الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3) العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان:
على نهج أستاذه كان التبريزي يستخدم خصائص البيئة اللغوية المستقرة في عصره لشرح الديوان، فهي عنده أيضًا كانت بمثابة المعيار الثابت الذي يحتكم إليه ـ عند شرحه ـ لبيان اقتراب أوابتعاد الديوان من هذا المعيار.
وقبل تقديم هذا الاقتراب أوالابتعاد يجب أن نقدم تصور التبريزي للغة.
* اللغة عند التبريزي:
من خلال تتبع شرح التبريزي نستطيع أن نرسم صورة للغة عنده، وهي كالتالي:
تنقسم اللغة عنده إلى قسمين: لغة العامة، ولغة أهل العلم.
أما لغة العامة فهي تتسم بـ:
• أن لها كيانها الخاص وأساليبها الخاصة بها وألفاظًا مصطلحًا عليها داخلها.
ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام:
أَخَرِستَ إِذ عايَنتَني حَتّى إِذا
…
ما غِبتَ عَن بَصَري ظَلِلتَ تَشَدَّقُ [بحر الكامل]
((هذا معنى يتردد في كلام الخاص والعام، يقول: إذا رآني سكتَ فلم ينطق، وإذا غبت تشدق بالقول)) (1).
ـ وقال التبريزي: ((العامة يقولون: نظر إليهم الزمن إذا فعل بهم فِعْلا قبيحًا، وقد استعملوا ذلك في العصر القديم
…
وإنما هواصطلاح من العامة؛ لأن النظر إلى الإنسان ممن فوقه جائز أن يجلب إليه خيرا أوشرا)) (2).
ـ وقال: ((والعامة إذا قالوا للرجل هوابن الطريق؛ نسبوه إلى أنه وُجِدَ منبوذًا)) (3).
ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 395ب12].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 471ب2].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179 ب51].
رَأى الرومُ صُبحًا أَنَّها هِيَ إِذ رَأَوا
…
غَداةَ التَقى الزَّحفانِ أَنَّهُما هُما [بحر الطويل]
((.. ((أنهما هي)) يعني المنية، وهذا كلام يستعمله العامة كثيرا، إذا أشرف على الرجل منهم أمر قال: هي هي؛ أي: هذه القصة هي المنية التي تُنْتَظر)) (1).
ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
لَم يُسَوَّد وَجهُ الوِصالِ بِوَسمٍ الحُبِّ حَتّى تَكَشخَنَ العُشّاقُ [بحر الخفيف]
((.. ((تَكَشخَنَ)) كلمة عامية لا تعرفها العرب، وإذا حُمِلَت على القياس فالصواب: تَكشَّخَ)) (2).
ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
كَساكِ مِنَ الأَنوارِ أَصفَرُ فاقِعٌ
…
وَأَبيَضُ ناصِعٌ وَأَحمَرُ ساطِعُ [بحر الطويل]
((والاشتقاق لا يمنع أن يوصف الأبيض بالفاقع؛ إلا أنهم لم يستعملوه (
…
) وأهل البصرة يقولون: حَمَامٌ فَقِيع، وهي كلمة عامية، وقد طعن فيها بعض أهل العلم)) (3).
ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
لَبَّيتَ صَوتًا زِبَطرِيًّا هَرَقتَ لَهُ
…
كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ [بحر البسيط]
((.. ((زِبَطرِيّ)): منسوب إلى زبطرة .. ، والعامة يقولون: زَبَطْرة؛ بفتح الزاي، وليس في كلام العرب مثل: دَمَقْس في الرباعي ..)) (4).
ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 241 ب39].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 405 ـ 406 ب6]، وفي هذا البيت دليل على استعمال أبي تمام للغة العامية في بعض أبياته، ونلاحظ أن التبريزي لجأ إلى اللغة العامية لتفسير أبيات أبي تمام، حيث لا يكون معنى البيت واضحا إلا إذا لجأ إلى هذه اللغة.
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 581 ـ 582ب7].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 61ـ 62].
لَجادَ بِها مِن غَيرِ كُفرٍ بِرَبِّهِ
…
وَآساهُمُ مِن صَومِهِ وَصَلاتِهِ [بحر الطويل]
((الصواب ((وآساهم))؛ لأنه من تصييره إياهم أسوته؛ أي: مثله، إلا أن العامة يقولون: واساه، وقد استعملوا مثل ذلك في مواضع كثيرة، مثل: آكله، وآخاه)) (1).
وقد توجد ألفاظ مشتركة بينها وبين لغة أهل العلم، ولكنها ذات دلالة مختلفة؛ أي تستقل لغة العامة بدلالة مستقلة عن لغة أهل العلم، قال التبريزي: ((والشمائل أكثر ما تستعمل العرب في معنى الخلائق
…
والعامة يقولون: فلان حسن الشمائل يريدون به حُسْن الخلق والقد، والاشتقاق يجيز ذلك)) (2).
…
أما اللغة التي تقابل اللغة العامية ـ وهي التي اعتمد عليها وعلى خصائصها وسماتها في شرح الديوان ـ فهي اللغة التي سماها التبريزي لغة ((أهل العلم)) (3)، و ((أصحاب اللغة)) (4)، و ((أهل اللغة)) (5)، و ((كلام العرب)) (6).
وهذه اللغة تتميز بما يلي:
1ـ أنها لغة اصطلاحية:
قال التبريزي: ((وأصل الهبوط: الانحدار، وجرى الاصطلاح على أن يقولوا: نزلنا أرض كذا، وهبطنا؛ إذا حلوها، وإن كانت مرتفعة)) (7).
2ـ أنها لغة تتكون من عدة لغات، ودليل ذلك:
ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 309 ـ 310].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [2/ 243ب5].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [3/ 216 ب23]، [4/ 582 ب7].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 352 ـ 353 ب27].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 184 ب17].
(6)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 358 ب3].
(7)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 223 ـ 224ب15].
أَسقى طُلولَهُمُ أَجَشُّ هَزيمُ
…
وَغَدَت عَلَيهِم نَضرَةٌ وَنَعيمُ [بحر الكامل]
((يقال: سقى، وأسقى، قال قوم هما بمعنى واحد (
…
) وأنشدوا قول لبيد:
سَقى قَومي بَني مَجدٍ وَأَسقى
…
نُمَيرًا وَالقَبائِلَ مِن هِلالِ [بحر الوافر]
فجمع بين اللغتين)) (1).
ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
إِذا سيلَ سُدَّ العُذرُ عَن صُلبِ مالِهِ
…
وَإِن هَمَّ لَم تُسدَر عَلَيهِ المَسالِكُ [بحر الطويل]
((قوله: ((سِيل)) .. على لغة من قال سِلْتُ أسال)) (2).
ـ وقال: ((وأما الباه: فلغة في الباءة، وهوالنكاح
…
ويقال إن فيها أربع لغات: الباءة، والباهة، والباء، والباه)) (3).
3ـ ومن هذه اللغات ما يتميز ببعض الخصائص:
مثل قول التبريزي: ((يقال: عَقِدُ الرملِ وعَقَدَهُ، وهوما يُعْقَد منه، والذين يسكنون نجدًا ونحوها يقولون: عَقْد الرمل)) (4).
4ـ ومن هذه اللغات الفصيح والرديء:
ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام:
لِمْ لَم أَمُت حُزُنًا لِمَ لَم أَمُت أَسَفًا
…
لِمْ لَم أَمُت جَزَعًا لِمْ لَم أَمُت كَمَدا [بحر البسيط]
((سَكَّنَ الميم في ((لم))، وحكي ذلك عن العرب واللغة الفصيحة غيرها)) (5).
ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 289ب1].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 460ب11].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 346ب6]، وينظر أيضا:[1/ 62]، [3/ 175ب52]
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 423ب1].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 187].
أَخَذتَها لَبْوَةَ العِرّيسِ مُلبِدَةً
…
في الغابِ وَالنَّجمُ أَدنى مِن مَناكِحِها [بحر البسيط]
((يقال: ((لَبُؤَة)) على مثال سَبُعَة؛ فهذه اللغة الفصيحة)) (1).
ـ وقال: ((يقال: جاء القوم بأجمُعِهم؛ بضم الميم، وهوأفصح عندهم من أجمَعِهم بالفتح؛ لأن أجمع مقصور على التوكيد)) (2).
ـ وقال: ((وهَلَك بفتح اللام اللغة الفصيحة، وحكى بعضهم: هَلِكَ)) (3).
ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
صَدَّعتَ جِريَتَهُم في عُصبَةٍ قُلُلٍ
…
قَد صَرَّحَ الماءُ عَنها وَانجَلى الزَّبَدُ [بحر البسيط]
((و ((قُلُل)): جمع قليل، وربما قالوا: قُلَل، فإن صَحَّ ذلك؛ فإنهم فتحوا للتضعيف (
…
)؛ وهي لغة رديئة)) (4).
5ـ ومن اللغات الفصيحة ما هو اللغة العالية:
قال التبريزي عند قول أبي تمام:
أَيُرضِخُنا رَضخَ النَّوى وَهومُصمِتٌ
…
وَيَأكُلُنا أَكلَ الدَّبا وَهوجائِعُ [بحر الطويل]
((يقال: رضخ النوى؛ إذا دَقَّه ليعلفه الإبل، ويقال بالحاء أيضا، والحاء عندهم هي اللغة العالية)) (5).
6 ـ وأنها لغة متطورة بدليل قول التبريزي عند قول أبي تمام:
قَلتًا مِنَ الريقِ ناقِعَ الذَّوبِ إِلا أَنَّ بَردَ الأَكبادِ في جَمَدِه [بحر المنسرح]
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 353 ـ 354ب31].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 301ب21].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 455ب2].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 13ـ14ب13].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 582ب10]، ولاشك أن أبا العلاء هوصاحب هذا المصطلح.
((الهاء في ((جمده)) لا تعود إلى الريق، بل يعود إلى: القلْت، الذي هوكناية عن الفم. وسقط قول العائب: ما معنى جَمَد الريق؟، إذا كان الجمد كناية عن الأسنان. وهذا ظاهرٌ حَسَنٌ، وليس لأحد أن يقول: الجُمُود يستعمل فيما كان سائلا قبل؛ لأنهم توسعوا في استعماله واستعمال الذوب، ألا تراهم يقولون فيمن لا يبكي عند الرزايا: هوجماد الحاجبين)) (1).
وبدليل استخدامه للفظة ((المحدثين))، ولم يقل العامة:
ـ قال عند قول أبي تمام:
حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُّجى رَغِبَت
…
عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَّمسَ لَم تَغِبِ [بحر البسيط]
((والدجية: الظلمة، وقال قومٌ: لايقال دُجية إلا لليل مع غيم، فأما المحدثون فيعبرون بالدجى عن الليل، ولا يفرقون بين المقمر وغيره)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
فَأُقسِمُ لَوسَأَلتِ دُجاهُ عَنّي
…
لَقَد أَنباكِ عَن وَجدٍ عَظيمِ [بحر الوافر]
((هكذا يروى على توحيد ((الدجى))، والمعروف أنها جمع دجية، ولكن المحدثين يستعملونها في معنى الواحد، وذلك جائز على معنى الجنس)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
ما يُبالونَ إِذا ما أَفضَلوا
…
ما بَقِي مِن مالِهِم أَوما هَلَك [بحر الرمل]
((إن كان استعمل لغة طيئ فهي ((بقا))، في لفظ الألف على وزن ((رحا))، وإن كان استعمل اللغة الأخرى، وهي أضعف اللغتين، فقد ألفتها العامة، وكثرت في أشعار المحدثين، وهي في الشعر الأول قليلة)) (4).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 426ب7].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 53 ـ 54ب27].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 161ب8].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 455ب2].
هذا هو تصور التبريزي للغة، فهي في تصوره: عامية، وفصيحة. واللغة الفصيحة تتكون من ((لغات))، منها الرديء (1) ومنها الفصيح، وأن من اللغات الفصيحة ((اللغات العالية))، وأنها متطورة.
وهنا نود إيراد ملحوظتين:
1ـ أن التبريزي اعتمد على اللغة العامية لتفسير بعض أبيات أبي تمام الذي لجأ هو نفسه إليها.
2ـ التبريزي اتخذ من اللغة الفصحى معيارا أساسيا في شرح الديوان، معتمدا على خصائصها وسماتها، وبيان مدى اقتراب أبي تمام من هذا المعيار، أوابتعاده عنه.
وبعد أن قدمنا تصور التبريزي للغة، سنحاول في الصفحات التالية عرض العنصر الثاني من عناصر المنهج عند التبريزي وهو: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان، وسنوضح كيف استغل خصائص اللغة الفصحى، وكيف استخدمها كمعيار ثابت أوضح من خلاله مدى اقتراب أبي تمام منه أوابتعاده، وهو في ذلك يحذو حذو أستاذه أبي العلاء.
• توظيف خصائص اللغة الراقية في شرح الديوان:
اعتمد التبريزي على خصائص اللغة الراقية في شرحه للديوان، وتتمثل تلك الخصائص التي اعتمد عليها في: الخصائص الصرفية، والخصائص النحوية، وتوظيف الاستعمال اللغوي، هذا بالإضافة إلى توظيفه لخصائص البيئة الأدبية التي استقر عليها الشعراء.
وقبل أن نشرع في توضيح هذه الخصائص نشير إلى ما يدل على اعتماد التبريزي على خصائص اللغة الراقية، وهوتكراره لكلمة ((يقال)) ومشتقاتها:((يقولون، وهومن قولهم، قيل)). وتكاد هذه اللفظة تذكر مع كل بيت يشرحه التبريزي، بل قد تذكر في البيت الواحد ثلاث مرات.
ـ قال عند قول أبي تمام:
(1) مصطلح الرديء عند التبريزي يعني: قليل الاستعمال، [4/ 456].
وَرَأيُكَ مِثلُ رَأيِ السَّيفِ صَحَّت
…
مَشورَةُ حَدِّهِ عِندَ المِصاعِ [بحر الوافر]
((يقال مَشُورة ومَشْوَرة، وهومن قولهم: شار الأمرَ يشوره إذا عرضه)) (1).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
أيُّ ندى بين الثرى والجبوب
…
وسؤددٍ لدنٍ ورأي صليب [بحر الرجز]
((الجبوب: يقال إنها الأرض الغليظة، وقيل: الطين اليابس، وقيل: هي ظاهر الأرض)) (2).
[أ] توظيف الخصائص الصرفية:
وظف التبريزي الخصائص الصرفية عند شرحه لبعض أبيات الديوان، وقد أخذ هذا التوظيف أشكالا متعددة:
· توظيفها لبيان مدي اقتراب أبي تمام من هذه الخصائص الصرفية.
ـ قال عند قول أبي تمام:
أَحسِن بِأَيّامِ العَقيقِ وَأَطيِبِ
…
وَالعَيشِ في أَظلالِهِنَّ المُعجِبِ [بحر الكامل]
((وقال: ((أطيب))؛ فصحح الياءَ؛ لأن التعجب شأنه ذلك، يظهر فيه التضعيف، ويصح المعتلُّ، إذا بنيته على ((ما أَفْعَله))؛ فإنه يصح مُعتله، ولا يظهر مضعفه، تقول: ما أقولَهُ للحق، وما أعزَّهُ، وما أشدَّه؛ فتدغم، فإذا صرت إلى لفظ ((أفعل به))، قلت: أقْوِلْ به وأعزز، ولم يقولوا: أعزَّ بفلان ألبتة)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
لَمّا أَطالَ ارتِجالَ العَذلِ قُلتُ لَهُ
…
ألحَزمُ يَثني خُطوبَ الدَهرِ لا الخُطَبُ [بحر البسيط]
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 340ب29].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 47ب1].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 92].
((قطع ألف الوصل في أول النصف الثاني من البيت؛ إذ كان ما قبله موضع وقف؛ لأنه قال: ((قلت له))، ثم ابتدأ بأول الكلام المحكيِّ)) (1).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
كَأَنَّ السَحابَ الغُرَّ غَيَّبنَ تَحتَها
…
حَبيبًا فَما تَرقا لَهُنَّ مَدامِعُ [بحر الطويل]
((يقول: أكثرت عليها السحاب من أمطارها حتى كأنها دُفِنَ فيها حبيبٌ، فهي تبكي عليه، يعني الرياض، وخفف الهمزة في ((ترقأ)) وهوجائز بلا خلاف)) (2).
· ويُوظف التبريزي الخصائص الصرفية بصورة أخرى، حيث يقوم من خلالها من الوقوف على مدى ابتعاد أبي تمام عنها:
ـ قال عند قول أبي تمام:
خَلائِقٌ فيهِ غَضَّةٌ جُدُدٌ
…
لَيسَت بِمَنهوكَةٍ وَلا لُبُسِ [بحر المنسرح]
((
…
و ((لُبُس)) جمع لَبِيس، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول؛ فليس بابه أن يجمع على فُعُل، ولكنه قد يدخل الباب على الباب، كما قالوا، ((قتيل وقُتَلاء، وأسير وأسراء))، وإنما القياس: قَتْلى، وأسرى)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
أَما وَأَبيها لَورَأَتني لَأَيقَنَت
…
بِطولِ جَوًى يَنفَضُّ مِنهُ الحَيازِمُ [بحر الطويل]
((
…
والحيازم: أراد الحيازيم؛ فحذف الياء، وإنما الواحد ((حيزوم))، وحذف هذه الياء في الجمع يجترئ عليه الشعراء كثيرًا، كما قالوا: عصافر، ومصابح في جمع عصفور، ومصباح)) (4).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 242ب12].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 580 ـ 581 ب4].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 240ب16].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 177ـ 178ب6].
الشَرقُ غَربٌ حينَ تَلحَظُ قَصدَهُ
…
وَمَخالِفُ اليَمَنِ القَصِيِّ شَآمُ [بحر الكامل]
((
…
وقد تردد مجيء ((الشآم)) في شعر الطائي على ((فَعال))، وقد جاء ذلك في الشعر القديم إلا أنه شاذ)) (1).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
لَم يُسَوَّد وَجهُ الوِصالِ بِوَسم الحُبِّ حَتّى تَكَشخَنَ العُشّاقُ [بحر الخفيف]
((.. ((تكشخن)): كلمة عامية لا تعرفها العرب، وإذا حُمِلتْ على القياس، فالصواب ((تَكشَّخَ))؛ لأنك إذا بنيت ((تَفَعَّل)) من سكران فالوجه أن تقول:((تَسَكَّر))، وأما مثل: تَسَكْرن من السَّكران، وتَعَطْشَن من العَطْشان فمعدوم قليل)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
آثارُ أَموالِكَ الأَدثارِ قَد خَلُقَت
…
وَخَلَّفَت نِعَمًا آثارُها جُدُدُ [بحر البسيط]
((الأدثار: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون جمع ((دثْر)) من المال؛ وهوالكثير، والمعروف في جمعه:((دُثُور)) و ((فَعْل)) ليس بابه أن يجمع على ((أَفْعَال))، ولكنه قد جاء في مواضع، مثل:((زَنْد وأَزْنَاد، وفرخ وأفراخ، ....)) والآخر: أن يكون من قولهم ((أثر داثر، وربع داثر؛ أي: طامس))؛فيجمع على أفعال)) (3).
· وقد وظف الخصائص الصرفية لبيان عربية لفظةٍ أوأعجميتها:
((الياقوت: كلمة قد استعملتها العرب، فهي كلمة أعجمية في الأصل، وليس لها اشتقاق في كلامهم؛ لأنهم لم يحكوا ((أليقْتُ)))) (4).
· وقد وظف الخصائص الصرفية في تفضيل رواية لبيت على رواية أخرى:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 154ب24].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 405ب6].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 21ب51]، ولمزيد من المواضع في هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية:[2/ 191ب2]، [4/ 521ب14]، [4/ 523ب22]
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 106].
قال التبريزي عند قول أبي تمام:
وَبَيَّتَّ البَياتَ بِعَقدِ جَأشٍ
…
أَشَدَّ قُوًى مِنَ الحَجَرِ الصَّلودِ [بحر الوافر]
((
…
ومن روى: ((أَمَرَّ قوًى)): فالمعنى أشدَّ إمرارًا؛ أي: فتلا، و ((أَشَدَّ قُوًى)) أجود الروايتين؛ لأن المعروف أمررت الحبل بالهمز، وهم يجتنبون أن يبنى فعل التعجب على أَفْعَلَ في التفضيل، إلا في أشياء مسموعة)) (1).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 38ب27]. ونضيف في ختام هذه الجزئية أن التبريزي كان يتطرق للخصائص الصرفية لمجرد الاستطراد فقط، وليس لهدف معين:
ـ قال عند قول أبي تمام:
أَمُقرانُ يا ابنَ بَناتِ العُلوجِ
…
وَنَسلَ اليَهودِ شِرارِ البَشَر [بحر المتقارب]
((اليهود تستعمل بألف ولام، وبغيرها، ولم تجئ هذه اللفظة في القرآن إلا بالألف واللام)) [4/ 376ب1]
ـ وقال عند قول أبي تمام:
إِن كانَ وَجهُكَ لي تَترى مَحاسِنُهُ
…
فَإِنَّ فِعلَكَ بي تَترى مَساويهِ [بحر البسيط]
((
…
((تترى)) يجوز فيها التنوين وتركه، فإذا لم تنون فألفها للتأنيث، وإن نونت فألفها للإلحاق، والتاء في أولها بدل من الواو، كأنهم قالوا: وَتْرَى؛ ثم قلبوا الواوتاء و ((مساويه)): أصلها الهمز؛ لأنه من ساءَ يسوء، والتخفيف مطرد)) [4/ 292ب2]
ـ وقال عند قول أبي تمام:
أَلِكني إِلى حَيِّ الأَراقِمِ إِنَّهُ
…
مِنَ الطائِرِ الأَحشاءِ تُهدى المَآلِكُ [بحر الطويل]
((و ((ألكني)) إذا قيل إنها من المالُكة؛ فهي كلمة شاذة؛ لأنك لوبنيت الفعل من ((المالُكة)) على ثلاث؛ لقلت: ألك، فإن قلتَ في المضارع: يالِك؛ وجب أن تقول إذا أمرت: اِيلِكَ، وإن بنيتَه على يَالُكُ؛ وجب أن نقول: ولُك، مثل: اُُومر من أمر يأمر، وإن بني الماضي على ألِك؛ وجب أن يقال: ايلَك، في وزن ايذَن، وإذا بُني الفعل على ((أفعل))؛ فالوجه أن يقال: آلِكني، مثل: آذِنِّي، وقد ادعى بعض أهل العلم أن أصل أَلِكني: آلكني؛ فحذفت المدة لكثرة الاستعمال، وقال قومٌ: الأصل أن يقال: مَلْأكة، ومَالَكة كما يقال: جذب وجبذ؛ وإنما ألْإِكْنِي في معنى أَلِكْني؛ فنقلت كسرةُ الهمزة إلى اللام وحذفت، وذلك كثير موجود، وهذا أقيس من الوجه الأول)) [2/ 459ب7] ولمزيد من المواضع في هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية:[1/ 353ب31]، [1/ 61 ـ 62]، [2/ 460ب10].
[ب] توظيف الخصائص النحوية:
استغل التبريزي الخصائص النحوية أيضا في شرحه لبعض أبيات الديوان، مبينًا مدى اقتراب أبي تمام من هذه الخصائص أوابتعاده عنها.
ومن أمثلة المواضع التي ابتعد فيها أبوتمام عن الخصائص النحوية، التالي:
ـ قال عند قول أبي تمام:
لازالَ جودُكَ يَخشى البخلُ صَولَتَهُ
…
وَزالَ عودُكَ تَسقي رَوضَهُ الدِيَمُ [بحر البسيط]
((إذا صحت هذه الرواية؛ فقد حذف ((لا)) في قوله: ((وزَال عودك))؛ لأنه أراد: ((ولا زال عودك))؛ وحذفها في هذا الموضع قليل، وإنما كثر في القسم، كما جاء في الآية: چ ? ? ? ? ?چ [يوسف: 85]؛ أي: لا تفتأ، ومثله كثير، فأما في مثل بيت الطائي فحذفها مفقود؛ لأنه يؤدي إلى اللبس)) (1).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
نَقولُ إِن قُلتُمُ لا لا مُسَلَّمَةً
…
لِأَمرِكُم وَنَعَم إِن قُلتُم نَعَما [بحر البسيط]
((((لا))، ((نعم)) يُحكيان، وهما ينوبان عن جملتين (
…
) والغالب عليها ألا يدركهما إعراب، وقد أعرب الطائي ((نعم)) في هذا البيت (
…
) ونصب الطائيُّ
((نعم)) في القافية؛ لأنه أخرجها من بابها، وجعلها مفعولة للقول)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
مَلَكَ الكِلالُ رِقابَها وَأُنوفَها
…
فَنُعوبُها دينٌ لَها وَسُعومُها [بحر الكامل]
((وكون الفاء في قوله: ((فنعوبها)) واوا أحسن، وعليه يصح المعنى، ولعل الطائي قاله كذلك)) (3).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 247ب2].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 174ب48].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 277ب29].
ـ وقال عند قول أبي تمام:
بِكَ عادَ النِّضالُ دونَ المَساعي
…
وَاهتَدَينَ النِّبالُ لِلأَغراضِ [بحر الخفيف]
((
…
وقوله ((واهتدين النبال)): قد مر القول في أنه يردد مثل هذا الفعل الذي يتقدم فيه الضمير قبل الذكر، وهوعربي إلا أنه قليل)) (1).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
ما كُنتُ أَحسِبُ أَنَّ الدَهرَ يُمهِلُني
…
حَتّى أَرى أَحَدًا يَهجوهُ لا أَحَدُ [بحر البسيط]
((أصل أحد أن يستعمل في النفي، فيقال: ((ما جاءني أحد، ولا رأيت أحدًا، ولا مررت بأحدٍ))، ويقبح أن نقول:((جاءني أحدٌ))
…
ولكن العرب خصت النفي بأشياء لم تستعملها في غيره، كقولهم:((ما بالدار دَيَّار))
…
إلا أن الشعراء ربما أخرجت ((أحدًا)) إلى غير هذا النوع، وذلك من الضرورات)) (2).
· ومن المواضع التي اقترب فيها الطائي من الخصائص النحوية:
ـ قال عند قول أبي تمام:
ما خالِدٌ لي دونَ أَيّوبٍ وَلا
…
عَبدُ العَزيزِ وَلَستُ دونَ وَليدِ [بحر الكامل]
((و ((وليد)): يعنى به الوليد بن عبد الملك؛ فحذف الألف واللام، وهوجائز، وقد استعمل ذلك الطائي كثيرًا في مواضع، وهوجائز إلا أن تركه أحسن)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
أُمنِيَّةٌ ما صادَفوا شَيطانَها
…
فيها بِعِفريتٍ وَلا بِمَريدِ [بحر الكامل]
((.. يقال: ما صادفته حاضرًا، وما صادفته بحاضر؛ فيدخلون الباء إذا كان في أول الكلام نفي أوشيء يشابه النفي)) (4).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 313ب17].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 340ب2].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 395ب39].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 396ب44].وتُنْظَرُ أيضا المواضع الآتية: [1/ 91ب31]، [1/ 440ب52]، [2/ 161ب6].