الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الدراسة الصرفية لشرح التبريزي
قام الباحث بتقسيم المادة الصرفية عند أبي العلاء إلى مجموعتين رئيسيتين:
- الأولى: كل ما قاله عن الاشتقاق، وما قاله متعلقا بالبنى والأوزان.
- الثانية: كل ما كان متعلقا بالحرف صوتا وإعلالا وإبدلا وغيره.
وسنقسم المادة الصرفية عند التبريزي تقسيما قريبا من التقسيم السابق. وسنحاول من خلال هذا التقسيم مناقشة المادة الصرفية عنده، على أن يكون التركيز على المادة الصرفية التي لم يأت لها ذكر عند أبي العلاء في شرحه هنا أوالتي توسع فيها التبريزي قليلا.
ـ
المجموعة الأولى:
دراسة المادة الصرفية المتعلقة بالبنى الصرفية عند التبريزي:
ـ مفهوم البنية عند التبريزي:
من الأمور اللافتة للنظر عند التبريزي مفهوم البنية. وهو مفهوم يستحق أن نقف عنده دراسة وتحليلا.
وبداية وقبل الشروع في هذا التحليل نقف على المعنى اللغوي الذي تذكره المعاجم اللغوية لكلمة ((بنية)).
((البُِنية)) ـ بكسر الباء وضمها ـ ((البِناء))، وتجمع على ((بُِنى))، بضم الباء وكسرها. قال الزمخشري:((بناؤك من أحسن الأبنية، وبنيت بُِنْيَةً عجيبةً. ورأيتُ البُِنى فما رأيت أعجب منها)) (1). وفي مختار الصحاح: ((البُنَى بالضم مقصور
((البناء))، يقال: بُنْيَة وبُنًى، وبِنية وبِنًى)) (2).
أما المعجم الوسيط فيذكر أيضا مع المعنى السابق أن البنية معناها: ((الصيغة)). قال: ((البِنْية ما بُنِي، ج: بِنًى
…
ومنه بنية الكلمة؛ أي: صيغتها)) (3).
(1) أساس البلاغة: مادة بنى ص 65
(2)
مادة بنى، ص 66
(3)
المعجم الوسيط: 1/ 74
وقد ورد مصطلح البنية عند أبي العلاء والتبريزي. أما عند أبي العلاء فالمقصود بها ((حروف الكلمة وضبطها)) (1)؛ أي: صيغتها. ويوافقه في ذلك المحدثون من علماء اللغة، إذ قرروا أن النظام الصوتي ((يتألف في كل لغة من عدد محدود من الأصوات، بحيث تكون مجتمعة كتلا صوتية تترابط أجزاؤها بعلاقات ووشائج معينة تنشأ من تجاور الأصوات ومواقعها وكونها في هذا الموقع أو ذاك، أو في هذا المقطع أو ذاك، ومن ثم فإن مجموعة العلاقات هذه هي التي تشكل البنية الأساسية لما نسميه الكلمة)) (2).
أما مفهوم البنية عند التبريزي فهو أوسع من ذلك، فهو يشمل أيضا
((التراكيب))، أي: تجاور كلمتين أوأكثر. قال التبريزي عند قول أبي تمام:
إِن رُمتَ تَصديقَ ذاكَ يا أَعوَرُ الد
…
دَجالُ فَالحَظهُمُ وَلا تَذُبِ [بحر المنسرح]
((جعل ((أعور)) معرفة بالنداء، ثم نعته بالدجال، وبعض العرب يستوحش من هذه البنية، واستعمالها في كلامهم قليل، لا يكاد يوجد: يا غلامُ العاقلُ، أقبل)) (3).
ومن الأمور المهمة التي يستنبطها الباحث من كلام التبريزي هنا أنه سمى هذا التركيب: ((يا (أداة نداء) + منادى + نعت مشتق)) بنية، وأن استخدام هذه البنية قليل. وهذا يعنى الآتي:
1ـ أن مفهوم البنية عنده لا يقتصر على لفظٍ مفرد، بل يتسع ليشمل ((تركيبا))، وبالطبع من الممكن أن يشمل هذا ((التركيب)) جملة.
2ـ وأن هناك من البنى ما هو ((قليل الاستعمال مستوحش))، ومنها ((كثير الاستخدام مقبول)).
3ـ وأن هذا ((الاستيحاش)) ـ أوعدم الأنس ـ أمر نفسي ذهني.
4ـ وأن هناك من البنى العربية ما هو كثير الاستعمال، ومنها ما قليل الاستعمال.
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 337ب7].
(2)
د. حلمي خليل: الكلمة دراسة لغوية معجمية، ص35
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 306ب8]، وينظر أيضا: 3/ 236ب19
5ـ وأن مصطلح البنية ليس مصطلحا حديثا، بل هو قديم، وأقدم من استخدمه قبل التبريزي على وجه التقريب هو المبرد المتوفى عام 285هـ في كتابه المقتضب عند حديثه عن الهمزة حيث قال:((وَلم يجز أَن تَجْتَمِع همزتان فِي كلمة سوى مَا نذكرهُ فِي التقاءِ الْعَينَيْنِ اللَّتَيْنِ بِنْية الأُولى مِنْهُمَا السّكُون)) (1).
ـ الأبنية الصرفية عند التبريزي:
سبق أن أوضحنا ـ عند حديثنا عن المادة الصرفية عند أبي العلاء ـ أن ألفاظ اللغة عند اللغويين تنتظمها ((أبنية)) محددة ومعلومة عندهم. وتلك الأبنية تكونت وتحددت لديهم بعد استقراء وإنعام للنظر طويلين لهذه الألفاظ.
وهذه هي نفس الحقيقة التي نستشفها ونستنتجها بشكل أوضح مما هي عليه عند أبي العلاء من مواضع كثيرة من شرح التبريزي:
ـ قال: ((بَهرام: عندهم المريخ، وبعض الناس يقوله بفتح الباء، ولا يخرجه إلى أمثلة العرب؛ لأن ((فَعلالا)) في المضاعف قليل جدا، ومن الناس من يكسر الباء ليخرج إلى باب ضِرْغام وسِرْداح)) (2).
ـ وقال: ((عَقَرْقُس: على وزن سَفَرْجُل بضم الجيم، وهواسم موضع أجنبي، وهو يشابه في الوزن قولهم كنَهْبُل لضرب من الشجر، وفيه اختلاف، فقوم يجعلون نونه زائدة، وقوم يجعلونه بناء من الأُصُول، وكلا الوجهين يحتمله القياس، ولوأن عقرقُس اسم عربي لم يحكم على أحد قافيه بالزيادة في مذهب أصحاب التصريف)) (3).
وبدراسة المواضع التي تحدث فيها التبريزي عن البني الصرفية يمكن أن نخرج ببعض الحقائق والملحوظات التالية:
- أولى هذه الحقائق أن هذه الأبنية ((متفق عليها))؛ بمعنى: أن قبول اللغويين لبنية معينة ليس ناتجا عن علة معينة، أولسبب معين، وإنما قبولهم لبنية
(1) 1/ 155، تحقيق محمد عبد الخالق عظيمة، الناشر عالم الكتب، بيروت
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 71 ـ 72ب12].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 236 ـ 237ب19]. وينظر أيضا: [1/ 235ب6]
معينة يكون بسبب الاتفاق الذي وقع في اللغة حول هذه البنية. فقد توجد أكثر من بنية يمكن أن تكون مقبولة، ولكن اللغة قبلت بعضها ولم تقبل الأخرى (1).
قال التبريزي: ((وليس في كلام العرب مثل ((دَمَقْس)) في الرباعي (
…
) [و] تركهم أن يبنوا مثل دمقس إنما هو اتفاق وقع في اللغة، لا أن اجتنابهم ذلك لعلة)) (2).
ـ وقال: ((فِعُّل بكسر الفاء وضم العين مثال لم ينطق به)) (3).
ويؤكد ما ذهبنا إليه تلك المناظرة التي أوردها السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر بين ابن ولاد وبين ابن النحاس وفيها ((قال ابن النحاس لأبي العباس: كيف تبني مثال افعلوت من رميت، فقال له أبو العباس: ارمييت، فخطأه أبو جعفر وقال: ليس في كلام العرب افعلوت ولا افعليت؛ فقال أبو العباس: إنما سألتني أن أمثل لك بناء ففعلت)) (4).
- هذه الأبنية المستقرة والمعلومة والمحددة عند اللغويين كانت بمثابة ((المعيار والقرينة)) الذين يعرف بهما ما يوافق الأسماءَ العربية من الأسماء الأعجمية (5).
ـ قال عند قول أبي تمام:
(1) وهناك بنى موجودة ولكنها غير مستعملة، جاء في المزهر:((يُفْعُول قال سيبويه: وليس في الكلام يُفْعول فأما قولهم يُسروع فإنهم ضموا الياء لضمة الراء كما قالوا: الأسود بن يُعفُر فضموا الياء لضمة الفاء. قال ابن قتيبة: ويقوي هذا أنه ليس في كلام العرب يُفْعُل))، المزهر للسيوطي، 2/ 50.
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 61 ـ 63].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 422ب5].
(4)
الأشباه والنظائر، 3/ 162، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
(5)
تلك الأبنية المستقرة هي التي سماها ابن سنان الخفاجي في كتابه: سر الفصاحة ((العرف العربي الصحيح))، فمن شروط الفصاحة في اللفظة عنده ((أن تكون الكلمة جارية على العرف العربي الصحيح غير شاذة ويدخل في هذا القسم كل ما ينكره أهل اللغة ويرده علماء النحو من التصرف الفاسد في الكلمة))، ينظر: سر الفصاحة، لأبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي، دار الكتب العلمية، ط 1 1402هـ
يَقولُ في قُومَسٍ صَحبي وَقَد أَخَذَت
…
مِنّا السُّرى وَخُطا المَهرِيَّةِ القودِ [بحر البسيط].
((قُومَسٍ: اسم أعجمي، يوافق من العربية لفظ القَمْس، من قولهم: قَمَسَ في الماء؛ إذا غاص)) (1).
ـ وقال: ((يقال مَنْجَنيق ومِنْجَنِيق، بفتح الميم وكسرها، وليست هذه الكلمة بالعربية في الأصل، وإذا جمعتها العرب قالوا: مجانيق؛ فحذفوا النون)) (2).
ـ وقال: ((ودمشق اسم أعجمي، وافقت حروفه حروف الدِّمَشْقة، وهي السرعة في السير، يقال: ناقة دمشق؛ أي: سريعة (
…
) وأدخلوا الهاء عليها في شذوذ؛ فقالوا: دِمَشْقَة)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
بِصاغِرَةِ القُصوى وَطِمَّينِ وَاقتَرى
…
بِلادَ قَرَنطاووسَ وابِلُكَ السَّكْبُ [بحر الطويل]
((
…
ويروى ((بصارخة))، وهي موافقة للأسماء العربية)) (4).
- كما كانت معرفته بالأبنية وسيلة لمعرفة الأصل العربي للكلمات التي يُدعى عدم عربيتها:
قال: ((وأصحاب التفسير يزعمون أن [مشكاة] أصلها حبشي، فأما لفطها فيدل على أنها مِفْعَلة من شكوت)) (5).
- تلك الأبنية المستقرة تحدد الطريقة التي يمكن أن يكون عليها اسم أعجمي لورغبنا في النطق به.
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 132ب1].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 441ب50].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 553ب6].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 190ب35]. وينظر: [4/ 427]، [2/ 415ب19]
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 250ب24].
ـ قال: ((وليس في كلام العرب مثل دَمَقْس في الرباعي، وهواسم أعجمي، والقياس إذا نطقت به العرب أن يكسر أوله؛ ليخرجوه إلى بناء هو لهم، مثل قولهم: أرض دِمَثْرة؛ أي: سهلة، وناقة دِرَفْسة؛ أي: ضخمة شديدة)) (1).
ـ وقال: ((وبعض النحويين يحكي أن من العرب من يقول: حَضْرَمُوت؛ ليجعلوا بناءه كبناء عَضْرفُوت وحذرفُوت)) (2).
- هذه الأبنية التي ترسخت وثبتت عند اللغويين تولدت عنها قوانين وقواعد تظلل تلك الأبنية، وتوجب أن تكون كل الكلمات المشتقة ـ إذا رغبنا في اشتقاقات جديدة ـ تحت طوع هذه القواعد، وفي دائرتها ولا تخرج عليها.
ـ قال: ((ويَرَمْرَم (3) (
…
) إذا حمل هذا الاسم علي موجب الاشتقاق فهو من اليَرَم بُني على فَعَلْعَل)) (4).
ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
لَم يُسَوَّد وَجهُ الوِصالِ بِوَسمٍ ال
…
حُبِّ حَتّى تَكَشخَنَ العُشّاقُ [بحر الخفيف]
((.. ((تَكَشخَنَ)) كلمة عامية لا تعرفها العرب، وإذا حُمِلَت على القياس فالصواب: تَكشَّخَ؛ لأنك إذا بنيتَ ((تَفَعَّل)) من سَكْران فالوجهُ أن تقولَ: تَسَكَّرَ، وأما مثل تسكرن من السكران وتَعطَّشن من العطشان فمعدوم قليل، وهذا الكلام على أن تفتح الكاف من الكَشْخان، فإن كانت مكسورة قوي ثبات النون في الفعل؛ لأن فِعْلان يحكم على نونه بالزيادة إذ كان فَعْلال قليلا في الكلام، وليس فِعْلال كذلك)) (5).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 61 ـ 62].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 153ب22].وينظر أيضا: 3/ 319ب19
(3)
اسم جبل.
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 117ب21].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 405 ـ 406 ب6]، وحكم التبريزي على كلمة
((تكشخن)) بأنها عامية أمر فيه نظر للأسباب الآتية:
1ـ أنى لأبي تمام أن يستخدم لفظة عامية، وهو فحل من فحول اللغة.
2ـ يمكن لكلمات من الفصحى أن تدخل العامية؛ فيُعتقد بعاميتها وهي ليست كذلك، مثل:
((خش، نش، دبق، زنق، حاش، شاف، عشم، ساب، نشف)) [ينظر: أضواء على لغتنا السمحة، ص18 وما بعدها].
3ـ وجود ألفاظ مشابهة في الفصحى، مثل: عكنن، وشعنن [ينظر: أضواء على لغتنا السمحة، ص 86] وقياسا عليها نقول:((كشخن))، وكما قال ابن جني: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب، ولكن يبدو أن التبريزي متأثر بمذهب الكوفيين في تفضيل السماع
وعلى الرغم من هذا فإن لجوء التبريزي إلى اللغة العامية لتفسير نص شعري عند أبي تمام أمر يشي بأهمية هذه اللغة أو هذا المستوي اللغوي في الدراسة اللغوية، وقد حاول د. تمام حسان أن يدرس التنغيم في العامية حتى يصل إلى أسس يستطيع بها أن يدرس الفصحى، فقال: إن التنغيم في اللغة العربية الفصحى غير مسجل ولا مدروس وبالتالي تخضع دراستنا له في الوقت الحاضر لضرورة الاعتماد على العادات النطقية في اللهجات العامية. اللغة العربية مبناها ومعناها، ص 288، وينطر أيضا: د. حلمي خليل: الكلمة، ص 47
وينظر موضع مهم يتحدث فيه التبريزي عن كلمة: ألك، 2/ 459ب7
- وهذه الأبنية منها ما هو خاص بالاسم، ومنها ما هو خاص بالفعل، ومنها ما هوقليل نادر ومنها ما هوشائع حاضر.
ـ قال: ((الفِرِنْد: رونق الشيء، وأصله فارسيٌّ معرب، وحُكي بالفاء والباء فِرِنْد وبرند، وإذا كان أعجميًّا فلا اشتقاق له وبناؤه بناء قليل؛ لأن النون إن جُعلت أصلا فهو ((فِعِلٌّ))، وإنما يجيء هذا البناء بتشديد اللام، وتضعيف الآخر كما قالوا: فَرَسٌ ضِبِرٌّ وطِمِرٌّ، وغيث حِمِرٌّ يقشرُ الأرض، فأمّا مثل: الدِّمِقْس فليس في كلامهم)) (1).
ـ وقال: ((ولما بنى الفعل من القلنسوة قال: قَلْنَس، فأثبت النون، و ((فَعْنل)) بناء قليل)) (2).
- وأيضا هناك قانون صوتي يمنع تجمع أحرف معينة عند تكوين بنية الكلمة، كأن تجتمع الحروف ((الكاف، والذال، والجيم)) في كلمة، أوتجتمع بالكلمة أحرف من حروف الحلق.
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 246ب14].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 235ب6].
ـ قال عند قول أبي تمام:
راحٌ إِذا ما الراحُ كُنَّ مَطِيَّها
…
كانَت مَطايا الشَوقِ في الأَحشاءِ [بحر الكامل].
((و ((الكذج)): كلمة لم تستعملها العرب، ولا استعملت الكاف والذال والجيم فيما يعرف من الثلاثي)) (1).
ـ وقال: ((ولهيعة مشتق من اللهع، وهوالتَّشَدُّق في الكلام
…
وقليل في كلامهم أن تجيء الهاء بعد العين؛ لأنهما حرفا حلق)) (2).
وقد تنبه الخليل من قبل أبي العلاء والتبريزي بوجود هذه القوانين الصوتية مستندًا في ذلك على ((ثقافته اللغوية وخبرته الصوتية في معرفة التجمعات الصوتية المسموح بها وغير المسموح بها في اللغة العربية)) (3)؛ لذلك نجده في كتابه العين ينبه على وجود أبنية مستعمله وأخرى مهملة، وهذا الإهمال بسبب ((عدم استعمال العرب له أو لأن القوانين الصوتية تأباه)) (4).
- وفي بعض المواضع أشار التبريزي إشارات يُفْهَمُ منها أن معظم الألفاظ تتخذ من مكوناتها الداخلية ما تحتاط به من التباس معناها بمعنى لفظة أخرى مشابهة لها.
ـ قال عند قول أبي تمام:
راحٌ إِذا ما الراحُ كُنَّ مَطِيَّها
…
كانَت مَطايا الشَوقِ في الأَحشاءِ [بحر الكامل].
((
…
الراح الأولى الخمر، وهي من ذوات الياء، لقولهم:((رِياح)) في معنى ((راح))، ومنها اشتقاق ((الأريحيّ والأريحية))
…
وكأنهم إذا استعملوا الشيء بالواووالياء؛ فرقوا بإبدال إحداهما من الأخرى؛ ليكون ذلك أقل للبس؛ لأنهم لوقالوا: ((رجل أروحي))؛
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 28ب31]. وينظر أيضا: 3/ 138ب38
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 347ب2].
(3)
د. حلمي خليل: الكلمة دراسة معجمية لغوية، ص 25
(4)
د. محمد عبد الحفيظ العريان: المعاجم العربية المجنسة، ص58، الناشر: دار المسلم 1984م
لالتبس بالنسب إلى أروح، إذا قلت:((هذا أروح من هذا، وهذا ظليم أروح))؛فيؤثرون الفرق في كثير من الكلام؛ إذا وجدوا سبيلا إليه)) (1).
ـ وقال: ((وأصحاب النقل يرون أن تصغير الضحى ضُحَيّ، فإذا قيل لهم: لِمَ لَمْ تُظْهِروا الهاء في مصغر الثلاثي، كما قالوا: رُحَيَّة، وقُدَيْمة؟ قالوا: أرادوا أن يفرقوا بين تصغير ضحى، وتصغير ضحوة، وقد يجوز مثل ذلك)) (2).
ـ وقال: ((الطلل: ما شخص من آثار الديار. وكذلك قالوا: تطاللتُ إذا تطاولت، وقال بعضهم: تطاللتُ إذا كنت جالسا، وتطاولت: إذا كنت قائما)) (3).
ـ وقال: ((العنق يذكر ويؤنث، وقال قوم: إذا حركت النون، فالوجه التأنيث، وإن أسكنت فالوجه التذكير)) (4).
ـ قال: ((الأجود أن يستعمل الأمهات بالهاء فيمن يعقل، والأمات فيما لا يعقل)) (5).
ونصوص التبريزي السابقة تشير إلى أن اللغة تتخذ من الوسائل ما تأمن به اللبس فـ ((ما دامت المباني الصرفية تعبر عن معانٍ صرفية أو تتخذ قرائن لفظية على معانٍ نحوية ، فِلا بُدَّ أن يكون أمن اللبس بين المبنى والمبنى غاية كبرى تحرص عليها اللغة في صياغتها للمباني الصرفية ، ولا بُدَّ لضمان أمن اللبس على المستوى الصرفي أن تقوم القيم الخلافية بدور التفريق بين المباني من ناحية الشكل ليكون هناك فارق بين المعنى الصرفي وأخيه ، أو بين الباب النحوي وأخيه)) (6).
- ومما أشار إليه أن البنية الخماسية الأصول لا مذهب لها في الاشتقاق:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 27ـ 28ب9] ولمزيد من المواضع في هذه الجزئية كشواهد هامة على استغلال البنية الصرفية كوسيلة لأمن اللبس، تُنْظَرُ المواضع الآتية:[4/ 155ب2]، [1/ 166ب34]، [2/ 19ب40].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 185ب7].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 532ب14].
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 6ب8]. وينظر أيضا: 4/ 155ب2
(6)
د. تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها، ص 146
قال: ((صَهْصَلِق: شديد الصوت، والصادان في صهصلق أصليتان، وأصحاب الاشتقاق يذهبون إلى أن الخماسي الذي كل حروفه أصول لا مذهب له في الاشتقاق؛ لأن الفعل لا يتصرف منه)) (1).
والذي عليه العلماء أن الأصول الخماسية مخصوصة بالأسماء، ولا يشتق منها فعل، وتعليل ذلك أن ((أنَّ الفعل مُعَرَّض للزوائد من أوله وآخره؛ كقولهم: دحرجتُه فتدحرَجَ، فلو بنيتَ من الخماسيّ لكان تقديره: سَفَرْجَلتُهُ فتسَفَرْجلَ؛ وهو ثقيل كما ترى. كما أن الضمائر تلحق بالأفعال، وتصير معها بمنزلة الشيء الواحد، نحو: ضربنا وضربتم؛ فإذا جاء الخماسيّ فعلاً، ولحقته الضمائر، أفرط في الطول؛ فكان تقديره: سَفَرْجَلْتُم؛ وهو ثقيل)) (2).
- الألفة وكثرة الاستعمال تؤثر على بنية الكلمة وحروفها:
من لطيف إشارات التبريزي إلى أن ((الألفة)) و ((وكثرة الاستعمال)) تؤثر على بنية الكلمة وحروفها:
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 239ب12]. ونقل السيوطي في المزهر عن ابن فارس رأيه بأن مثل ((صهصلق)) من الألفاظ منحوت من كلمتين، فـ ((صهصلق)) مكونة من: صهل وصلق. يقول السيوطي: ((وهذا مَذْهَبُنا فى أن الأَشياء الزائدةَ على ثلاثة أحرف فأكثرُها منحوتٌ، مثل قول العرب للرَّجل الشديدِ ضِبَطرٌ من ضَبَط وضَبَر، وفي قولهمْ: صَهْصَلِق إنه من صَهَل وصَلَق وفي الصِّلْدِم إِنه من الصَّلْد والصَّدْم، قال: وقد ذكرنا ذلك بوجوهه في كتابِ مقاييس اللُّغة. انتهى كلام ابن فارس)). [المزهر: 1/ 482] وهذا مذهبه فيما زاد على ثلاثة، ولا سيما ما زاد على أربعة.
(2)
عبد الرزاق بن فراج الصاعدي: تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم، 1/ 136، الناشر: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ط1 1422هـ
ـ قال: ((الديمة: من ذوات الواوفي الأصل، إلا أنهم ألفوا الياء حتى قالوا: دَيَّمَ المطر، وقالوا: كثيب مُدَيَّم؛ إذا سقته الديمة، وحُكِي دام المطر يديم، فيجوز أن يكون له أصل في الياء)) (1).
ـ وقال: ((وقولهم: هذا شر من هذا وخير من هذا، هومن باب أفعل، لأن أصله أشر من هذا وأخير من هذا، إلا أن الهمزة قد حُذِفَت لكثرة الاستعمال)) (2).
والتغيير الذى يصيب بنية الكلمة بسبب ((الألفة)) و ((كثرة الاستعمال)) سماه العلماء المعاصرون بـ ((بِلى الألفاظ)) وقرروا أن ((كثرة الاستعمال تبلي الألفاظ، وتجعلها عرضة لقص أطرافها، تماما كما تبلى العملات المعدنية والورقية، التي تتبادلها أيدي البشر)) (3).
- البنية التي قد يتغير معناها تصبح عرضة لدخول حروف عليها:
قال عند قول أبي تمام:
نَزَلَت مُقَدِّمَةُ المَصيفِ حَميدَةً
…
وَيَدُ الشِّتاءِ جَديدَةٌ لا تُكفَرُ [بحر الكامل].
((أصحاب اللغة يقولون مقدمة الجيش بكسر الدال، والقياس لا يمتنع فتحها. وقال: جديدة، والمعروف أن يقال: مِلْحفةٌ جديد، وكذلك في جميع الإناث؛ لأنه من جَدَدْتُ؛ أي: قطعت، فيقال: جُبَّة جديد، كما يقال: لحية دهين، وقال بعضهم دَهينة، وكأن جديدًا لما كثر صار في معنى الطري؛ فذهب عنه معنى المجدود؛ أي: المقطوع؛ فَحَسُنَ أن تدخل عليه الهاء، تقول: جاء الربيع محمودا، وصنيعة الشتاء ظاهرة مشكورة لا تكفر)) (4).
- قد يختلف علماء اللغة في أصول بعض الأبنية:
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 87ب31].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 428ب11].
(3)
د. رمضان عبد التواب: التطور اللغوي، ص 95
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 191ب2].
ألمح التبريزي إلى اختلاف علماء اللغة في أصولية بعض الأحرف في بعض البنى، قال:((ومُسَحْسِح: كثير الصب. وبعض الناس يذهب إلى أن مسحسحا، مأخوذ من السح، وأصحاب القياس من أهل البصرة يزعمون أن سحسح من غير لفظ سح. ووزن مسحسح على رأي سيبويه ((مُفَعْلِل))، وعلى رأي غيره من أصحاب النظر ((مُفَعْفِل))، وعلى ما ثبت في كتاب العين ((مُفَعْفِع)))) (1).
ـ وقال: ((ووزن مروراة على رأي سيبويه: فَعَوْعَلَة، وألفها أصلية، ووزنها على رأي محمد بن يزيد: فَعَلْعَلة)) (2).
ـ وقال: ((يقال أسدٌ دِلْهاث، ودُلاهِث؛ أي: جريء. ومن زعم أن الهاء في ((هِبْلَع)) زائدة، جاز أن يدعى أنها في دلهاث كذلك، وأنه من الدلاث)) (3).
- الأسماء الثنائية الحروف يحكم بأصلية حرفيها وحذف حرف ثالث:
قال عند قول أبي تمام:
حَلَبتُ صَرفَ النَّوى صَرفَ الأَسى وَحَدًا
…
بِالبَثِّ في دَولَةِ الإِغرامِ وَالدَّدَنِ [بحر البسيط].
((الددن: اللهووالباطل، جاء به على أصله، وأكثر ما يستعمل بحذف النون، ويُحْكم على أن الدالين من الأصل)) (4).
وقال: ((التصغير لا يقع إلا على ثلاثي، فيجب أن يُردَّ الثنائي إلى الأصل)) (5).
والتبريزي في الاقتباسين السابقين ينحاز إلى الفريق القائل بأن أقل أصول اللغة ثلاثة أصول.
والحق القول أن القول بثنائية الأصول (6) أو ثلاثيتها مجال أخذ ورد بين العلماء. والرأي الذي ((يرجع كل جذور لغتنا الثلاثية إلى جذور ثنائية لا يخلو من وجاهة وله
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 439ب44، 45].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 47ب13].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 315ب13].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 337ب5].
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 424ب4].
(6)
النظرية الثنائية هي ((التي تعتبر أن الأصول في العربية تعود إلى جذر ثنائي، وأن الجذر الثلاثي يرجع إلى ثنائي أيضا، والمعنى العام للمادة يرتبط بأصلين من أصولها، نحو: قط، وقطب، وقطف، وقطع، وقطم، وقطل، وجميعها تتضمن معنى القطع
…
ولهذه النظرية رواد في العصر الحديث تحدثوا عنها مفصلين، ومن أشهر هؤلاء الرواد: نولدكه، أحمد فارس الشدياق، جرجي زيدان، الأب أنستاس الكرملي، عبد الله العلايلي))، ينظر: الزوائد في الصيغ في اللغة العربية في الأسماء، د. زين كامل الخويسكي، ص4،دار المعرفة الجامعية ط2
وهذه النظرية ((ترى عكس ما ذهب إليه النحاة والصرفيون القدماء))، ينظر: في التطور اللغوي، د. عبد الصبور شاهين، ص103، مكتبة الشباب، 1989م.
أمثلة كثيرة تؤيده، وإن كان لا يطرد لنا في كل جذر ثلاثي، أو يسهل علينا تحقيق ذلك فيه)) (1).
ووجاهة هذا الرأي تتمثل في أن البحث في اللغات السامية يشير إلى أن بعضا من كلمات اللغة ثنائي الأصل، يقول المستشرق برجشتراسر في كتابه التطور النحوي 1/ 33:((وذكر الزمخشري أن التاء في الأخت والبنت أبدلت من الواو؛ وذلك أنه ظن أن مادتهما أخو وبنو، وأن التاء أصلية لام الفعل، قامت مقام الواو، ونحن نعرف أن الأخ والابن من الأسماء القديمة جدا التي مادتها مركبة من حرفين فقط لا من ثلاثة أحرف، وإن التاء وإن لم يسبقها فتحة هي تاء التأنيث، فهي في غير العربية، وخصوصا في الأكادية والعبرية كثيرا ما لا فتحة قبلها)) (2).
وكثير من ((علمائنا العرب القدامى ومعاجمنا العربية لم تنص صراحة على القول بالأصول الثنائية كنظرية، إلا أن صنيعها في التطبيق يشير إلى ذلك ضمنا؛ إذ تبين مِن تَتَبُّع كلامهم، ومن النظر في معاجمنا الأصيلة وجود علاقة بين فحوى المعنى
(1) مقال بعنوان ((من تطور الكلمات ومعانيها))، بقلم أ/ محمد خليفة التونسي، مجلة العربي ع232، ص 125
(2)
نقلا عن مقدمة د. رمضان عبد التواب لكتاب أبي الحسن أحمد بن فارس: المذكر والمؤنث، ص 33
العام للأصول الثنائية، وبين الثلاثي المتفرع عن هذه الأصول، مما يدل على أن الثنائية ترددت في أذهانهم كنظرية، ولمسناها في أقوالهم كتطبيق.
وقد جمع ((أمين فاخر)) بتتبع وجهد فائق أمثلة كثيرة لذلك في كتابه: ((ثنائية الألفاظ في المعاجم العربية، وعلاقتها بالأصول الثنائية)) في دراسة معجمية إحصائية تؤكد ما ذهبنا إليه. وهذه أمثلة قليلة تمثل غيضا من فيض، مما جاء في كتبهم وقواميسهم: فمادة ((عم)) أصل ثنائي يدل على العلو والارتفاع. وفي العين للخليل بن أحمد: العميم: الطويل من النبات، وبه قال ابن فارس (المقاييس4/ 5)، والجوهري (الصحاج2/ 163))) (1).
ومهما يكن من اطراد هذا الرأي أو تخلفه ((ففيه جانب من صواب وفائدة، وإن خذلتنا التفصيلات أحيانا)) (2).
- الأسماء الأعجمية قد توافق في بنيتها بنى الأسماء العربية:
الأسماء الأعجمية التي تدخل العربية تنقسم إلى قسمين:
[1]
قسم يوافق أبنية الكلمات العربية: فمن الكلمات الأعجمية ما يوافق البنى العربية، مثال ذلك: ـ الشَّاه يقابل: الشاه، الجاه، الباه
ـ الفُرْزَان: الفُرسَان، الذُّكران.
ـ الرُّخُّ (3): يقابل المُخُّ، الدُّفُّ.
ـ قال التبريزي: ((الشِّطْرَنْج اسم أعجمي، وكذلك: الشاه، والفرزان والرخ، والبيدق)) (4).
(1) مقال بعنوان ((أصول اللغة العربية بين الثنائية والثلاثية))، بقلم د. توفيق محمد شاهين، مجلة الأزهر رجب 1399هـ يونيه 1979م، ص 1327
(2)
((من تطور الكلمات ومعانيها))، أ/ محمد خليفة التونسي، مجلة العربي ع232، ص 125
(3)
الرخ، والشاه، الفرزان من أسماء قطع الشِطرنج.
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 399ب27].
ـ وقال: ((عسقلان: إن كانت عربية فاشتقاقها من العساقيل)) (1). فإن كانت البنية العربية تتميز عن البنى الأعجمية لم يشك التبريزي هاهنا.
ـ قال عند قول أبي تمام:
لَيسَ تُغنى شَيئًا وَلَوكُنتَ قارونَ الغِنى وَاشتَرَيتَ دَربَ النورَه [بحر الخفيف].
((النُّورة: قيل إن هذه اللفظة ليست عربية في الأصل، واشتقاقها يشابه اشتقاق العربي)) (2).
[2]
قسم لا يوافق الأبنية العربية:
قال: ((الياقوت: كلمة قد استعملتها العرب فهي كلمة أعجمية في الأصل، وليس لها اشتقاق في كلامهم؛ لأنهم لم يحكوا اليقت)) (3).
وبناء على ما سبق نقرر أن اللفظ الأعجمي قد يوافق في بنيته بنية اللفظ العربي.
- انتقال الصفات إلى الأسماء:
الاسم كلمة تدل بذاتها على شيء محسوس أوشيء غير محسوس يعرف بالعقل، وهوفي الحالتين لا يقترن بزمن (4). أما الصفة: فهي ما دلت على معنى وذات، وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول، وأفعل التفضيل والصفة المشبهة (5).
ومن خلال التعريفين نجد أن الصفة تفترق عن الاسم بدلالتها على صفة الشيء. وقد أشار التبريزي إلى إمكانية انتقال الصفة إلى الاسم فقال عند قول أبي تمام:
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 268ب27].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 365ب5]. وينظر أيضا المواضع التالية: [1/ 330ب3]، [2/ 54ب40]، [4/ 330ب11]
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 106].
(4)
النحوالوافي: 1/ 26
(5)
شرح ابن عقيل، ص 188
بِحَوافِرٍ حُفرٍ وَصُلبٍ صُلَّبٍ
…
وَأَشاعِرٍ شُعرٍ وَخَلقٍ أَخلَقِ [بحر الكامل].
((والأشاعر جمع أشعر، وهوما ينبت عليه الشعر مما يُقارب الحافر (
…
) وأصل الأشاعر في الصفات ثم نقل إلى الأسماء؛ فجمع على أفاعل)) (1).
- إيقاع الصفة على كل الشيء:
صرح التبريزي أن الصفة تكون لجزء معين من الشيء وقد تطلق على كل الشيء. قال: ((وليل أدعج؛ إذا وصف بشدة السواد، والأصل أن يقال: أدعج العين، ولكن أوقعوا الصفة على كل الشيء، كما تقع على بعضه، يقولون رجل أزرق، وإنما الزرقة للعين)) (2).
وإيقاع بعض الشيء على كل الشيء من سنن العرب في كلامها، قال الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها: ((باب اقتصارهم على ذكر بعض الشيء وهم يريدونه كلُّه: من سنن العرب الاقتصارُ على ذكر بعض الشيء وهم يريدونه كلُّه، فيقولون: قعد على صَدْر راحلته ومضى (
…
) وذكروا في هذا الباب قوله جلّ ثناؤه: چ ? ? ? ? ? ? ?? چ [النور: 30])) (3).
- اللغة تميل نحوالسهولة والتيسير:
قال التبريزي في أحد مواضع شرحه: ((وأصل الدجية أن يكون بالواو؛ لأنه من دجا يدجو، ولكنهم آثروا الياء لخفتها)) (4).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 410ب8]. وجاء في شرح شافية ابن الحاجب 1/ 467: ((اعلم أن أَفْعَل إذا كان اسما كيف تصرَّفَت حركاته من أَفْعل وإفْعَل وأفعُل: يجمع على أفاعل نحو جمع أَجْدَل وأَحْوَص ـ علما ـ وإصبع، على: أجادِل وأحاوِص وأصابع)).
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 64].
(3)
ص 193، الناشر: محمد علي بيضون ط1 1418هـ-1997م
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54].
وقال: ((وهَرَقْتَ تستعمل في المياه، وما جرى مجراها في السيلان، والأصل أرقت؛ فأبدلت الهاء من الهمزة، إلا أن الذي يقول هرقت يقول في اسم الفاعل والمفعول ((مُهَرِيق)) و ((مُهَرَاق))، واستثقلوا الهمزة أن تُثبَت في مُريق ومُراق فلم يقولوا ((مُؤَرِيق)) ولا ((مُؤَراق)) لثقل الهمزة، وأثبتوا الهاء لخفتها)) (1).
في إشارة التبريزي إقرار لحقيقة اتجاه اللغة إلى السهولة والتيسير، فاللغة تميل ((في تطورها نحوالسهولة والتيسير؛ فتحاول التخلص من الأصوات العسيرة، وتستبدل بها أصواتا أخرى، لا تتطلب مجهودا عضليا كبيرا)) (2).
كما يدل النص الأول على أن الياء أخف نطقا من الواو.
- المضعف الثلاثي يجب فيه إدغام الفاء والعين إذا كان مكسور العين في المضارع:
قال: ((اليَقَق: الأبيض، يقال: يَقَق، ويقِق، وإذا كسرت القاف فهومن الشواذ؛ لأن حق مثل هذا أن يدغم، إذا كُسِر؛ فيقال: يَقُّ. وقد حكى سيبويه: قوم ضَفِفوا الحال)) (3).
ـ من معاني الأوزان الصرفية عند التبريزي:
تعرض التبريزي أثناء شرحه لعددٍ من معاني الأوزن الصرفية، وفي التالي بعض هذه الأوزان وبعض معانيها التي ذكرها التبريزي.
[1]
الفُعَالة: تدل على ما يسقط عن الشيء أويبقى منه. قال: ((الحُشاشة بقية النفس
…
والفُعالة تجيء فيما يسقط عن الشيء أويبقى منه، فالذي يسقط نحوالحُلاقة والجُزَارة، والذي يبقى نحوالغُدارة والصُّبابة)) (4).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 62ب46].
(2)
التطور اللغوي: د. رمضان عبد التواب، 47
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 470ب1].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 253ب1].
وإشارة التبريزي هنا أن ((الفُعَالة)) تجيء فيما يسقط عن الشيء أو يبقى منه تقر قياسية هذا الوزن، وإمكانية استغلاله وطرده، وهو بهذا يسبق الأستاذ أحمد محمد الحوفي في المطالبة بقياسية هذا الوزن في بحث قيم له بعنوان ((وزن فُعالة الدال على نفايات الأشياء وبقاياها ومتناثراتها)) تقدم به للجنة الأصول بالمجمع سنة 1978م.
وقد قدم الأستاذ الحوفي عددًا كبيرا من الألفاظ التي جاءت على هذا الوزن بعد مسح دقيق للسان العرب وأساس البلاغة والقاموس المحيط وتاج العروس، واستخرج منها واحدا وسبعين لفظا، منها على سبيل المثال (1):
• الثُّمالة: البقية من الطعام والشراب في البطن.
• الجُفافة: ما ينتثر من الحشيش والقت ونحوه.
• الحُتامة: ما يبقى على المائدة من طعام أو ما سقط منه إذا أكل.
• الحُسافة: ما تناثر من التمر الفاسد، أو سُحالة الذهب والفضة.
• السُّباطة: الكناسة تطرح بأفنية البيوت.
• الشُّفافة: بقية الماء في الإناء.
• العُفافة: بقية اللبن في الضرع بعد أن امتص أكثره.
• القُرامة: ما يلتزق من الخبز بالتنور.
• الهُتامة: ما تكسر من الشيء.
وفي نهاية البحث قدم الدكتور الحوفي اقتراح لكلمات مقيسة لتأدية المعنى نفسه، منها:
• الجُزارة: ما تبقى بعد الذبح والسلخ والجزر.
• الجُلادة: ما يتخلف من تجليد الكتب.
• الحُصادة: ما يتبقى في الحقل بعد الحصاد.
• الطُّباعة: بقية الورق والحبر بعد الطبع.
• العُجانة: البقية بعد عجن العجين (2).
(1) ينظر د. أحمد محمد الحوفي: لغويات جديدة، ص 112 وما بعدها، دار المعارف، بدون تاريخ
(2)
د. أحمد محمد الحوفي: لغويات جديدة، ص116 ، 117
[2]
انْفَعَل (1): تدل على المطاوعة. قال: ((منجمش منفعل من التجميش، وقال بعضهم الجمش قرص خفيف
…
واستعمله هنا على فعله فانفعل)) (2).
[3]
فاعَل: من معانيها أنها تدل على المشاركة. قال: ((ناوَشَ من المناوشة، وهي أول القتال، واشتقاقها من نُشْتُ الشيء إذا تناولته، كأن كل واحدٍ ينوشُ الآخر، وهوفعل لا يقع إلا من اثنين مثل المضاربة والمقاتلة)) (3).
ـ أوزان تستضيف معاني أوزان أخرى:
- فَعَل بمعنى مُفْعَل:
قال التبريزي عند قول أبي تمام:
أَرَجٌ أَقامَ مِنَ الأَحِبَّةِ في الثَّرى
…
وَصَرًى أريقَت بِالدُّموعِ الذُرَّفِ [بحر الكامل]
((صَرًى يعني به الخمر، وهوفَعَل بمعنى مُفْعَل)) (4).
- فَعَل دالة على مفعول:
وردت في اللغة ((صيغ تدل على مفعول، منها: فَعَل بفتح الفاء والعين، كالقَنَص والسَّلَبَ والكَرَع، فالسلب بمعنى المسلوب، والنفض بمعنى المنفوض، والخَبَط: الورق المخبوط)) (5). ويؤيد هذا قول التبريزي: ((رَفَد بفتح الراء والفاء ما رُفِدَ، كما أن القَبَض ما قُبِضَ والنَّقَض ما نُقِض)) (6).
- فِعْل بمعنى مفعول:
(1) هذه الوزن من أوزان الأفعال المزيدة لا يكون إلا لازما ولا يكون إلا في الأفعال العلاجية. ينظر شذا العرف 43
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 225ب1].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 457ب2].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 394ب3].
(5)
معاني الأبنية في العربية: د. فاضل صالح السامرائي، ص 58، [دار عمار، ط2، 2007م، الأردن]
(6)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 442ب59].
من الصيغ التي تنوب عن مفعول الوزن فِعْل. قال التبريزي: ((القِطر النُّحاس، وربما قيل: القِطر الرصاص، وإنما اشتقاقه من قَطَر يَقْطُرُ، كأنه من قولهم قطرته فهوقِطْر، كما يقال: ذَبحتُ والمفعولُ ذِبْح وطحنتُ والمفعول طِحْن)) (1).
ونلاحظ أن طِحْنًا بمعنى مطحون، ورِعْيًا بمعنى مرعي، وطِرحًا بمعنى مطروح ((هذه في الحقيقة أسماء تدل على المفعول لا صفات، فالطحن: هوالدقيق (
…
) ومن الصفات قولهم: شيء بِدع؛ أي: مبتدع، وقولهم: رجل نِكْل للذي يُنكِّل به أعداؤه. وقد يفيد الدلالة على القدر كقولهم (هذا شِبْعه) أي: قدر ما
يشبعه، وهو ملء هذا؛ أي: قدر ما يملؤه)) (2).
- كل مُفْتَعل من المضاعف، يحتمل أن يجعل لفاعل ومفعول:
قال عند قول أبي تمام:
أَصغى إِلى البَينِ مُغتَرًّا فَلا جَرَما
…
أَنَّ النَّوى أَسأَرَت في قَلبِهِ لَمَما [بحر البسيط]
((ولفظ مغتر يحتمل أن يكون فاعلا ومفعولا، وكذلك كل مُفْتَعل من المضاعف يحتمل أن يجعل لفاعل ومفعول)) (3).
…
ـ الجموع عند التبريزي:
من الأمور المثيرة للاهتمام أن التبريزي كان مهتما جدًا بذكر مفرد الجموع التي كانت تقابله، فلا يكاد يمر ((جمع)) ذكره أبوتمام حتى يكون أول شيء يفعله مع هذا الجمع ذكر مفرده. والذي يمكن أن يقال تعليلا لهذا الاهتمام أن في ذكر المفرد نوع تحديد للمعنى، فقد تكون الكلمة جمعًا ولها مفردان مختلفان في المعنى؛ فيؤدي عدم التنبيه إلى لبس في المعنى، أوقد يكون في ذكر مفردي الجمع إثراء لمعني البيت.
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 569ب8].
(2)
معاني الأبنية في العربية: د. فاضل صالح السامرائي، ص 58
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 165ب1]
والتبريزي أثناء معالجته للجموع عند أبي تمام كان يقدم لنا بعض الحقائق الصرفية، سنحاول أن نجملها في النقاط التالية:
[1]
في الجموع قد يدخل الباب على الباب:
في بعض الأحيان يكون قياس الكلمة أن تجمع على وزن معين، فنجدها مجموعة على وزن آخر. قال التبريزي:
عند قول أبي تمام:
خَلائِقٌ فيهِ غَضَّةٌ جُدُدٌ
…
لَيسَت بِمَنهوكَةٍ وَلا لُبُسِ [بحر المنسرح].
((لُبُس جمع لَبِيس، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول فليس بابه أن يجمع على ((فُعُل))، ولكنه قد يدخل البابُ على الباب، كما قالوا: قتيل وقُتلاء، وأسير وأسراء، وإنما القياس قَتْلى وأسرى)) (1).
[2]
فَعْل ليس بابه أن يجمع على أفعال:
قال التبريزي: ((وفَعْل ليس بابه أن يجمع على أفعال، ولكنه قد جاء في مواضع، مثل: زَنْد وأزناد، وفَرْخ وأفراخ)) (2). وقال: ((وأشخاص جمع شخص، وليس باب فَعْل أن يجمع على أفعال، وربما جاء كالنادر)) (3).
وهذا هو مذهب الجمهور حيث ذهبوا إلى أن جمع فعل على أفعال لا ينقاس عليه. وذهب الفراء إلى أنه قياسي فيما فاؤه همزة مثل: ألف وآلاف، وفي فَعْل صحيح العين معتل الفاء بالواو، مثل: وهم وأوهام (4).
[3]
فَعُول بابه أن يجمع على فُعُل:
قال: ((.. والذُّبل جمع ذَبُول؛ لأن فعولا بابه أن يجمع على فُعُل)) (5).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 240ب16].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 21ب51].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 120].
(4)
د. عبد الحميد السيد طلب: تهذيب النحو، 5/ 79، مكتبة دار العلوم، مطبعة الإرشاد.
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 521ب14].
[4]
ما كان وصفا على أفعل فبابه أن يجمع على فُعْل. مثل: ((أحمر حُمْر)) (1).
ويجوز في الشعر فقط ضم عين ((فُعْل)) في الجمع بشرط أن يكون صحيح اللام والعين غير مضعف، مثل: نجلاء، نُجُل (2).
[5]
قلما يجيء فَعيل مجموعا على فُعُول. قال: ((
…
وحكى النحويون قوم ظروف في جمع ظريف، وهومن شواذ الجمع (
…
) وقلما جاء فعيل مجموعا على فُعُول، وقد حكى في عسيب النخلة عُسُوب)) (3).
[6]
الجمع الذي ليس بينه وبين واحده إلا الهاء جاز فيه التأنيث والتذكير:
قال: ((.. الفلا جمع فلاة، وهي القفر من الأرض، وإذا كان الجمع بينه وبين واحده هاء التأنيث جاز فيه التذكير والتأنيث، مثل: أرطاة وأرطى، وسِدرة، وسِدر)) (4).
[7]
الكلمة التي آخرها ((ات)) يُرَجَّحُ كونها جمعا بقرينة إجراء تائها مجرى تاء الجمع:
قال عند قول أبي تمام:
بِلادٌ أَفقَدَتنيها هَناتٌ
…
يُشَيِّبُ كَرُّها مَن لا يَشيبُ [بحر الوافر].
((يقال: أصابتهم هَنات وهنوات [؛ أى: خُطوب]، وقد يحتمل أن تكون هناة واحدة، إلا أن الذي يقوي أنها جمع إجراؤهم تاءها مجرى تاء الجمع (5)، قال البُرْجُ ابن مِسْهر (6):
فَنِعْمَ الحيُّ كَلْبٌ غير أَنّا
…
رَأَيْنا في جِوَارِهم هَنَاتِ
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 411ب8].
(2)
د. عبد الحميد السيد طلب: تهذيب النحو، 5/ 84
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 38ـ 39].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 222ب13].
(5)
؛ أي: تنصب وتكون علامة النصب الكسرة.
(6)
جاء في الأعلام للزركلي: ((البرج بن مسهر بن جلاس بن الأرت الطائي توفي، نحو30 ق هـ، شاعر، من معمري الجاهلية. كانت إقامته في ديار طيئ بنجد. اختار أبوتمام (في الحماسة) أبياتا من شعره.)). [الأعلام: 2/ 47]
ونِعْمَ الحيُّ كَلْبٌ غيرَ أَنَّا
…
رُزِئْنا مِنْ بنين ومن بَنَاتِ [بحر الوافر])) (1).
[8]
الجمع يُظْهِر أصل الكلمة. قال عند قول أبي تمام:
الوارِدينَ حِياضَ المَوتِ مُتأَقَةً
…
ثُبًا ثُبًا وَكَراديسًا كَراديسا [بحر البسيط].
((ثُبًى جمع ثُبةٍ، وهي الجماعة من الناس ليست بالكثير، ويقال في جمعها ثُبَات وثُبُون وقالوا: ثُبًا؛ فدل ذلك على أن أصلها ثُبْيَة أوثُبْوَة)) (2).
[9]
من الجموع ما يدل على الواحد والجمع، ومنها ما هو قليل الاستعمال، ومنها ما يوجبه القياس ولكنه غير مستعمل أونادر الاستعمال.
ـ قال: ((والنحويون يذهبون إلى أن شمالا يكون واحدا وجمعا)) (3).
ـ قال: ((طيور جمع طير، وطير جمع طائر، وقلما يقولون طيور، إلا أنه قد جاء، وربما استعملوا الطير في معنى الواحد)) (4).
ـ قال: ((الأرية واحدة الأري وهوالعسل، وقلما تستعمل هذه الكلمة مُوحَّدة)) (5).
ـ قال: ((والزيانب جمع زينب، هكذا يوجب القياس، فأما الشعر القديم فقلما يوجد فيه الزيانب)) (6).
[10]
الاسم الذي وزنه فِعْلة يجمع بحذف الهاء:
قال: ((ريمة القياس أن يجمع على رِيم، مثل: سِدْرة وسِدر، وكلام سيبويه يدل على أن مثل هذه الأشياء يجوز أن تجمع على حذف الهاء)) (7).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 556ب13].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 360ب21].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 243ب5].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 267ب39].
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 235ب12].
(6)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 457ب2ـ3].
(7)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 184ب4].
[11]
جواز مجيء الجمع في موضع مفرده حملا على الجنْس:
قال عند قول أبي تمام:
فَأُقسِمُ لَوسَأَلتِ دُجاهُ عَنّي
…
لَقَد أَنباكِ عَن وَجدٍ عَظيمِ [بحر الوافر]
((هكذا يروى على توحيد ((الدُّجى)) والمعروف أنها جمع ((دُجْية)) ولكن المحدثين يستعملونها في معنى الواحد، وذلك جائز يحمل على معنى الجنس)) (1).
[12]
أقل الجمع: قال التبريزي عند قول أبي تمام:
وَطولُ مُقامِ المَرءِ في الحَيِّ مُخلِقٌ
…
لِديباجَتَيهِ فَاغتَرِب تَتَجَدَّدِ [بحر الطويل]
((الديباجتان الخدان (
…
) ويجوز أن يكون الطائي عنى الخدين؛ لأنهما في معنى الوجه، وقد يحتمل أن يكون جعل الديباجتين مثلا، ولم يرد الخدين، ولكنهما جريا مجرى البُرْدَيْن والثَّوْبَيْن؛ فيكون الواحد والجمع في معنى الواحد؛ لأنه إذا قيل فلان مُخْلق البُرْد أوالبُرْدَين، فالمعنى، أنه مخلق الثياب)) (2).
يفهم من هذا الشرح أن أقل الجمع عند التبريزي هو ((اثنان)) فإن كان ما فهم الباحث سليما فإن كلام التبريزي يحمل على ((أقل الجمع اللغوي)) لا ((النحوي)) إذ إن ((أقل الجمع النحوي ـ لا اللغوي ـ ثلاثة من مفرده)) (3).
جاء في المزهر: ((وقال الجُوَينِي: الظاهرُ أن التثنية وُضِعَ لفظُها بعد الجمع لِمَسِيس الحاجة إلى الجمع كثيرًا؛ ولهذا لم يُوجد في سائر اللغات تثنية، والجمع موجود في كل لغة؛ وَمِنْ ثمَّ قال بعضهم: أقلُّ الجمع اثنان، كأَن الواضع قال: الشيءُ إما واحدٌ وإما كثير لا غيرُ، فجعل الاثنين في حدِّ الكثرة)) (4). فالمشهور عند النحاة ((أن أقل الجمع ثلاثة)) (5).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 161ب8]. وينظر أيضا [2/ 119ب4]
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 22ب7].
(3)
النحوالوافي: 4/ 552، هامش 3
(4)
المزهر: السيوطي، 1/ 46
(5)
شرح الرضي لكافية ابن الحاجب: ا/90، [تحقيق: د. حسن بن محمد بن إبراهيم الحفظي، طباعة إدارة الثقافة والنشر بجامعة محمد بن سعود، المملكة العربية السعودية]
[13]
بعض الكلمات التي بها حرف زائد إذا جُمِعَت جمع تكسير حذف الحرف الزائد، وقد يعوض عن الحرف الزائد أولا يعوض.
قال: ((الغضنفر: من صفات الأسد، والنون فيه زائدة، ولوجمع جمع التكسير، لقيل: ((غضافير))، على مذهب من يُعِّوض، و ((غضافر)) على من أبى العِوَضَ، وكذلك في التصغير غُضَيْفِر، وغُضَيْفِير)) (1).
[14]
اشتراك فاعل وفعيل في الواحد:
قال التبريزي: ((يشترك فاعل وفعيل في الواحد، كما يقولون علماء جمع عالم، وحقيقته أنه جمعُ عليم، مثل كبير وكبراء)) (2).
ـ علاقات بين صيغ صرفية:
- صيغ متعاقبة:
من الصيغ التي أشار التبريزي إلى تعاقبها صيغتا ((فَعيل)) و ((فُعَال)). قال: ((الطُّوال العُراض: يريدون الطويل العريض، وفَعِيل وفُعال يتعاقبان)) (3).
والمراد بالتعاقب هنا أن إحدى هاتين الصيغتين تخلف الأخرى وتؤدي نفس المعنى، ويؤكد هذا ابن جني إذ يقول:((فَعِيل وفُعَال كثيرا ما يصطحبان)) (4). ويعلق على قول المازني: ((فَعِيل، وفُعَال أختان في باب فعُلت)) بقوله: ((هما لعمري كذلك، إلا أن فعيلا هو الأصل ، وإنما يُخرَج به إلى فُعَال إذا أريد المبالغة وطُوَال وعُرَاض أشد مبالغة من طويل، وعريض وفَعِيل وفُعَال كلاهما من أبنية المبالغة، فإذا أرادوا الزيادة في المبالغة ضعّفوا العين فقالوا: كُرّام، وحسان، ووضاء، وهم يريدون: كريما، وحسنا، ووضيئا)) (5).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 45].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 22].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 313ب15].
(4)
المنصف: 1/ 239
(5)
المنصف: 1: 241
- الفَعَالة والفُعولَة يشتركان في المصادر كثيرا:
قال: ((يقال ثوب خَلَق بيِّن الخُلُوقَة والخَلاقة؛ والفَعَالة والفُعولَة يشتركان في المصادر كثيرا، كقولك: وَحْف بين الوَحافة والوُحُوفة (1)، وعبل بين العَبالة والعُبُولة (2) في حروف ليست بمحصاة)) (3).
- فَعِل وفَعيل يشتركان كثيرا: قال التبريزي عند قول أبي تمام:
فَكَم لي مِن هَواءٍ فيكِ صافٍ
…
غَذِيٍّ جَوُّهُ وَهَوًى وَبِيِّ [بحر الوافر]
((
…
ومن روي ((عَذِيٍّ)) بالعين غير معجمة، فإنه يأخذه من الأرض العَذِيَّة والعَذَاة، وهي الأرض الطيبة التراب، إلا أن التشديد في ((العَذِي)) و ((العَذِية)) غير مستعمل، والقياس يجيزة؛ لأن ((فَعِلا)) و ((فَعِيلا)) يشتركان كثيرا)) (4).
ـ المصادر عند التبريزي:
أورد التبريزي مجموعة ملحوظات على المصادر منها:
[1]
قد يتحول المصدر إلى اسم:
قال التبريزي: ((الزَّغْف: من صفات الدروع، يقال: دِرْع زغف، قيل: إنها الواسعة، وقيل: اللينة، وكأن هذا الاسم مصدر في الأصل)) (5).
وقال عند قول أبي تمام:
أَظُنُّ دُموعَها سَنَنَ الفَريدِ
…
وَهى سِلكاهُ مِن نَحرٍ وَجيدِ [بحر الوافر]
((السنن: التسابق، وهومصدر في الأصل)) (6).
(1) جاء في المعجم الوسيط: ((وَحِف النباتُ والشَّعرُ، يَوْحَفُ وَحَفًا؛ غَزُرَ وأَثَّتْ أصولُه واسودَّ. و ((وَحُفَ)) النبات والشعر، يَوْحُفُ وَحافَة ووُحُوفَة: وَحِفَ)). [مادة: وحف، 2/ 1060]
(2)
جاء في المعجم الوسيط: ((عَبِل عبْلا: غَلُظَ وضَخُمَ وابيضَ)). [مادة: عبل، 2/ 602]
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 450ب18].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 353ب5].
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 131ب10].
(6)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 32ب1].
وانتقال الكلمة من المصدرية إلى الاسمية له في اللغة شواهد متعددة (1)، ويلاحظ على تلك الألفاظ المنتقلة أنها لا تتخلى تماما عن مصدريتها؛ إذ نجد لهذه المصدرية بعض التأثير على الكلمة المنقولة، من هذا التأثير:
- عدم تثنية الكلمة أو جمعها، وإطلاقها على المفرد والجمع، مثل:
ـ قال ابن منظور: (([قال] الجوْهَري: آذَانُ حَشْرٌ لا يُثَنَّى وَلا يُجْمَع لأَنه مَصْدَر في الأصل)) (2).
ـ وجاء في المصباح المنير: ((الحيوانُ كل ذي روح ناطقًا كان أَو غير ناطق مأخوذ من الحياة يستوي فيه الواحد والجمع لأنه مَصدر في الأصل)) (3). وجاء فيه أيضا: ((الضيف معروف، ويطلق بلفظ واحد على الواحد وغيره؛ لأنه مصدر في الأصل)) (4).
- استواء التذكير والتأنيث، مثل:(([قال] الجَوهري: رجلٌ ضَنىً وضَنٍ مثلُ حَرىً وحَرٍ. يُقَالُ: تَرَكْته ضَنىً وضَنِيًا، فَإِذَا قُلْتَ ضَنىً اسْتَوى فِيهِ المُذَكَّر والمُؤنَّث وَالجَمعُ لأَنه مَصْدَرٌ فِي الأَصل)) (5).
- صرف الكلمة الممنوعة من الصرف، مثل:((وإسْحَاقُ: علم أعجمي، ويُصْرَفُ إن نُظِر إلى أنه مَصْدَر في الأصْلِ.)) (6).
(1) ينظر على سبيل المثال الجزء الأول من كتاب: معجم ديوان الأدب: أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم ابن الحسين الفارابي، ص: 107/ 108/110/ 112/113/ 116/ 117/ 122/ 125/ 129/ 131/ 132/ 162/ 219/ 222/ 223/ 277، ت: دكتور أحمد مختار عمر، مراجعة: دكتور إبراهيم أنيس، طبعة: مؤسسة دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة، 1424 هـ، 2003م
(2)
لسان العرب:4/ 192
(3)
1/ 160
(4)
2/ 366
(5)
لسان العرب: 14/ 486
(6)
القاموس المحيط: 1/ 893
ويلاحظ أيضا على الكلمات المنقولة من المصدرية إلى الاسمية أن المعاني المنقول إليها معاني محسوسة في معظمها، مثل:
ـ والسَّطْرُ: الخَطُّ، وهو في الأَصْلِ مَصْدَرٌ، وهو الكِتَابَةُ (1).
ـ والكَنْز: واحِدُ الكُنوز، وهو في الأَصْل مَصْدرٌ (2).
ـ الطَّرْد: مَا يُرْسل من البضاعة وَغَيرهَا فِي الْبَرِيد وَنَحْوه من نَاحيَة إِلَى أُخْرَى وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر ثمَّ أطلق على المطرود (3).
ـ الشَّقُّ: وَاحِدُ الشُّقوق وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ (4).
[2]
المصدر يقع على القليل والكثير وعلى الواحد والجمع:
قال التبريزي: ((المصدر يقع على القليل والكثير، فإذا دخلت الهاء كان للمرة الواحدة، كقولك: الضرب، يجوز أن تعني به ما قل وما كثر؛ فإذا قلت الضربة فهي واحدة)) (5).
وقال التبريزي: ((الوَحْش: يجوز أن تقع على الواحد وعلى الجمع؛ لأنه في مذهب المصدر)) (6).
ويقع المصدر على القليل والكثير لأنه ((في دلالته الأساسية الأولى خالٍ من التقييد، بخلافه إذا دل على المرة أو الهيئة؛ فإنه يكون في ((المرة)) مقيدًا ـ مع الحدث ـ بالدلالة على أن هذا الحدث مرة واحدة، وفي ((الهيئة)) يكون مع الحدث مقيدًا بوصف خاص)) (7).
(1) معجم ديوان الأدب: 1/ 108
(2)
السابق 1/ 113
(3)
المعجم الوسيط: 2/ 554
(4)
لسان العرب: 10/ 181
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 180ب19].
(6)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 101ب2].
(7)
النحو الوافي: 3/ 225
[3]
إذا تشابه اسم ومصدره في نفس الحروف فلابد من التفريق بينهما بتغيير ضبط الكلمة أمنا للبس:
قال التبريزي عند قول أبي تمام:
إِلَيكَ جَزَعنا مَغرِبَ الشَّمسِ كُلَّما
…
هَبَطنا مَلا صَلَّت عَلَيكَ سَباسِبُه [بحر الطويل]
((جزعنا أصله من جَزَعتُ الوادي إذا قطعته إلى الجانب الآخر، ومنه قيل جِزع الوادي. وهذا كثير في المصادر والاسم، تقول: جَزَعتُ جَزْعًا، وطحنت طَحْنًا، وذبحت ذَبْحًا؛ فيكون المصدر مفتوحًا ويكسر الاسم من ذلك؛ فتقول: الجِزْع والذِّبْح والطِّحْن)) (1).
[4]
المصدر وسيلة للتفرقة بين المعاني المختلفة للفعل الواحد.
قال: ((والوجيب: صوت حركة القلب، فرقوا بين وَجَب القلبُ ووجَبَ الحَائِطُ بالمصدر)) (2).
[5]
قد يقوم المصدر مقام اسم الفاعل:
قال عند قول أبي تمام:
تَقي جَمَحاتي لَستُ طَوعَ مُؤَنِّبي
…
وَلَيسَ جَنيبي إِن عَذَلتِ بِمُصحِبي [بحر الطويل]
((وقوله: ((لستُ طوع مؤنبي))؛ أي: لستُ مُطِيعَه، فجعل مصدر ((طاع يطوع)) قائما مقام اسم الفاعل، كما يقال: رجلٌ زَوْرٌ؛ أي: زائر)) (3).
- زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى:
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [/2213ب15].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 166ب34]. وقد أشار إلى نفس هذه الملحوظة من قبل أبوالعلاء، فقد أشار إلى أن المصادر قد تكون وسيلة لتحديد معنى الفعل. وقد تكون أيضا وسيلة من الوسائل التي تتخذها اللغة ((لأمن اللبس)). قال:((إنهم يفرقون بالمصادر بين الأفعال التي أصلها واحد في الاشتقاق؛ فيقولون: ((خَفَّ الشيء خِفَّة))؛ إذا كان خفيف الزنة، و ((خَفَّ خُفُوفًا))؛ إذا ارتحلوا)) [1/ 240ب3].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 146].
من الأمور التي اتفق عليها اللغويون أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وفي هذا يقول العلامة ابن جني:((إذا كانت الألفاظ أدلة المعاني، ثم زيد فيها شيء؛ أوجبت القسمة له زيادة المعنى به)) (1).
وقد أشار التبريزي إلى هذا قائلا: ((حُسَّان مثل حَسَن؛ إلا أنه أشد مبالغة منه)) (2).
وجاء في شرح شافية ابن الحاجب: ((يجيء فُعَال ـ بضم الفاء وتخفيف العين ـ مبالغة فعيل في هذا الباب كثيرًا، لكنه غير مطرد، نحو: طويل، وطُوال، وشجيع وشُجاع، ويقل في غير هذا الباب كعجيب وعُجَاب، فإن شددت العين كان أبلغ كطُوَّال)) (3).
- لا يشترط أن يتفق القياس والسماع، فقد يجيز القياس لفظا مفقودا في المسموع
قال التبريزي: ((يقال غدا الشيء، وأغداه غيره، جائز على القياس، وهومفقود في المسموع)) (4).
وقال: ((أصل الغث من قولهم: ((لحم غث))؛ إذا لم يكن سمينًا، و ((حديث غث))؛ إذا لم يكن عليه طلاوة، فاستعار ((الغثاثة)) هاهنا في الأشياء كلها، وإنما المعروف أن يستعمل في الحديث، يقال: أغث الحديثُ إذا صار غثا، والقياس لا يمنع أن يقال غث يَغِث)) (5).
وكثير من أعلام اللغة يقرون ((بعربية)) ما يأتي على ((القياس)) من ألفاظ اللغة، فقد عقد ابن جني بابا في خصائصه سماه ((باب في أن ما قيس على كلام العرب فهومن كلام العرب))، ومن نفيس ما قاله في هذا الباب قوله: ((ليس كل ما
(1) الخصائص: 3/ 268
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 185]
(3)
شرح شافية ابن الحاجب: تأليف الشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي النحوي، 1/ 148،ت: محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، 1982م
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 205ب19].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 366ب35].
يجوز في القياس يخرج به سماع، فإذا حذا إنسان على مُثُلهم، وأمَّ مذهبهم لم يجب عليه أن يورد في ذلك سماعًا، ولا أن يرويه رواية)) (1).
ويقول أبوالبركات الأنباري في ((لمع الأدلة في أصول النحو)) في مطلع الفصل الحادي عشر الذي عنونه بـ ((في الرد على من أنكر القياس)) ما نصه:
((اعلم أن إنكار القياس في النحولا يتحقق؛ لأن النحوكله قياس، ولهذا قيل في حده: النحوعلم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، فمن أنكر القياس؛ فقد أنكر النحو، ولا نعلم أحدًا من العلماء أنكره لثبوته بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة)) (2).
وقد رأى مجمع اللغة الأخذ ((بعربية)) ما يأتي على ((القياس)) من ألفاظ اللغة استنادا ((على ما قاله ابن جني وعلى أدلته في كثير من المسائل الأخرى)) (3).
- تسكين الفتحة عند العرب مرفوض، بل التسكين للضمة والكسرة:
ذكر التبريزي في أحد المواضع أن تسكين العرب للحرف المفتوح مرفوض وإنما التسكين للضمة والكسرة.
ـ قال عند قول أبي تمام:
أَذكَرتَنا المَلِكَ المُضَلَّلَ في الهَوى
…
وَالأَعشَيَينِ وَطَرفَةً وَلَبيدا [بحر الكامل]
((وأكثر الرواية: ((وطَرْفَة))؛ يعني طرفة بن العبد، والرواة كالأصمعي وغيره يقولون: طَرَفَة؛ بتحريك الراء .. ولا ينبغي أن يُحمل على أن الطائي سَكَّنَ الراء؛ إذ كان ذلك مستنكرا؛ لأنهم لا يقولون في شَجَرَة شَجْرة، ولا في حَجَر حَجْر؛ لأن تسكين الفتحة عندهم مرفوض، وإنما يسكنون الضمة والكسرة؛ فيقولون في
عَضُد: عَضْد، وفي نمِر: نَمْر)) (4).
****
(1) الخصائص: 1/ 362
(2)
رسالتان لابن الأنباري، الإغراب في جدل الإعراب، ولمع الأدلة في أصول النحو: لأبي البركات الأنباري، ص 95، [تحقيق سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية، 1957م]
(3)
النحوالوافي: 3/ 189، الهامش.
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 407ب6].