الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس:
الموازنة بين المادة الصرفية والنحوية عند أبي العلاء والتبريزي
وستتمثل تلك الموازنة في الملحوظات التالية:
·
الملحوظة الأولى:
أول ما يسترعي الانتباه هذا الاتفاق الكبير بين أبي العلاء والتبريزي، فكثيرا ما نجد الرجلين متفقين في كثير من المسائل النحوية، بل نكاد نجد التبريزي يردد جملا بعينها في المسألة النحوية قيد الشرح رددها أبوالعلاء من قبل، مثال ذلك:
أبوالعلاء
…
التبريزي
((وحروف الخفض ينوب بعضها مناب بعض كثيرا، وشائع في الكلام أن تقول: في هذا البساط نقشٌ حسن، وعلى هذا البساط)). [2/ 458ب5]
…
قال: ((وحروف الخفض يقوم بعضها مقام البعض)). [3/ 119ب18] وقال في موضع آخر: ((وهم يتسعون في حروف الخفض؛ فيضعون بعضها موضع بعض)). [3/ 230ب47]
((والعرب تفعل ذلك يثنون الشيء، ويجمعونه؛ لأنهم يضيفون إليه ما يقرب منه؛ فيقولون صهوة الفرس وصهواته)). [2/ 411ب9]
…
((يجوز أن يجمع الشيء ويضاف إلى ما حوله، كما يقال: ركبت أصلاب الناقة؛ لأنه يجعل كل فقارةٍ صلبا؛ أولأنه يضيف إلى الصلب ما دنا منه)) [2/ 162ب6]
قال: ((إنهم يفرقون بالمصادر بين الأفعال التي أصلها واحد في الاشتقاق)). [1/ 240ب3]
…
قال: ((والوجيب: صوت حركة القلب، فرقوا بين وَجَب القلبُ ووجَبَ الحَائِطُ بالمصدر)). [1/ 166ب34].
·
الملحوظة الثانية:
نجد التبريزي في كثير من الحالات ـ عند تعرضه لمسألة نحوية ـ يكتفي بعرض آراء النحاة، ولا يتدخل ـ في الغالب ـ بترجيح مسألة على أخرى، مثال ذلك مناقشته للكلمات مثل: عبدون، حمدون:
أَعَبدونُ قَد صِرتَ أُحدوثَةً
…
يُدَوَّنُ سائِرُ أَخبارِها [بحر المتقارب]
((مذهب بعض الناس في ((عَبْدون)) و ((حَمْدون)) وما كان مثلهما أنها أسماء محرفة عن العربية، (
…
)، والذي حكاه النحويون في مثل هذا النحو وجهان: أحدها أن
تقول إذا سميت الرجل بجمع عبد جاءني عبدون كما تقول جاءني الزيدون، وتقول في النصب والخفض، لقيتُ عبدين ومررت بعبدين فتجعله تاليا وتُجرى نون الجمع، والآخر أن تجعله بياء في كل وجه وتعرب النون بوجوه الإعراب، (
…
)، وقد أجاز بعض المتأخرين أن تُقر الواوعلى كل حال، ويلزمه على هذا الوجه أن يعرب النون، إلى هذا المذهب يميل من زعم أن زيتونًا جمع زيت وأنه على فَعْلون)) (1).
فنجد في هذا المثل ذكر المادة المختلفة دون ترجيح أوتفضيل، ومثل ذلك كثير عند أبي العلاء والتبريزي.
تعليل الملحوظة الأولى والثانية:
يمكن أن نعلل لهاتين الملحوظتين بأن نقول إن التبريزي كان ((إمام المنهج الانتخابي التهذيبي التكميلي)) (2). أي ذلك المنهج الذي ((يعتمد على جمع وتحصيل الشروح السابقة، ثم الانتخاب منها، والتنسيق بين العناصر المنتخبة مما يكمل شرحًا من مجموعها يفي بغرضها، ويغني عن جميعها؛ لاشتماله على جميع العناصر التفسرية المتاحة التي يتطلبها القوم)) (3).
ذلك المنهج ((الذي لا يظهر فيه مجهود عالم واحد، بل ينطق بمجهودات علماء كثيرين، متعددي المناهج، مختلفي العصور، متنوعي التخصصات والاهتمامات
[ذلك] المنهج الإزدواجي المزجي، الذي يجمع بين التزام الملتزمين وإبداع المبدعين، ويظهر فيه عنصر النقل للتراث الموروث، وعنصر النقل لاجتهاد المجتهدين، [ذلك] المنهج التحصيلي، الذي يدل على تخصص صاحبه، وإنما يدل على سعة ثقافته، وكثرة اطلاعه وجمعه، ثم انتخابه وتنسيقه، [ذلك] المنهج الذي يجمع من
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 369ب1].
(2)
شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري، الجزء الثاني: مناهج الشراح، 271،
[دار المعارف، ط 1، 1981م] وفي هامش هذه الصفحة أن الدكتور فخر الدين قباوة سمى هذا المنهج: ((المنهج التكاملي)).
(3)
شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري، 271