الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6) العنصر السادس من عناصر المنهج: الحرص على ذكر غرض القصيدة وسبب قولها قبل الشروع في شرحها:
كان التبريزي حريصًا على ذكر غرض القصيدة قبل البدء في شرحها، فكانت عادته أن يذكر غرض القصيدة من مدح، أورثاء، أوهجاء.
وهذا النص ـ أوالذكر ـ لغرض القصيدة من الأهمية بمكان، فهو من الأدوات الرئيسية لفهم القصيدة، وقد أشار إلى هذا بعض النقاد المعاصرين فقالوا: ((
…
[إن] غياب الموضوع عن القصيدة هوـ فيما يبدوـ أبرز الأسباب التي تتسبب في غياب الدلالة عنها؛ إذ إن وضوح الموضوع (أوالغرض) الذي تتحدث عنه القصيدة هوالشفرة الرئيسية لتتبع المسارات الدلالية، وإن زرعت ببعض المتاريس التعبيرية التي تعوق مهمة القراءة والفهم. وعلى امتداد مسيرة الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وحتى زمن الحداثة الشعرية العربية المعاصرة، كان الموضوع أوالغرض الشعري حاضرا في القصيدة جنبا إلى جنب مع شكلها، وكان حضورا واضحًا متحددًا في ذاته من ناحية،
صَرِّد وَنَكِّد وَزَنِّد أَنتَ مَعذورُ
…
أُسدُ الشَرى لَيسَ تُنميها الخَنازيرُ [بحر البسيط]
((
…
التزنيد، والتنكيد، والتصريد: قطع الشرب)) [4/ 372ب1].
ـ وقال عند قول أبي تمام:
يا مَوتُ حَسبُكَ إِذ أَقصَدتَ مُهجَتَهُ
…
أَولا فَدونَكَ لا حَسَبٌ وَلابَجَلُ [بحر البسيط]
((.. الكلمتان (حسب ـ بجل) في معنى واحد، وكررهما لاختلاف اللفظين)) [4/ 124ب12]. وقال:((الشك والريب واحد)) [1/ 41].
ومن أمثلة شبه الترادف: قال: ((العزاء والصبر والتسلي والقناعة متقاربة في المعنى)) [4/ 394ب9]. وقال: ((و ((السدى)) و ((الندى)) متقاربان، وربما فرق أصحاب النقل بينهما، وقال بعضهم:((الندى ما لم يكن فوق الأرض))، و ((السدى: ما وقع على التراب)) [1/ 234ب3].
[8]
التعليل الدلالي:
كان التبريزي في مواضع كثيرة يعلل لتسمية الأشياء، ولماذا سميت بأسمائها.
ـ ((يقال: ((سنة عارمة))؛ أي: شديدة، وقيل: إنما سميت عارمة من قولهم: ((عَرَمْت العظم))؛ إذا عرقت ما عليه من اللحم)) [2/ 74ب27].
وحضورا يشكل سياقا تُفْهم أفكار القصيدة ومعانيها في ضوئه من ناحية أخرى؛ أي أن الحضور الموضوعي في القصيدة كان ينهض بوظيفتين مزدوجتين: إحداهما ذاتية، هي وضوح الفكرة العامة للقصيدة، والأخرى سياقية هي تحديد مفردات المعنى الشعري. ونستطيع القول ـ بعبارة أخرى ـ إن هذا الحضور الموضوعي يعني ـ في أحد وجوهه ـ ملمحًا من ملامح تماسك النص، وتماسك عناصره اللغوية والدلالية؛ أي يعني وضوحه، أوإن هذا التماسك أحد مؤشرات وضوحه وأسبابه في الوقت نفسه)) (1).
ولقد اعتبر د. تمام حسان ذكر الظروف التي قيلت فيها القصيدة من القرائن الخارجية التي تعين على فهم النص، وعدم الوقوع في ((لبس)) عند فهمه، فقال عند سرده لأنواع القرائن: ((
…
القرائن الخارجية، وهي ما يسمونه context of situation ، أوالظروف التي صاحبت إنتاج النص، ومنها أسباب نزول الآيات القرآنية، وذكر الظروف التي قيلت من أجلها الخطبة أوالقصيدة)) (2).
وقد استعان التبريزي بالغرض الشعري في بعض المواضع لتفسير بعض أبيات أبي تمام، واستخدامه كقرينة لتوضيح المعنى، ومنها:
[1]
قال أبوتمام يمدح أبا المغيث الرافقي، ويعتذر إليه:
سَأَجهَدُ عَزمي وَالمَطايا فَإِنَّني
…
أَرى العَفولا يُمتاحُ إِلّا مِنَ الجَهدِ [بحر الطويل]
((((العفو)): السير السهل، ويجوز أن يكون من ((العفو)) في معنى الكثير وقد علم أن الطائي يعتذر في هذه القصيدة؛ فيجوز أن يريد بـ ((العفو)) غفران الذنب س)) (3).
[2]
قال أبوتمام يهجوعَياشَ بن لَهِيعة بعد موته:
فيمَن يَشُنُّ الشِّعرُ غاراتِهِ
…
بَعدَكَ أَوأَمثالَهُ السائِرَه [بحر السريع]
(1) د. عبد الرحمن محمد القعود: الإبهام في شعر الحداثة، ص 177ـ 178 [سلسلة عالم المعرفة ع 279، مارس 2002، الكويت].
(2)
مقال: اللغة والنقد الأدبي، د. تمام حسان، مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، المجلد الرابع، العدد الأول، 1983 بعنوان: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، ص 127
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 112ب11].