المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولالدراسة الصرفية لشرح أبي العلاء - شرحا أبي العلاء والخطيب التبريزي على ديوان أبي تمام دراسة نحوية صرفية

[إيهاب سلامة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: نبذة عن شعر أبي تمام وديوانه وشراحه

- ‌المبحث الثاني: ترجمة أبي تمام

- ‌(1) اسمه ولقبه ومولده:

- ‌(2) مكانته وشعره:

- ‌(3) مذهبه في الشعر:

- ‌(4) مؤلفاته:

- ‌(5) وفاته:

- ‌المبحث الثالث: ترجمة أبي العلاء

- ‌(1) اسمه ومولده ومنشؤه:

- ‌(2) مكانته وفضله:

- ‌(3) ثقافته وعلمه:

- ‌(أ) إجادته للغة:

- ‌(ب) ثقافته الموسوعية:

- ‌(4) رواية أبي العلاء للقراءات والحديث:

- ‌(5) إلمام أبي العلاء بشعر أبي تمام:

- ‌(6) تلاميذه ومؤلفاته:

- ‌(7) وفاته:

- ‌المبحث الرابع: ترجمة التبريزي

- ‌(1) مولده ومنشؤه وطلبه العلم:

- ‌(2) رحلته إلي أبي العلاء:

- ‌(3) علمه وفضله:

- ‌(4) إلمام التبريزي بشعر أبي تمام:

- ‌(5) مؤلفاته:

- ‌(6) تلامذة التبريزي:

- ‌(7) وفاته:

- ‌الباب الأولشرحا أبي العلاء والتبريزي دراسة نحوية صرفية

- ‌الفصل الأولالأصول النحوية عند أبي العلاء والتبريزي

- ‌تمهيد: النحو عند أبي العلاء والتبريزي

- ‌أولا النحو عند أبي العلاء:

- ‌ثانيا النحو عند التبريزي:

- ‌المبحث الأولنبذة مختصرة عن المدارس النحوية ومناهجها والأصول النحوية

- ‌ المدرسة البصرية

- ‌المدرسة الكوفية:

- ‌المدرسة البغدادية:

- ‌الأصول النحوية:

- ‌المبحث الثانيالأصول النحوية عند أبي العلاء

- ‌السماع:

- ‌القياس:

- ‌الإجماع عند أبي العلاء:

- ‌نظرية العامل عند أبي العلاء:

- ‌المذهب النحوي لأبي العلاء:

- ‌المبحث الثالث: الأصول النحوية عند التبريزي

- ‌أولا السماع:

- ‌ثانيا القياس عند التبريزي:

- ‌المبحث الرابع: الأصول النحوية بين أبي العلاء والتبريزي

- ‌الفصل الثانيالدراسة الصرفية والنحوية لشرحي أبي العلاء والتبريزي

- ‌المبحث الأولالدراسة الصرفية لشرح أبي العلاء

- ‌المبحث الثاني: الدراسة الصرفية لشرح التبريزي

- ‌ المجموعة الأولى:دراسة المادة الصرفية المتعلقة بالبنى الصرفية عند التبريزي:

- ‌ المجموعة الثانية: دراسة كل ما هومتعلق بالحرف صوتا وإعلالا وإبدلا وغيره

- ‌المبحث الثالث:دراسة المادة النحوية في شرح أبي العلاء

- ‌[أ] دراسة المادة النحوبة المتعلقة بالمنصوبات:

- ‌[ب] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجرورات:

- ‌[ج] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالتوابع:

- ‌[د] ملحوظات نحوية عند أبي العلاء:

- ‌المبحث الرابع:دراسة المادة النحوية في شرح التبريزي

- ‌[أ] دراسة المادة النحوبة المتعلقة بالمنصوبات:

- ‌[ب] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجرورات:

- ‌[ج] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالتوابع:

- ‌[د] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجزومات:

- ‌المبحث الخامس:الموازنة بين المادة الصرفية والنحوية عند أبي العلاء والتبريزي

- ‌ الملحوظة الأولى:

- ‌ الملحوظة الثانية:

- ‌ الملحوظة الثالثة:

- ‌الفصل الثالثنظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي

- ‌المبحث الأول: التعريف بعلم النص

- ‌المبحث الثاني: وسائل التماسك النصي

- ‌المبحث الثالث: نظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي

- ‌الباب الثانيمنهجا أبي العلاء والتبريزي في شرح ديوان أبي تمام

- ‌تمهيد: أهمية الحديث عن المنهج والوقوف على مناهج العلماء

- ‌تحرير مصطلح ((منهج)) المستخدم في هذا الباب

- ‌الفصل الأولمنهج أبي العلاء في شرح ديوان أبي تمام

- ‌ العنصر الأول من عناصر المنهج ((توثيق الرواية)):

- ‌ العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره:

- ‌ العنصر الرابع من عناصر المنهج عند أبي العلاء: توظيف خصائص الصنعة الشعرية:

- ‌ العنصر الخامس من عناصر المنهج: تأويل البيت كل التأويلات الممكنة في غياب القرينة المحددة لمعنى معين:

- ‌ العنصر السادس من عناصر المنهج: الاهتمام بالجوانب الدلالية للكلمة المشروحة:

- ‌ العنصر السابع من عناصر المنهج عند أبي العلاء: الشرح بالإعراب:

- ‌ العنصر الثامن من عناصر المنهج عند أبي العلاء: دعم الشرح وتأييده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشعر والأمثال العربية وأقوال الأدباء:

- ‌الفصل الثانيمنهج التبريزي في شرح ديوان أبي تمام

- ‌1) العنصر الأول من عناصر المنهج: توثيق الرواية:

- ‌2) العنصر الثاني من عناصر المنهج: توظيف القرائن:

- ‌3) العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان:

- ‌4 ـ العنصر الرابع من عناصر المنهج: الاعتماد على الاستعمال اللغوي (أوالكلامي) للألفاظ

- ‌5) العنصر الخامس من عناصر المنهج: الاهتمام الدلالي بالكلمة:

- ‌6) العنصر السادس من عناصر المنهج: الحرص على ذكر غرض القصيدة وسبب قولها قبل الشروع في شرحها:

- ‌7) العنصر السابع من عناصر المنهج: الحرص على ذكر بحر ووزن القصيدة ولقب القافية:

- ‌8) العنصر الثامن من عناصر المنهج: دعم الشرح بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبالأبيات الشعرية، والأمثال:

- ‌الفصل الثالث:منهجا أبي العلاء والتبريزي: العلاقات الداخلية والخارجية

- ‌ المبحث الأول: مقارنة بين منهجي أبي العلاء والتبريزي

- ‌ المبحث الثاني:أوجه التشابه بين منهجي أبي العلاء والتبريزي وبين منهج مفسري القرآن الكريم

- ‌ المبحث الثالث:بين منهج أبي العلاء والتبريزي والمناهج الأدبية المعاصرة

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

- ‌أولا ـ المراجع العربية

- ‌ثانيا المراجع الأجنبية

- ‌ملخص الرسالة

الفصل: ‌المبحث الأولالدراسة الصرفية لشرح أبي العلاء

‌المبحث الأول

الدراسة الصرفية لشرح أبي العلاء

تناثرت آراء صرفية متعددة لأبي العلاء في ثنايا شرحه على ديوان أبي تمام، ولدراسة هذه الآراء توجَّب على الباحث جمعُها وتصنيفها ومعالجة كل تصنيف على حدة.

وقد قسم الباحث هذه الآراء الصرفية إلى مجموعتين رئيسيتين:

(1)

الأولى: تتعلق بكل ما قاله عن الاشتقاق، وما قاله متعلقا بالبنى والأوزان.

(2)

الثانية: كل ما كان متعلقا بالحرف صوتا وإعلالا وإبدلا وغيره.

ـ المجموعة الأولى:

دراسة الآراء الصرفية المتعلقة بالاشتقاق (1) والبنى الصرفية عند أبي العلاء:

• التعمق في اللغة وفوائده:

إن أول انطباع يتولد لدى الباحث بعد جمعه للآراء الصرفية المتناثرة لأبي العلاء هو أن لغويينا القدماء ـ ومنهم أبوالعلاء ـ وقفوا أمام كل لفظة من ألفاظ اللغة دراسة وفهما وتحليلا ومعرفة لأصلها الذي اشتقت منه، وأنهم لم يألوا جهدا، ولم يدخروا وسعا في هذه الدراسة (2).

ونشعر أنه من خلال تعمق أبي العلاء واللغويين في اللغة، ودراستهم لألفاظها ((ترسبت)) في أذهانهم ((الأبنية)) المختلفة التي يمكن أن تأتي فيها هذه الألفاظ. وأن كل لفظة يمكن أن تُرد إلى ((بناء)) معلوم ومحدد في ذواكرهم.

(1) جاء في المعجم الوسيط: ((الاشتقاق في علوم العربية: صوغ كلمة من أخرى على حسب قوانين الصرف)) [مادة شق ص 509، ط 3، مجمع اللغة العربية]. وفي التعريفات للجرجاني: ((الاشتقاق: نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معني وتركيبا ومغايرتها في الصيغة)) [ص 43]. وفي معجم مصطلحات النحووالصرف والعروض والقافية: ((الاشتقاق Derivation : يراد به أخذ لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة)). [د. محمد إبراهيم عبادة، ص 174، دار المعارف].

(2)

ينظر على سبيل المثال الديوان: [1/ 372 ـ 373 ب 10]، [1/ 149].

ص: 129

وقد قامت هذه ((المعرفةُ السابقةُ بالبنى الموجودة في اللغة عند أبي العلاء)) بعدة وظائف، منها التالي:

1ـ معرفة الألفاظ ذوات ((البنى المستنكرة)):

قال أبوالعلاء: ((.. و ((الأَنْدَلُس)) بناء مستنكر إن فتحت الدال وإن ضمت. وإذا حملت على قياس التصريف، وأجريت مجرى غيرها من العربي فوزنها ((فَعْلَلُل)) (1)

،

وهذا بناء مستنكر، ليس في كلامهم مثل: سَفْرَجَل ولا سَفْرَجُل)) (2).

2ـ من خلال معرفة أبي العلاء بهذه ((الأبنية)) ومعرفة ((المستعمل)) منها و ((غير المستعمل)) قام بتوجيه ((البنى)) التي قد تبدو شاذة وغريبة عند أبي تمام.

قال أبوالعلاءعند قول أبي تمام:

بِالقائِمِ الثامِنِ المُستَخلَفِ اِطَّأَدَت قَواعِدُ المُلكِ مُمتَدًّا لَها الطِّوَلُ [بحر البسيط]

((ينبغي أن يكون اشتقاق ((اطّأَدَتْ)) من ((الطَّوْد))، بني على

((افتَعَلت)) من ذلك، فقيل:((اطَّأدَت)) ثم همزت للضرورة؛ لأن تاء ((الافتعال)) إذا كان قبلها طاء قلبت إليها، وليس في كلامهم ((الطَّاد)) بالهمز، وإنما قالوا: وطد، ولوبُنى ((افتعل)) من وَطَدَ لقيل:((اتَّطَدَ))

ولوبُنِى ((افتعل)) من الطادي لقيل

((اطَّدَى))، ويجوز أن يكون الطائي سمع ((اطأد)) في شعر قديم فاستعمله)) (3).

3ـ وكانت أيضا بمثابة ((قواعد محكمة)) تُوجِبُ أن يكون أيُّ اشتقاق للفظةٍ محكوما ومقيدا بما هوموجود ومسموع من البنى والأوزان الصرفية التي سمعت عن العرب، كما أنها كانت وسيلة لمعرفة العربي من الألفاظ من غير العربي.

(1) ينظر أبنية الخماسي المجرد، من معجم الأبنية العربية: جمع وترتيب د. أحمد محمد عبد الدايم، ص 121، [مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 2002].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 17ب16].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 8 ـ 9ب14].

ص: 130

ـ قال أبوالعلاء: ((والإسكندر اسم ليس بعربي، ولو وافق ألفاظ العرب لوجب أن يكون اشتقاقه من ((سين وكاف ودال وراء)). وتكون الهمزة في أوله والنون زائدتين، ويجعل من باب ((احرنجم)) على المقاربة)) (1).

ـ دراسة اشتقاق الكلمة وسيلة لفهم معناها:

في مواضع كثيرة من شرح أبي العلاء كان ينبه على اشتقاق الكلمة التي يشرحها. وكان هذا الأمر ـ بلا جدال ـ وسيلة من الوسائل التي يتخذها لتوضيح ((معنى الكلمة))، والوقوف على ((دلالتها الدقيقة)).

ـ قال عند قول أبي تمام:

وَإِذ طَيرُ الحَوادِثِ في رُباها

سَواكِنُ وَهيَ غَنّاءُ المَرادِ [بحر الوافر]

((

وسواكن من السكون، لا من السكنى التي هي الإقامة في الموضع)) (2).

ـ قال عند قول أبي تمام:

لَن يَعدَمَ المَجدَ مَن كانَت أَوائِلُهُ

مِن آلِ كِسرى البَهاليلُ المَراجيحُ [بحر البسيط]

((البهاليل: جمع بهلول (

) والاشتقاق يدل على أن البهلول الذي أبهل وشأنه، لا يعترض عليه)) (3).

وقد نبه العلامة ابن جني إلى أهمية البحث الاشتقاقي للكلمة للوقوف على المعنى الدقيق لها، فقد عقد بابا أسماه ((باب في تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية))، قال فيه: ((نعم، وقد يعرض هذا التداخل في صنعة الشاعر فيرى أو يُرِي أنه قد جنَّس وليس في الحقيقة تجنيسًا وذلك كقول القطامي:

.

مستحقبين فؤادًا ما له فاد [بحر البسيط]

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 49]

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 370ب4].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 341ب7]. وينظر أيضا: [2/ 255ب2 اشتقاق كلمة الفردوس]، [2/ 5ب3 اشتقاق كلمة الديدن]، [4/ 165ب2]، [2/ 364ب17]، [2/ 276ب7].

ص: 131

ففؤاد من لفظ ((ف أد))، وفادٍ من تركيب ((ف د ى)) ، لكنهما لما تقاربا هذا التقارب دَنَوَا من التجنيس. وعليه قول الحِمْصِيّ [عبد السلام بن رغبان المعروف بديك الجن]:

وتسويف العِدات من السوافي [بحر الوافر]

فظاهر هذا يكاد لا يشك أكثر الناس أنه مجنس، وليس هو كذلك، وذلك أن تركيب تسويف من: س وف، وتركيب السوافي من س ف ي، لكن لما وجد في كل واحد من الكلمتين سين وفاء وواو، جرى في بادي السمع مجرى الجنس الواحد)) (1).

ومن الباحثين المعاصرين من أشار إلى نفس هذه الفكرة فقال: ((إن العودة إلى الجذر الأصلي root للكلمة قد يساعد إلى حد كبير في الكشف عن معالمها ومعرفة الجذر تتصل اتصالا وثيقا بالاشتقاق وطرقه في اللغة)) (2). والمعجميون

((يجعلون حروف هذا الجذر مدخلا Entry form إلى شرح معاني ودلالات الكلمات التي ترجع إلى جذر أو أصل واحد ثابت، هو في الحقيقة يشكل البنية الأساسية)) (3).

إذن كان البحث عن اشتقاق الكلمة وسيلة للوقوف على معناها (4)(5).

(1) الخصائص 2/ 46 ـ 47

(2)

د. حلمي خليل: الكلمة دراسة لغوية معجمية، ص 67

(3)

السابق 67

(4)

اختط هذا الأسلوب ـ أي أسلوب البحث عن اشتقاق الكلمة كوسيلة لفهم دلالتها ـ د. أحمد مختار عمر في كتابه ((أسماء الله الحسنى: دراسة في البنية والدلالة)).ينظر: أسماء الله الحسنى، دراسة في البنية والدلالة، د. أحمد مختار عمر، ص 83 ـ85، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة2000

(5)

ونلمح نفس هذه الفكرة عند التبريزي، إذ نجده ـ من خلال الوقوف على اشتقاق الكلمة ـ يحدد المعنى الدقيق لها. قال التبريزي عند قول أبي تمام:

في لَيالٍ تَكادُ تُبقي بِخَدِّ الشَّمسِ مِن ريحِها البَليلِ شُحوبا [بحر الخفيف].

((أكثر ما يفسرون ((البليل)) إذا كان من صفة الريح بالباردة. والاشتقاق يدل على أن البليل التي فيها شيء من المطر)). [1/ 165ب31]. ومن المواضع المماثلة عند التبريزي: [3/ 304ب27]، [4/ 554ب7]، [4/ 569ب9]، [1/ 158 ـ 159ب7].

ص: 132

وإذا كان البحث في اشتقاق الكلمة يحدد معناها، فإنه من جهة أخرى يمكن للمعنى أن يحدد الأصل الذي اشتقت منه الكلمة. قال أبوالعلاء:((غَيْلانُ بنُ عقبة هوذو الرُّمَّة، واشتقاق غيلان يجوز أن يكون من ((الغَيْل))، وهوالساعد الريان الممتلئ

وأن يكون من ((الغِيل)) وهوالشجر الملتف، فأما إذا أخذ من ((الغَيْل)) فهو فعلان، وإن أخذ من ((الغِيْل)) جاز أن يكون من ذوات الواو؛ لأن ((الغِيل)) إذا أريد به الشجر الملتف فالغالب عليه أن يكون من غال يغول؛ إذا هلك)) (1).

ـ اشتقاق الفعل من الاسم الجامد:

المشتق: هو ((ما أخذ من غيره، ودل على ذات مع ملاحظة صفة، كعالم وظريف)) (2). ونقل السيوطي عن شرح التسهيل: ((الاشتقاق أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنى وصيغة أصلية، وهيئة تركيب لها؛ ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة لأجلها اختلفا حروفا وهيئة)) (3).

ويُقِرُّ الصرفيون أن الاشتقاق يكون من ((أسماء الأجناس المعنوية كفهم من الفهم، ونصر من النصر)) (4). و ((ندر الاشتقاق من أسماء الأجناس المحسوسة؛ كأورقت الأشجار، وأسبعت الأرض: من الورق والسبُع. وكعقْربت الصُّدغَ، وفلفلت الطعام ونرجست الدواء: من العقرب، والنرجس والفلفل)) (5). قال السيوطي: ((اشتقاق العرب من الجواهر قليل جدا، والأكثر من المصادر)) (6).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 56 ـ 57].

(2)

شذا العرف في فن الصرف: الشيخ أحمد الحملاوي، ص 68، [المكتبة الثقافية، بيروت لبنان]

(3)

المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 1/ 346، [تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم وآخرون، مكتبة دار التراث ط3].

(4)

شذا العرف في فن الصرف: 68

(5)

شذا العرف في فن الصرف: 68

(6)

المزهر في علوم اللغة وأنواعها:1/ 350،ت: محمد أبوالفضل إبراهيم وآخرون، مكتبة دار التراث ط3

ص: 133

هذه هي حال معظم الصرفيين من الاشتقاق من الاسم الجامد إلا أننا نجد أبا العلاء (1)

يقر هذا الأمر بلا غضاضة، وبلا نكير. قال عند قول أبي تمام:

حَضرَمتُ دَهري وَأَشكالي لَكُم وَبِكُم

حَتّى بَقيتُ كَأَنّي لَستُ مِن أُدَدِ [بحر البسيط]

((.. ((حضرمتُ دهري))؛ أي: جعلته بحضرموت. فكأنه اجترأ على بنية هذه الكلمة لما كانت العرب تقول: رجل حضرمي؛ إذا نسبوه إلى حضرموت؛ فبني الفعل على ذلك، وهذا كما يقال:((مَضَّرتُ فلانا))؛ إذا نسبته إلى مُضَر،

و ((قيَّسته))؛ إذا نسبته إلى قيس)) (2).

ـ قال عند قول أبي تمام:

جَلَّيتَ وَالمَوتُ مُبدٍ حُرَّ صَفحَتِهِ

وَقَد تَفَرعَنَ في أَوصالِهِ الأَجَلُ [بحر البسيط]

(1) ويشارك التبريزي أبا العلاء في عدم إنكاره على هذا النوع من الاشتقاق، حيث قال في أحد المواضع يشرح بيت أبي تمام يمدح فيه المأمون:

نيطَت قَلائِدُ عَزمِهِ بِمُحَبِّرٍ

مُتَكَوِّفٍ مُتَدَمشِقٍ مُتَبَغدِدِ [بحر الكامل].

((وصف نفسه (أي أبوتمام) بـ ((مُتَكَوِّفٍ)) يَمُتُّ إلى المأمون بأنه شيعي؛ لأن المأمون أظهر التشيع في أول أمره، وأهل الكوفة ينسبون إلى أنهم شيعة. وقال:((مُتَدَمشِقٍ))؛ لأنه من أهل جاسم. وقال: ((مُتَبَغدِدِ))؛ أي هوظريف)). [2/ 55ـ56ب43]. وقال في موضع آخر:

((قُلْنِست: من القلنسوة، ويقال: قَلْنَسْتُه وقَلْسَيْتُه، ولوقال: قَلَّسْتُه بالتشديد لكان وجها)). [3/ 264ب25]

ومما أشار إليه التبريزي أيضا إمكانية اشتقاق الفعل من الحرف. قال عند قول أبي تمام:

يا مَنزِلاً أَعطى الحَوادِثَ حُكمَها

لا مَطلَ في عِدَةٍ وَلا تَسويفا [بحر الكامل].

((يقال: سَوَّف الرجل؛ إذا مطله .. وأصل ذلك أن يقول: سوف أفعل .. فهذا يدل على أن اشتقاق ((التسويف)) من ((سوف)) التي تدخل على الفعل المضارع؛ فتخلصه للاستقبال)). [2/ 376ب2]. وشاركه الزمخشري في ذلك فقال: ((سَوَّف الأمر؛ إذا قال: سوف أفعل)).

[أساس البلاغة: مادة سوف، ص 467]. وجاء في المعجم الوسيط: ((فَأَفَأَ: أكثر من ترديد حرف الفاء في كلامه؛ فهو فَافأٌ، وفأفاء)). [مادة: فأفأ، 2/ 696].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 337ب7].

ص: 134

((تفرعن كلمة ليست بالعربية المحضة، وذلك أنهم لما كانوا يسمون الجبابرة الفراعنة، تشبيها بفرعون موسى؛ حملت الكلمة على ذلك؛ فقيل: تفرعن؛ أي: صار كأنه من الفراعنة)) (1).

ويوافق أبا العلاء في إمكانية الاشتقاق من أسماء الأعيان ابنُ جني إذ يقول في بعض أقواله: ((وكأن ذوات الخمسة وإن لم يكن فيها فِعل؛ فإن دخول التحقير والتكسير فيها كالعوض من منع الفعلية فيها، ألا ترى أنك تقول في تحقير سفرجل: سُفَيْرج، وفي تكسيره سَفارج، فجرى هذان مجرى قولك: يُسَفْرجُ سفرجة، فهو مُسَفْرِج، وإن كان هذا لا يقال فإنه لو اشتق منه فعل لكانت هذه طريقته)) (2).

بل إنه يشير إلى جواز الاشتقاق من الحرف كـ ((اشتقاق قوَّف من القاف، وكوَّف من الكاف ودوَّل من الدال)) (3).

وهذا الاشتقاق وافق عليه مجمع اللغة العربية لاحقا؛ إذ قرر ((يشتق الفعل من الاسم الجامد المعرب الثلاثي على وزن ((فعَّل)) بالتشديد متعديا، ولازمه

((تَفَعَّل)). ويشتق الفعل من الاسم الجامد المعرب غير الثلاثي على وزن ((فَعْلل))، ولازمه ((تَفَعْلل)))) (4).

وفي بحث قيم للأستاذ محمد خليفة التونسي بعنوان: ((الاشتقاق من الكلمات العربية والمعربة))، ناقش فيه موضوع الاشتقاق من الاسم الجامد، وذكر أمثلة لهذا الاشتقاق مثل: بَسْتَر، بلور، جبس (

) يجيب عن سؤال مهم، وهو: ما الذي يحذف عند اشتقاق الفعل من الاسم الجامد؟ ويجيب قائلا: ((إذا رجعنا إلى حروف الزيادة في الكلمات العربية الأصل ومشتقاتها وجدنا أن هذه الحروف عشرة وإذا رجعنا إلى أصول الكلمات في اللغات ((العروبية السامية)) جميعها ومنها لغتنا العربية

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 16ب34]. قال الزمخشري: ((ولعتو الفراعنة اشتقوا تفرعن فلان؛ إذا عتا وتجبر)). الكشاف: 1/ 129 [مكتبة مصر، تحقيق: يوسف الحمادي]

(2)

المنصف لكتاب التصريف، تحقيق: أبراهيم مصطفى وعبد أمين 1/ 33، ط1، 1954م وزارة المعارف العمومية، القاهرة، وينظر أيضا: المدارس النحوية، ص226

(3)

المدارس النحوية: 226

(4)

د. شوقي ضيف: محاضرات مجمعية، ص 152، [مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1998].

ص: 135

وجدناها ثلاثية الأصول (ولوأن ذلك تم في طور متأخر)، ووجدنا أن العناية فيها تنصب على الحروف الساكنة، وهي التي تراعى في كتابة هذه اللغات جميعا دون الحروف اللينة أوحروف المد (وهي ألف، وواو، وياء)، أوأن العناية بالأولى أشد من العناية بالثانية على الأقل، وهذا عينه ما يحدث في الاشتقاق من الكلمات المعربة، أي حذف الحروف اللينة والإبقاء ما أمكن على ما عداها)) (1).

وإذا كان مجمع اللغة أقر هذا الاشتقاق إلا أنه لا ينبغي أن يجترئ ((على هذا الصوغ والتكثر منه إلا الأديب الطلعة الذي يسبق عصره في ارتياد المجاهيل لاستخراج صيغ غير مستعملة يجيد وضعها في الموضع المناسب من شعره أو نثره، فتجري على الألسن وتستحسنها الطباع)) (2).

ـ بعض معان لصيغ صرفية ذكرها أبوالعلاء:

أثناء شرح أبي العلاء للديوان ذكر عرضا بعض معان لصيغ صرفية، نلخصها فيما يلي:

(1)

تَفَاعَلَ: من معاني هذا الوزن التي ذكرها: ((إظهار الإنسان شيئا ليس من خلقه ولا غريزته)). قال: ((التفاعل يقع من الإنسان إذا أظهر شيئا ليس من خلقه ولا غريزته. يقال: ((تَكَارَمَ)) الإنسان؛ إذا فعل فعلا يوهم أنه كريم. وكذلك قوله:

((تَطَاوَلَ)) أي: أظهر أنه من أهل الطَّوْل؛ أي: الفضل)) (3).

(1) أضواء على لغتنا السمحة: محمد خليفة التونسي، ص 138، كتاب العربي، الكتاب التاسع 1985م، الكويت

(2)

شعر أبي تمام دراسة نحوية: د. شعبان صلاح، ص 125 [دار الثقافة العربية ط1 1991م]

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 100ب8]، ومن المعاني التي ذكرها التبريزي لصيغة ((تَفَاعَل)) موافقا أبا العلاء: التشريك بين اثنين فأكثر، فيكون كل منها فاعلا في اللفظ مفعولا في المعنى. قال التبريزي: ((يقال: تواضخَ الرجلان؛ إذا فعل كلُّ واحد منهما مثل فعل

الآخر)). [3/ 215ب20]. وقال في موضع آخر: ((وإذا كانت المفاعلة من اثنين جاء كل واحد منها على فعيل، فقعيدك الذي يقاعدك وأنت أيضا قعيده، وكذلك المنادمان كل واحد منها نديم الآخر ومثله كثير)). [2/ 248ب18]

ص: 136

واسم الفاعل من هذه الصيغة يتضمن أيضا نفس الدلالة. قال عند قول أبي تمام:

تَعَفَّينَ مِن زادِ العُفاةِ إِذا انتَحى

عَلى الحَيِّ صَرفُ الأَزمَةِ المُتَماحِلُ [بحر الطويل]

((

المتماحل الطويل، وليس هومن المحل الذي هو ((جَدْب))؛ لأنهم لم يستعملوا هذا اللفظ في المحل؛ ولأن الغالب على هذا البناء أن يكون لمتظاهر بشيء ليس من أهله، كالمتغافل والمتكارم)) (1).

وصاغ ابن الحاجب نفس المعنى الذي ذكره أبو العلاء وهو في معرض حديثه عن معاني صيغة تفاعل بقوله أنه: ((يدل على أن الفاعل أظهر أن أصله حاصل له وهو منتفٍ، نحو: تجاهل، وتغافل)) (2).

(2)

تَفَعَّل: من معاني هذا الوزن التي ذكرها أبوالعلاء:

• الإتيان بالفعل.

• الوصول إلى المكان أوالإقامة فيه أوالانتساب إلى أهله.

قال: ((.. يقال: ((تَكَلَّم))؛ إذا أتى بالكلام، و ((تَعَمَّم))؛ إذا لبس العمامة)) (3).

وقال: ((

ويحتمل أن يكون قوله: ((تَبَطَّحت))؛ أي: حلت بالأبطح، كما يقال:((تَبَصَّر))؛ إذا أتي البصرة، أوأقام بها أوانتسب إلى أهلها)) (4).

وجمع ابن الحاحب معاني صيغة تَفَعَّل، وذكر من بينها المعاني التي قالها أبو العلاء فقال: ((تفعل لمطاوعة فَعَّل، نحو: كسرته فتكسر، وللتكلف، نحو: تشجع،

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 114ب5]

(2)

الشافية في علم التصريف: ص20، تحقيق: حسن أحمد العثمان، المكتبة المكية، ط1 1415هـ /1995م ومن المعاني الأخرى التي ذكرها لصيغة تفاعل:((مشاركة أمرين فصاعدا في أصله نحو تشاركا، وبمعنى فعل، نحو: توانيت، ومطاوع فاعل، نحو: باعدته فتباعد)).

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 100ب8]

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 11]

ص: 137

وتحلم، وللاتخاذ، نحو: توسد، وللتجنب، نحو: تأثم، وتحرج، وللعمل المتكرر في مهلة، نحو: يجرعته، ومنه تفهم، وبمعنى استفعل، نحو: تكبر وتعظم)) (1).

(3)

أَفْعَل: من معانيها التي ذكرها: التمكين، الإلجاء والإحواج، الدخول في شيء مكانا كان أوزمانا.

قال: ((يقال: أطلبت الرجل؛ إذا بَلَّغْتُه مطلبه، وأطلبته؛ إذا أحوجته إلى أن يطلب)) (2). وقال: ((يقال أسهلنا؛ إذا وقعنا في السهل، وأوعثنا؛ إذا وقعنا في الوعث، وهي أرص تسُوخ فيها القدم)) (3).

(4)

اِسْتَفْعَلَ: من المعاني التي ذكرها: الصيرورة والتحول والطلب.

قال: ((يقال: استنسر البُغَاثُ؛ أي: صار كالنسر

ويقال: استعطاني فلان؛ أي: طلب عطائي، واستفهمني؛ أي: طلب إفهامي)) (4).

(1) الشافية في علم التصريف: ص20/ 21

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 278ب21]

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 320ـ321ب29]. ومن المواضع التي ذكرها التبريزي لصيغة أفعل بمعنى ((الدخول في الشيء مكانا أوزمانا)) قوله: ((يقال: أعرق الرجل إذا أتى العراق، وأشأم إذا أتى الشام)). [3/ 195ب5]. ومن المعاني التي أضافها التبريزي معنى التعدية، قال:

((مُحْلِفة: من قولك حلفت يمينا وأحلفت الرجل اليمين إذا كلفته إياها)). [2/ 78ـ79]

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 129] وقد وافق التبريزي أبا العلاء في معاني صيغة استفعل، فمن المواضع التي تدل على الطلب والسؤال عنده المواضع التالية:

ـ ((المستميت: الذي كأنه يطلب الموت)). [3/ 213ب7]

ـ ((يقال: استنصرت فلانا غلامه؛ أي: سألته أن ينصرني إياه؛ أي: يأمره بنصرتي، وكذلك: استنصرته ماله؛ أي: سألته أن يمدني به، ويكون فيه لسؤال الإنصار، دون النصر والنصرة)). [2/ 145ب22].ومن المواضع التي تدل على الصيرورة. قال: ((المستشعرون: الذين يتعاطون الشعر، كقولهم: استتيست الشاة، واستنوق الجمل)). [2/ 300ب24]

ص: 138

(5)

الافتعال: الافتعال من الوزن افتعل، ومن معانيه: حدوث الفعل بين شيئين أوأكثر. قال: ((

ولوقيل: ((اصطك الحجر والخشبة))؛ لم يجز الاقتصار على الاسم الأول؛ لأن الافتعال إنما يكون في هذا الباب من اثنين فما زاد)) (1).

(6)

فُعُلَّة: من الأبنية التي ذكرها دالة على الكثرة:

قال ((الغُضُبَّة: الكثير الغضب)) (2).

وهذا الوزن من ((أوزان صيغ المبالغة غير القياسية، ومن أمثلته أيضا كُذُبَّة)) (3).

(7)

فَاعِل (4): قال أبوالعلاء: ((وقد يجوز أن يقال: ((خَابِث)) على غير الفعل؛ أي ذو خبث، كما يقال:((تامر)) و ((لابن)))) (5).

وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:

كَم أَسيرٍ مِن سِرِّهِم وَقَتيلٍ

رادِعِ الثَّوبِ مِن دَمٍ كَالخَلوقِ [بحر الخفيف]

((يجوز أن يكون قوله ((رادع الثوب)) في معنى الملوَّن؛ كأنه قال: رادعٌ ثوبه. ويكون رادع جاريا مجرى ((لابن)) و ((تامر))؛لأن الثوب في الحقيقة هوالمردوع)) (6).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 248ب29]

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 347ب15].

(3)

د. إميل بديع يعقوب: معجم الأوزان الصرفية، ص194، ط1 عالم الكتب، بيروت 1993م

(4)

هذه الصيغة من صيغ النسب؛ فالنسب في العربية على صيغ متعددة، من أشهرها:

((النسب بإلحاق الياء المشددة في آخر الاسم))، و ((فَعَّال))، و ((فَاعِل)). يراجع: معاني الأبنية في العربية: د. فاضل صالح السامرائي، ص153، [ط2، 1428هـ 2007م، دار عمار للنشر والتوزيع، الأردن]. وجاء في النحوالوافي عن هذه الصيغة أيضا: ((فَاعِل من أوزان الصفة المشبهة من الفعل الثلاثي على فَعُل، مثل: طَهُر فهوطاهر)). [3/ 288،ط 10،دار المعارف].

(5)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 317ب17].

(6)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 437ب34]. قال التبريزي: ((وقولهم: جادع؛ أي: ذوجَدْع، كما يقال: تامِرٌ ولابن؛ أي: ذوتَمْر ولبن)). [4/ 588ب31]، وقال في موضع آخر:((كاسيا؛ أي: ذا كسوة، كما يقال: تامر؛ أي: ذوتمر)). [3/ 212ب3]

ص: 139

وتكون هذه الصيغة ((لما كان صاحب شيء من غير مزاولة وكثرة معالجة، فالذي صنعته النَّبْل يقال له: نبَّال، وصاحبُ النبل من غير صنعة ((نَابِل))، وتقول لمن صنعته اللبن والتمر؛ أي: يبيعهما لبَّان وتمَّار، وتقول لصاحب اللبن والتمر من غير صنعة أومزاولة لابنٌ وتامر)) (1). قال سيبويه:((وأما ما يكون ذا شيء وليس بصنعة يعالجها فإنه مما يكون فاعلا، وذلك قولك لذي الدرع: دارع، ولذي النبل: نابل، ولذي النُّشاب: ناشب، ولذي التمر تامر، ولذي اللبن: لابن)) (2).

ـ أوزان ترد بمعاني أوزان أخرى في بعض الأحيان:

- فَعُول في معنى مَفْعُولة:

قال ((

رغُوث أي مرضعة، وهي فَعُول في معنى مَفْعُولة)) (3).

- فَعِيل في معنى فَاعِل:

قال عند قول أبي تمام يمدح أبا سعيد محمد بن يوسف الثَّغري:

في مَكَرٍّ لِلرَّوعِ كُنتَ أَكيلا

لِلمَنايا في ظِلِّهِ وَشَريبا [بحر الخفيف]

((الأكيل والشريب هاهنا ((فعيل)) بمعنى ((فاعل))، كما تقول: فلان جليس فلان، ومُجَالِسه، وصديقه، ومُصَادقه)) (4).

وإنما كانت أكيل وشريب بمعنى فاعل من حيث كان الممدوح غالبا ظافرا؛ إذ لو كانا بمعنى مُفاعل؛ لكان الممدوح غالبا مرة ومغلوبا مرة، وظافرا مرة ومظفورا به مرة؛ فلم يستقم فيه المدح.

وقال: ((مكيث في معنى ماكث)) (5).

- فَعِيل في معنى مفْعول:

(1) معاني الأبنية في العربية: د. فاضل صالح السامرائي، ص153

(2)

الكتاب: 3/ 381، [تحقيق وشرح د. عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 324ب6].

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 164ب28].

(5)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 323ب1].

ص: 140

((وحبيب الثاني في معنى محبوب)) (1).و ((

ورفيض في معنى مرفوض)) (2).

وصيغة فعيل مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، بـ ((.شرط أن يكون بمعنى مفعول، وذلك فيما عرف به الموصوف نحو: هذا رجل قتيل، وهذه امرأة

قتيل)) (3).

ومن علماء اللغة من أبدى على صيغة فعيل بمعنى مفعول بعض الملحوظات الدلالية المهمة الطريفة، فقال:((فعيل بمعنى مفعول يختلف عن ((مفعول)) في ثلاثة أمور:

1ـ الدلالة على أن الوصف قد وقع على صاحبه على وجه الثبوت أوقريب من الثبوت؛ فأصبح فيه كأنه خِلْقة وطبيعة؛ فيكون فعيل على هذا أبلغ من مفعول في الوصف، فكحيل أبلغ من مكحول، ودهين أبلغ من مدهون، وحميد أبلغ من محمود؛ لأنه أثبت.

2ـ لا يطلق وصف فعيل إلا إذا اتصف به صاحبه فلا يقال: أسير؛ إلا إذا أُسِر، ولا جريح؛ إلا إذا جرح، في حين أن مفعولا قد يطلق على ما اتصف به صاحبه أولم يتصف بمعنى أنه سيتصف به، فقد تطلق مأسور على مَن لم يؤسر بمعنى أنه

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 171 ـ 172].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 292ب26]. ووردت بعض المواضع عند التبريزي التي يذكر فيها هذا التبادل في المعنى بين فعيل ومفعول.

ـ قال عند قول أبي تمام:

إِذا نَزَلَ النَّزيعُ بِهِم قَرَوهُ

رِياضَ الريفِ مِن أُنُفٍ جَميمِ [بحر الوافر].

((النزيع مثل الغريب، وهوفعيل في معنى مفعول)). [3/ 163ب19]

ـ وقال التبريزي معلقا على كلمة ((شَجِي)): ((والاختيار شَجِي بتخفيف الياء، وقد جاء التشديد، وذلك على وجهين: أحدهما أن يكون مأخوذا من شجاه يشجوه إذا أحزنه، وشاقه فيكون فَعيلا في معنى مفعول)). [3/ 228ب31]

(3)

د. إميل بديع يعقوب: معجم الأوزان الصرفية، ص217

ص: 141

سيؤسر، ومقتول على من لم يقتل؛ بمعنى أنه سيقتل، ونحوه قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? چ (1)؛ أي: ستُثْبر وهكذا.

3ـ أن الوصف بفعيل أشد من مفعول، كما في جريح ومجروح، وكسير ومكسور)) (2).

- فَعِيل في معنى مُفْعَل:

قال: ((

ولا يمتنع أن يكون ((فَعِيلا)) في معنى ((مُفْعَل))، مثل: أسلمته؛ فهومُسْلَم وسَلِيم، وأعتقته؛ فهومُعْتَق، وعَتِيق)) (3).

- فَعِيل بمعنى مُفَاعِل:

قال عند قول أبي تمام:

نَعاءِ نَعاءِ شَقيقَ النَّدى

إِلَيهِ نَعِيًّا قَليلَ الجَداءِ [بحر المتقارب].

((شقيق الندى لأنه شق نسبه منه فهوأخوه. وفعيل هاهنا في معنى مُفاعل، كأنه شقيق ومُشاقٍّ، كما يقال جليس ومُجالس، وقعيد ومقاعد)) (4).

وقال أبوالعلاء: ((سُجَرَائِي؛ أي: أصدقائي، واحدهم سجير، ويحتمل أن يكون مأخوذا من السجر الذي هوحنين الإبل

كأن كل واحد منها يساجر الآخر؛ فصار ((المُفَاعِل)) ((فَعِيلا))، كما يقال: نادم؛ فهومُنَادِم ونَديم)) (5).

- فَعْل (وزن مصدر) في معنى فَاعِل:

قال أبوالعلاء: ((طريق لَحْب؛ أي: واضح، وهوفي معنى لاحب)) (6).

والتبادل بين اسم الفاعل والمصدر أمر أشار إليه اللغويون. قال الزمخشري في تفسير كلمة ((غَوْرا)) في قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? چ [الملك:30]، قال: ((غورا

(1) الإسراء: 102.

(2)

معاني الأبنية: ص 55، وينظر أيضا هذا الموضع عند التبريزي [3/ 228ب31]

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 467ب3].

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 10ب5].

(5)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 22]

(6)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 365].

ص: 142

أي: غائرا ذاهبا في الأرض)) (1).وقال عند قوله تعالى:چ ? ? چ [الحاقة: 5]: ((

وقيل: الطاغية مصدرٌ كالعافية؛ أي: بطغيانهم)) (2). وقال في قوله تعالى:چ ? ? ? ? ? ? چ [الحاقة: 8]: ((من بقية، أومن نفس باقية، أومن بقاء؛ كالطاغية بمعنى الطغيان)) (3).

- فوَاعِل في معنى مفعولات:

قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:

فَما زِلنَ يَستَشرينَ حَتّى كَأَنَّما

عَلى أُفُقِ الدُّنيا سُيوفٌ رَوامِضُ [بحر الطويل]

((فكأن روامض في معنى مفعولات. كما قالوا: عيشة راضية في معنى مرضية)) (4).

ـ أوزان صرفية متساوية في المعنى:

- فَعَل وأَفْعَل:

أشار أبوالعلاء في بعض المواضع إلى أن الصيغتين السابقتين تشتركان في المعنى كثيرا. قال: ((

وقال قوم: خَدَجت وأخْدَجَت سواء، وهذا القول أشبه بكلامهم؛ لأن فعل وأفعل يشتركان كثيرا)) (5).

وقال: ((أغاض: قليلة في الاستعمال، وإنما يقال: غاض الماءُ (

) ويجوز أن يكون الطائي سمع أغاض في شعر قديم، وإن لم يكن قد سمع فالقياس يطلقه)) (6).

(1) الكشاف: 4/ 439، [شرحه وضبطه يوسف الحمادي، الناشر: مكتبة مصر].

(2)

الكشاف: 4/ 453

(3)

الكشاف: 4/ 454

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 298ب14].

(5)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 17ب16].

(6)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 46ب9]. ويؤكد التبريزي نفس هذه الحقيقة في مواضع من شرحه فيقول: ((عصفت الريحُ وأعصفت بمعنى)) [3/ 280]،و ((نَكِر وأنْكر: واحد))، [3/ 272ب3]

ص: 143

واستضافة بعض الأوزان الصرفية لمعاني أوزان أخرى، أو القول بتساوي بعض الأوزان الصرفية في دلالتها أمر أشار إليه التبريزي (1)، كما أشار إليه ابن الحاجب وأبو منصور الثعالبي، فقال ابن الحاجب على سبيل المثال:((استفعل بمعنى فَعَل)) (2) و ((تفاعل بمعنى فَعَل)) (3)، ((تَفَعَّلَ بمعنى استفعل)) (4).

وقال الثعالبي: ((تَفَعَّل بمعنى فَعَّل، نحو: تخلصه إذا خلصه)) (5). وقال: ((افتعل يكون بمعنى فعل، نحو: اشتوى، أي شوى)) (6).

ويمكن أن نجمع ونلخص ما قاله العلماء الأربعة في الجدول التالي:

م

الوزن

الوزن الذي يساويه في المعنى

القائل

1

فَعُول

مَفْعُولة

أبو العلاء

2

فَعِيل

فَاعِل

أبو العلاء

3

فَعِيل

مفعول

أبو العلاء

4

فَعِيل

مُفْعَل

أبو العلاء

5

فَعِيل

مُفاعل

أبو العلاء

6

فَعْل (وزن مصدر)

فَاعِل

أبو العلاء

7

فَواعِل

مفعولات

أبو العلاء

8

فَعَل

مُفْعَل

التبريزي

9

فَعَل

مفعول

التبريزي

10

فِعْل

مفعول

التبريزي

(1) ينظر معاني الأوزان الصرفية عند التبريزي في المبحث التالي.

(2)

الشافية: 21

(3)

الشافية: 20

(4)

الشافية: 20/ 21

(5)

فقه اللغة وسر العربية: فصل في أبنية الأفعال، ص 364، وأشار أيضا أن صيغة الأمر من تَفَعَّل تساوي افْعَل.

(6)

السابق: ص 365

ص: 144

11

مُفْتَعل (من المضعف)

فاعِل أو مفعول

التبريزي

12

تفاعل

فَعَل

ابن الحاجب

13

تَفَعَّل

استفعل

ابن الحاجب

14

تَفَعَّل

فَعَّل

الثعالبي

15

افتعل

فَعَلَ

الثعالبي

16

استفعل

فَعَل

ابن الحاجب

وأهم ما يمكن أن نقرأه ونستشفه من هذا الجدول السابق وكلام أبي العلاء قبله أننا أمام ما يمكن أن نسميه بـ ((التداخل الدلالي لمعاني الصيغ الصرفية))، هذا التداخل الدلالي يأخذ بأيدينا إلى الأمور التالية:

1ـ هذا التداخل الدلالي يدل على أن الدلالة ((ناتجة عن تواضع اجتماعي، وهذا التواضع عرضة للتغيير والتطوير؛ ولذا جاز تغير الدلالة لتغير المواضعة وفق ما تمليه الظروف المستجدة في حياة الجماعة اللغوية)) (1).

2ـ ويدل أيضا ((أنه مهما اتسع مخزون اللغة اللفظي فهي قاصرة عن الوفاء بمطالب التعبير اللغوي في مجال الأفكار المجردة والصور والظلال)) (2).

3ـ إمكانية تطوير معاني الأوزان الصرفية لاستيعاب ألفاظ الحضارة، على أن يكون هذا للعلماء المتخصصين.

4ـ هذا التداخل الدلالي أيضا يعني أنه في الإمكان ظهور دلالات جديدة للأوزان الصرفية. وهذا أمر بدهي ومنطقي: فدلالات الأوزان الصرفية مأخوذة من دلالات الألفاظ التي يمثلها هذا الوزن، وبما أن دلالات الألفاظ متطورة (3) لأسباب كثيرة؛ فهذا

(1) مقال بعنوان ((مقدمة لدراسة التطور الدلالي في العربية الفصحى في العصر الحديث))، بقلم: د. أحمد محمد قدور، مجلة عالم الفكر، ص41، عدد مارس 1986م

(2)

السابق: 41

(3)

من الأسباب التى تؤدي إلى التطور الدلالي التطور الاجتماعي الذي ((يؤدي في غالب الأحيان إلى تطور لغوي؛ فتموت ألفاظ، وتبعث أخرى، وتتبدل معاني بعض الألفاظ، وقد يقترن التطور بظهور مفردات لغوية جديدة دلالة واشتقاقا))، ينظر المقال السابق: ص30

ص: 145

يعني بالضرورة أن دلالات الأوزان الصرفية متطوره، وهذا يعني بدوره دينامية التطور الدلالي للأوزان الصرفية، مما يعنى أيضا أن البحث يجب أن يكون مستمرا للوقوف على الدلالات الجديدة لهذه الأوزان.

والدليل على صحة ما ذهبنا إليه من تطور دلالة البنية الصرفية ما قام به أحد الباحثين المعاصرين الأستاذ محمد خليفة التونسي من تتبع دلالة بنية ((تَفَاعَل)) ووقوفه على بعض الدلالات التي لم تذكرها كتب الصرف، ومنها (1):

- أولا التفاعل من واحد:

• تكلف الفعل عن اعتقاد به، مثل: تتباهى الفتاة بجمالها، وتتفاخر بنسبها، وتتواجه بثرائها، وتتعاظم بثقافتها، وتتفاصح في كلامها، وتتعالى في معاملتها، وتتمايل في سيرها.

• المشابهة، مثل: تكالب على الشهوات؛ أي أشبه الكلب في الحرص عليها، وتذاءبت الريح؛ أي أشبهت الذئب في إقباله من جهة مرة، ومن غيرها أخرى.

• حدوث الفعل متتابعا، مثل: تماوج صوت أم كلثوم، وتقاطر المطر، وتناقص الماء بالتبخر، وترادف الرزق، ويتهالك على الدروس، ويتحامل على خصمه، وتقادم العهد، وتنامى الطفل، وتهاوى البناء، وتراجع في سعيه، وتراخت الحملة، وتسارعت الحركة، وتواتر الحديث، وترامى إلينا الخبر، وتمادى الضلال.

• الدخول في شيء، أو الميل إليه، مثل: تيامن الطريق، وتياسر في سعيه، وتباشر بالصباح، وتفاءل بالوجوه الحسان، وتشاءم بنعيق البوم، وتكاسل في عمله، وتساهل في حقه.

(1) مقال ((وزن تفاعل ودلالته))، بقلم: محمد خليفة التونسي، ص 147، مجلة العربي ع 247، الكويت.

ص: 146

• طلب الفعل، مثل: تقاضاه الدين؛ أي طلب منه قضاءه، تحاكم الشاعر إلى الناقد؛ أي طلب حكمه، ذهب إلى الطبيب ليتداوى؛ أي يطلب الدواء.

• مطاوعة فعل سابق من أي وزن؛ أي التأثر به، مثل: نثرت الحب فتناثر؛ أي انتثر.

• القيام بالفعل ابتداء؛ أي دون تأثر بفعل سابق، فهو كالفعل الثلاثي، مثل: تنازل عن حقه؛ أي نزل، وتساءل عن أخيه؛ أي سأل، وتجارأ عليه؛ أي جرأ، وتجاسر عليه؛ أي جسر، وتجاوز الحد؛ أي جاز، وتوانى في العمل؛ أي وني.

• اعتقاد صفة الشيء، مثل: أعطيته في الكتاب دينارا فتقاله؛ أي عده قليلا، وتعاظمت الذنب؛ أي عددته عظيما.

- ثانيا: تفاعل من اثنين أوجمع:

• مجرد التشارك أو الاشتراك في الفعل، مثل: تنادم الرجلان، وتصاحبا، وتجالسا.

• التبادل، مثل: تآمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر؛ أي: تبادلوا ذلك، فأمر بعضهم بعضا بالمعروف ونهاه عن المنكر، وتتجاذب الكواكب والنجوم، وتعامد الخطان، يتقارضان الثناء، تعارفا بعد أن كانا متناكرين، تقابض المتبايعان ثم تفارقا.

• المغالبة في الفعل وهي تشمل التشارك والتبادل بين طرف وآخر مع رغبة كل طرف أن يغلب الآخر، مثل: تفاخر الشاعران، ثم تهاجيا، تبارى الفريقان في الكرة، تتسابق الخيل، يتساقى المتحاربون الموت.

***

ص: 147

ـ علاقات بين صيغ صرفية:

- فَعَّال يقل في أفعل:

أوضح أبوالعلاء أن أخذ صيغة ((فَعَّال)) من وزن الفعل ((أَفْعَل)) قليلة. قال:

((فَعَّال يقل في أفعل، إلا أنهم قالوا: جبار، وهوعندهم من أجبرته على الأمر؛ إذا أكرهته عليه. وقالوا رجل دراك بالذُّحُول. وهومن أَدْرك، إلا أن هذه الأشياء تحمل على حذف الزوائد)) (1).

وأيد هذا السيوطي فقال: ((قال في ديوان الأدب: قليل أن يأتي فَعَّال من أفْعل يُفْعِل ، ومنه: الدرّاك؛ للكثير الإدراك. وقال ابن خالويه في كتاب ليس: ليس في كلامهم فَعَّال من أفعل، إلاّ جبَّار من أجْبَر، ودرّاك من أدرك، وسآر من أسأر.)) (2).

- قلما يستعملون في أَفْعَل مُفْتَعِلا:

قال أبوالعلاء: ((وأفصح الكلام أن يقال: أرتج الباب؛ إذا أغلقه، وقد حُكي ((رَتَج)) بغير همز، وإذا صح أنهم قالوا: رتج فمُرْتَتِجٌ منه؛ لأنهم قلما يستعملون في أفعل مفتعلا)) (3).

- أوزان متقاربة:

من الجائز زيادة الياء في ((فِعْلل)) لتصبح ((فِعْليل))، وفي ((فِنْعِل))؛ لتصبح

((فِنْعيل))؛ لتقارب هذه الصيغ. قال: ((الحِنْدِيس مثل الحِنْدس (4)؛ وزيادة الياء في مثل هذه المواضع جائزة؛ لأن فِعْللا وفِعْليلا متقاربان، وكذلك فِنْعِل وفِنْعِيل)) (5).

ـ الشرح من خلال الوزن:

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 315ب25].

(2)

المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 2/ 77، [

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: 2/ 254

(4)

الحندس: الليل الشديد الظلمة، [المعجم الوسيط]، أما الحنديس: ـ بمعونة الحاسب الآلي ـ فلم ترد هذه الكلمة بالمعاجم العربية، ووردت في بعض كتب الأدب، والتراجم، مثل:[يتيمة الدهر: 1/ 6]، [خريدة القصر وجريدة العصر 2/ 126]، [وفيات الأعيان: 3/ 405]

(5)

يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 266ب18].

ص: 148

من الأمور الطريفة التي كان يقوم بها أبوالعلاء توضيح معنى الكلمة من خلال ذكر وزنها؛ أي أنه يذكر الكلمة ثم يذكر وزنها، معتبرا هذا الذكر نوعا من الشرح، ومثال ذلك:

- و ((أصدت: ((أَفْعَلت)) من الصدى)) (1).

- ((المناغاة: ((المُفاعَلة))، من قولهم: ما سمعت له نُغْيةً؛ أي: كلمة. ويستعمل ذلك في تكليم الصبي الذي لم يفصح)) (2).

- ((العرمرم: الجيش العظيم، وهو ((فَعَلْعَل)) من العُرام والعرامة)) (3).

- ((ادَّريت

يجوز أن تكون في معنى ((افْتَعَل))؛ من دريته؛ إذا ختلته)) (4).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 302ب13].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 361ب9].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 170ب19]. لم يذكر صاحب كتاب شذا العرف في فن الصرف وزن ((فَعَلْعَل)) ضمن الأوزان التي أوردها في فصل: ((معاني صيغ الزوائد)) إلا أنه قال في هذا الفصل: ((ثم إن باقي الصيغ تدل على قوة المعنى، زيادة على أصله، فمثلا اعشوشب المكان: يدل على زيادة عُشبه أكثر من عشب، واخشوشن يدل على قوة الخشونة أكثر من خشن، واحمارَّ يدل على قوة اللون، أكثر من حمر واحمر)). [ص45]

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 74ب3]، وينظر أيضا:[1/ 149ـ150 ب11]، [1/ 219ب4]. ونثبت هنا أيضا أن التبريزي سار على هذا النهج نفسه مثلما فعل أستاذه أبو العلاء، فكان يذكر في مواضع وزن الكلمة كشرح لها، ومثال هذا المواضع التالية:

ـ ((الينبوع: النهر الكثير الماء، وهويَفْعُول من النبع)) [3/ 330]

ـ ((المتزع المفتعل من وَزَعْت الرجل إذا كففته)) [4/ 139ب2]

ـ ((وإن رويت جَدُوب بفتح الجيم، فهوفَعُول من جدبته؛ إذا عبته)) [4/ 559ب26]

ـ ((دَيْدنُه: عادته، وهوفَيْعَل من الددن)) [4/ 528ب12]

ـ ((مُنْجَمِش منفعل من التجميش)) [4/ 225ب1]

ـ ((ولايمتنع أن يكون الفيوم فَيْعُولا من الفوم، كما أن العيُّوق من العوق)) [4/ 427ب12]

ـ ((المستقل: الناهض، وإنما هومستفعل من قلة الجبل)) [3/ 287ب2]

ـ ((رَيْقَه أوله، وهوفَيْعَل من راق)) [1/ 113]

ص: 149

وشرح الكلمة من خلال وزنها يساهم في توضيح معنى الكلمة من خلال أمرين هما:

[أ] بيان أصول الكلمة، وبالتالي توضيح الأصل أوالجذر اللغوي الذي أُُخذت منه الكلمة. وقد مر بنا أن البحث في اشتقاق الكلمة يساهم في توضيح معناها. ونقل السيوطي عن أبي حيان قوله:((فإن قلت مَا فائدة وزن الكلمة بالفعل؟ قلت: فَائِدَته التَّوَصل إِلَى معرفَة الزائد من الأصلي على سبيل الاختصار فإِن قَولك وزن اسْتِخْرَاج استفعال أخصر من أَن تَقول الألف وَالسين وَالتاء والألف فِي اسْتِخْرَاج زَوَائِد)) (1).

[ب] أن هذا يضيف إلى معنى الكلمة المعجمي أوالسياقي ((المعنى الصرفيَّ)). فمعنى كلمة ((قَاتَل)) ـ من غير وجودها في سياق ما ـ تساوي المعنى المعجمي لكلمة ((قتل)) بالإضافة إلى المعنى الصرفي للوزن ((فَاعَل)) الذي يفيد التشارك بين اثنين فأكثر. قال ابن جني: ((إذا كانت الألفاظ أدلة المعاني؛ ثم زيد فيها شيء؛ أوجبت القسمة له زيادة المعنى به)) (2).

ـ المصادر:

سيستقل هذا الجزء من البحث بالحديث عن المادة الصرفية المتعلقة بالمصادر والتي أوردها أبوالعلاء في شرحه على الديوان.

- إقامة المصدر مقام الاسم:

الاسم ((كلمة تدل بذاتها على شيء محسوس أوشيء غير محسوس يعرف

بالعقل. وهوفي الحالتين لا يقترن بزمن)) (3).

أما المصدر الصريح الأصلي فهو ((الاسم الذي يدل ـ في الغالب ـ على الحدث المجرد؛ أى أن المصدر يدل على أمر معنوي محض، لا صلة له بزمان ولا بمكان

(1) همع الهوامع: 3/ 452

(2)

الخصائص: 3/ 268.

(3)

النحوالوافي: 1/ 26.

ص: 150

ولا بذات ولا بعلمية ولا بتذكير أوتأنيث، ولا بإفراد أوتثنية، أوجمع أوغيره، إلا أن يكون دالا على مرة أوهيئة)) (1).

من خلال التعريفين السابقين نقول إن الاسم أعم في مدلوله من المصدر؛ فكل مصدر اسم، وليس كل اسم مصدرا. وقد أشار أبوالعلاء إلى أن المصادر قد تحل محل الاسم؛ فقال تعليقا على بيت أبي تمام:

وَلا تُمكِنِ الإِخلاقَ مِنها فَإِنَّما

يَلَذُّ لِباسُ البُردِ وَهُوجَديدُ [بحر الطويل]

((استعمل ((اللِّباس)) في معنى المصدر، والمعروف أن ((اللِّباس)) هو ((الملبوس))، يُقال: عليه لِبَاسٌ حسن. وقد يستعيرون الأسماء فيقيمونها مقام المصادر)) (2)(3).

(1) النحوالوافي: 3/ 207

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 400ب4]، ينظر أيضا:[2/ 367ب26]. ومما أشار إليه أبوالعلاء أيضا أن الاسم والمصدر قد يتوافقان لفظا، قال:((وأُبُوَّة جمع أب، وقد وافق لفظ المصدر، من قولهم أب بين الأبوة)). [1/ 392]

(3)

وأشار التبريزي في مواضع من شرحه إلى نفس هذه الجزئية، فأشار إلى إمكانية ((إقامة المصدر مقام الاسم، وإقامة الاسم مقام المصدر))، وأشار في أحد المواضع إلى أن إقامة المصدر مقام الاسم ((قياس مطرد))، ومن هذه المواضع الإشارت التالية:

ـ قال: ((الضفر: فتل ليس يبلغ في القوة المُغار، ويسمى الحبل المضفور ضفرًا، سموه بالمصدر)[1/ 332ب14]

ـ قال عند قول أبي تمام:

مَجدٌ تَهَدَّمَ حَتّى صارَ مُحكَمُهُ

نَقضًا تُرَمُّ بِهِ الآطامُ وَالدورُ

ساحاتُ سوءٍ بِحَمدِ اللهِ مَيِّتَةٌ

فيها العُلا حَيَّةٌ فيها الزَّنابيرُ [بحر البسيط].

((استعمل نقضًا وهومصدر في موضع الاسم، وإنما جرت العادة في نحوهذا أن يقال: النَّقَض وهوما نُقض؛ فتحرك الحرف الأوسط في كل ذلك، ولكن استعمال المصدر في موضع الاسم قياس مطرد)[4/ 373ب9]، وينظر أيضا الموضع التالي:[3/ 155ب32]

ـ وقال: ((صِيان الشيء وصوانه: ما صِينَ به، وهومن ذوات الواو، وإنما قلبت ياء في صيان لانكسار ما قبلها، وكأنَّ الصيان في الحقيقة مصدر سُمِّي به الشيء)). [3/ 294ب1]

وأشار التبريزي أيضا إلى إقامة المصدر مقام اسم الفاعل، فقال:((استغنوا بالمصادر عن اسم الفاعل؛ إذ كانت المصادر قد تكون نعوتا)). [3/ 313ب12]، بل نجد عند التبريزي التصريح بإقامة الفعل مقام الاسم، فقال:((.. وقد جاوزوا في ذلك إقامة الاسم مقامَ الاسم، فأقاموا الفعل مقامه إذ كان الاسم قد يوصف بالفعل)[4/ 341ب2]

ص: 151

ومن المنطقي ألا يكون هذا الإحلال مقبولا أو منطقيا إلا إذا كان الاسم دالاـ في هذه المواضع التي يقع فيها الإحلال ـ على شيء محسوس، أومعنى غير مصدري.

ولكن لماذا يلجأ الأديب أو الشاعر لإقامة المصدر مقام الاسم؟

يمكن أن نفسر ذلك بأن هذا التبادل فيه كسر لرتابة اللغة وخروج عن الأنماط اللغوية المألوفة، وهذا فيه لفت للانتباه وإثارة الذهن ودفعه لإعمال العقل للوصول إلى المعنى.

كما أن التعبير بـ ((المصدر)) فيه خروج بالتعبير من الخصوصية المقيدة بالمكان أو الزمان إلى العمومية المطلقة، ولا شك في أنه بهذه العمومية تخلد الفكرة المعبر عنها للسماح لها بالانتقال عبر الزمان والمكان؛ لكون المصدر غير مرتبط بزمان أو مكان. أو على حد تعبير ابن جني ((المصدر كل اسم دل على حدث وزمان مجهول)) (1).

- تثنية المصدر:

سبق أن أوضحنا أن المصدر بدلالته على المعنى المجرد لا صلة له بتثنية أوغيرها، إلا أن أبا العلاء يُقر إمكانية تثنيته، ويقر أيضا في نفس المقام أن ذلك قليل، قال عند قول أبي تمام:

يُجاهِدُ الشَّوقَ طَورًا ثُمَّ يَجذِبُهُ

جِهادُهُ لِلقَوافي في أَبي دُلَفا [بحر البسيط]

((

هذا البيت مختلف في روايته، فأكثر النسخ يوجد فيها:((مُجاهَديه القوافي))؛ فكأنه ثَنَّى المصدر على هذه الرواية. وتثنيته قليلة، فكأنه جَاهَد مُجاهدًا؛ ثم جعل النوع مختلفا باختلاف السر والجهر؛ فثنى لذلك)) (2).

(1) اللمع في العربية: ص 44، ت: سميح أبو مغلي، دار مجدلاوي للنشر، عمان 1988م

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 362ب10].

ص: 152

وتعليل النحاة لعدم تثنية المصدر ولا جمعه لأنه ((اسم جنس، ويقع بلفظه على القليل والكثير، فجرى لذلك مجرى الماء والزيت والتراب)) (1).

وإشارة أبي العلاء لقلة تثنية المصدر في النص السابق يقصد بها المصدر المؤكد لعامله (2). والمصدر إذا كان مؤكدا لفعله كان هو المطلق حقا، فلا وجه لتثنيته أو جمعه، ((ولكنه حين يكون مبينا لنوعه أو عدده لم يكن هو المطلق، بل يكون مقيدا بنوعه أو عدده، وهذا يدل على أن لهذا المصدر أكثر من نوع وأكثر من مرة، فكلا هذين المصدرين ـ إذن ـ قد خرج من الاطلاق والشمول إلى التقييد والتحديد، وتنوعه وتعدده يجعلانه قابلا للتثنية والجمع)) (3).

- جمع المصدر المؤكد لعامله المذكور:

المصدر المؤكد لعامله المذكور في الجملة تأكيدًا محضًا ((لا يجوز ـ في الرأي الشائع ـ تثنيته ولا جمعه، ما دام المراد منه في كل حالة هوالمعنى

المجرد، دون تقييده بشيء يزيد عليه؛ أي: ما دام المصدر مُبْهمًا)) (4). وسبب امتناع التثنية والجمع أن المصدر المؤكد مقصود به ((معنى الجنس لا الإفراد فهو يدل بنفسه على القليل والكثير؛ فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة العددية في المفرد والتثنية، والجمع؛ لأن دلالته تتضمنها، ومثل المصدر المؤكد ما ينوب عنه)) (5).

إلا أن أبا العلاء يصرح بإمكانية ((جمع المصدر)) إذا دل على أنواع مختلفة.

ـ قال عند قول أبي تمام:

(1) ابن جني: اللمع في العربية: ص 45

(2)

جاء في شرح ابن عقيل: ((لا يجوز تثنية المصدر المؤكد لعامله ولا جمعه، بل يجب إفراده، وأما غير المؤكد ـ وهوالمبين للعدد والنوع ـ فذكر المصنف أنه يجوز تثنيته وجمعه .. وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياسا، بل يقتصر فيه على السماع)). ص126 ـ 127

(3)

المصدر هل يثنى ويجمع؟ ومتى؟، مقال أ/ محمد خليفة التونسي، مجلة العربي، ع219، ص 108

(4)

النحوالوافي: 2/ 211

(5)

النحوالوافي: 2/ 211

ص: 153

لَئِن جَحَدتُكَ ما لاقَيتُ فيكَ فَقَد

صَحَّت شُهودُ تَباريحي وَتَعذيبي [بحر البسيط]

((.. والتباريح: جمع تبريح، كما قالوا التكاليف في جمع التكليف، والتباشير في جمع التبشير، وأصل المصادر ألا تجمع، وربما استحسنوا فيها ذلك إذا اختلفت الأنواع)) (1).

فتعليل جواز جمع المصدر في بيت أبي تمام اختلاف الأنواع؛ أي: تبريح مختلف عن تبريح، وتبشير مختلف عن تبشير، ولعل لهذا غرضا بلاغيا، بل إن له لغرضا بلاغيا حقا؛ فقد دل على مبلغ ما تحمل فيه؛ إذ تعاورته واختلفت عليه أنواع التباريح؛ فمن خفيف إلى ثقيل، ومن ضعيف إلى قوي، ومن قصير إلى طويل.

- مصادر الأفعال وسيلة لتحديد معناها:

أشار أبوالعلاء إلى أن المصادر قد تكون وسيلة لتحديد معنى الفعل. وقد تكون أيضا وسيلة من الوسائل التي تتخذها اللغة ((لأمن اللبس)). قال: ((إنهم يفرقون بالمصادر بين الأفعال التي أصلها واحد في الاشتقاق؛ فيقولون: ((خَفَّ الشيء خِفَّة))؛ إذا كان خفيف الزنة، و ((خَفَّ خُفُوفًا))؛ إذا ارتحلوا)) (2).

ـ الجموع:

كان من عادة أبي العلاء أن يذكر مفردات الجموع التي تقابله، وكان هذا ولا شك يسهم كثيرا في توضيح المعنى. قال عند قول أبي تمام:

ضَمِنَت لَهُ أَعجاسُها وَتَكَفَّلَت

أَوتارُها أَن تُنقَضَ الأَوتارُ [بحر الكامل]

((الأوتار الأولى: جمع وَتَر القوس. والأوتار الثانية: جمع وَتْر من الذَّحْل. وهوتجنيس التساوي والتوافق)) (3).

ومن خلال دراسة الجموع عند أبي العلاء نخرج ببعض الحقائق التالية:

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 158ب3].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 240ب3].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179ب50].

ص: 154

ـ الكلمة التي على وزن ((أَفْعَل)) ومؤنثه ((فَعْلاء)) تجمع على ((فُعل))، بتحريك العين أوتسكينها، ((إلا أن التسكين في جمع أفعل وفعلاء هوالوجه المختار)) (1) عند أبي العلاء.

ـ تحذف ((الياء)) من وزن ((فعاليل)) لطول الكلمة وضعف الحرف. قال أبوالعلاء: ((قيل للفقير صُعْلُوك، والقياس أن يقال في جمعه: صعاليك ويجوز صعالك؛ بحذف الياء)) (2).

- الجمع قد يبنى على النسب:

أشار أبوالعلاء إلى أن هناك جموعا قد تبنى على النسب؛ بمعنى أن تكون

الكلمة، ثم يؤتى بالمفرد منسوبا إليها، ثم يؤتى بالجمع بحذف ياء النسب. قال عند قول أبي تمام:

بِزُهرٍ وَالحُذاقِ وَآلِ بُردٍ

وَرَت في كُلِّ صالِحَةٍ زِنادي [بحر الوافر]

((وقال الحُذاق؛ لأنه بناه على النسب. يقال: رجل حُذَاقِي؛ فيُشبه بقولهم رُوميّ وزَنْجِي، ثم يقال للجمع: الزَّنْج والرُّوم؛ فتحذف الياء)) (3).

ويؤخذ من النص السابق أن ياء النسب يمكن أن تستخدم في ((تمييز الواحد من الجمع))، وهذا ما صدق عليه بعض العلماء فقال:((وكما أشركوا بين هاء التأنيث وياء النسب في المبالغة أشركوا بينهما في تمييز الواحد من الجمع فحبشي وحبش، وزنجي وزنج، وتركي وترك بمنزلة تمرة وتمر ونخلة ونخل)) (4).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 240ب14]. وقال في موضع آخر: ((وضم مُلُس؛ والصواب تسكينها فيما كان أفعل أوفعلاء، مثل: حُمْر صُفْر، والتحريك جائز)) [2/ 236].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 463ب19].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 371ب7].

(4)

شرح الكافية الشافية: محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين 4/ 1960، المحقق: عبد المنعم أحمد هريدي، الناشر: جامعة أم القرى ط1

ص: 155

- فَعِيل لا يجمع على فَعَلَة. قال: ((

وهذا أوجه من أن يقال سراةٌ جمع سري؛ لأن فعيلا لا يجمع على فَعَلَة)) (1).

- فِعْلَة قلما تجمع على فُعْل. قال عند قول أبي تمام:

لَقَد أَخَذَت مِن دارِ ماوِيَّةَ الحُقبُ

أَنُحلُ المَغاني لِلبِلى هِيَ أَم نَهبُ [بحر الطويل]

((وأنث على معنى البرهة والمدة؛ لأن تذكير الحُقْب غير حقيقي، وهذا أوجه من أن يقال الحقب جمع حقبة؛ إذا أريد بها السنة؛ لأن فِعْلة قلما تجمع على فُعْل)) (2).

- فَعْل لا يجمع على أَفْعال كثيرا. قال: ((والأحسن أن يكون أعجاس جمع عِجْس بكسر العين، أوعُجْس بالضم؛ لأن ((فَعْلا)) لا يجمع على أفعال كثيرا)) (3).

- ربما جمعوا فُعْلَة على فِعَال. قال: ((وربما جمعوا ((فُعْلَة)) على ((فِعَال))، كما قالوا: نُقْرة ونِقَار، وجُفْرة وجِفَار)) (4).

- جمع ((فَعْلَة)) على ((فَعَائِل)) غير مشهور. قال: ((وأشبه الأمر بالطائي أن يريد بالحلائب جمع: حَلْبة من الخيل، جمعها على فعائل؛ كأن الواحدة حليبة، إلا أن ذلك غير مشهور)) (5).

- قد يقتضي القياس أن يكون الجمع على وزن معين ولكن المستعمل غيره. وقد يوجد الجمع وليس له مفرد مستخدم.

قال: ((أصبية جمع صَبيّ على القياس، والمستعمل صِبْية)) (6).

وقال: ((وأعزال جمعٌ، وواحده غير مستعمل)) (7).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 180ـ 181ب8].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 177ب1].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179ب49، 50].

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 124ب35].

(5)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 236ب7].

(6)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 560ب20].

(7)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 138ب36].

ص: 156

- من المصطلحات التي تطلق على جمع القلة مصطلح ((أدنى العدد)).

قال: ((وجمع ذَنُوب في أدنى العدد ((أَذْنِبَة)) على رأي من ذكره)) (1).

وقد تردد هذا المصطلح عند سيبويه في عدة مواضع منها، قال في إحداها:

((واعلم أن لأدنى العدد أبنية هي مختصَّة به، وهي له في الأصل، وربَّما شركه فيه الأكثر، كما أنَّ الأدنى ربَّما شرك الأكثر. فأبنية أدنى العدد ((أَفْعُلٌ))؛ نحو: أكلبٍ وأكعبٍ. و ((أَفْعَال))؛ نحو: أجمالٍ وأعدالٍ وأحمالٍ، و ((أَفْعِلَة)) نحو: أجربةٍ وأنصبةٍ وأغربةٍ. و ((فِعْلَة))؛ نحو: غلمةٍ وصبيةٍ وفتيةٍ وإخوةٍ وولدةٍ. فتلك أربعة أبنية، فما خلا هذا فهوفي الأصل للأكثر)) (2).

وينبغي التنبيه على أن عدم تحديد المصطلحات العلمية يؤدي إلى لبس شديد، وضياع المعاني من القارئ، ولعل من أبرز الصعوبات التي تواجه الباحثين في النحو العربي ((استخدام المصطلحات وتحديد مدلولاتها، ومدى ما أصابها من تطور عبر الزمان والمكان جميعا)) (3).

• التذكير والتأنيث عند أبي العلاء:

الألفاظ من حيث التذكير والتأنيث كما أشار أبوالعلاء تنقسم إلى أربعة أقسام:

(أ) قسم يذكر.

(ب) قسم يؤنث.

(ج) قسم يذكر ويؤنث ولكن الغالب عليه التذكير.

(د) قسم يذكر ويؤنث ولكن الغالب عليه التأنيث (4).

ومن أمثلة القسم الأول عنده: ((السيفانة: الضامرة البطن، والذكر: السيفان)) (5).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 85].

(2)

الكتاب: 3/ 490

(3)

د. على أبو المكارم: أصول التفكير النحوي، ص 8

(4)

وهما اللذان لا تقع فيهما ـ في الغالب ـ علامة تدل على التأنيث.

(5)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 352ب6].

ص: 157

ومن أمثلة القسم الثاني عنده: ((الدلو: من النجوم مؤنثة، مثل الدلو المعروفة)) (1).

ومن أمثلة القسم الثالث عنده الغالب عليه التذكير:

((العاتق يذكر ويؤنث والأكثر التذكير)) (2).

((السلطان المعروف فيه التذكير، وقد حكي تأنيثه)) (3).

ومن أمثلة القسم الرابع عنده الغالب عليه التأنيث:

((الذراع: مؤنثة في معظم كلامهم، وذكر الفراء أن تذكير الذراع لغة عُكلية، واستشهد على أن التذكير جائز بقولهم في اسم البلد أَذْرِعات؛ لأن أذرعات جمع ((أَذْرِعة))، وأذرعة جمع ((ذِراع)) في حال التذكير. مثل: حمار وأحمرة، ولوجُمِع مؤنثا لقيل:((أَذْرُع))؛ فوجب أن يقال في الجمع أَذْرُعات بضم الراء)) (4).

((كداء: موضع بمكة، والغالب على كداء التأنيث)) (5).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 353ب12]. وفي كلام للتبريزي قال: ((الغالب على الدلوالتأنيث، وربما ذكر)). [4/ 35 ب61]

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 365ب29].

(3)

قال الفراء: ((السلطان: أنثى وذكر، والتأنيث عند الفصحاء أكثر، والعرب تقول: قضت به عليك السلطان، وقد أخذت فلانا السلطان))، ينظر: المذكر والمؤنث، تحقيق: رمضان عبد التواب، 74، ط2 مكتبة دار التراث.

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 35ب62]

(5)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 11ب1]. ومن الأمثلة التي ذكرها التبريزي على هذاالقسم: ((أصل القَلْتِ نقرة في صخرة يجتمع فيها ماء السماء، والغالب عليها التأنيث)). [1/ 425ب7] و ((ذَكَّر الضحى والمعروف تأنيثها)). [1/ 94] وأيضا: [1/ 434]

ومن القواعد التي ذكرها التبريزي في هذا الباب ـ ويؤيد التقسيم الذي أوردناه ـ: ((والتأنيث جائز في كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء؛ مثل: نخل ونخلة، وتمر وتمرة، إلا أن بعض جموع هذا النوع يغلب عليه التذكير، وبعضها يغلب عليه التأنيث، والوجهان جائزان)). [1/ 301ب9]، وقال أيضا في موضع آخر:((سحاب جمع سحابة؛ فيجوز أن يذكر ويؤنث كما يجوز ذلك في الجموع التي ليس بينها وبين واحدها إلا الهاء)). [4/ 575ب33]

ص: 158

والتقسيم السابق الذي لفت أبو العلاء النظر إليه يدل على أن ((ظاهرة التذكير والتأنيث لا تجري في اللغة العربية على قياس مطرد، وأن المعول عليه في ذلك هو السماع)) (1)، كما أنه دليل على عدم وجود ((صلة عقلية منطقية بين الاسم وما يدل عليه من تذكير أو تأنيث)) (2). وأن هذا ((هو السر في أن كثيرا من الكلمات التي تسمى بالمؤنثات السماعية في اللغة العربية ـ وهي التي تخلو من علامات التأنيث ـ قد روي لنا فيها التذكير كذلك، وينسب ذلك في بعض الأحيان إلى القبائل العربية)) (3).

****

ـ القول في عبدون وحمدون:

ـ قال عند قول أبي تمام يهجو فيها شخص يسمى عبدون:

أَعَبدونُ قَد صِرتَ أُحدوثَةً

يُدَوَّنُ سائِرُ أَخبارِها [بحر المتقارب]

((مذهب بعض الناس في ((عَبْدون)) و ((حَمْدون)) وما كان مثلهما أنهما أسماء محرفة عن العربية، فهي جارية مَجْرى الأعجم لا تنصرف في المعرفة وتنصرف في النكرة، فينبغي أن يُنْشَد على هذا ((أعبدون)) بضم النون لأنه منادى علم، ومن ذهب إلى أن ((عبدون)) جمع عبد سُمي به، فيجب أن يُنْشِد أعبدون بفتح النون؛ لأنه اسم عَلَم والواو للجمع، والذي حكاه النحويون في مثل هذا النحووجهان: أحدها أن تقول إذا

(1) أبو الحسن أحمد بن فارس: المذكر والمؤنث، ص40، تحقيق رمضان عبد التواب، ط1 القاهرة 1969م

(2)

أبو الحسن أحمد بن فارس: المذكر والمؤنث،30، هذا بالإضافة إلى الدليل الذي ذكره د. رمضان عبد التواب ص31 في المقدمة من أن ((من اللغات ما يعد بعض الكلمات مؤنثا، وهي مذكرة في لغات أخرى، والعكس بالعكس: فمثلا تعد اللغة العربية: ((الخمر)) و ((السن)) و ((السوق)) كلمات مؤنثة، على حين تعدها اللغة الألمانية مذكرة، فهي فيها: der Wein و der Zahn و der Markt)) .

(3)

أبو الحسن أحمد بن فارس: المذكر والمؤنث، 32

ص: 159

سميت الرجل بجمع عبد جاءني عبدون كما تقول جاءني الزيدون، وتقول في النصب والخفض، لقيتُ عبدين ومررت بعبدين فتجعله تاليا وتُجرى نون الجمع، والآخر أن تجعله بياء في كل وجه وتعرب النون بوجوه الإعراب، فتقول هذا عبدين ورأيت عبدينا ومررتُ بعبدين، وقد أجاز بعض المتأخرين أن تُقر الواوعلى كل حال، ويلزمه على هذا الوجه أن يعرب النون، إلى هذا المذهب يميل من زعم أن زيتونًا جمع زيت وأنه على فَعْلون)) (1).

يلخص أبو العلاء موقف العلماء من ((عبدون)) وما شابهها كالتالي:

- قسم من العلماء ذهب أنها أسماء محرفة عن العربية.

- وقسم ذهب أنها جمع ((عبد)) سمي به.

ويلخص الموقف الإعرابي بأنه:

- من العلماء من أعربها إعراب جمع المذكر السالم.

- ومنهم من ألزمها الياء والنون، وأجرى العلامة الإعرابية على النون.

- ومنهم من ألزمها الواو والنون، ويلزم من قال بهذا الرأي ـ كما قال أبو العلاء ـ أن يعرب النون.

والباحث يرجح أن عبدون وما شابهها محرفة عن العربية، ودليل الترجيح أن معظم الأعلام التي ختمت بـ ((ون)) معظمها أعلام ((أندلسيين))، وقد قام الباحث بالرجوع إلى فهرس الأعلام الذي قام به د. شوقي ضيف لكتاب ((المُغرب في حُلى المغرب)) (2)، والفهرس الذي صنعه الأستاذ إحسان عباس لكتاب ((نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)) (3)، وفهرس د. أحمد مختار العبادي على كتاب ((نُفاضة الجراب في عُلالة الاغتراب)) (4) واستخرج منه الأعلام التالية (5):

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 369ب1].

(2)

دار المعارف، ط4

(3)

دار صادر بيروت، 1988م

(4)

للسان الدين بن الخطيب، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة.

(5)

مع استبعاد كلمتي: ابن، وأبو.

ص: 160

أردون

حنون

زرهون

ضيفون

غلبون

أرغون

حيون

زنون

طولون

فتحون

الفكون

خزرون

زيتون

عبدون

فحلون

بدرون

خلدون

زيدون

عزون

فرحون

تحقون

خلصون

سحنون

عفيون

فركون

حزمون

خيرون

سعدون

علون

لاطون

حسون

دحون

سمنون

عمرون

دمعون

حفصون

ذنون

شبطون

عيشون

ميمون

حمدون

زرقون

شلبون

غزلون

وهبون

ومن أسماء الأعلام الأندلسية العربية أيضا التي تنتهي بالواو فقط: أبو خدو (1)، أبو حمو (2).

وأيضا: نقشابو (لقب مغن)(3)، رحو (4)، برميخو (5) ومن أعلام النساء: قسمونة، ومن أعلام الأماكن: برشلونة، بلكونة، ركونة، شذونة، طرسونة

تلك الأعلام السابقة ظهرت على أرض الأندلس، ومن الطبيعي أن يحدث تأثر بالبيئة اللغوية الموجودة سلفا في هذا المكان التي تسيطر عليه اللغة الأسبانية التي تتميز بانتهاء عشرات الكلمات فيها بالمقطع الصوتي:[أوو / O/]، ومنها على سبيل المثال لا الحصر (6):

(1) نفح الطيب: 6/ 486، ونفاضة الجراب 73

(2)

نفاضة الجراب: 25

(3)

نفح الطيب: 5/ 341، واسمه: محمد بن سعيد الصنهاجي.

(4)

نفاضة الجراب: 261

(5)

نفاضة الجراب: 12، واسمه: محمد السادس، الغالب بالله أبو سعيد.

(6)

اعتمد الباحث في اختيار هذه الكلمات على: The New Lexicon Webester s Dictionary of the English language ، الملحق ES-1 [Spanish-English Dictionary]

ص: 161

اتفاف

acuerdo

كامل / مطلق

absoluto

بَقَّال

abacero

تقدم

adelanto

منهمك

absorto

تحت

abajo

خلال

adentro

معتدل

abestemio

كئيب

abatido

صفة

adjetivo

جد

abuelo

يفتح

abierto

مزين

adorno

ينهي

acabado

خليج

abismo

بالغ

adulto

فرصة

acaso

محام

abogado

مطار

aeropuerto

دخول

acceso

أسلاف

abolengo

مشهور

afamado

يؤكد

acento

سماد

abono

حزين

afligido

نشيط

activo

إخفاق

aborto

يمسك

agarro

فعل / حدث

acto

معطف

abrigo

ومن أسماء الأعلام الأسبانية: [Pedro Antonio de Alarcon ، أحد أشهر الروائيين الأسبان]، [Leopoldo Alas ناقد وروائي]، [Mateo Aleman روائي]، [Pedro Calderon de la Baraca كاتب مسرحي](1).

والعرب تُزيد ((النون في بعض الصفات فقيل: غضبان وفرحان وجوعان، وفي مثل: سعدون، خلدون، حسنون، شقرون، شيخون، وفي بعض المصادر مثل غفران، شكران، قرآن، وفي آخر بعض جموع التكسير، مثل ذؤبان، جرذان، بل زادوها في آخر بعض الأفعال، مثل: سلطن، برهن، حلقن، شيطن)) (2).

فليس من المستبعد أن يكون ختام الأعلام: عبدون، عمرون، فتحون وغيرها من التأثير الصوتي الموجود في اللغة الأسبانية، ولاسيما إذا علمنا أن احتكاك العرب بالأراضي الأندلسية بدأ تاريخيا عام 92هـ أيام الخلافة الأموية وقائدها موسى بن نصير ومولاه طارق بن زياد، مع الأخذ في الاعتبار أن أبا تمام توفي عام 231هـ، أي أن الاحتكاك قبله امتد لأكثر من 130عاما.

(1) ينظر: Lexicon Universal Encyclopedia ، vol 21 ، index

(2)

أ/ محمد خليفة التونسي: الأنانية والأثرة، ص 163، مقال بمجلة العربي الكويتية، ع 291، فبراير 1983م

ص: 162

وعليه فإن الباحث يرجح أن هذه الأعلام أسماء أعجمية تعامل معاملة الممنوع من الصرف.

****

ـ اجتراء الشعراء على بنية الكلمة:

يثبت أبوالعلاء في أكثر من موضع الحقَّ المتاح للشعراء في انتهاك بنية الكلمة حذفا لبعض الحروف أوتخفيفا، مؤكدا ذلك في مواضع متعددة.

قال عند قول الطائي:

يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت

مِنكَ المُنى حُفَّلا مَعسولَةَ الحَلَبِ [بحر البسيط]

((وعمورية اسم أعجمي، واستعمله في هذا البيت بتشديد الميم والياء، وقد روي عنه في قصيدة أخرى بتخفيف الحرفين، والشعراء يجترئون على تغيير الأسماء الأعجمية أكثر من اجترائهم على تغيير الأسماء العربية)) (1).

ـ قال عند قول أبي تمام:

حَضرَمتُ دَهري وَأَشكالي لَكُم وَبِكُم

حَتّى بَقيتُ كَأَنّي لَستُ مِن أُدَدِ [بحر البسيط]

((.. ((حضرمتُ دهري))؛ أي: جعلته بحضرموت. فكأنه اجترأ على بنية هذه الكلمة لما كانت العرب تقول: رجل حضرمي؛ إذا نسبوه إلى حضرموت)) (2).

ـ وقال عند قول أبي تمام:

أَيُّها الغَيثُ حَيَّهَلَّا بِمَغداكَ وَعِندَ السُرى وَحينَ تَؤوبُ [بحر الخفيف]

(((أيها الغيث حَيَّهَلَّا): شدد حَيَّهَلَّا، ولا تعرف إلا مخففة اللام (

) ويجوز أن يكون سمعها مشددة في شيء من شعر العرب)) (3).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 46].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 337ب7].

(3)

يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 292]، وينظر أيضا:[2/ 263ب3].وقد اتفق التبريزي هو وأبو العلاء في إثبات هذا الحق، فيقول عند قول أبي تمام:

أَما وَأَبيها لَورَأَتني لَأَيقَنَت

بِطولِ جَوًى يَنفَضُّ مِنهُ الحَيازِمُ [بحر الطويل].

((الحيازم:: أراد الحيازيم؛ فحذف الياء، وإنما الواحد حيزوم، وحذف هذه الياء في الجمع يجترئ عليه الشعراء كثيرا)[3/ 177ب6]

ـ وقال: ((والأكثر في السُّمر تسكين الميم، وقلما يستعملون تحريكها في الجمع إذا كان لـ

((أفعل، وفعلاء))، مثل: أحمر وحمراء، يقولون: حُمْرٌ في المذكر والمؤنث، فيلزمون الإسكان، إلا أن يضطر شاعر، فيقول: السُّمُر في جمع أسمر، والورق في جمع أورق .. فأما العُشْب والعُشُب، فإنهم يجترئون في مثل هذا على الحركة والسكون)). [1/ 61]، وينظر أيضا الموضعين التاليين:[2/ 255ب4]، [3/ 283ب5]

ص: 163

ويعترف أيضا بأن الشعراء قد يخرجون بالكلمة إلى وضع استعمالي جديد. قال عند قول أبي تمام:

إِنَّ الأَميرَ بَلاكَ في أَحوالِهِ

فَرَآكَ أَهزَعَهُ غَداةَ نِضالِهِ [بحر الكامل]

((الأهزع: آخر سهم يبقى في الكنانة، وأكثر ما يستعمل في النفي مع التنكير (

) وقد أخرجه الطائي إلى الإيجاب، وأراد التعريف بالإضافة)) (1).

• ملحوظات صرفية على بنية الكلمة عند أبي العلاء:

1ـ التناسق اللفظي قد يكون له تأثيره على ضبط الكلمة وإعرابها وبنيتها:

ودليل ذلك قوله عند قول أبي تمام:

بِمُختَبِلٍ ساجٍ مِنَ الطَّرفِ أَحوَرٍ

وَمُقتَبَلٍ صافٍ مِنَ الثَّغرِ أَشنَبِ [بحر الطويل]

((يُختار فتح الباء من ((بِمُختَبِلٍ))؛ ليكون موازيًا لفتحها في ((مُقتَبَلٍ))

)) (2).

ـ وقال عند قول أبي تمام:

جَديرٌ بِأَن يَستَحيِيَ اللهَ بادِيًا

بِهِ ثُمَّ يَستَحيي النَّدى وَيُراقِبُه [بحر الطويل]

((

ورفعه ((يستحيي)) أوكدُ لرفع ((يُراقبه))؛ لأن المرفوع يكون تابعا لمثله)) (3).

وتأثير التناسق اللفظي على بنية الكلمة أمر التفت إليه كثير من علماء اللغة، قال الثعالبي: ((فصل في الحمل على اللفظ والمعنى للمجاورة: العرب تفعل ذلك

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 59ب1].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 148ب8].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 227ب22].

ص: 164

فتقول: هذا حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. والخرب نعت الحُجر لا نعت الضبِّ، ولكن الجوار عمل عليه كما قال امرؤ القيس:

كأن ثبيرًا في عَرانين وَبلِهِ

كبيرُ أناسٍ في بِجاد مُزَمَّلِ [بحر الطويل]

فالمُزَمَّل: نعت الشيخ لا نعت البِجاد وحقه الرفع ولكن خفضه للجوار (

) وفي القرآن: چ ? ٹ ٹ چ [يونس 71]، لا يقال: أجْمَعت الشُّركاء وإنما يقال: جَمَعت شركائي وأجمَعتُ أمري وإنما قال ذلك للمجاورة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارجِعْنَ مأزورات غيرَ مَأجورات)) (1) وأصلها مَوزورات من الوزر، ولكن أجراها مجرى المَأجورات للمجاورة بينهما، وكقوله: بالغدايا والعشايا ولا يقال: الغدايا إذا أفردت عن العشايا لأنها الغدوات والعامة تقول: جاء البرد والأكسية والأكسية لا تجيء؛ ولكن للجوار حقٌّ في الكلام)) (2).

ومن إشارات النحاة أن الفعل المضارع المعتل الآخر بالياء يرفع بضمة مقدرة عليها ويجزم بحذفها. والأغلب أن تكون هذه الياء مذكورة ((ومن الجائز حذفها لغير جازم، قصدا للتخفيف، أو مراعاة الفواصل، ونحوها، تبعا لبعض القبائل العربية، بشرط أمن اللبس بين هذا النوع الجائز من الحذف والنوع الآخر الواجب الذي سببه الجزم)) (3).

2ـ العرب تُثني الشيء وتجمعه لأنها تضيف إليه ما يقرب منه:

ـ قال عند قول أبي تمام:

وَبِشُعلَةٍ نَبذٍ كَأَنَّ قَليلَها

في صَهوَتَيهِ بَدءُ شَيبِ المَفرِقِ [بحر الكامل]

(1) قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة: ((2742: ارجعن مأزورات غير مأجورات، ضعيف)). [6/ 243]

(2)

فقه اللغة وسر العربية: لأبي منصور الثعالبي، ص 326، [تحقيق: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الذخائر 168]

(3)

النحو الوفي: 1/ 186

ص: 165

((.. والصهوة: مَقْعد الفارس وثناها في هذا البيت؛ لأنه قصد الجانبين، والعرب تفعل ذلك يثنون الشيء، ويجمعونه؛ لأنهم يضيفون إليه ما يقرب منه؛ فيقولون صهوة الفرس وصهواته)) (1).

3 ـ الاسم الذي يأتي في صيغة النسب قد يطلق ويراد به الاسم المنسوب إليه:

يعرف العلماء النسب بأنه ((إلحاق ياء مشددة في آخر الاسم لتدل على نسبته إلى المجرد عنها)) (2). فـ ((إذا أريد إضافة شيء إلى بلد أوقبيلة أونحوذلك جعل آخره ياء مشددة مكسورا ما قبلها، فيقال في النسب إلى دمشق: دمشقي، وإلى تميم: تميمي)) (3). فكلمة دمشقي تدل على شيء منسوب إلى دمشق وهي لا تساوي في الدلالة كلمة دمشق؛ أي: إن صيغة النسب لا تساوي في الدلالة الاسم المنسوب إليه.

غير أن أبا العلاء يُجَوِّزُ أن تكون ((صيغة النسب)) مساوية في الدلالة للاسم المنسوب إليه؛ أي: من الممكن أن يصبحا في دلالتها شيئا واحدا.

ـ قال عند قول أبي تمام:

عَشِيَّةَ صَدَّ البابَكِيُّ عَنِ القَنا

صُدودَ المُقالي لا صُدودَ المُجامِلِ [بحر الطويل]

((إذا كان أراد بـ ((البابكي)) صاحبا من أصحاب بابك فلا كلام فيه، وإن كان أراد بابك نفسه، فمثل ذلك قليل إلا أنه جائز كأنه نسبه إلى اسمه، وهذا في النعوت موجود، فأما في الأسماء الأعلام فقليل، ولا يمتنع في القياس أن يقال هذا الفرزدقيُّ

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 411ب9]. وردد التبريزي نفس التعليق، قال:

((يجوز أن يجمع الشيء ويضاف إلى ما حوله، كما يقال: ركبت أصلاب الناقة؛ لأنه يجعل كل فقارةٍ صلبا؛ أولأنه يضيف إلى الصلب ما دنا منه، قال المُثقِّب:

يُصيخُ لِلنَّبأَةِ أَسماعَهُ

إِصاخَةَ النّاشِدِ لِلمُنشِدِ [بحر السريع])) [2/ 162ب6]

(2)

حاشية الصبان: 4/ 249

(3)

شرح ابن عقيل: 283

ص: 166

والجريريُّ، يراد هذا الذي يُسمى الفرزدق أوجرير؛ فينسب إلى اسمه، وقد حكوا في شعر الصَّلَتان: أنا الصلتاني، وهومن طريقة القياس جائز، لا خُلف فيه)) (1).

4 ـ عرفات تصرف ولا تصرف (2).

*********

ـ المجموعة الثانية:

دراسة آراء أبي العلاء الصرفية المتعلقة بالحرف (3) صوتًا وإعلالا وإبدلا وغيره:

سندرس هنا المادة الصرفية التى قالها أبوالعلاء والمتعلقة بالحرف. ونبدأ بوقفة صوتية عند أبي العلاء.

ـ وقفة صوتية عند أبي العلاء:

من الأمور التى تعرض لها علماء اللغة المحدثون بالشرح والإيضاح ((قوانين التغييرات التركيبية للأصوات)). واتفقوا على أن أهم هذه القوانين قانونان، هما: قانون المماثلة، وقانون المخالفة.

أما قانون المماثلة Assimilation فيشير إلى ((تأثر الأصوات اللغوية بعضها ببعض عند النطق بها في الكلمات والجمل؛ فتتغير مخارج بعض الأصوات أوصفاتها، لكي تتفق في المخرج أوالصفة مع الأصوات الأخرى المحيطة بها في الكلام؛ فيحدث عند ذلك نوع من التوافق والانسجام بين الأصوات المتنافرة في المخارج أوفي الصفات (

) فإذا التقى في الكلام صوتان من مخرج واحد أو من مخرجين متقاربين، وكان أحدهما مجهورا والآخر مهموسا مثلا حدث بينهما شد وجذب، كل واحد منهما يحاول أن يجذب الآخر ناحيته ويجعله يتماثل معه في صفاته كلها أوفي بعضها)) (4).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 83ب19].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 12ب1].

(3)

المقصود الحرف البنائي أوالهجائي.

(4)

التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه: د. رمضان عبد التواب، ص 22.

ص: 167

وقد أشار أبوالعلاء في إحدى مواضع الشرح إلى ما يمكن وضعه تحت قانون المماثلة السابق. قال عند قول أبي تمام:

تَؤُمُّ شِهابَ الحَربِ حَفصًا وَرَهطُهُ

بَنوالحَربِ لا يَنبوثَراهُم وَلا يُكدي [بحر الطويل]

((

((تؤم شهاب الأزد)) (1)، وذكر ابن السكيت أن الأُسْد بالسين أجود، وغيره يقولها بالزاي، ويجب أن يكون الأصل بالسين؛ لأن الدال إذا وقعت قبلها السين الساكنة فبعض العرب يحولها إلى الزاي، وكذلك الصاد، وكذلك قالوا في المثل: لم يُحْرَمْ مَنْ فُزْدَ له؛ إذا سكنوا صاد ((فُصِدَ)) على لغة ربيعة)) (2).

وإشارة أبي العلاء السابقة تقع عند علماء الأصوات تحت قانون المماثلة، وتحديدا ما يسميه علماء الأصوات ((التأثر المُدبِر الجزئي في حالة الاتصال)

((أي: تأثير حرف لاحق على حرف سابق عليه تأثيرا جزئيا)) (3). قال علماء الأصوات: ((في اللهجات العربية القديمة تتحول الصاد قبل الدال إلى زاي. مثل: ((يَزْدُق)) في ((يصدق)))) (4).

وإشارة أبي العلاء السابقة تدل على وجود قوانين صوتية تحكم تجاور الأحرف داخل بنية الكلمة.

وقانون المماثلة الصوتي يقدم تفسيرا علميا مقبولا يمكن من خلاله تفسير إبدال بعض الحروف بغيرها في بعض الكلمات، فمثلا: ((اتصل، اصطبر، اضطرب،

(1) هذه رواية أبي العلاء للبيت.

(2)

يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 120ب7]

(3)

التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه: د. رمضان عبد التواب، ص34. ولا يقتصر التأثير على الحروف فيما بينها ((بل نراها بين الحركات، وأحيانا بين الحركات والصوامت))، ينظر: اللغة العبرية، تطبيقات في المنهج المقارن: د. محمد صالح توفيق، ص27، [دار الهاني للطباعة، 2004]

(4)

التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه: د. رمضان عبد التواب، ص34، ومما تجدر الإشارة إليه أن د. رمضان عبد التواب قال:((ولم يعين اللغويون القبيلة التي ينتمي إليها هذا الإبدال)).

ص: 168

يمَّحي))، يمكن تفسيرها بالمماثلة التأخرية التي يتأثر فيها المتقدم بالمتأخر،

و ((ازداد، ادهن، ادكر، اظلم، فزد)) يمكن تفسيرها بالمماثلة التقدمية التي يتأثر فيها المتأخر بالمتقدم.

ولا ينبغي أن نهمل الجانب الصوتي في المباحث الصرفية؛ لأنها ((مبنية في أساسها على ما يقرره علم الأصوات من حقائق وما يرسمه من حدود، وكل دراسة صرفية تهمل هذا النهج الذي نشير إليه لابد أن يكون مصيرها الإخفاق والفشل، كما هو الحال في كثير من مباحث الصرف في اللغة)) (1). ومن يتأمل بعمق صنيع النحاة يجد أن ((النحو لا يفتأ يستخدم معطيات الصوتيات والصرف المختلفة في عرض الأغلب الأعم من تحليلاته وفي الرمز لعلاقاته وأبوابه)) (2).

ـ حذف حرف من الكلمة لضعفه ولطول الكلمة:

ألمح أبوالعلاء إلى جواز حذف حرف من الكلمة بسبب ضعفه وبسبب طول الكلمة. قال عند قول أبي العلاء:

إِلَيكَ سَرى بِالمَدحِ قَومٌ كَأَنَّهُم

عَلى المَيسِ حَيّاتُ اللِصابِ النَضانِضُ [بحر الطويل]

((ونَضانِض: جمع ((نَضْناض))، وهوالكثير الحركة من الحيات، والقياس يوجب أن يقال:((نَضَانِيض)) بالياء؛ ولكنه حذف لضعف الحرف؛ ولأن الاسم طويل يمكن أن يخفف منه)) (3).

والحروف الضعيفة هي: ((الياء والواووالألف)) وكان ((الخليل يسمِّيها الحُروف الضَّعيفةَ الهوائيَّة)) (4). و ((سمِّيت ضعيفةً لانتقالها من حال إِلى حال عند التصرُّف باعتلال)) (5).

(1) د. كمال بشر: علم اللغة العام، الأصوات، ص 185، دار المعارف، 1980

(2)

د. تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها، ص 86

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 297ب11].ويرتبط بهذه الجزئية قول أبي العلاء في موضع آخر: ((والرِّحَب جمع رَحْبَة، ورَحَبَة، والأصل أن يقال: رحاب بالألف؛ فحذفت لأنها حرف لين، كما قالوا: ثِلل في جمع ثَلَّة والأصل ثِلال)). [1/ 51]

(4)

لسان العرب: لابن منظور، ص 4788، أول باب الواو، [ترتيب طبعة دار المعارف، تحقيق: عبد الله علي الكبير وآخرين].

(5)

لسان العرب: لابن منظور، ص 4788

ص: 169

وإذا رجعنا إلى ((أصول الكلمات العروبية السامية جميعا ومنها لغتنا العربية

وجدنا أن العناية فيها تنصب على الحروف الساكنة، وهي التي تراعى في كتابة هذه اللغات جميعا دون الحروف اللينة أوحروف المد وهي: ألف، وواو، وياء)) (1).

ـ حكم التصريف:

من المصطلحات التي ذكرها أبوالعلاء أثناء شرحه مصطلح ((حكم التصريف)). ومن خلال سياق الكلام الذي ورد فيه هذا المصطلح يجوز أن يكون المقصود به عنده: ((القوانين والقواعد المتعلقة بأصلية حرف في كلمة أوزيادته))، أوهي:

((قوانين متعلقة بالحرف داخل بنية الكلمة)).قال عند تحليله الصرفي لكلمة ((أندلس)): ((فإن ادعى مدعٍ أنها ((فَنْعَلِل))؛ فقد خرج عن حكم التصريف؛ لأن الهمزة إذا كان بعدها ثلاثة أحرف من الأصول لم تكن إلا زائدة. وعند سيبويه أنها إذا كان بعدها أربعة أحرف فهي من الأصل، كهمزة إصطبل)) (2).

ـ ارتباط وزن الكلمة بالحروف الأصلية والزائدة والمرتبطة بدورها بمعنى الكلمة

وزن الكلمة يتحدد بمعرفة الحروف الأصلية والزائدة. وتحديد الأصلي والزائد من حروف الكلمة مرتبط بمعنى الكلمة. فعند مناقشته لكلمة ((مُتَاع))، قال أبو العلاء:((الـ ((مُتَاع)) من قولهم: أتاع الرجل؛ إذا قَاء. فهذا يدل على أن الميم في المُتاع زائدة، وأن وزنه ((مُفْعَل)). ويجوز أن يكون على ((فُعَال)): يكون من مَتَع النهار)) (3). وقال في موضع آخر: ((ارجحنَّت: في معنى ثقلت. ووزن ((ارجحنَّ)) عند سيبويه ((افعلَلَّ))، وقال غيره: وزنه ((افْعَلَنَّ)) كأنه عنده من الرجحان ومن رجح)) (4).

(1) أضواء على لغتنا السمحة: محمد خليفة التونسي، ص138

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 17ب16].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 339ب19].

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 306ب31]. وينظر أيضا: [1/ 56ـ57]

ص: 170

والنصان السابقان يشيران إلى أهمية تصريفات الكلمة في معرفة الحرف الأصلي والزائد. وهذا ما أثبته النحاة؛ إذ قالوا: ((الحرف الذي يلزم تصاريف الكلمة هوالحرف الأصلي، والذي يسقط في بعض تصاريف الكلمة هوالزائد، نحو: ضارب ومضروب)) (1).

ـ الإعلال والإبدال:

الإعلال: ((هوتغيير حرف العلة للتخفيف، ويجمعه القلب، والحذف، والإسكان. وحروفه الألف، والواو، والياء.)) (2). أوهو: ((تغيير حرف العلة للتخفيف، بقلبه، أوإسكانه أوحذفه. فأنواعه ثلاثة: القلب والإسكان والحذف)) (3).

أما الإبدال: ((فهوجعل مطلق حرف مكان آخر (

) فكل إعلال يقال له إبدال ولا عكس)) (4). فالإعلال مختص بحروف العلة والهمزة؛ لأنها تقاربها بكثرة التغيير (5). ومن اللغويين من حصر حروف الإبدال في قوله ((طال يوم أنجدته)) (6).

- إبدال الياء من الواو استثقالا للتشديد مع الواو:

أشار أبوالعلاء إلى أن الياء قد تبدل من الواو، معللا ذلك الإبدال بـ ((استثقال التشديد مع الواو)). قال:((الحُيَّل جمع حائل، وهي التي لم تَحْمل. والحُوَّل بالواوأجود؛ لأنه من ذوات الواو؛ فتظهر في جمعه، كما يقال: صائم وصُوَّم، وقائم وقُوَّم. وقد قلبت إلى الياء استثقالا للتشديد مع الواو، كما قالوا: صُيَّم في جمع صائم، ونُُيَّم في جمع نائم)) (7).

- إبدال الياء من حرف مضعف لخفتها وفرارا من التقاء ساكنين:

(1) شرح ابن عقيل: ص296، [الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1994م]

(2)

شرح شافية ابن الحاجب: 3/ 66 ـ 67

(3)

شذا العرف في فن الصرف: ص 135

(4)

شذا العرف في فن الصرف: ص 135

(5)

شذا العرف في فن الصرف: ص 135

(6)

الأمالي لأبي على القالي، 2/ 186

(7)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 39ب24].

ص: 171

يمكن للياء أن تبدل من حرف مضعف في كلمة لخفة الياء ، وفرارا من التقاء ساكنين. قال عند قول أبي تمام:

بِأَحاظي الجُدودِ لا بَل بِوَشكِ الجِدِّ لا بَل بِسُؤدَدِ الأَجدادِ [بحر الخفيف]

((الأحاظي جمع ((حظ)) على غير قياس؛ كأنهم جمعوا ((حَظًّا)) على ((أَحُظّ))، وجمعوا ((أَحُظًّا)) على ((أَحَاظ))، ثم أبدلوا الياء من الحرف المضعف؛ لأنها

أخف، وفروا مع ذلك من جمع بين ساكنين)) (1).

- إبدال الياء من اللام:

يرى أبوالعلاء إمكانية إبدال الياء من اللام، فقال عند قول أبي تمام:

مُعاوِدَ الكِبرِ وَالسُّمُوعَلى

أَعيادِهِ باذِخًا عَلى جُمَعِهْ [بحر المنسرح]

((

كان في بعض النسخ: ((مُعَاوِدَ الكِبْر والتَّدَلِّي))، فإن صح ذلك فإنه أراد

((التَّدلُّل))؛ فأبدل من اللام الياءَ؛ لأن ذلك يُفْعَل في ((التَّفَعُّلِ))؛ إذا كان من ذوات التضعيف، نحو: تَظَنَّيْتُ، وتَقَضَّى البازي)) (2).

وأصل ((تظني وتقضي)): ((تظنن، وتقضض))، وقلب الحرف الأخير استثقالا لتوالي ثلاثة أمثال (3).

- قلب الهمزة من الواو في أول الكلمة:

يمكن للهمزة أن تقلب للواو أول الكلمة بشرطين:

[أ] أن تكون مضمومة.

[ب] كونها في أول الاسم.

قال أبوالعلاء: ((أُسامة (

) يحمل على أن الهمزة فيه واوقلبت ((لضمتها، وكونها في أول الاسم؛ فكأنه وسامة)))) (4).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 367ب38].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 348ب23].

(3)

شرح شافية ابن الحاجب: محمد بن الحسن الرضي الإستراباذي، نجم الدين 1/ 113، ت: محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محيى الدين عبد الحميد،: دار الكتب العلمية بيروت 1395 هـ - 1975 م

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 81]. ومن المواضع التي تبدل فيها الهمزة من الواوجوازا أن تكون مضمومة ضما لازما غير مشددة. [شذا العرف: 138]

ص: 172

وقد علل ابن عصفور هذا القلب والإبدال بقوله: ((وإنَّما فعلتَ ذلك، لثقل الضَّمَّة والكسرة في الواو. وذلك أنَّ الضَّمَّة بمنزلة الواو، والكسرة بمنزلة الياء. فإذا كانت الواو مضمومة فكأنه قد اجتمع واوان. وإذا كانت مكسورة فكأنه قد اجتمع لك ياء وواو. فكما أنَّ اجتماع الواوين، والياء والواو، مستثقل فكذلك اجتماع الواو والضمَّة، والواو والكسرة.)) (1).

- قلب الهمزة المزيدة للتأنيث ياء بين بين (2):

قبل أن نذكر نص أبي العلاء الذي يدل على العنوان السابق نمهد بقولنا: إن الصرفيين عند دراستهم لمواضع قلب الهمزة ياء يقولون: إبدال الواو والياء من الهمزة يتحقق في ناحيتين: ((الناحية الأولى: الجمع الذي على وزن: مفاعل وما شابهه، بشرط أن تكون الهمزة عارضة بعد ألف تكسيره، وأن تكون لام مفرده إما همزة أصلية، وإما حرف علة أصليا؛ واوا أو ياء)) (3). و ((الناحية الثانية اجتماع همزتين في كلمة واحدة)) (4).

ونص أبي العلاء الذي معنا يفهم منه وجود موضع آخر تقلب فيه الهمزة ياء، وقبل ذكر الموضع نقدم نص كلام أبي العلاء أولا، قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:

أَنتَ الَّذي لا تُعذَلُ الدُنيا إِذا

النائِباتُ صَفَحنَ عَن حَوبائِهِ

(1) الممتع الكبير في التصريف: علي بن مؤمن بن محمد، الحَضْرَمي الإشبيلي ص 222، مكتبة لبنان ط 1 1996م

(2)

جاء في معجم مصطلحات النحووالصرف والعروض والقافية: ((بين بين Betwixt and between يراد أن تجعل الهمزة من مخرج الهمزة ومخرج الحرف الذي منه حركة الهمزة، فإذا كانت مفتوحة جعلناها متوسطة في إخراجها بين الهمزة والألف؛ لأن الفتحة من الألف، وإذا كانت مضمومة جعلناها متوسطة بين الهمزة والواو، وإذا كانت مكسورة جعلناها بين الياء والهمزة)). [معجم مصطلحات النحووالصرف والعروض والقافية باللغتين العربية والإنجليزية: د. محمد إيراهيم عبادة، ص 61، دار المعارف]

(3)

النحو الوافي: 4/ 766 ـ 767

(4)

النحو الوافي: 4/ 770

ص: 173

وَإِذا رَأَيتَ أَسى امرِئ أَوصَبرَهُ يَومًا فَقَد عايَنتَ صورَةَ رائِهِ [بحر الكامل]

((هذا شيء استعمله الطائي وغيره (1)، فأما مذهب سيبويه في ذلك فإذا حمل عليه كان (2) كالعيب؛ لأنه (أي سيبويه) لا يجعل ((همزة حوبائه)) وما كان مثلها إذا خففت في هذا الموضع ياء خالصة ولكن يكون بين بين، وياء رايه ياء خالصه لا يجوز قلبها إلى الهمزة في هذا الموضع فيقع الاختلاف في الرَّوِي، فأما غير سيبويه فلا يبعد في مذهبه أن يجعل همزة حوبائه ومثلها إذا خفف ياء وهو مذهب ضعيف)) (3).

من خلال النص السابق يفهم التالي: تقلب الهمزة ياء بين بين إذا كانت:

1 ـ همزة بعد ألف تأنيث ممدودة.

(1) المقصود أن أبا تمام لم يقلب الهمزة في كلمتي ((حوبائه)) و ((رائه)) ياء.

(2)

؛ أي: عدم القلب.

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 38]. وردد التبريزي هذا الكلام نفسه عند مناقشته لكلمة ((صحائف))، فقال:((وإذا قلت صحائف فالهمز واجب، ويجوز أن تُجْعل الهمرة بين بين، والذي دل عليه كلام سيبويه أنه لا يجوز أن تجعلها ياء خالصة، وقد حكي غير ذلك أبوعلى الجرمي؛ فزعم أنهم يقولون عجايز بياء خالصة، وكذلك الحكم في كل ما كان على فعائل)). [1/ 40ـ41]. وورد أيضا مصطلح ((الياء الخالصة)) عند التبريزي في موضع آخر حين قال: ((الريم: الظبي الأبيض الخالص البياض، وأصله الهمز، ويجوز أن تُجْعل الهمزة ياء خالصة فيقال: ريم، وقالوا في الجمع أرآم بالهمز، ولم يقولوا أريام)). [1/ 76ـ 77]، كما نراه يستخدم مصطلح ((همزة البين بين))، فقال عند قول أبي تمام:

تَاللهِ نَدري أَالإِسلامُ يَشكُرُها

مِن وَقعَةٍ أَم بَنوالعَبّاسِ أَم أُدَدُ [بحر البسيط]

((

((أَالإسلام)): أدخل همزة الاستفهام على ألف الوصل، التي مع لام التعريف؛ وإذا فعلوا ذلك مَدُّوا مَدَّة تقوم مقام الحرف؛ ليفرقوا بين الاستفهام والخبر، فإن خلصت المدة صار جمعًا بين ساكنين في حشوالبيت، وذلك عند البصريين غير جائز. وقد حكي قطع همزة الوصل في مثل هذا الموضع، وهوقليل، وأحسن من ذلك أن تُجْعَلَ بين بين: لا مدة ساكنة، ولا همزة مخففة)). [2/ 19ب40]

ص: 174

2 ـ مكسورة. 3 ـ وسط الكلمة. 4 ـ تحتل مكان الروي في آخر البيت.

وينبه أبو العلاء إلى أن قلب الهمزة إلى ياء بين بين، أي:((بين مخرج الهمزة ومخرج الحرف الذي من حركتها)) (1). وهو يقبل هذا المذهب، أي مذهب سيبويه، ويضعف المذهب القائل إن الياء خالصة.

ولعل قلب الهمزة في هذا الموضع ياء بين بين وليست خالصة هو الذي منع الصرفيين من ذكر هذا الموضع ضمن المواضع التي تقلب فيها الهمزة ياء صريحة.

ـ الممدود والمقصور:

ترددت أقوال لأبي العلاء عن الممدود والمقصور، يمكن باستقرائها أن نستخلص منها بعض الملحوظات:

ـ أن أبا العلاء يوافق النحاة على ((أن الكلمة تُقْصر وهي ممدودة)) (2).

ـ أن الاسم الممدود المؤنث قد لا يكون له مذكر مستعمل. قال: ((صنعاء اسم قديم (

) ويجوز أن تكون كلمة موضوعة لم يستعمل منها مذكر، ويحتمل أن يكون أصلها أن تجري على أفعل وترك استعماله، كما قالوا: درع حصداء، ولم يقولوا: حديد أحصد)) (3).

ـ من الكلمات ما يمد ويقصر في منثور الكلام. قال: ((والهيجاء اسم مشتق من الهَيْج، ويمد ويقصر)) (4).

ـ قد يكون الاسم بمعنى معين ممدودا، وبمعنى آخر مقصورا. قال:((الصفاء من المودة ممدودا، والصفا من الأرض مقصور)) (5).

(1) المعجم الوسيط مادة خ ف ف.

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 155ب12]. ولم يقيد أبوالعلاء هذا الأمر بالشعر.

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 26].

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 10].

(5)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 11ب6]. والصفاة: الحجر العريض الأملس. والجمع: صفا. [المعجم الوسيط: 1/ 537]

ص: 175

ـ يرى أبوالعلاء إمكانية مد المقصور، موافقًا في ذلك الكوفيين ومخالفا

البصريين، إذ ((ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز مدُّ المقصور في ضرورة الشعر، وإليه ذهب أبوالحسن الأخفش من البصريين، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز)) (1).

والكوفيون إذ يبيحون مد المقصور يقيدون ذلك بضرورة الشعر كما يفهم من كلام أبي بركات الأنباري في النص السابق. ونفهم من كلام أبي العلاء أنه لا يُقصِر مد المقصور على ضرورة الشعر فقط بل يجوز أن يقع في النثر أيضا، إلا أن ترك المد ((أحسن)) في كليهما، ومد المقصور في الشعر أسوغ منه في الكلام المنثور.

قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:

هَذا أَمينَ اللهِ آخِرُ مَصدَرٍ

شَجِيَ الظَّماءُ بِهِ وَأَوَّلُ مَورِدِ [بحر الكامل]

((

مد الظماء، وهو مهموز مقصور، وذلك جائز، إلا أن ترك المد أحسن، وهوفي الشعر أسوغ منه في الكلام المنثور)) (2).

بل إن أبا العلاء يشير إلى أن القياس يسمح بذلك. قال عند قول أبي تمام:

أَمُحَمَّدُ بن سَعيدٍ ادَّخِرِ الأُسى

فيها رُواءُ الحُرِّ يَومَ ظِمائِهِ [بحر الكامل]

((ومد الظماء وهومهموز مقصور (

) وقد فعل ذلك في غير هذا الموضع، والقياس يطلق ذلك، وما هوأشد منه)) (3).

ودعما لأبي العلاء يقول أ/ عباس حسن: ((والأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيحه في الضرورة الشعرية ونحوها؛ لأن الشعر وملحقاته محل التيسير. بشرط ألا يؤدي المد إلى خفاء المعنى أولبسه؛ فيصح: غناء في غنى ـ نهاء في نهى ـ بلاء في

(1) الإنصاف في مسائل الخلاف: لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري، 2/ 259، مسألة 109، [دار الطلائع، 2009].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 54 ـ 55 ب41].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 37].

ص: 176

بلى (

) ولا يصح هذا في نوع النثر الذي لا يلحق بالشعر في الضرورة، دون النوع الآخر الذي يلحق به)) (1).

ومما نحب أن نلفت الانتباه إليه أن الشائع في أكثر الكتب النحوية أن الضرورة خاصة بالشعر وحده. لكن بعض المحققين لا يرون هذا التحديد الضيق. ومن هؤلاء ابن بَرِّيٍّ (2) الذي يرى أن الضرورة ليست مقصورة على الشعر وحده، بل تشمل السجع والفواصل أيضا. يقول:((اعلم أن للسجع ضرورة الشعر، وأن له وزنًا يضاهي ضرورة الوزن الشعري في الزيادة والنقصان والإبدال وغير ذلك)) (3).

ـ تخفيف الهمزة عند أبي العلاء:

من المصطلحات التي تتردد عند النحاة مصطلح ((التخفيف)). وهذا المصطلح يطلق عندهم وقد يراد به:

1ـ جعل الحرف ((المشدد)): غير مُشدَّد. قال ابن عقيل: ((إذا خففت ((إنَّ)) فالأكثر في كلام العرب إهمالها)) (4).

2ـ أوتسكين حرف متحرك. قال صاحب النحوالوافي في باب الممنوع من الصرف: ((فليس من المعدول ((فَخْذ)) بسكون الخاء تخفيف ((فَخِذ)) بكسرها)) (5).

3ـ حذف حرف. قال أبوالبركات الأنباري: ((الجزم حذف، والحذف تخفيف)) (6).

(1) النحوالوافي: [4/ 612].

(2)

الإمام، العلَاّمَة، نَحْوِي وَقته، أَبُومحمد عَبْدُ اللهِ بنُ بَرِّيِّ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ بَرِّيٍّ المَقْدِسِيُّ، ثم المِصْرِيُّ، النحوي، الشَّافِعِيُّ. ولد سَنَةَ تِسعٍ وتسعين وَأَرْبَعِ مائَةٍ. َتَصدّر بِجَامِع مِصْر لِلْعربيَّة، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، كَانَ عَالِمًا بـ ((كِتَاب سِيْبَوَيْه)) وَعلله، قيّمًا بِاللُّغَةِ وَشوَاهدهَا، وَكَانَ ثِقَةً، دَيِّنًا. مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. [تهذيب سير أعلام النبلاء رقم الترجمة:5263، ط مؤسسة الرسالة، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين].

(3)

نقلا عن النحوالوافي: 4/ 371، هامش رقم: 2

(4)

شرح ابن عقيل: 86

(5)

النحو الوافي: 4/ 222

(6)

الإنصاف في مسائل الخلاف: 2/ 123، ومن المواضع التي استخدم فيها التبريزي مصطلح التخفيف بمعنى حذف الهمزة الموضع التالي:[1/ 350ب18]

ص: 177

4ـ جعل الهمزة الساكنة المضموم ما قبلها واوا، والمفتوح ما قبلها ألفا، والمكسور ما قبلها ياء (1).

تلك بعض المعاني التي يطلقها النحاة على مصطلح التخفيف، وهي معان على سبيل المثال لا الحصر (2).

وقد استعمل أبوالعلاء التخفيف في شرحه بمعناه الأول (3) والثاني (4) والرابع.

(1) يراجع الخصائص لابن جني في المواضع التالية: 3/ 10، 3/ 142، 3/ 149، وقد صرح التبريزي بأن تخفيف الهمزة كثير عن العرب حتى يظن السامع أنه الأصل، ونقل عن بعضهم أن العرب لا تهمز الهمزة الساكنة إلا بني تميم، قال:((وإنما كثر تخفيف الهمز؛ فظن السامعُ أنه الأصل؛ لأن العرب تؤثر التخفيف، وزعم بعض العلماء باللغة أن العرب لا تهمز الهمزة الساكنة مثل: راس وذِيب إلا بني تميم، ويحكى هذا القول عن الكسائي)[2/ 408ب6]

(2)

وقد حصر د. أحمد عفيفي أنواعا أخرى مختلفة للتخفيف منها: الاسم أخف من الفعل، والفعل أثقل من الاسم / خفة الاسم وثقل الصفة / خفة الفتح عن الكسر والضم، وخفة الكسر عن الضم / المذكر أخف من المؤنث / المهموس أخف من المجهور / النكرة أخف من المعرفة / اختلاف الحروف أخف عليهم من موقع واحد / الإفراد أخف من التثنية والجمع / والتثنية أخف من الجمع / التنوين علامة الخفة / التضعيف يثقل على ألسنتهم، واختلاف الحروف أخف عليهم / التقاء الحاءين أخف في الكلام من التقاء العينين / أجاز النحاة حذف العائد في جملة الصلة للخفة نظرا لطولها / اتفاق كثير من النحاة على أن الأدوات تستخدم في اللغة بدلا من أفعال حذفت، ونابت هذه الأدوات مكانها (

) ولكن لكثرة دورانها في الكلام حذفت الأفعال تخفيفا وحلت هذه الأدوات محلها

وقد وثق د. أحمد كل موضع من هذا المواضع من مصادرها الأصلية، ينظر:((ظاهرة التخفيف في النحو العربي))، ص 31 وما بعدها، الناشر: الدار المصرية اللبنانية، ط1، 1996م

(3)

قال أبوالعلاء: ((طَيْبة مخففة طَيِّبَة)). [1/ 12ب6]، واستخدم التبريزي هذا المصطلح بهذا المعنى، ووضعه مقابل ((التثقيل)). [3/ 216ب25]

(4)

ينظر ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 537ب9].

ص: 178

ويُفْهم من المادة التي جمعها الباحث أن تخفيف الهمزة قد يكون وسيلة لإثراء المعنى، قال عند قول أبي تمام:

وَاستَيقَنوا إِذ جاشَ بَحرُكَ وَارتَقى

ذاكَ الزَّئيرُ وَعَزَّ ذاكَ الزارُ [بحر الكامل]

((الزار: جمع زارة، وهي الأجمة، وهذا تجنيس متقارب، وقد يُحتمل أن يقال: أصل ((الزأرة)) بالهمز، ويجعل من الزئير)) (1).

فكلمة: زارة ـ بدون تخفيف للهمزة ـ الأجمة: الشجر الكثير الملتف، وإذا قلنا إنها من زئير الأسد اختلف معنى البيت، وقد برع أبو العلاء كما سنبين في الباب التالي في استغلال البنية لتقديم معان مختلفة للبيت.

والتخفيف جائز عنده في مواضع ولا يجوز في مواضع.

ـ قال: ((سُؤْر الشيء بقيته، وأصله الهمز، والتخفيف جائز)) (2).

ـ قال: ((أصل ((استخذا)) الهمز، يقال: استخذأت له إذا ذللت، والتخفيف في هذا وما يجري مجراه جائز)) (3).

وأبوالعلاء لم يُطْلِعْنا على مواضع ((جواز تخفيف الهمزة وعدمه)). ولكن من خلال ما ذكره يمكن أن نضع حدًّا لهذا الجواز، فنقول استنباطا: يجوز تخفيف الهمزة في حالتين:

أـ عدم وجود لفظ مشابه حروفا وضبطا للفظ الذي خُفِّفت همزته.

ب ـ وإذا خُفِّف اللفظ وظهر له مشابه له وجب وجود قرينة تمنع التباس المعنى بين اللفظين، وقد تكون هذه القرينة سياقية أوعروضية أوصرفية.

ومثال ذلك التالي:

قال عند قول أبي تمام:

لَمّا حَلَلتَ الثَّغرَ أَصبَحَ عالِيًا

لِلرومِ مِن ذاكَ الجِوارِ جُوارُ [بحر الكامل]

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 174ب37].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 351].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 27].

ص: 179

((يقال جاورتهم جِوارًا، والجُوار بضم الجيم اسم، والأحسن على مذهب الطائي: أن تُخفف همزة ((جُؤَار)) وتُجْعل واوا؛ لأن الجُؤَار بالهمزة ليس من لفظ الجِوار، الذي هومجاورة؛ فإذا خففتَ الهمزة وضممت جيم الجِوار، الذي هواسم للمجاورة؛ فالتجنيس كامل، وإن كسرت الجيم فهومخالف بالحركة لا غير)) (1).

ـ قال عند قول أبي تمام:

وَمَقدودَةٍ رُؤدٍ تَكادُ تَقُدُّها

إِصابَتُها بِالعَينِ مِن حَسَنِ القَدِّ [بحر الطويل]

((

والجيد: ((رُؤْد)) بالهمزة، بالهمز، وهي المُتثنِّية، و ((الرُّد)) بغير همز: الطَّوَّافة في بيوت جاراتها، وكان يكون ذمًّا، إلا أن تُخَفَّف الهمزة)) (2).

وقال: لَمّا قَرا الناسُ ذاكَ الفَتحَ قُلتُ لَهُم

وَقائِعٌ حَدِّثوا عَنها وَلا حَرَجا [بحر البسيط]

((أراد قرأ الناس، من قراءة الكتاب؛ فخفف الهمزة، ولايحسن أن يحمل على غير هذه اللفظة [؛ لقرينة السياق] من قِرَى الضيف، ولا من قرا الشيء؛ إذا تتبعه)) (3).

ـ قال عند قول أبي تمام:

وَثَناياكِ إِنَّها إِغريضُ

وَلِآلٍ تومٌ وَبَرقٌ وَميضُ [بحر الخفيف]

((

يقال للؤلؤة العظيمة تُؤْمَة والجمعُ تُؤَم. وهذا الوجه أجود من أن تُجعَل ((تُومُ)) جمع تُؤَام على تخفيف الهمزة؛ لأن ذلك قليل)) (4).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 174ب36].

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 61ب5].

(3)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 331ب7].

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 287ب1]. ومن المواضع التي ذكرها التبريزي مؤيدا فيها أبا العلاء ودالة على أن تخفيف الهمزة لا يجوز في حالة عدم أمن اللبس، قوله عند قول أبي تمام:

نَزرا كَما اِستَكرَهتَ عائِرَ نَفحَةٍ

مِن فارَةِ المِسكِ الَّتي لَم تُفتَقِ [بحر الكامل].

((و ((فارة المسك)) ادعى قوم أنها لا تهمز؛ لأنها غيرُ مشبهةٍ بالفأرة من الحيوان))، [2/ 408]

ومن أمثلة عدم جواز الهمز لقرينة عروضية عند التبريزي قوله عند قول أبي تمام:

ما في وُقوفِكَ ساعَةً مِن باسِ

نَقضي ذِمامَ الأَربُعِ الأَدراسِ [بحر الكامل].

((أصل البأس الهمز، ولا يجوز همزه هاهنا؛ لأنه يصير عيبًا في القافية، كما أنه إذا كان في قوافٍ ليس فيها لين لزم تحقيق الهمزة، كما قال الراجز:

قد خَطَبَ النومُ إلىَّ نفسي

هَمْسًا وأخْفى من نَجِيِّ الهمْسِ

وما بأن أطلبهُ من بأس

)) [2/ 242ب1]

ومن المواضع التي أجاز فيها الهمز استنادًا إلى المعنى: [3/ 77ب3] و [2/ 314ب21]، [4/ 578ب47]، [4/ 590ب42]، [4/ 581ب4]

ص: 180

ورد الكلمة لأصل مهموز أوغير مهموز مرتبط بالمعنى، فكلمة ((هَدَّى)) قد يكون أصلها هَدَى أوهَدَأ حسب المعنى والسياق. كما أن الجمع يرد الكلمة لأصلها المهموز (1).

ـ من أنواع الهمزات همزة التعجب (2):

الهمزة: ((حرف من حروف المعاني، وهي أنواع: همزة المضارعة، همزة الوصل، همزة القطع، الهمزة المنقلبة، همزة التعدية.، حرف النداء، همزة التسوية، همزة الاستفهام

)) (3).

ولم يذكر المصدر السابق من ضمنها ما أسماه أبوالعلاء بهمزة التعجب. قال: ((وأصل همزة التعجب أن تدخل على الأفعال الثلاثية التي لا زيادة فيها، مثل: ضرب وعلم وكَرُم، ودخولها على ما في أوله الهمزة قليل، إلا أنه قد جاء وكثر)) (4).

(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 123ب30]. وينظر أيضا: [2/ 186ب8]، [1/ 279ب9]، [4/ 537ب6]، [4/ 214ب4]، [2/ 212ب11]

(2)

قد تأتي الهمزة وتفيد التعجب، نحوقوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان 45]، ولكنها هنا في الأصل همزة استفهام خرجت عن معنى الاستفهام الحقيقي [طلب الفهم والسؤال عن مجهول] إلى معنى بلاغي. [المعجم الوافي: 17]

(3)

المعجم الوافي لأدوات النحو العربي: ص 14، وما بعدها

(4)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 114].

ص: 181

فأبوالعلاء يحدد من ضمن أنواع الهمزات همزة التعجب، وهذا المصطلح لم يتردد كثيرا في المراجع النحوية.

ـ قطع ألف الوصل في الأسماء:

قال عند قول أبي تمام:

إِمراتُهُ نَفَذَت عَلَيهِ أُمورُها

حَتّى ظَنَنّا أَنَّهُ إِمراتُها [بحر الكامل].

((تُقطع ألف الوصل في ((امراة))، وذلك قليل إلا أنه قد جاء في مثل قول الأنصاري:

إِذا جاوَزَ الإِثنَينِ سِرٌّ فَإِنَّهُ

بِنَشرٍ وَتَكثيرِ الحَديثِ قَمين (1)[بحر الطويل])) (2).

(1) البيت للشاعر قيس بن الخطيم، وهو: قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي، أبويزيد، توفي 2 ق هـ، شاعر الأوس، وأحد صناديدها، في الجاهلية. وله في وقعة " بعاث " التي كانت بين الأوس والخزرج، قبل الهجرة، أشعار كثيرة. أدرك الإسلام وتريث في قبوله، فقتل قبل أن يدخل فيه. شعره جيد، وفي الأدباء من يفضله على شعر حسان. [الأعلام للزركلي: 5/ 205]

(2)

ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 327].

ص: 182