الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المزادة من الزاد فهي من ذوات الواووقد جُمِعَت بالياء، وقد يمكن أن يدعي لها أنها من زاد يزيد، كأنها زيادة على الزاد الذي يؤكل؛ لأن أكثر ما يُستَعمل الزادُ في المأكول)) (1).
المبحث الرابع: الأصول النحوية بين أبي العلاء والتبريزي
اعتمد أبو العلاء والتبريزي على السماع والقياس بدرجة كبيرة في شرح الديوان. وكان الاعتماد على السماع له النصيب الأكبر في هذا الشرح، خاصة عند التبريزي.
ودائرة السماع التي تحرك فيها الرجلان واسعة ممتدة من العصر الجاهلي حتي عصرهما.
واللغة عندهما ـ كما سنبين في الباب التالي ـ تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ((اللغة العالية (2)، أولغة أهل العلم))، والقسم الثاني:((اللغة العامية)). وكان القسم الأول هوالذي تحركت فيه ((دائرة السماع)) عندهما ذهابا وإيابا، من العصر الجاهلي إلى عصرهما، بداية القرن السادس الهجري.
ولم يحدد أبوالعلاء ولا التبريزي ((فترة زمنية محددة بشكل مؤكد وحاسم)) (3) يردان إليها ((سماعهما))، أو ((قياسهما))، بل اللغة على طول هذا الامتداد الزمني هي لغة ((مقبولة)).
إذن فكرة ((تحديد زمان ومكان معينين للاحتجاج اللغوي)) لم تكن مؤكدة تماما عند أبي العلاء والتبريزي؛ إذ نجد لديهما استشهادات لغوية شعرية لشعراء بعد عام
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 175ب6]. وينظر أيضا في نفس هذه الجزئية: [4/ 455ب26]، [4/ 341ب2].
(2)
استخدم هذا المصطلح كل من أبي العلاء والتبريزي، ينظر:[2/ 297ب10].، و [4/ 582ب10]، ولاشك أن التبريزي قد أخذ هذا المصطلح من أستاذه أبي العلاء. ومن اللافت للنظر أنهما لم يحددا لمن تنسب هذه اللغة.
(3)
هذا على مستوى شرحهما على ديوان أبي تمام.
150هـ. ولكنها كانت استشهادات قليلة (1)، فمعظم الاستشهادات الشعرية لشعراء كانوا قبل عام 150هـ.
لقد لقيت فكرة تحديد نُطُق معينة للاحتجاج ((احترامًا كبيرا تمثَّل في الاعتراف بها، والأخذ في تحديد طبقات الشعراء وغيرهم بها، كما تمثل في التزام علماء اللغة بها إلى درجة كبيرة من حيث تجنب الاحتجاج بكلام المولدين)) (2).
وكان من تبعات هذا التحديد الزماني والمكاني أن ((حُرِم النحو من صور رفيعة من التركيب اللغوي كانت دراستها أجدى على العربية ولاشك من تلك الآراء والنوادر التي شُغلوا بالتقاطها. وكان جل قيمتها أن تمثل شواذ أواستثناءات وتفريعات تضفي على القواعد النحوية بظلال كثيفة من الاضطراب والتهويش)) (3).
أما جانب اللغة فقد كان الأمر أفدح؛ إذ إن اللغويين ((أخذوا بتلك المعايير بصورة شبه كاملة أيضا؛ إذ أعرضوا عن نتاج مئات ومئات من الشعراء والناثرين ذوي الحس العربي الأصيل؛ فحرموا اللغة من ثروة من الإضافات في المفردات والتعبيرات لا يمكن جمعها الآن إلا بجهود كثيرة متضافرة قد لا تتيسر)) (4).
(1) مثل شعر أبي نواس، توفي 198 هـ، والبحتري توفي 284 هـ[1/ 408]، وعبد الله ابن طاهر توفي 230 هـ[2/ 17]، ومسلم بن الوليد صريع الغواني توفي 208 هـ[2/ 37]، وأبودلف العِجْليّ توفي 221هـ أو230هـ[2/ 98]، المتنبي توفي 354 هـ[2/ 322]. بل نجد أن التبريزي يستشهد بشعر بعض المحدثين دون أن يذكر اسمه. قال عند قول أبي تمام [2/ 15]:
إِن تَنفَلِت وَأُنوفُ المَوتِ راغِمَةٌ
…
فَاذَهب فَأَنتَ طَليقُ الرَّكضِ يا لُبَدُ [بحر البسيط]
((شبهه بلبد، وهوآخر نسور لقمان،
…
وقال بعض المحدَثين يخاطب رجلا شبهه بلبد في طول عمره:
يا نسر لقمان كم تعيش وكم
…
تسحب ذيل الحياة يا لبد))
كما أن كلمة ((يقال)) كثيرة الدوران على لسان التبريزي لم تربط بفترة زمنية محددة.
(2)
الاحتجاج بالشعر في اللغة، الواقع ودلالته: د. محمد حسن حسن جبل،85 [دار الفكر العربي].
(3)
الاحتجاج بالشعر في اللغة، الواقع ودلالته: د. محمد حسن حسن جبل، ص 87.
(4)
الاحتجاج بالشعر في اللغة، الواقع ودلالته: د. محمد حسن حسن جبل، ص87.
إن ((الوقوف عند مفردات وتراكيب وعبارات لغوية بعينها ورفض الزيادة عليها كَمًّا، ورفض ما قد تتطور إليه دلالة بعضها أمرٌ مخالف لطبيعة اللغة ووظيفتها في الامتزاج بخواطر العقل وسبحاته وأفكاره، وفي بلورتها والتعبير عنها. بالإضافة إلى ما في هذا الرفض من خسارة تتمثل في حرمان اللغة من صياغات جديدة ومن التعبير عن معانٍ جديدة)) (1).
إن أبا العلاء والتبريزي يريدان الإشارة ـ ولوعلى استحياء ـ لفتح زمن الاحتجاج اللغوي، فهذا هوالأولى لطبيعة اللغة.
ولا ننسى هنا أن نشير إلى أن التبريزي أقر استخدام المحدثين للغة، سواء كانوا شعراء أم ناثرين، دون نكير (2).
أما القياس فقد كان له دور إيجابي عندهما؛ فقد كان طريقهما لتبرير كثير من خروجات أبي تمام الأسلوبية. وهما بذلك يشيران إلى دور مهم يمكن أن يلعبه القياس في إثراء اللغة بتراكيب جديدة من ابتكار الشعراء.
*****
(1) الاحتجاج بالشعر في اللغة، الواقع ودلالته: د. محمد حسن حسن جبل، ص 87 ـ 88.
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 53 ـ 54ب27]، [3/ 161ب8]، [2/ 455ب2]