل فعل ماض على ((أفعل))؛ والأخذ بالسماع أحسن)) (2).
ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام:
ما خالِدٌ لي دونَ أَيّوبٍ وَلا
…
عَبدُ العَزيزِ وَلَستُ دونَ وَليدِ [بحر الكامل]
((و ((وليد)): يعني به الوليد بن عبد الملك، فحذف الألف واللام وهوجائز. وقد استعمل ذلك الطائي كثيرا في مواضع، وهوجائز، إلا أن تركه أحسن)) (3).
ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام:
يَقولُ مَن تَقرَعُ أَسماعَهُ
…
كَم تَرَكَ الأَوَّلُ لِلآخِرِ [بحر السريع]
(1) وهومسبوق في هذا بفكر أستاذه أبي العلاء.
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 38ب27].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام: [1/ 395ب39].
((جعل ((مَنْ)) في معنى الجمع؛ لأنها عامة، تقع على الواحد، والاثنين، والمذكر، والمؤنث والجمع
…
ولولا ذلك لم يحسُن أن يقول ((أسماعه))؛ لأنه لا يجمع سمع الإنسان الواحد، وإن كان جائزا، فليس بحسن)) (1).
وكان السماع عنده هوالذي مهد الطريق لـ ((تحديد المستعمل)) في اللغة من ((غير المستعمل))، وأيها ((أكثر استعمالا وترددا في النثر والشعر))، وما هو من
((كلام العرب))، وما هومن غيره، وما بناه أبوتمام على هذا المسموع، وما لم يبنه، ومثال ذلك قوله:
ـ ((التنائف: جمع ((تَنُوفة))؛ وهي القفر من الأرض. ولم يستعملوها إلا
بالزيادة، ولم يقولوا ((التُّنُف)))) (2).
ـ ((والهَفْواء: فعلاء؛ من قولهم: هفا، يهفو. وهي كلمة قليلة في الاستعمال)) (3).
ـ ((يقال غدا الشيء وأغداه، جائز في القياس، وهومفقود في المسموع)) (4).
ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام:
وَلِذاكَ كانوا لا يُرأَّسُ مِنهُمُ
…
مَن لَم يُجَرَّب حَزمُهُ مُرؤوسا [بحر الكامل]
((هذا البيت مبني على قولهم: فلان قد آل وإيل عليه؛ أي: ساس وسيس)) (5).
ومن نافلة القول أن نثبت أن هذا الاطلاع الواسع على المسموع مكنه من شرح الديوان:
ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام:
إِن رُمتَ تَصديقَ ذاكَ يا أَعوَرُ الدََّجالُ فَالحَظهُمُ وَلا تَذُبِ [بحر المنسرح]
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 161ب6]. وينظر أيضا المواضع التالية: [4/ 399ب27]، [4/ 456ب26]، [4/ 290ب2].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 174ب2].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 356 ـ 357].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 205ب19].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 270ب32]، وينظر أيضا [4/ 549ب20]
((جعل ((أعور)) معرفة بالنداء، ثم نعته بالدجال، وبعض العرب يستوحش من هذه البنية، واستعمالها في كلامهم قليل، لا يكاد يوجد: يا غلامُ العاقلُ، أقبل)) (1).
وشمل المسموع عنده ((القراءات القرآنية)). وقد وظفها في شرحه لبعض أبيات الديوان، ومن ذلك قوله عند قول أبي تمام:
وَلَئِن أَرَدتَ لَأَعذِرَنَّكَ مُحمَلا
…
وَالعَجزُ عِندي عُذرُ غَيرِ المُعذِرِ [بحر الكامل]
((يقال: أعذر فهومعذِر؛ إذا بلغ العُذر. وقرأ بعضهم: {وَجَاءَ الْمُعَْذِرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ} (2)[التوبة:90])) (3).
ـ قال عند قول أبي تمام
كَم حاجَةٍ صارَت رَكوبًا بِهِ
…
وَلَم تَكُن مِن قَبلِهِ بِالرَّكوبْ [بحر السريع]
((أصل ((الركوب)) فيما يركب من الحيوان وقد قرئ: {رَكُوبهم} (4) و {رَكُوبتهم} (5))) (6).
ـ قال عند قول أبي تمام:
وَإِذا مَشَت تَرَكَت بِصَدرِكَ ضِعفَ ما
…
بِحُلِيِّها مِن كَثرَةِ الوَسواسِ [بحر الكامل]
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 306ب8]، ومن الأمور المهمة التي يستنبطها الباحث من كلام التبريزي هنا أنه سمى هذا التركيب:((يا (أداة نداء) + منادى صفة مشبهة + نعت)) بنية، وأن استخدام هذه البنية قليل.
(2)
جاء في معجم القراءات القرآنية عن هذه القراءة 3/ 35: ((القارئ: الكسائي، عاصم، الشنبوذي، ابن عباس، زيد بن على، الأعرج، أبوصالح، عيسى بن هلال، قتيبة، مجاهد، شعبة، يعقوب، الضحاك، المصدر: النشر 2/ 280، الكشاف: 2/ 270)).
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 456ب27].
(4)
جاء في معجم القراءات القرآنية عن هذه القراءة 5/ 221: ((القارئ: الحسن، المطوعي، أبوالبرهم، الأعمش، ابن السميفع، المصدر: إتحاف فضلاء البشر 367، الكشاف: 2/ 330))
(5)
جاء في معجم القراءات القرآنية عن هذه القراءة 5/ 222: ((القارئ: عائشة، عروة، هشام بن عروة، أبي بن كعب، المصدر: الكشاف: 3/ 330 ....)).
(6)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 48ب11].
((الحُلِيّ ـ بضم الحاء وكسر اللام ـ جمع ((حَلْي))، وقد قرئ بهما جميعا (1) في قوله تعالى: چ ? ? ? ? چ [الأعراف: 148])) (2).
والمسموع عند التبريزي أمر قابل للتطور على المستوى الدلالي والنحوي، ومثال ذلك:
ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام:
أَخلَبَت بَعدَهُ بُروقٌ مِنَ الله وَجَفَّت غُدرٌ مِنَ التَّشبيبِ [بحر الخفيف]
((وأخلب البرق غير مستعمل في الكلام القديم)) (3).
ـ قال عند قول أبي تمام:
حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُّجى رَغِبَت
…
عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَمسَ لَم تَغِبِ [بحر البسيط]
((والدجية: الظلمة، وقال قومٌ: لايقال دُجية إلا لليل مع غيم، فأما المحدثون فيعبرون بالدجى عن الليل، ولا يفرقون بين المقمر وغيره)) (4).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
يا مُوضِعَ الشَّدَنِيَّةِ الوَجناءِ
…
وَمُصارِعَ الإِدلاجِ وَالإِسراءِ [بحر الكامل]
((يقال: وضع البعير، يضع، وضعا؛ إذا سار ذلك الضرب من السير، وأوضعه صاحبه؛ إذا حمله على الوضع. ثم استغنوا عن المفعول فقالوا: أخب فلان وأوضع)) (5).
(1) ينظر: معجم القراءات القرآنية: 2/ 403
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 245ب8]. وباستخدام التبريزي للقراءات القرآنية ينضم إلى فريق المحايدين والقابلين للقراءات القرآنية. [ينظر: مواقف النحاة من القراءات القرآنية: د. شعبان صلاح،112، دار غريب، 2005].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 118ب6].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 53 ـ 54ب27].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 7ب1]،وينظر أيضا: اللغة عند التبريزي في هذا البحث