الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصدريا مهملا كسائر الحروف المصدرية)) (1). وهو بهذا يخالف الجمهور الذي يقول: ((إنها تعمل جوازا في مضمر لا ظاهر)) (2).
[ب] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجرورات:
• الإضافة عند أبي العلاء:
أشار أبوالعلاء في مواضع من شرحه إلى بعض أحكام الإضافة، وهو في بعضها يقر ما يقره النحاة، ونلمح منه خروجا على بعضها في البعض الآخر، ومن أمثلة الاتفاق:
[1]
إضافة بعض الشيء إلى كله:
ـ قال عند قول أبي تمام:
لُعابُ الأَفاعي القاتِلاتِ لُعابُهُ
…
وَأَريُ الجَنى اشتارَتهُ أَيدٍ عَواسِلُ [بحر الطويل]
((الجنى: اسم عام يقع على كل ما اجتني؛ فجائز أن يسمى الأرْي (3) جنى؛ لأنه يجنى من مواضع النحل، ولعموم الجَنَى في اللفظ حَسُنَت إضافة الأري إليه؛ لأن بعض الشيء يضاف إلى كله)) (4).
والنحاة قيدوا هذه القاعدة النحوية بأن تكون الإضافة محضةً على معنى ((مِن))، وذلك بأن يكون ((المضاف إليه جنسا عامًا يشمل المضاف، ويصح إطلاق اسمه على المضاف، وإن شئت فقل: أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، مع صلاحية المضاف لأن يكون مبتدأ خبره المضاف إليه من غير فساد للمعنى)) (5).
(1) السيوطي: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 2/ 184ـ 185
(2)
السيوطي: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 185
(3)
الأَرْيُ: العسل، والندى يسقط على الشجر، وما التصق بجوانب القدر من الطعام ، [المعجم الوسيط، مادة: أري]
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 123ب32].
(5)
النحوالوافي: 3/ 18
[2]
الإضافة المحضة تفيد التعريف أوالتخصيص للمضاف والإضافة غير المحضة ليس لها تأثير على المضاف:
نص النحاة على نوعين من الإضافة: النوع الأول: الإضافة المحضة أوالمعنوية، ((وهي التي تكون خالصة من تقدير الانفصال)) (1)، أوهي ((ما كان فيها الاتصال بين الطرفين قويا، وليست على نية الانفصال لأصالتها ولأن المضاف ـ في الغالب ـ خال من ضمير مستتر يفصل بينهما)) (2). والثانية: الإضافة غير المحضة، أواللفظية؛ لأنها في تقدير الانفصال)) (3).
أشار أبوالعلاء في مَوْضِعَين إلى تأثير المضاف إليه على المضاف من حيث التعريف والتخصيص. وأشار إلى قاعدة مهمة تحكم تأثير المضاف إليه على المضاف فقال: ((وإنما يحسن الانفصال إذا كان المضاف إليه يمكن فكه من الأول وإضافته إلى المضمر، مثل أن يقال مررت برجل كريم الأب؛ فكريم نكرة؛ لأنه يحسن أن تقول مررت برجل كريم أبوه)) (4).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
أَدنَيتُ رَحلي إِلى مُدنٍ مَكارِمَهُ
…
إِلَيَّ يَهتَبِلُ اللَّذ حَيثُ أَهتَبِلُ [بحر البسيط]
((يجوز ((مُدْني مكارِمهِ)) على الإضافة، و ((مُدْنٍ مكارمه)) بالتنوين، وإذا أضيف فهونكرة؛ لأن إضافته غير محضة)) (5).
(1) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ابن هشام، 3/ 87 هامش المحقق، [تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا بيروت]
(2)
النحوالوافي: 3/ 3
(3)
أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ابن هشام، 3/ 92 هامش المحقق.
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 69ـ 70ب8].
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 18ب42]. ويؤكد التبريزي نفس كلام أبي العلاء السابق إذ قال عند قول أبي تمام:
عَهدي بِمَغناكَ حُسّانَ المَعالِمِ مِن
…
حُسّانَةِ الوَردِ وَالبَردِيِّ وَالعَنَمِ [بحر البسيط].
((ويحتمل حُسَّانة الورد: أن تكون معرفة ونكرة، فإذا كانت معرفةً فالإضافة على غير انفصال، وإذا كانت نكرة فالإضافة منفصلة في التقدير، كأنه قال: من حُسَّان وردها وبَرْدِيُّها وعنمها، فهي في الوجه الأول مضافة إلى ما هي مشبهة به، وليس لها ولا في خلقتها، وهي في الوجه الثاني مضافة إلى ما هوبعضها إلا أنها إضافة غير محضة، كما تقول مررت بامرأة حسنة الوجه واليد والساق، والمعنى بامرأة حسن وجهها ويدها وساقها وهذه الأشياء من
جسدها)). [3/ 185ب 5]
[3]
موافقة أبي العلاء لمَن أجاز إضافة أفعل إلى ما هو ليس ببعضه؛ لأن الإضافة يتسع فيها جدا:
ـ قال عند قول أبي تمام:
غَدَوتُ بِهِم أَمَدَّ ذَوِيَّ ظِلًّا
…
وَأَكثَرَ مَن وَرائي ماءَ وادِ [بحر الوافر]
((كان أبوالفتح عثمان بن جني يذهب إلى أن ((أكثر)) في هذا البيت غير مضاف إلى ((من))، ويجعل موضع ((من)) نصبا بفعل مُضمر، وإنما فر من أن يضيف ((أكثر)) إلى ((من))؛ لأن موضوع النحويين المتقدمين أن ((أفعل)) لا يُضاف إلا إلى ما هوبعضه، كقولك فلان أفضلُ الناس، وحسن ذلك لأنه بعضهم، ولوقيل العقاب أشد الناس لاستحال؛ لأن العُقاب ليست من الناس، ولهذا أحالوا قول من يقول: فلان أفضل إخوته؛ لأنه ليس منهم، إنما ينبغي أن يقال: فلان أفضل بني أبيه، وهذا قول مُتقدم، وقد أجاز المتأخرون فلان أفضل إخوته، أى: أفضل الإخوة الذين هومنهم، والإضافة يتسع فيها جدًّا، وإلى قول من أجازه أذهب)) (1).
وإجازة المتأخرين ((فلان أفضل إخوته)) ـ كما قال الأشموني المتوفى
900هـ ـ مشروطة ومقننة بألا يكون منوي بها معنى ((من))، أما ((المنوي فيه معنى ((من))، فإنه لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه، فلذلك يجوز: يوسف أحسن إخوته، إن قصد الأحسن من بينهم، أو قصد حسنهم، ويمتنع إن قصد أحسن
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 371، 372ب9]. ومثل هذا القول شاهد مهم لمراعاة المعري المقاصد الحديثة.
منهم)) (1). ويزيد الأستاذ عباس حسن الصورة وضوحا فيقرر أنه ((إذا لم تكن الدلالة على التفضيل باقية، أو كانت عامة يقصد منها الزيادة على المضاف إليه وعلى غيره فإن المضاف إليه لا يكون مفضولا، ولا يشترط في المضاف حينئذ أن يكون بعضًا منه؛ فقد يكون بعضًا أو لا يكون؛ ومثال ما ليس بعضا: يوسف أفضل إخوته. تريد: أنه فاضل فيهم، ولا تريد التفضيل، ولا أنه يزيد عليهم في
الفضل)) (2).
[4]
جواز حذف الهاء من الكلمة إذا أضيفت:
من لطيف إشارات أبي العلاء إشارته إلى إمكانية حذف الهاء من الكلمة؛ لأن العرب يجترئون على ذلك.
وَيَومٍ أَمامَ المُلكِ دَحضٍ وَقَفتَهُ
…
وَلَوخَرَّ فيهِ الدينُ لَانهالَ كاثِبُه [بحر الطويل]
((.. وتستعمل ((الكاثبة)) في الإنسان، وهي الكَتد أونحوه، ولا يعرف إلا بالهاء، فإن كانت اللفظة يراد بها ذلك؛ فيجوز أن يكون حذف الهاء لمكان الإضافة؛ لأنهم يجرؤون على حذفها مع المضاف، كما قالوا: إلاحُ الرجل، يريدون إلاحته، وقام وُلاها؛ أي: وُلاتها)) (3).
والنص السابق يثير بعض الملحوظات:
1ـ أن أبا العلاء يسمى تاء التأنيث المربوطة في ((كاثبة، وإلاحة (4)، وولاة)) هاءًا، وهو أمر لا نسلم فيه لأبي العلاء؛ إذ ((لا توجد علاقة صوتية بين التاء والهاء، وإنما تطور المسألة أن التاء سقطت حين الوقف على المؤنث؛ فبقي المقطع السابق
(1) شرح الأشمونى لألفية ابن مالك: 2/ 306
(2)
النحو الوافي: 3/ 423
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 230ـ 231ب35].
(4)
جاء في تهذيب اللغة للأزهري 5/ 161: ((كل من لمع بشيء فقد ألاح ولوَّح به. الحراني عن ابن السكيت: يُقال ألاح من ذلك الأمرِ؛ إذا أشفق منه، يُليحُ إلاحة)).
عليها مفتوحا ذا حركة قصيرة، وهذا النوع من المقاطع تكرهه العربية في أواخر الكلمات؛ فتتجنبه بإغلاق المقطع، عن طريق امتداد النفس بهاء السكت)) (1).
2ـ بناء على النقطة السابقة يمكن تفسير حذف التاء المربوطة من كلمة ((كاثبة)) الموجودة في قافية البيت السابق تفسيرا صوتيا كما يلي: عند الوقوف على الكلمة سقطت التاء؛ فبقي المقطع السابق عليها مفتوحا ذا حركة قصيرة تكرهه اللغة العربية في أواخر الكلمات؛ فتتجنبه بإغلاق المقطع بهاء السكت الساكنه، ثم دخلت عليها هاء ضمير الغَيبة الساكن؛ فالتقى ساكنان فحذف أحدهما تخلصا من التقاء ساكنين.
…
ومن المواضع التي نلمح فيها اختلافا التالي:
ـ أوجه إعرابية في المضاف إليه:
يرى النحويون أن الإضافة إذا كانت على معنى ((مِنْ)) جاز في المضاف إليه أوجه أخرى؛ فيجوز ((أن يعرب بدلا أوعطف بيان، وتزول بوجودهما الإضافة، وتكون حركة آخره تابعة لحركة المتبوع الذي كان مضافا في الأصل، كما يجوز أيضاـ إن كان نكرة ـ نصبه على الحال أوالتمييز، بعد الاستغناء عن الإضافة)) (2). فالنحويون يقيدون جواز إعراب المضاف إليه بدلا أوعطف بيان: أن تكون على معنى ((مِنْ)). ومن الضوابط التي وضعها النحاة لهذه الإضافة ((ضابط مؤلف من شقين: الأول: أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، والثاني: أن يكون المضاف إليه صالحا للإخبار به عن المضاف)) (3).
(1) المذكر والمؤنث لابن فارس، تحقيق د. رمضان عبد التواب، ص 33
(2)
النحوالوافي: 3/ 18، ولابد من الإشارة إلى أن لكل صورة إعرابية من الصور الصحيحة السالفة معنى غير الآخر؛ لأن المعنى الذي يؤديه البدل أوعطف البيان يغاير ما يؤديه الحال أوالتمييز. [النحوالوافي 3/ 19]
(3)
أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ابن هشام، 3/ 85 هامش المحقق.