الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَيكَ وَيلُكَ عَمَّن كانَ مُمتَلِئًا
…
وَيلًا عَلَيكَ وَوَيحًا غَيرَ مُنقَضِبِ [بحر البسيط]
((.. ((ويح)) كلمة تقال عند الترحم، وقيل: بل ((ويح)) قريبة من الويل، إلا أنها أقل جفاء منها، وقال بعضهم:((ويح)) كلمة فيها استعتاب، يقال للرجل: ويحك، أما تفيق، ويحك، أما تصنع كذا؟!)) (1).
ومن أمثلة ظلال المعاني، قال التبريزي عند قول أبي تمام:
يا طالِبًا مَسعاتَهُم لِيَنالَها
…
هَيهاتَ مِنكَ غُبارُ ذاكَ المَوكِبِ [بحر الكامل]
((أصل السعي المشيُ في الحاجة، ثم اخْتصت هذه الكلمة فجعلت المسعاة المكرمة التي يسعى لها، وأصل الكلمة أن تقع على الصغير والكبير
…
ولكن الكلمة غلب عليها إرادة المدح، كما غلب على قولهم الساعي أن المراد به الذي يأخذ الصدقة من العرب)) (2).
وقد يدخل التبريزي ـ من خلال الاستعمال اللغوي ـ في بعض الاستطرادات اللغوية البعيدة عن البيت وشرحه، ولكنها لا تخلومن فائدة للقارئ (3).
*****
5) العنصر الخامس من عناصر المنهج: الاهتمام الدلالي بالكلمة:
من الأمور اللافتة للنظر أن التبريزي كان يهتم بدلالة الكلمة اهتماما شديدا ويتمثل هذا الاهتمام في:
ـ الاهتمام بالأصل الدلالي للكلمة وتتبع التطور الدلالي لها:
كان يهتم بالإبانة عن أصل الدلالي للكلمة، وكان هذا من مقتضيات شرح الديوان، وتوضيح معاني أبي تمام الذي كان كثير الاستعارات.
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 545 ـ 546ب2]، واستغل التبريزي الاستعمال في ضبط بنية الكلمة، يُنْظَرُ:[2/ 103ب11 رتك النعام]، [4/ 545ب1 نكب].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 98ـ 99].
(3)
تُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتية: [2/ 317، ب4]، [2/ 63، ب9]، [2/ 96، ب2]، [3/ 157، ب48]، [3/ 26، ب34]، [3/ 266، ب39]، [4/ 361، ب4].
كان التبريزي يوضح الأصل الدلالي للفظة، ثم يوضح ((الانتقالة الدلالية)) التي حدثت لها على يد أبي تمام أوعلى يد البيئة اللغوية. وكان تارة يعبر عن هذا الانتقال الدلالي باستخدامه للكلمات: ((وأصل ذلك في
…
))، وكان تارة أخرى يعبر عن هذا الانتقال بمصطلح ((الاستعارة))، على أساس أن الاستعارة ((في الجملة أن يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي معروفٌ تدل الشواهد على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر أوغير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلا غير لازمٍ؛ فيكون هناك كالعارية)) (1).
وفيما يلي أمثلة توضح تعبيره عن الانتقال الدلالي بمصطلح ((وأصل ذلك ..)):
ـ قال أبوتمام:
أَغَرُّ يَداهُ فُرصَتا كُلِّ طالِبٍ
…
وَجَدواهُ وَقفٌ في سَبيلِ المَحامِدِ [بحر الطويل]
((.. ((الفرصة)): الشيء الذي يغتنمه الإنسان، وهولا يتفق له في كل وقت، وأصل ذلك في قسمة الماء، يقال: أخذوا فرصتهم من السقي؛ إذا أخذوا حظهم منه)) (2).
ـ قال أبوتمام:
مُتَهَلِّلا في الرَّوعِ مُنهَلًّا إِذا
…
ما زَنَّدَ اللَّحِزُ الشَّحيحُ وَصَرَّدا [بحر الكامل]
((
…
و ((زند الرجل))؛ إذا ضيق على نفسه وبَخِل، وأصل ((التزنيد)) في حياء الناقة، يقال: زندها؛ إذا جمع حياءها بِزَنْد)) (3).
ـ قال أبوتمام:
مَذِلَت وَلَم تَكتُم جَفاءَكَ تَكْتُمُ
…
إِنَّ الَّذي يَمِقُ المَذولَ لَمُغرَمُ [بحر الكامل]
(1) عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 30، قرأه وعلق عليه: أبوفهر محمود محمد شاكر، مطبعة مدني.
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 72ب13].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 104ب13].
((يقال: ((مَذِل بسره))؛ إذا أفشاه، ولم يحفظه .... وأصل ((المذل)) السخاء؛ أي: أنه يسخو بسره)) (1).
ـ قال أبوتمام:
هَدَمَت مَساعيهِ المَساعي وَابتَنَت
…
خِطَطَ المَكارِمِ في عِراضِ الفَرقَدِ [بحر الكامل]
((أصل ((الخط)): ما كان كل واحد منهم يَخُط عليه؛ إذا أرادوا أن يعمروا موضعًا، وهوما يكفيه لداره، ثم صارت عبارة عن البناء)) (2).
ـ قال أبوتمام:
فَالرَّبعُ قَد عَزَّني عَلى جَلَدي
…
ما مَحَّ مِن سَهلِهِ وَمِن جَلَدِه [بحر المنسرح]
((مح الربع: إذا خَلُقَ، وأصل ذلك في الثوب)) (3).
ـ قال أبوتمام:
سَأوطِئُ أَهلَ العَسكَرِ الآنَ عَسكَرًا
…
مِنَ الذُلِّ مَحّاءً لِتِلكَ المَعالِمِ [بحر الطويل]
((.. ((العسكر)) موضوع اللغة فيه أنه الجماعة الذين يجتمعون للحرب، قصر على هذا الوجه، إلا أن يخرج منه على معنى الاستعارة
…
وإنما أجاز الطائي أن يقول: ((أهل العسكر)) على سبيل الاتساع)) (4).
ـ قال أبوتمام:
مَضى ما كانَ قَبلُ مِنَ الدَّعارَه
…
فَبانَ وَأُطفِئَت تِلكَ الحَرارَه [بحر الوافر]
((أصل ((الدعارة)): الفساد في العود والنخر، يقال: عودٌ دَعِرٌ كثيرُ الدخان، ومنه قالوا: رجلٌ داعِرٌ ودُعَر)) (5).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 214ب10].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 50ب23].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 428ب10].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 220ب3].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 367ب1].
ـ قال أبوتمام:
ثُمَّ انصَرَفتُ إِلى نَفسي لِأَظأَرَها
…
عَلى سِواكُم فَلَم تَهشَش إِلى أَحَدِ [بحر البسيط]
((.. يقال: ((ظأرتُ)) الرجل على الشيء؛ إذا عطفته عليه، وأصل ذلك: عطف الناقة على ولد غيرها، ثم استعير في جميع الأشياء)) (1).
ـ قال أبوتمام:
أَقبَلتَهُ فَخمَةً جَأواءَ لَستَ تَرى
…
في نَظمِ فُرسانِها أَمتًا وَلا عِوَجا [بحر البسيط]
((((فخمة)): كتيبة كبيرة، وأصل الفخامة في بني آدم عظم الجسم، وكثرة اللحم)) (2).
ـ قال أبوتمام:
أَبَلِّهِمُ ريقًا وَكَفًّا لِسائِلٍ
…
وَأَنضَرِهِم وَعدًا إِذا صَوَّحَ الوَعدُ [بحر الطويل]
((((صوح))؛ أي: يَبِسَ، ولم يكن له منفعة، أُخذ من ((تصويح الروض))، وهو يُبْسه والتواؤه)) (3).
ـ قال أبوتمام:
وَلَوتَراهُم وَإِيّانا وَمَوقِفَنا
…
في مَأتَمِ البَينِ لِاِستِهلالِنا زَجَلُ [بحر البسيط]
((أصل ((المأتم)): النساء يجتمعن في فرح أوحزن، والمراد هنا معنى الحزن)) (4).
ـ قال أبوتمام:
لَمّا استَحَرَّ الوَداعُ المَحضُ وَانصَرَمَت
…
أَواخِرُ الصَّبرِ إِلّا كاظِمًا وَجِما [بحر البسيط]
((((الكاظم)) الذى يكظم غيظه؛ أي يستُر عليه، وأصل الكظم: التضييق والخنق)) (5).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 337ب9].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 333ب19].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 91ب28].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 6ب6].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 167ب6].
ـ قال أبوتمام:
ذوناظِرٍ حَدِبٍ وَسَمعٍ عائِرٍ
…
نَحوالطَّريدِ الصارِخِ المَجهودِ [بحر الكامل]
((((عائر)) منتشر في كل جهة، وأصله من قولهم:((فرسٌ عائر)) وهوالذي يذهب في الأرض كيف يشاء، يمينًا وشمالا، وخلفا وقداما)) (1).
ـ قال أبوتمام:
عَودٌ تُساجِلُهُ أَيّامُهُ فَبِها
…
مِن مَسِّهِ وَبِهِ مِن مَسِّها جُلَبُ [بحر البسيط]
((.. ((الجُلَبُ)): جمع جُلْبَة، وهوالأثر في ظهر البعير وغيره من أثر حمل أونحوه، وأصل ذلك من قولهم:((أجلبَ الجُرح وجلب)) إذا علته قشرة للبرء)) (2).
ومن أمثلة التعبير عن الانتقال الدلالي بمصطلح ((الاستعارة)) ما يأتي، قال أبوتمام:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 145ب24].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 248ب28]، ولمزيد من الألفاظ التي ردها التبريزي لأصلها الدلالي تُنْظَرُ المواضع الآتية:[تخدد1/ 111، ب]، [اسحنكك1/ 120، ب32]، [السدك1/ 122]، [اللحي1/ 124]، [يفتق1/ 128]، [الورق1/ 181، ب10]، [اللقح1/ 191، ب38]، [البري1/ 222، ب13]، [جزع1/ 223 ـ 224، ب15]، [المرثعن1/ 279، ب10]، [المرتاد1/ 309، ب1]، [الممتاح1/ 309، ب2]، [السبائب1/ 317، ب19]، [نزع1/ 396، ب45]، [التثقيف1/ 397، ب49]، [علل السرى1/ 411، ب13]، [القود1/ 433، ب22]، [الأفد1/ 434، ب26]، [السلسال1/ 63، ب]، [الصيد1/ 89]، [السعي1/ 98]، [اللهام2/ 10، ب3]، [أنجم2/ 103 ـ 104، ب12]، [الدلح2/ 114، ب19]، [التجعد2/ 121، ب16]، [الكنود2/ 134، ب4]، [العشار2/ 164، ب57]، [الوغ2/ 17 ـ18، ب31]، [فصوص2/ 234، ب1]، [السواد2/ 250، ب7]، [الكفل2/ 251، ب28]، [الارتكاض2/ 288، ب3]، [المحرم2/ 300، ب26]، [العرامة2/ 355]، [الروادف2/ 379،ب12]، [الغريف2/ 39، ب28]، [العلوق2/ 446]، [العاتق2/ 453، ب9]، [التدرأ2/ 462، ب18]، [دحل3/ 139، ب38]، [جف القلم3/ 158، ب53]، [النئيم3/ 276، ب25]، [القرم3/ 280، ب8]، [الثعبان3/ 312، ب1]، [الفري3/ 359،ب40]، [ساور4/ 107، ب1]، [شذب4/ 116، ب19]، [الشقيق4/ 137، ب6]، [الدمى4/ 142، ب6]، [المنطق4/ 212، ب4]، [الدجال4/ 307، ب8]، [هياج4/ 328،ب1]، [العطف4/ 359، ب3]، [الرمة4/ 460، ب4]، [الفولف4/ 473، ب7]، [الركوب4/ 48،ب11]، [فضى4/ 554، ب10]، [تصدت4/ 567، ب1]، [أرأم4/ 571، ب17]، [شرع4/ 583].
قَرُبَ الحَيا وَانهَلَّ ذاكَ البارِقُ
…
وَالحاجَةُ العُشَراءُ بَعدَكَ فارِقُ [بحر الكامل]
((.. استعار العشراء من النوق للحاجة التي قد دنا قضاؤها)) (1).
ـ قال أبوتمام:
فَتَصَلّى مُحَمَّدُ بنُ مُعاذٍ
…
جَمرَةَ الحَربِ وَامتَرى الشُّؤبوبا [بحر الخفيف]
((((الشؤبوب)) سحابة دقيقة العرض، شديدة الوقع، ثم استعير ذلك في الحروب)) (2).
ـ قال أبوتمام:
لَهُ وَقعَةٌ كانَت سَدًى فَأَنَرتَها
…
بِأُخرى وَخَيرُ النَّصرِ ما كانَ مُلحَما [بحر الطويل]
((((السدى)) ضد اللُّحمة، وهذا مستعار من: سدى الثوب ونيره ولحمته)) (3).
ـ قال أبوتمام:
أُقاتِلُ الهَمَّ بِإيجافِهِ
…
فَإِنَّ حَربَ الهَمِّ حَربٌ ضَروس [بحر السريع]
((.. يقال: ((حرب ضروس))؛ استعير لها ذلك من الناقة السيئة الخلق، يقال:((ضرست الناقة حالبها))؛ إذا عضته، وهي ضروس)) (4).
ـ قال أبوتمام:
وَتَحتَ ذاكَ قَضاءٌ حَزُّ شَفرَتِهِ
…
كَما يَعَضُّ بِأَعلى الغارِبِ القَتَبُ [بحر البسيط]
((استعار حز الشفرة للقضاء، وقد استعملوا نحوا من ذلك في الشفرة، فقالوا في المثل: لم أجد لشفرتي مَحَزًّا)) (5).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 452ب1].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 169ب42].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 240ب26].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 277ب8].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 249ب32]، وقد أحصى البحث تسعة وثلاثين موضعا ـ غير ما سبق ذكر فيها التبريزي لفظ الاستعارة، وهي:[يطم 1/ 104]، [التلاع 1/ 164، ب27]، [اللفح 1/ 191، ب38]، [الكلكل1/ 224،ب17]، [استحقب1/ 239، ب1]، [لع1/ 296، ب2]، [العرين1/ 331، ب9]، [الخلف1/ 332، ب13]، [الإسناد1/ 363، ب23]، [عور الكلام1/ 363، ب25]، [الغث1/ 366، ب35]، [أرث1/ 378، ب39]، [1/ 420، ب40]، [العقد1/ 442 ـ443، ب60]، [المعروف1/ 442، ب57]، [الولوغ2/ 17 ـ 18، ب31]، [الوخد2/ 17، ب29]، [الكفر2/ 180، ب53]، [عتاق2/ 232، ب33]، [غازل2/ 280، ب18]، [جناح السمو2/ 288، ب6]، [النحيض2/ 289، ب9]، [اللجلجة2/ 291،ب16]، [الرعب2/ 368 ـ 369، ب31]، [الأخلاف2/ 457، ب3]، [أطرق2/ 68، ب2]، [الفيء3/ 140، ب50]، [مثعنجر3/ 155، ب30]، [الهدف3/ 197، ب19]، [الأديم3/ 198، ب21]، [العلوق3/ 274، ب16]، [مطر ضرب3/ 292، ب27]، [الخمس3/ 35، ب15]، [يجم الجد3/ 37، ب21]، [النار4/ 121، ب3]، [فرق4/ 393، ب2]، [الخلف4/ 396، ب18]، [البله4/ 398، ب25]، [اليد4/ 520، ب9]، [بعاع4/ 575، ب33]
ومن المواضع التي كان يتبع فيها التطور الدلالي للكلمة المواضع التالية:
ـ قال عند قول أبي تمام:
وَهَل يُبالي إِقضاضَ مَضجَعِهِ
…
مَن راحَةُ المَكرُماتِ في تَعَبِه [بحر المنسرح]
((.. ((إقضاض مضجعه)) من قولهم: ((أقض مضجعه))، وأصل ذلك أن يكون فيه
((القضة))، وهي: الحصى، فيمنع المضطجع من النوم، ثم قيل لكل ساهر: قد أقض مضجعه عليه، ولوكان على فرش وطيء)) (1).
ـ وقال:
أَقَرمَ بَكرٍ تُباهي أَيُّها الحَفَضُ
…
وَنَجمَها أَيُّهَذا الهالِكُ الحَرَضُ [بحر البسيط]
((
…
ويقال للجمل الذي يُحمل عليه متاع ((حَفَضُ))
…
ثم سموا المتاع حفضا)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
فَانهَض وَإِن خِلتَ الشِّتاءَ مُصَمِّمًا
…
حَزنَ الخَليفَةِ جامِحًا في المِسحَلِ [بحر الكامل]
((.. أصل ((التصميم)) أن يُصِيب السيف غير مفصل؛ فيقطع، وإنما أخذ من صميم الشيء وهوخالصه وأشده، ومن ذلك قالوا للشدة صمة، ثم قيل لكل جاد في أمر مصمم)) (3).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 273ب28].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 283ب1].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 45ب47].
ومن الأمور التي أشار إليها اللغويون ـ وتعد سببا في التطور الدلالي للفظة ـ ((كثرة الاستعمال))، وكثرة دوران اللفظة في الحديث؛ فإننا ((نلاحظ أن معنى الكلمة يزيد تعرضا للتغير كلما زاد استعمالها، وكثر ورودها في نصوص مختلفة؛ لأن الذهن في الواقع يُوجَّه في كل مرة في اتجاهات جديدة، وذلك يوحي إليها بخلق معان جديدة؛ ومن هنا ينتج ما يسمى بـ ((التأقلم))، ويجب أن يفهم من هذا الاسم قدرة الكلمات على اتخاذ دلالات متنوعة؛ تبعا للاستعمالات المختلفة التي تستعمل فيها، وعلى البقاء في اللغة مع هذه الدلالات)) (1).
وقد كان التبريزي ـ في أحيان كثيرة ـ يشير إلى التطور الدلالي للكلمة قيد الشرح، وينص صراحة على أن السبب هو ((كثرة الاستعمال)) مستخدما نفس المصطلح، وإليك الأمثلة:
ـ قال أبوتمام:
لَحظَ الأَسيرِ حَلَقاتِ كَبلِهِ
…
حَتّى كَأَنّي جِئتُهُ بِعَزلِهِ [بحر الرجز]
((
…
أصل ((الأسر)) أن يشد الرجل بالقد، ثم كثر ذلك حتى سمي ((الأخيذ)) أسيرا، وإن لم يشدد بالقد)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
مَقاماتُنا وَقفٌ عَلى الحِلمِ وَالحِجى
…
فَأَمرَدُنا كَهلٌ وَأَشيَبُنا حَبرُ [بحر الطويل]
((.. ((المقامات)) جمع مقامة، ولا يمتنع أن يكون جمع مقام، وأصل ذلك: الموضع الذي يقومُ فيه القائم لخطبة أوفصل أمر، ثم كثر ذلك حتى سموا العشيرة مقامة؛ لأنهم يُقامُ فيهم)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
(1) د. رمضان عبد التواب: التطور اللغوي، مظاهره وعلله وقوانينه، ص 113.
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 532ب16].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 573ب22].
لي مِن أَبي جَعفَرٍ آخِيَّةٌ سَبَبٌ
…
إِن تَبقَ يُطلَب إِلى مَعروفِيَ السَّبَبُ [بحر البسيط]
((أصل ((الآخية)) أن يدفن حبل في التراب، ثم تخرج منه عروة؛ فيشد فيها الفرس ثم كثر ذلك حتى قالوا:((لي عنده آخية))؛أي شيء أعتمد عليه من ود أوخدمة)) (1).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
شِدادَ الأَسرِ سالِمَةَ النَواحي
…
مِنَ الإِقواءِ فيها وَالسِنادِ [بحر الوافر]
((أصل ((الأسر)) في شد الشيء بالقد؛ ولذلك سُمِّي الأسير أسيرا؛ لأنهم يربطونه بالقد، ثم كثر ذلك حتى قالوا: هو شديد الأسر؛ أي: الخلق)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
لَهُم سَلَفٌ سُمرُ العَوالي وَسامِرٌ
…
وَفيهِم جَمالٌ لا يَغيضُ وَجامِلُ [بحر الطويل]
((.. ((السامر)): القوم الذين يتحدثون بالليل في القمر، وقيل: إن السمر ظل القمر، ثم كثر ذلك حتى سُمي الحديث في الليل سَمَرًا)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
سَلِسَ اللُّبانَةِ وَالرَّجاءِ بِبابِهِ
…
كَثَبَ المُنى مُمتَدَّ ظِلِّ المَطلَبِ [بحر الكامل]
((
…
وكأن أصل ((اللبانة)) أن يطلب الرجلُ من الآخر لبنا، ثم كثر ذلك حتى سميت كل حاجة لبانة)) (4).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 243ب14].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 380ـ 381ب46].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 114ب6].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 102]، وقد جاء في معجم أساس البلاغة مادة لبن 844:((لَبَنْت القومَ: سقيتهم اللبن))، والانتقال الدلالي للفظة لبانة من معنى ((طلب الرجل من الآخر لبنا)) إلى ((كل حاجة لبانة)) قد يبدو بعيدا، ولكن هذا قد يدخل ضمن ((تغير مجال الاستعمال الدلالي))، فمن الأمور التي شغل بها اللغويون أنفسهم تحديد مفهوم التغير الدلالي، وثمة تقسيمات عديدة في هذا الأمر منها ((التقسيم المنطقي القائم على وجود خمسة مظاهر: تعميم الدلالة وتخصيصها، ورقيها وانحطاطها، وتغير مجال الاستعمال))، ينظر: د. محمد حسن عبد العزيز: المعجم التاريخي للغة العربية، ص 387
ـ وقال عند قول أبي تمام:
لَورَأَينا التَّوكيدَ خُطَّةَ عَجزٍ
…
ما شَفَعنا الأذانَ بِالتَّثويبِ [بحر الخفيف]
((.. ((التثويب)): الدعاء الثاني، من قولهم:((ثَوَّبَ الرجلُ بأصحابه؛ إذا دعاهم مرة بعد مرة، وأصله من ((يثوب))؛ إذا رجع، وقال قوم: أصل التثويب من الثوب
…
ثم كثر ذلك حتى سُمي كل دعاء تثويبا)) (1).
وكان التبريزي ينبه على استخدام المحدثين، وتطور اللغة عندهم:
قال أبوتمام:
فَأُقسِمُ لَوسَأَلتِ دُجاهُ عَنّي
…
لَقَد أَنباكِ عَن وَجدٍ عَظيمِ [بحر الوافر]
((هكذا يروى على توحيد ((الدجى))، والمعروف أنها جمع ((دُجْية))، ولكن المحدثين يستعملونها في المعنى الواحد، وذلك جائز على معنى الجنس)) (2).
وقد سبق أن ذكرنا أن ((مظاهر التطور الدلالي ثلاثة: تخصيص الدلالة، وتعميم الدلالة، وتغيير مجال استعمال الكلمة؛ أي: أن معنى الكلمة يحدث فيه تضييق أواتساع أوانتقال، فهناك تضييق عند الخروج من معنى عام إلى معنى خاص، وهناك اتساع في الحالة العكسية، أي عند الخروج من معنى خاص إلى معنى عام
…
وهناك انتقال عندما يتعادل المعنيان، أوإذا كانا لا يختلفان من جهة العموم والخصوص، كما في حالة انتقال الكلمة من المحل إلى الحال، أومن السبب إلى المسبب، أومن العلامة الدالة إلى الشيء المدلول عليه
…
ولسنا في حاجة إلى القول بأن الاتساع والتضييق ينشآن من الانتقال في الأغلب الأحيان، وأن انتقال المعنى
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 126ب38]. وتوجد خمسة مواضع أخرى ـ غير المواضع السابقة ـ ذكر فيها التبريزي مصطلح ((الكثرة))، وهي:[الفند1/ 440، ب52]،
[الغانية1/ 408، ب8]، [الشأو1/ 183]، [اليمن4/ 140، ب5]، [الإشواء4/ 40، ب1].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 161ب8].
يتضمن طرائق شتى، يطلق عليها النحاة أسماء اصطلاحية، ومن هذه الأسماء الاصطلاحية: المجاز المرسل والاستعارة وغير ذلك)) (1).
وكان التبريزي على وعي بمظاهر التطور الدلالي هذه؛ فنجد عنده ((النقل الدلالي)) باستخدام لفظ ((نقل)):
ـ قال عند قول أبي تمام:
بِكَ عادَ النِّضالُ دونَ المَساعي
…
وَاهتَدَينَ النِّبالُ لِلأَغراضِ [بحر الخفيف]
((
…
أصل ((النضال)) في الرمي
…
ثم نقل ذلك إلى الحرب والتفاخر)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
نَأَت بِهِ الدارُ عَن أَقارِبِهِ
…
فَأُلقِيَ الحَبلُ فَوقَ غارِبِهِ [بحر المنسرح]
((يقال في المثل: ((ألقى حَبْلَه على غاربه))؛ إذا ترك يفعل ما يشاء ويذهب حيث أراد، وأصل ذلك في البعير، يجعل الحبلُ على غاربه، ويُخَلَّى في الرعي، ثم نقل ذلك إلى الآدميين)) (3).
_ وقال عند قول أبي تمام:
فَلَمّا تَراءَت عَفاريتُهُ
…
سَنا كَوكَبٍ جاهِلِيِّ السَّناءِ [بحر المتقارب]
((.. ((عفاريت)): جمع ((عفريت))، وهوالخبيث المنكر، وأصله أن يستعمل في الجن، ثم نقل إلى الإنس)) (4).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
تَجِد صِلًّا تَخالُ بِكُلِّ عُضو
…
لَهُ مِن شِدَّةِ الحَرَكاتِ قَلبا [بحر الوافر]
((أصل ((الصل)) في الحية الذكر، ثم نقل إلى وصف الرجل على معنى المدح)) (5).
(1) التطور اللغوي: ص 114 ـ 115.
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 313ب17].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 151ب1].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 17ب19].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 303ب4].
ـ وقال عند قول أبي تمام:
مِنَ القِلاصِ اللَّواتي في حَقائِبِها
…
بِضاعَةٌ غَيرُ مُزجاةٍ مِنَ الكَلِمِ [بحر البسيط]
((
…
أصل ((الإزجاء)): السوق، يقال:((أزجيت الناقة))؛ إذا سقتها، و ((فلان يزجي مطيته ويزجيها))؛ وكأن ذلك يكون بعد كلالها وإعيائها، ثم نقل ذلك إلى البضائع؛ فقيل:((بضاعة مزجاة))
…
)) (1).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
وَوَفَيتُ إِنَّ مِنَ الوَفاءِ تِجارَةً
…
وَشَكَرتُ إِنَّ الشُكرَ حَرثٌ مُطعِمُ [بحر الكامل]
((
…
أصل ((الحرث)): العمل في الأرض للزراعة، ثم سمي ((الكسب)) حرثا، وكذلك الزرع)) (2).
ونلمح عند التبريزي ما يفيد بأن الدلالة يمكن أن ((تُخَصَّصَ))؛ أي يتم معها
((تضييق المعنى))، وأنه كان على وعي بذلك:
ـ وقال عند قول أبي تمام:
لَهُم نَسَبٌ كَالفَجرِ ما فيهِ مَسلَكٌ
…
خَفِيٌّ وَلا وادٍ عَنودٌ وَلا شِعبُ [بحر الطويل]
((
…
أصل ((الوادي)) من قولهم: ((وَدَى))؛ إذا سال؛ ثم أهملوا هذه الكلمة؛ فلم يستعملوها إلا في ((ودى البائل)) ..)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 186ب12].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 202ب60]، ولمزيد من المواضع في هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية:[السدى1/ 234ـ 235]، [الوغى1/ 59]، [ينع2/ 347ب19]، [عين1/ 323ب3]. وقد يكون من قبيل النقل الدلالي قول التبريزي: ((
…
وهومن قولهم ....))، و ((
…
وهومأخوذ من
…
)). يُنْظَرُ [1/ 375ب23،ب30].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 184ب18].
لِيَهنِئ تَنوخًا أَنَّهُم خَيرُ أُسرَةٍ
…
إِذا أُحصِيَت أولى البُيوتِ وَعُدَّتِ [بحر الطويل]
((أصل ((البيت)): ما بني من مدر أوشعر أوأدم، وهذا اسم عام، ثم قالوا:((فلان من أهل بيت))؛ يريدون به الشرف؛ فهذا تخصيص وقع بلفظ العموم، كما يقال: فلان إنسان؛ يريدون به المدح، وقد علم أن بني آدم كلهم يقع عليهم هذا الاسم)) (1).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
نُبُوالمَقيلِ بِهِ وَالمَبيتِ أَقعَصَهُ وَاختِلافُ الهَواءِ [بحر المتقارب]
((
…
((المقيل)): الموضع الذي يقيل فيه الإنسان؛ أي: ينام في وقت الهاجرة، وسمي ما شرب في ذلك ((قَيْلا))، وكان أصل ((القيل)): الإقامة في الموضع ثم خُصَّ به شيء دون شيء
…
)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
وَلَوعَضَلتَ عَنِ الأَكفاءِ أَيِّمَها
…
وَلَم يَكُن لَكَ في أَطهارِها أَرَبُ
كانَت بَناتِ نُصَيبٍ حينَ ضَنَّ بِها
…
عَنِ المَوالي وَلَم تَحفِل بِها العَرَبُ [بحر البسيط]
((
…
((الأيم)) التي لا زوج لها، ويقال:((تأيم الرجل))؛ إذا لم يتزوج، وقد كثر استعمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته، وفي المرأة إذا مات زوجها، والشعر القديم يدل على أن ذلك بالموت، وبترك التزويج من غير موت)) (3).
ونلمح عنده من النصوص ما يفيد فهمه ووعيه بـ ((تعميم الدلالة)):
ـ وقال عند قول أبي تمام:
بيضٌ وَسُمرٌ إِذا ما غَمرَةٌ زَخَرَت
…
لِلمَوتِ خُضتَ بِها الأَرواحَ وَالمُهَجا [بحر البسيط]
((.. أصل ((الغمرة)) في الماء الكثير، ثم استعملت لكل أمر شديد)) (4).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 307ب38].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 20ب27].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 253ب42].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 334ب21].
ـ ((.. ((الدجية)) الظلمة، وقال قوم: لا يقال ((دجية)) إلا لليل مع غيم، فأما المحدثون فيعبرون بالدجى عن الليل، ولا يفرقون بين المقمر وغيره)) (1).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
مَنَعتَ إِلّا مِنَ الأَكفاءِ ناكِحَها
…
وَكانَ مِنكَ عَلَيها العَطفُ وَالحَدَبُ [بحر البسيط]
((يقال: ((حَدِبَ الرجلُ على ولده أوجاره، يحدب حَدَبًا))؛ إذا أشفق عليه وعطف، وأصل ذلك أن المرأة إذا أشفقت على ولدها حَنَتْ ظهرها مكبة عليها؛ فكأنها أصابها الحدب)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
فَإِن تَكُ أَحيانًا شَديدَ شَكيمَةٍ
…
فَإِنَّكَ تَمحوها بِما فيكَ مِن شَكمِ [بحر الطويل]
((
…
أصل ((الشكيمة)): حديدة اللجام التي تُجْعل في فم الفرس؛ فيقال: ((يلوك الشكيمة))، ثم اتسع في ذلك؛ فقيل: فلان شديد الشكيمة؛ إذا كان شديد النفس)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
بِغُربَةٍ كَاغتِرابِ الجودِ إِن بَرَقَت
…
بِأَوبَةٍ وَدَقَت بِالخُلفِ وَالكَذِبِ [بحر البسيط]
((((الودق)):دنوالسحاب من الأرض، ثم سُمِّي الغيث ((ودقًا))،على معنى الاتساع)) (4).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
كَيوسُفَ لَمّا أَن رَأى أَمرَ رَبِّهِ
…
وَقَد هَمَّ أَن يَعرَورِيَ الذَّنبَ أَحجَما [بحر الطويل]
((
…
((يعرورى)) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون من ((عروت الأمر))؛ إذا أتيته، والآخر: أن يكون من قولهم: ((اعروريتُ الدابة))؛ إذا ركبتها عُريا، إلا أن هذه الكلمة وقع فيها اتساع، فقالوا:((اعرورى المفازة))؛ إذا ركبها)) (5).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 253ب40].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 496ب17].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 550ب23].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 240ب31]، ولمزيد من المواضع ة تُنْظَرُ المواضع الآتية:[2/ 430]، [1/ 406]، [1/ 94]، [1/ 374ب18]، [3/ 319،320ب22]، [1/ 426].
ويدخل في جزئية تتبع التطور الدلالي عند التبريزي اهتمامه بتوضيح أصل الكلمة غير العربي:
قال أبوتمام:
أَرى أَلِفاتٍ قَد كُتِبنَ عَلى راسي
…
بِأَقلامِ شَيبٍ في مَهارِقِ أَنقاسِ [بحر الطويل]
((((المهارق)): جمع ((مُهْرق))، وهوالقرطاس، وأصله فارسي معرب، وقد تكلموا به قديما)) (1).
وقد سبق في موضع متقدم من هذا البحث تعليل اهتمام أبي العلاء بتتبع التطور الدلالي للألفاظ، وهو نفس التعليل الذي يمكن أن يقال عن اهتمام التبريزي لهذا التطور الدلالي.
ولعل في تتبع كل من أبي العلاء والتبريزي للتطور الدلالي للكلمة تنبيه يجب أن يهتم به كل من يتصدى لشرح النصوص القديمة.
وقبل أن نترك هذا المقام نحب أن نقول: إن عدد الألفاظ التي ذكر التبريزي لها أصلا دلاليا في شرحه لديوان أبي تمام وشروحاته الأخرى يصلح أن يكون لبنة متواضعة من لبنات المعجم التاريخي الذي يسعى مجمع اللغة لإنجازه، هذا المعجم الذي ((سيحدث ثورة في الدراسات التاريخية واللغوية، وسيكشف للباحثين عن كنوز مدفونة وعن معارف لم تكن متاحة من قبل)) (2)(3).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 597ب1].
(2)
د. محمد حسن عبد العزيز: المعجم التاريخي للغة العربية وثائق ونماذج، ص 42، دار السلام للطباعة والنشر، ط1، 2008م، القاهرة
(3)
وقبل أن نترك هذا المقان أيضا نحب أن نعرض بعض القضايا الدلالية التي أثارها التبريزي في شرحه وهي كالتالي:
[1] التعميم الدلالي: أشار التبريزي في مواضع عديدة من شرحه إلى بعض ((التعميمات الدلالية))، فهو لا يفتأ يذكر ذلك، إذا سنحت الفرصة لهذا، وفيما يلي أمثلة على هذه
التعميمات:
ـ قال: ((أصل ((الفُرَّاط)): القوم الذين يتقدمون ((الوُرَّاد))، وكل متقدم فارط)) [1/ 275ب38]. وقال:((العُرضة: كل شيء جعلته وقاية للشيء)) [3/ 253ب23]. وقال: ((والعرب تسمي كل عود لين خيزرانًا)) [3/ 396ب11]. وقال: ((((الخبل)): فساد الأعضاء، ثم يستعار ذلك في كل فساد)) [3/ 227ب29].وقال:((.. كيماء كل شيء: جوهره)) [3/ 254ب28]. وقال: ((سرعان كل شيء: أوله)) [3/ 235ب14].وقال: ((كل شيء بلغت مشقته، وأخذ بصعوبة، فهومجهود)) [2/ 53ب37]. وقال: ((ريعان كل شيء أوله)) [4/ 530ب3]. وقال: ((ويقال للذي ينقش الدينار واشٍ، وكذلك لكل ناقش شيئا)) [1/ 25ـ 26]. وقال: ((كل صوت منخفض فهو وسوسة ووسوس)) [4/ 546ب3]، [2/ 245ب8].وقال:((أصل ((الفرس)) دق العنق، ثم جعل كل قتلٍ فَرْسًا)) [2/ 241ب18].وقال:((((السكن)) يقع على المذكر والمؤنث؛ لأنه يجري مجرى المصادر، وإن وقع على جمعٍ فجائز، وفي الكتاب العزيز:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل:80]، وكل ما سُكِنَ إليه يجوز أن يقال له ذلك)) [4/ 211ب1]. وقال:((وقد يجوز أن يسمي كل ما يلبس لَبُوسًا)) [4/ 23ب31].وقال: ((قيل لكل من نهض بشيء قد استقل به)) [3/ 287ب2]. وقال: ((بيضة كل شيء معظمه)) [1/ 246ب23]. وقال: ((كل كثير عندهم خضرم)) [1/ 392ب27].
ولقد أشار البحث في موضع سابق إلى أن هذه التعميمات الدلالية قد تحمل في باطنها ما يعرف عند علماء الدلالة بـ ((نظرية التحليل التكويني)). وقد تكون هذه التعميمات طريقا يمكن أن نسلكها لمواجهة طوفان الألفاظ الأجنبية التي تدخل لغتنا كل يوم، وتساعدنا على وضع مسميات عربية لها.
[2]
أمن اللبس: اهتم التبريزي بوضوح المعنى اهتمامًا بالغا، وتجلى هذا الاهتمام في اهتمامه بـ ((أمن اللبس)).
وقد استغل التبريزي هذا المصطلح كقرينة لتوضيح وجود خلل في بيت أبي تمام التالي:
لازالَ جودُكَ يَخشى صَولَتَهُ
…
وَزالَ عودُكَ تَسقي رَوضَهُ الدِيَمُ [بحر البسيط]
((.. إذا صحت هذه الرواية فقد حذف ((لا)) في قوله: ((وَزالَ عودُكَ))؛ لأنه أراد ((ولا زال عودك))، وحذفها في هذا الموضع قليل، وإنما كثر في القسم، كما جاء في الآية: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ
تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85]؛ أي: ((لا تفتأ))، ومثله كثير، فأما في مثل بيت الطائي فحذفها مفقود؛ لأنه يؤدي إلى اللبس)) [3/ 247ب2]، ويُنْظَرُ أيضًا الموضع الآتي:[2/ 57ـ58ب46].
وقد أشار التبريزي إلى أن اللغة قد توظف بعض الوسائل لتفادي هذا ((اللبس))، منها
((المبادلة بين الواو والياء)) قال أبوتمام:
راحٌ إِذا ما الراحُ كُنَّ مَطِيَّها
…
كانَت مَطايا الشَوقِ في الأَحشاءِ [بحر الكامل]
((
…
الراح الأولى الخمر، وهي من ذوات الياء، لقولهم:((رِياح)) في معنى ((راح))، ومنها اشتقاق ((الأريحيّ والأريحية))
…
وكأنهم إذا استعملوا الشيء بالواووالياء؛ فرقوا بإبدال إحداهما من الأخرى؛ ليكون ذلك أقل للبس؛ لأنهم لو قالوا: ((رجل أروحي))؛ لالتبس بالنسب إلى أروح، إذا قلت:((هذا أروح من هذا، وهذا ظليم أروح))؛ فيؤثرون الفرق في كثير من الكلام؛ إذا وجدوا سبيلا إليه)).يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 27ـ 28ب9] وتُنْظَرُ أيضا المواضع الآتية: [4/ 155ب2]، [1/ 166ب34]، [2/ 19ب40].
[3]
طرائق متنوعة في تسمية الأشياء: ذكر التبريزي ـ في معرض شرحه للديوان ـ بعض طرق لتسمية الأشياء، لعل من المفيد إثباتها هنا:
(أ) تسمية الشيء باسم ما جاوره:
((
…
((الثغب)) ـ بتحريك الغين وتسكينها ـ مثل الغدير، وقد ذكر في الأضداد؛ لأن الماء نفسه يسمى ((ثَغَبًا))، والموضع الذي هوفيه يقال له:((ثغب))؛ وليس هذا من التضاد، وإنما من تسمية الشيء باسم ما جاوره)) [2/ 71ب10].
((
…
((الهواء)) المكان الخالي، والناس يعبرون به عن النسيم والريح والحر والبرد، وإنما يُعنى به الأشياء التي تحدث في الهواء، أي ما بين السماء والأرض، وذلك شائع في كثير من الكلام، يسمى الشيء باسم ما ضُمِّنَه وقَرُبَ منه)) [4/ 20ب27].
(ب) وصف الشيء بحالته الأولى:
((
…
((العَصِيم)) بقية عَرق الإبل إذا جف، ويجوز أن يعني به هاهنا ((العرق)) وإن لم يجف؛ لأن الشيء قد يوصف بحالته الأولى بعد انتقاله إلى الحالة الثانية، فإذا رأيت رجلا كهلا أوشيخًا تعرفه وليدًا؛ فجائز أن تقول:((هذا الطفل الذي رأيته يوم كذا))،وهوفي تلك الحال مُسِن كبير)).يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي:[4/ 534ب7]، ويُنْظَرُ أيضًا ـ في نفس هذه الجزئية ـ الموضعان الآتيان:[ابن الغزال1/ 427ب8]، [الطائر2/ 357ب28]، [3/ 358]
(ج) تسمية الشيء باسم بعضه، وتسمية البعض باسم الشيء:
((
…
ولا يمتنع أن يسمى الشجر باسم الثمر، والثمر باسم الشجر، كما يقال زيتون وتين؛ فيقع ذلك على الثمر والشجر)) [4/ 472ب6].
(د) أخذ الشيء اسم الشيء للتشابه في الشكل:
((
…
وأصل ((السلسال)) الماء الصافي السهل الدخول في الحلق، ويجب أن يكون أصله من الماء الذي يجري مستطيلا على وجه الأرض، كأنه مأخوذ من سلسة البرق، وسلسلة الحديد)) [1/ 63ب47]، ويُنْظَرُ أيضًا:[3/ 47ب1].
(هـ) استعارة اسم لآخر إذا كانا متقاربين:
((
…
((البشرة)) باطن الجلد في القول الغالب، والأدمة ظاهره، وقال قوم:((البشرة)) لما ظهر، وهذان القولان متقاربان؛ لأنه يجوز أن يستعار أحد الاسمين للآخر من أجل المقاربة)) [3/ 198ب21].
(و) التسمية بالمصدر:
ـ قال: ((
…
((الضفر)): فتلٌ ليس يبلغ في القوة ((المغار))، ويسمى الحبل المضفور ((ضَفْرًا))، سموه بالمصدر)) [1/ 332ب14].
ـ وقال: ((. ((صِيان الشيء وصوانه)): ما صين به، وهومن ذوات الواو، وإنما قلبت ياء في ((صيان))؛ لانكسار ما قبلها، وكأن الصيان في الحقيقة مصدر سُمِّي به الشيء)) [3/ 294ب1].
ـ وقال: ((
…
سموا الدية ((عقلا))؛ لأنهم كانوا يؤدونها من الإبل؛ فيعلقونها عند بيت القتيل، أوبفناء القوم الذين يقبلون الدية، ثم سمي الشيء باسم المصدر)) [3/ 292ب25].
[4]
التنبيه على الألفاظ الحادثة في الإسلام والمولدة والمهملة والمفقودة في السماع:
يقر التبريزي في ثنايا شرحه بوجود ألفاظ حادثة في الإسلام، وأخرى مولدة، وأخرى مهملة وأخرى مفقودة من المسموع اللغوي:
ـ قال عند قول أبي تمام: ((يقال للمدينة التي حولها قرى وضياع ((كورة))، وهي كلمة مستعملة في الإسلام، ويجب ألا يكون اسمها عربيا)) [4/ 346ب9].
ـ وقال عند قول أبي تمام:
حَمراءُ في صُفرَةٍ عُلَّت بِغالِيَةٍ
…
كَأَنَّما قُطِفَت مِن خَدِّ مُهديها [بحر البسيط]
((قوله ((عُلَّت بِغالِيَةٍ)):الغالية ضرب من الطيب، ويقال: إن هذا الاسم حَدَث في الإسلام)) [4/ 288ب2].
ـ وقال عند قول أبي تمام: ((
…
((مُنْجَمِش)) [منفعل]، من ((التجميش))، وبعضُ أهل اللغة يزعم أن التجميش كلمة مولدة، وقال بعضهم:((الجمش)) قرص خفيف، والمستعمل ((جَمَّشْتُه)) بالتشديد)) [4/ 225ب1].
ـ وقال عند قول أبي تمام:
رَضوى وَقُدسَ وَيَذبُلاً وَعَمايَةً
…
وَيَرمرَماً وَمُتالِعاً وَمُواسِلا [بحر الكامل]
((قد تردد ذكر هذه الجبال في شعر الطائي، إلا ((يرمرمًا))، فلم يذكره قبل ذكره في هذا البيت، وإذا حُمِل هذا الاسم على موجب الاشتقاق؛ فهومن اليرم؛ بني على ((فَعَلْعَل))، و ((اليرم)) كلمة ((مهملة))، ويجوز أن تكون فيما فقد من المسموع)) [4/ 117ب21].
[5]
قبول استخدام المحدثين للغة:
قال أبوتمام:
فَأُقسِمُ لَوسَأَلتِ دُجاهُ عَنّي
…
لَقَد أَنباكِ عَن وَجدٍ عَظيمِ [بحر الوافر]
((هكذا يروى على توحيد ((الدجى))، والمعروف أنها جمع دجية، ولكن المحدثين يستعملونها في معنى الواحد، وذلك جائز على معنى الجنس، كما قال:((مثل الفراخ نُتِفت حواصله))، فأما القياس فهوالجمع)) [3/ 161ب8].
[6]
التدرج الدلالي:
أشار التبريزي إلى بعض الألفاظ التي تشير إلى تدرج دلالي بتغير حروف فيها:
((
…
((شوازب)): ضوامر، ((الشواسب)) ـ بالسين ـ أشد ضمرًا من الشوازب، ثم ((الشواسف)) أشد منها)) [4/ 16ب17].
[7]
الترادف:
يقف التبريزي من الترادف موقفًا كالذي يقفه بعض المحدثين من علماء اللغة، فنحن لا نجد التبريزي يتخذ موقفا صارما منه، سواء بالإنكار أوالتأييد، بل نجد عنده ما يسمى بـ ((الترادف الكامل Perfect Synonymy)) [وهوتطابق اللفظين تمام المطابقة، يُنْظَرُ: د. أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص 220 عالم الكتب ط 5، 1998]،أو ((التماثل Sameness)) ، ونجد أيضا عنده ما يسمى بـ ((شبه الترادف Quasi Synonymy)) أو ((التقارب Contiguity))
[وذلك حين يتقارب اللفظان تقاربا شديدا؛ لدرجة يصعب معها ـ بالنسبة لغير المتخصص ـ التفريق بينهما. . يُنْظَرُ: د. أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص 220ـ 221] وأمثلة الترادف الكامل، قال عند قول أبي تمام: