الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: نظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي
الدراسة التحليلية لشرح أبي العلاء والتبريزي تُظْهر اهتمام هذين العلمين بالتماسك النصي، أوـ كما عبر د. حماسة ـ الاهتمام بـ ((كل ما يؤدي إلى الوضوح وعدم اللبس)) والذي ((يؤدي بالضرورة إلى التماسك والترابط)).
ويمكن مناقشة هذا الاهتمام عندهما في ضوء مصطلحات علم النص بالطريقة التالية:
• القصد Intentionality ، (أي: هدف النص) والمقامية Situationality ، (مناسبة النص للموقف):
تحت هذين المصطلحين يمكن أن نضع ما قام به التبريزي ـ في الغالب ـ من ذكر غرض القصيدة في بدايتها، وفيمن قيلت فيه هذه القصيدة، والموقف الداعي لها. وقد سبق أن أوضحنا أن ((غياب الموضوع عن القصيدة هوـ فيما يبدوـ أبرز الأسباب التي تتسبب في غياب الدلالة عنها؛ إذ إن وضوح الموضوع (أوالغرض) الذي تتحدث عنه القصيدة هوالشفرة الرئيسية لتتبع المسارات الدلالية، وإن زرعت ببعض المتاريس التعبيرية التي تعوق مهمة القراءة والفهم (
…
) وعلى امتداد مسيرة الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وحتى زمن الحداثة الشعرية العربية المعاصرة، كان الموضوع أوالغرض الشعري حاضرا في القصيدة جنبا إلى جنب مع شكلها)) (1).
إن تحديد هدف النص ومناسبته يساهمان في ((توالي الأفكار))، وهذا التوالي ليس ((عبودية في ذاته، فهوإذعان للعقل العام، وبدءا من اللحظة التي لا تسلسل فيها الأفكار يحكم على الروح بأنها غير عقلانية)) (2).
وسنبين فيما بعد أن هذا الاهتمام بتحديد الموقف والمناسبة أمر اهتم به مفسروالقرآن الكريم، بمباحثهم المتعلقة بأسباب النزول.
• التناص Intertextuality :
(1) د. عبد الرحمن محمد القعود: الإبهام في شعر الحداثة، ص 177ـ 178
(2)
بناء لغة الشعر: جون كوين، ترجمة د. أحمد درويش، ص 190 ـ 191، [مكتبة الزهراء]
المقصود بهذا المصطلح ((الاستشهاد بالنص؛ أي: الطرق التي يستعملها الناس في الانتفاع بالنصوص المشهورة، أوفي الإحالة إليها)) (1). فموضوع هذا المصطلح ((العوامل التي تجعل استغلال أحد النصوص معتمدًا على معرفة نص سابق أوأكثر من النصوص التي تعرف عليها مستقبل النص في الماضي)) (2). فقد يحتاج مستقبلوالنص ـ لكي يفهموه ـ إلى ((قدر من الألفة مع نصوص سابقة)) (3).
ومصطلح التناص مصطلح عام يشمل ((الأشكال التي يتخذها التفاعل بين النصوص. المعارضات الشعرية، والسرقات الشعرية، والاقتباس، والتضمين)) (4).
أهمية التناص عندهما:
من أكثر الأمور التي اهتم بها أبوالعلاء والتبريزي في باب التماسك النصي ((التناص))، فقد بلغت إشارات أبي العلاء للتناص أكثر من تسعة عشر موضعا (5)، وعند التبريزي أكثر من سبعين موضعا (6).
وتأكيد أبي العلاء والتبريزي على إبراز النصوص المتناصة مع شعر أبي تمام في أكثر من موضع دليل على أن ((كل نص هو امتصاص وتحويل لنص آخر)) (7)، وأن النص ـ كما يقول رولان بارت ـ ((منسوج تماما من عدد من الاقتباسات ومن المراجع
(1) مدخل إلى علم النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص238
(2)
مدخل إلى علم النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص35
(3)
مدخل إلى علم النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص36
(4)
مدخل إلى علم النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص238
(5)
من هذه المواضع عند أبي العلاء: [3/ 56ب9]، [1/ 338ـ 339ب36]، [1/ 348ب11]، [4/ 80ب9]، [2/ 37ب22]، [1/ 192 193ب43]، [1/ 384ب2]، [3/ 61ب2]، [1/ 15ب12]
(6)
من هذه المواضع عند التبريزي: [1/ 223ب14]، [1/ 243ب15]، [4/ 587ب30]، [3/ 91ب16]، [3/ 352ب2]، [1/ 184ب17]، [2/ 182ب61]، [2/ 17ب28]، [2/ 146ب34]، [1/ 318، 319ب23]، [2/ 134ب3]، [4/ 134ب31]
(7)
د. محمد خير البقاعي: آفاق التناصية، 98
ومن الأصداء))، وأن ((أي نص يقع في نقطة التقاء عدد من النصوص، الذي هو في الوقت نفسه إعادة قراءة لها، وتثبيت لها وتكثيف لها وانتقال منها ولها)) (1).
كما أنها أكدت أصالة شعره، فـ ((أكثر المبدعين أصالة من كان تركيبه الفني ذا طبيعة تراكمية على معنى أن الروافد السابقة قد وجدت فيه مصبا صالحا لاستقبالها، ومن الحقائق التي يجب أن نعترف بها أنه لا وجود لمبدع يخلص لنفسه)) (2).
هذا التناص فيه نوع من التكرار، وهذا التكرار في الأبيات ـ على حد قول أبي العلاء ـ ((بعضه شرح لبعض)) (3). والتناص عندهما يسهم في توضيح المعنى، ويمكن الاستناد إليه في فهم المعنى (4).
وقد أطلق أبوالعلاء على هذا التناص مصطلح ((التَّعَلُّق)) (5)، ((البناء)) (6). وتابعه التبريزي في ذلك.
أشكال التناص عندهما: [أ] باعتبار نوع النص المتناص معه:
· تناص مع الآيات القرآنية:
مِن كُلِّ سابِغَةِ الشَبابِ إِذا بَدَت
…
تَرَكَت عَميدَ القَريَتَينِ عَميدا [بحر الكامل]
قال أبوالعلاء: ((عميد القريتين: رئيسهما. وعميد: من قولك عمده الحب إذا ذهب بقلبه، وإنما بنى الطائي هذا الكلام على الآية، وهي قوله عز وجل چ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? چ [الزخرف: 31])) (7).
(1) السابق: 17ـ 18، 69
(2)
د. محمد عبد المطلب: قراءات أسلوبية في الشعر الحديث، ص 162
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 223ب14].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 217ب1].
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 346ب9، 10]، [1/ 143].
(6)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 263ب5]
(7)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 409ب9]، ومن مواضع الأخري للتناص مع الآيات القرآنية عند أبي العلاء:[2/ 157ب16]، [2/ 156ب15]
ومثال ما ذكره التبريزي تناصا مع القرآن قوله عند قول أبي تمام:
أَذكَرتَني أَمرَ داوُدٍ وَكُنتُ فَتًى
…
مُصَرَّفَ القَلبِ في الأَهواءِ وَالفِكَرِ [بحر البسيط]
((هذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى لما ضرب المثل لداود عليه السلام: چ? ? ? ? ?
…
? ? ں ں ? چ [ص: 23])) (1).
· تناص مع أحاديث نبوية: مثال ذلك قول أبي العلاء عند قول أبي تمام:
وبَلاقِعًا حتى كأنَّ قطينها
…
حَلَفُوا يمينا أخلقتك غموسا [بحر الكامل]
((هذا المعنى مبني على الحديث المروي، وهوقولهم: ((الأيمان الكاذبة تترك الديار بلاقعَ)) (2)
…
)) (3).
· تناص مع أبيات شعرية: قال أبوتمام:
بِمَجامِعِ الثَّغرَينِ ما يَنفَكُّ مِن
…
جَيشٍ أَزَبَّ وَغارَةٍ شَعواءِ [بحر الكامل]
قال أبوالعلاء ((شبه الجيش بالأزب، وهوكثير الشعر، وإنما يريد كثرة الرماح، وهذا مأخوذ من قول الأول:
فلوأنا شَهدناكم نصرنا
…
بذي لجَبٍ أزب من العوالي [بحر الوافر])) (4).
· تناص مع الأمثال:
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 437ب2]، وينظر أيضا:[3/ 30ب40 الهامش].و، [3/ 7ب9]، [3/ 204ب11]، [2/ 379ب12].
(2)
- لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ، ولكن ورد في السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني:
((ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع))، وقال معلقا بتعليق طويل: ((أخرجه البيهقي في
((السنن الكبرى 10/ 35)) من طريق المقرئ عن أبي حنيفة عن يحيى بن أبي كثير عن مجاهد وعكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه
…
)). السلسلة الصحيحة 2/ 669، ح:978، [مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1415هـ، 1995]
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 263ب5]، وفي مثل هذه الجزئية للتبريزي:
[4/ 549ب20]، [4/ 497ب21]، [4/ 106]. .
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 15ب12].
لا تُغضِبَنَّكَ مُنهِضاتي إِنَّها
…
مَذخورَةٌ لَكَ في السِّقاءِ الأَوفَرِ [بحر الكامل]
قال التبريزي: ((
…
وقوله: ((مذخورة لك في السقاء الأوفر)) هذا مثل تستعمله العرب، يقولون للرجل إذا فعل شيئا: حقنته في السقاء الأوفر (1) أي: إنك قد وضعته في موضعه واحتفظته)) (2).
· تناص مع أقوال مستعملة:
وَلِذاكَ كانوا لا يُرأَّسُ مِنهُمُ
…
مَن لَم يُجَرَّب حَزمُهُ مرؤوسا [بحر الكامل]
قال التبريزي: ((هذا البيت مبني على قولهم فلان قد آل وإيل عليه؛ أي: ساس وسيس)) (3).
[ب] باعتبار الاتجاه التاريخي للتناص:
· تناص قبلي: أي تناص مع شعر شاعر سابق على أبي تمام، ومثال ذلك:
قال أبوتمام:
لا تُذيلَن صَغيرَ هَمِّكَ وَانظُر
…
كَم بِذي الأَثلِ دَوحَةً مِن قَضيبِ [بحر الخفيف]
قال أبوالعلاء: ((.. والمعنى: لا تذيلن صغير همك؛ أي: لا تهمل نظرك فيه، فإن كان خيرا فإنه يتثمر وتعظم المنفعة به، وإن كان مما يحذر فإنه لا يؤمن أن يغلب ويتفاقم. وهذا المعنى قصده ((نَهْشَل بن حَرِّيّ (4) في قوله:
(1) ينطر مجمع الأمثال للميداني، 2/ 231، رقم: 3598 [تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة السنة المحمدية،1374هـ ـ 1955م]
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 455ب24]، وينظر أيضا في نفس الجزئية:[1/ 305ب26].، [4/ 561ب34]، [1/ 81].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 270ب32]، وينظر أيضا:[3/ 99ب6]، [3/ 326ب20]، [3/ 219ب2]، [3/ 158ب53]، [2/ 182ب61].
(4)
((نهشل بن حري، توفي نحو45 هـ، 665 م، شاعر مخضرم. أدرك الجاهلية، وعاش في الاسلام. أسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم وصحب عليا في حروبه. وكان معه في وقعة ((صفين)) فقتل فيها أخ له اسمه ((مالك)) فرثاه بمراث كثيرة. وبقي إلى أيام معاوية. قال الجمحي: " نهشل بن حري، شاعر شريف مشهور)). الأعلام للزركلي: 8/ 49، ومن الشعراء الذي تناص معهم أيضا غير السابق أبوتمام: الفَرَزْدَقُ أَبُوفِرَاسٍ هَمَّامُ بنُ غَالِبٍ التَّمِيْمِيُّ [توفي 110هـ، ينظر الديوان: 1/ 224ب16]، والشمَّاخ بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني الذبياني الغطفاني [توفي 22 هـ]، والنابغة زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبوأمامة [توفي 18 ق هـ، ينظر الديوان 1/ 385]، وأبوقيس بن الأسلت صيفي بن عامر الاسلت بن جشم بن وائل الاوسي الانصاري [توفي 1هـ، ينظر الديوان 2/ 330]
قالَ الأَقارِبُ لا تَغرُركَ كَثرَتُنا وَأَغنِ شَأنَكَ عَنّا أَيُّها الرَّجُلُ
عَلَّ بَنِيَّ يَشُدُّ اللَهُ أَزرَهُمُ وَالنَّبعُ يَنبُتُ عيدانًا فَيَكتَهِلُ
[بحر البسيط])) (1).
· تناص داخلي: أي تناص في شعر أبي تمام نفسه:
ما عَهِدنا كَذا نَحيبَ المَشوقِ
…
كَيفَ وَالدَّمعُ آيَةُ المَعشوقِ [بحر الخفيف]
قال أبوالعلاء: ((أنكر على نفسه النحيب، ثم قال كيف؟ وكأنه مريد للقاء؛ أي: فكيف لا أنتحب والمعشوق قد بكى؟ وهذا يناسب لقوله:
سَرَت تَستَجيرُ الدَمعَ خَوفَ نَوى غَدِ .... ِ [بحر الطويل]
· تناص بعدي: أي أخذ شاعر بعد أبي تمام لمعنى بيته، مثال ذلك:
بِمَجامِعِ الثَّغرَينِ ما يَنفَكُّ مِن
…
جَيشٍ أَزَبَّ وَغارَةٍ شَعواءِ [بحر الكامل]
قال أبوالعلاء ((شبه الجيش بالأزب، وهوكثير الشعر .. وقد شرح أبوالطيب
هذا المعنى في قوله:
صَدَمتَهُم بِخَميسٍ أَنتَ غُرَّتُهُ
…
وَسَمهَرِيَّتُهُ في وَجهِهِ غَمَمُ (2)[بحر البسيط])) (3).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 120ب14]. ومثال التناص الداخلي عند التبريزي ما ذكره في الموضع 2/ 238ب24
(2)
البيت في ديوان المتنبي، ص 423، [دار صادر، بيروت].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 15ب12] وفي نفس هذه الجزئية قول التبريزي عند قول أبي تمام:
وَقَد تَألَفُ العَينُ الدُجى وَهوقَيدُها
…
وَيُرجى شِفاءُ السَّمِّ وَالسَّمُّ قاتِلُ [بحر الطويل].
((ويشبهه قول المتنبى:
وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى
…
عَدُوًّا لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ [بحر الطويل].)) [3/ 128ب51].
وقال التبريزي عند قول أبي تمام:
وَإِنَّ المَدحَ في الأَقوامِ ما لَم
…
يُشَيَّع بِالجَزاءِ هُوالهِجاءُ [بحر الوافر]
((أخذه ابن الرومي فقال:
إذا ما المدح سار بلا ثواب
…
من الممدوح فهولهُ هجاءُ [بحر الوافر])) (1).
[ج] باعتبار المعنى:
· تناص عكسي أوضدي: أى أن أبا تمام عكس المعنى مع شاعر آخر، ومثال ذلك:
تَرى قَسَماتِنا تَسوَدُّ فيها
…
وَما أَخلاقُنا فيها بِسودِ [بحر الوافر]
قال التبريزي: ((هذا المعنى عكس ما قاله الضبي (2):
كأنَّ دَنانِيرًا علَى قَسماتِهم
…
وَإن كانَ قَد شَفَّ الوُجُوهَ لِقاءُ [بحر الطويل])) (3).
· تناص توافقي: أي وافق فيه أبوتمام غيره. مثال ذلك قول التبريزي عند قول أبي تمام:
وَكانَ بِهِ سَواء حينَ تَهمِي
…
عَزالِيهِ الظَّواهِرُ وَالغُيوبُ [بحر الوافر]
((الظواهر جمع ظاهرة، وهي ما ارتفع من الأرض، والغيوب جمع غيب، وهوما كان منخفضا يوارى ما فيه ويغيبه، والمعنى أن المطر استوت فيه الوهاد والربى، وهو نحو قول عَبِيد ....
فَمَن بِنَجوَتِهِ كَمَن بِمَحفِلِهِ
…
وَالمُستَكِنُّ كَمَن يَمشي بِقِرواحِ [بحر البسيط])) (4).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 441].
(2)
محرز بن المكعبر الضبي: شاعر جاهلي، من بني ربيعة بن كعب الأعلام للزركلي:5/ 284
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 34ب7]،وينظر أيضا قوله:[1/ 387، 388ب9]، [2/ 332ب42]
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 555ب12].، وينظر أيضا:[1/ 270ب15]، [4/ 553ب4]، [3/ 319ب22]، [3/ 160ب7]، [2/ 62ب7]، [2/ 37ب19]، [4/ 520ب6]، [4/ 451ب7]، [4/ 450ب6]، [1/ 387ب8].
• الخلفية المعرفية Background knowledge :
من وسائل التماسك النصي إبراز الخلفية المعرفية للنص لكي يستطيع القارئ متابعته، وهذا ما كان يقوم به أبوالعلاء والتبريزي. ففي اللحظة التي يغمض فيها النص بسبب عدم وضوح الخلفية المعرفية يتدخلان للإيضاح:
ومثال ذلك:
ـ قال أبوتمام:
أَجَل أَيُّها الرَّبعُ الَّذي خَفَّ آهِلُه
…
لَقَد أَدرَكَت فيكَ النَّوى ما تُحاوِلُه [بحر الطويل]
قال أبوالعلاء: ((هذا لايمكن أن يكون إلا على كلام متقدم؛ لأن ((أجل)) في معنى نعم، ولا معنى لقولك هذه الكلمة إلا وقد سبقها كلام من غيرك، فكأنه ادعى أن الربع كلمه وشكا إليه؛ فقال له: أجل أيها الربع)) (1).
ـ قال أبوتمام:
نَورُ العَرارَةِ نَورُهُ وَنَسيمُهُ
…
نَشرُ الخُزامى في اخضِرارِ الآسِ [بحر الكامل]
قال أبوالعلاء ((وإنما ذكر الآس؛ لأنه يوصف بدوام الخضرة)) (2).
ـ قال أبوتمام:
لَوأَنَّ أَسبابَ العَفافِ بِلا تُقًى
…
نَفَعَت لَقَد نَفَعَت إِذًا إِبليسا [بحر الكامل]
((لأنه كان يتعبد مع الملائكة، إلا أنه لم يتق فصارت عاقبة أمره إلى ما كان)) (3).
• الإعلامية أوالإخبارية أوالإعلام Informativity :
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 21ب1].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 249ب21].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 272ب40].
المقصود بالإعلامية ((مدى ما يجده مستقبلوالنص في عرضه من جدة وعدم توقع)) (1). فموضوع هذا المصطلح ((مدى التوقع الذي تحظى به وقائع النص المعروض في مقابل عدم التوقع أوالمعلوم في مقابل المجهول)) (2).
فكلما بعد النص عن المألوف سواء على مستوى التعبير أومستوى التراكيب حقق قدرا أعلى من الإعلامية. ومن العجيب أن أبا العلاء والتبريزي كانا على وعي بما سماه النصيون الإعلامية.
وتظهر الإعلامية عندهما على أشكال، منها:
ـ بيان تردد المعنى عند أبي تمام وعند غيره من الشعراء (3).
ـ بيان الانتقال الاستعاري فقط بدون التنبيه على التفرد:
مثل قول التبريزي عند قول أبي تمام:
عاقَدتُ جودَ أَبي سَعيدٍ إِنَّهُ
…
بَدُنَ الرَّجاءُ بِهِ وَكانَ نَحيفا [بحر الكامل]
((استعار البدن للرجاء؛ وإنما هو للناس)) (4).
ومثل:
إِلى مَلِكٍ لَم يُلقِ كَلكَلَ بَأسِهِ
…
عَلى مَلِكٍ إِلّا وَلِلذُلِّ جانِبُه [بحر الطويل]
قال التبريزي: ((كلكل بأسه: أي: صدره، استعاره للبأس، وأصله للحيوان)) (5).
ـ بيان الانفرادات التي انفرد بها أبوتمام على مستوى الاستعارة أوعلى مستوى المعنى:
مثال ذلك:
(1) مدخل إلى علم لغة النص: د. إلهام أبوغزالة، ص 184
(2)
مدخل إلى علم لغة النص: د. إلهام أبوغزالة، ص 33
(3)
تُنْظَرُ المواضع الآتية: [2/ 296ب2]، [4/ 226ب5]، [3/ 226ب21]، [2/ 245ب2]، [2/ 248ب17]، [2/ 262ب1]، [1/ 314ب10]، [4/ 29ب37].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 381ب17].
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 224ب17] ولمزيد من المواضع في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [3/ 255ب33]، [3/ 197ب19]، [2/ 121ب16]، [2/ 452ب1]، [1/ 134]، [1/ 261ب6][1/ 268ب11]
عُرفٌ غَدا ضَربًا نَحيفًا عِندَهُ
…
شُكرُ الرِّجالِ وَإِنَّهُ لَجَسيمُ [بحر الكامل]
قال التبريزي: ((استعار الضرب للعُرف، ولم يستعمل ذلك قبل الطائي)) (1).
• من وسائل التماسك التي أبرزها أبوالعلاء والتبريزي:
[1]
الضمير:
يلعب الضمير دورا مهما في النص اللغوي؛ إذ يسهم في ((الخفة)) ودفع
((الإلباس)) (2) من ناحية، ومن ناحية ثانية ((يعمل على تلاحم الناتج الدلالي عندما يتردد الدال مشيرا إلى شيء سابق في السياق، سواء أكانت الإشارة إلى سابق ملفوظ أومفهوم، أوقائم على التضمين أوالالتزام)) (3). فبالضمائر ((تتحول الصياغة إلى سبيكة متلاحمة العناصر نتيجة لعوامل الربط الظاهرة والمستترة، المنفصلة والمتصلة، والتي تعمل على تعليق ذهن المتلقي وشغله بما يواجهه من ضمائر)) (4).
والبحث عن ((حركة الضمائر على سطح النص)) من مفاتيح النص الشعري، ومن ((الوسائل الإجرائية أو المفاتيح التي قد تفيد في بعض النصوص)) (5).
وقد عقد ابن هشام بابا في كتابه ((مغني اللبيب)) سماه: ((روابط الجملة بما هي خبر عنه))، وذكر عشرة أنواع لهذه الروابط ((أحدها الضمير وهوالأصل ولهذا يربط به مذكورا كزيد ضربته ومحذوفا مرفوعا نحو:چ ? ? ? چ [طه 63])) (6)
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 292ب27] ولمزيد من المواضع في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [2/ 27ب29]، [3/ 224ب8]، [3/ 58ب4]، [1/ 136]، [2/ 243ب3]، [4/ 546ب3].
(2)
الخصائص: 2/ 193
(3)
قراءات أسلوبية في الشعر الحديث: د. محمد عبد المطلب، ص 143، [الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995]
(4)
قراءات أسلوبية في الشعر الحديث: د. محمد عبد المطلب، ص 143 ـ 144
(5)
د. محمد حماسة عبد اللطيف: الإبداع الموازي، التحليل النصي للشعر، ص177
(6)
مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: ص 647، [دار الفكر، بيروت، ط6، تحقيق: د. مازن المبارك ومحمد على حمد الله، 1985م]
وكان من ديدن أبي العلاء والتبريزي توضيح المرجعية التي تعود إليها الضمائر، إذا أحسا أن القارئ سيتردد في هذا.
قال التبريزي عند قول أبي تمام:
سَقَتهُ ذُعافًا عادَةُ الدَّهرِ فيهِمُ
…
وَسَمُّ اللَّيالي فَوقَ سَمِّ الأَساوِدِ [بحر الطويل]
((الهاء في سقته للربع)) (1).
وقال عند قول أبي تمام:
إِذا تَباعَدَتِ الدُُّنيا فَمَطلَبُها
…
إِذا تَوَرَّدتَهُ مِن شِعبِهِ كَثَبُ [بحر البسيط]
((.. والهاء في شعبه للممدوح)) (2).
وقال عند قول أبي تمام::
سَبَقَت خُطا الأَيّامِ عُمرَيّاتُها
…
وَمَضَت فَصارَت مُسنَدًا لِلمُسنَدِ [بحر الكامل]
((عُمرَيّاتُها: قديماتها، والهاء في عُمرَيّاتُها راجعة على مساعي الممدوح)) (3).
وقال عند قول أبي تمام:
أَنهَبتَ أَرواحَهُ الأَرماحَ إِذ شُرِعَت
…
فَما تُرَدُّ لِرَيبِ الدَهرِ عَنهُ يَدُ [بحر البسيط]
((الهاء في أرواحه: راجعة إلى المنهزم)) (4).
[2]
الإشارية: من روابط الجملة بما هي خبر عنه ـ كما قال ابن هشام ـ اسم الإشارة. والإشارة يمكن أن تحقق ((دورا مماثلا لدور الضمائر (
…
) ومن ثم لاحظنا أن الضمائر واسم الإشارة لهما ذكر كثير في القرآن المكي خاصة)) (5).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 69ب4].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 245ب20].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 50ب24].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 17ب29].
(5)
علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 144
وقد اعتبر د. تمام حسان أسماء الإشارة والأسماء الموصولة قسمين من أقسام الضمائر التي ((تلعب دورا هاما جدا في علاقة الربط؛ فعودها إلى مرجع يغني عن تكرار لفظ ما رجعت إليه ومن هنا يؤدي إلى تماسك أطراف الجملة)) (1).
واعتمد أبوالعلاء على هذا النوع من الربط عند قول أبي تمام:
مَتى يُرعي لِقَولِكَ أَويُنيبُ وَخِدناهُ الكَآبَةُ وَالنَحيبُ
وَما أَبقى عَلى إِدمانِ هَذا وَلا هاتا العُيونُ وَلا القُلوبُ
[بحر الوافر]
((أشار بـ ((هذا)) إلى النحيب، وبـ ((هاتا)) إلى الكآبة)) (2).
[3]
المبتدأ وخبره:
تحدث علماؤنا الأقدمون ـ في باب المبتدإ والخبر ـ عن نوع من التماسك بينهما. و ((نجد سيبويه ـ على سبيل المثال ـ قد تحدث عن التماسك لكن على مستوى الجملة؛ فيتحدث عن قوة التماسك بين المبتدأ والمبني عليه؛ و ((أن المبني عليه هوهو)) أوكما قال المبرد: ((فالخبر هوالابتداء في المعنى)))) (3).
وكانت من وسائل الشرح عند التبريزي أن يذكر العلاقات النحوية بين أجزاء الجملة ومنها علاقات الابتداء والخبرية، ولا يذكر شيئا آخر معتبرا هذا توضيحا وبالتالي تماسكا. قال عند قول أبي تمام:
وَأَنتَ وَقَد مَجَّت خُراسانُ داءَها وَقَد نَغِلَت أَطرافُها نَغَلَ الجِلدِ
(1) اللغة العربية معناها ومبناها: ص 113، ومن الجدير بالذكر أن الضمير Pronoun في اللغة الإنجليزية أحد أجزاء الكلام Parts of Speech ، وهو أقسام عدة، منها:
- Personal pronoun : I ، you ، he ، she
…
- Demonstrative pronoun أسماء الأشارة: this ، these ، that ، those ،
- Relative pronoun الأسماء الموصولة: who ، whom ، which ،
…
.
- The Fact of English ، Dr. Hesham Hasan ، p.196 ينظر:
…
- The lexicon Webster Dictionary : this ، who ، these ،
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 552ب2].
(3)
علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 142
وَأَوباشُها خُزرٌ إِلى العَرَبِ الأُلى لِكَيما يَكونَ الحُرُّ مِن خَوَلِ العَبدِ
لَيالِيَ باتَ العِزُّ في غَيرِ بَيتِهِ وَعُظِّمَ وَغدُ القَومِ في الزَّمَنِ الوَغدِ
وَما قَصَدوا إِذ يَسحَبونَ عَلى المُنى بُرودَهُمُ إِلّا إِلى وارِثِ البُردِ
وَراموا دَمَ الإِسلامِ لا مِن جَهالَةٍ وَلا خَطَإٍ بَل حاوَلوهُ عَلى عَمدِ
فَمَجّوا بِهِ سَمُّا وَصابًا وَلَونَأَت سُيوفُكَ عَنهُم كانَ أَحلى مِنَ الشَهدِ
ضَمَمتَ إِلى قَحطانَ عَدنانَ كُلَّها وَلَم يَجِدوا إِذ ذاكَ مِن ذاكَ مِن بُدِّ
[بحر الطويل]
((أنت: مبتدأ وخبره: ((ضَمَمتَ إِلى قَحطانَ عَدنانَ كُلَّها)))) (1).
[4]
المفعولية:
الفعل ((قال)) يكون ((بمعنى النطق والتلفظ؛ فينصب مفعولا به واحد، نحو: چ ? ? چ [هود 69]، [أو يكون] جملة سدت مسد المفعول به، اسمية كانت، نحو قول الرسول: ((الدين المعاملة))، أو فعلية، نحو: قال أعرابي: ((تصفوالنفوس بسماع الأحاديث الراقية))
…
)) (2). وسد الجملة مسد المفعول به مع الفعل قال فيه نوع تماسك أبرزه التبريزي في قول أبي تمام:
وَغابِطٍ في نَداكَ قُلتُ لَهُ وَرُبَّ قَولٍ قَوَّمتُ مِن ضَلَعِه
نَعَتُّ سَيفًا أَغفَلتُ قائِمَهُ وَظَبيَ قُفٍّ سَهَوتُ عَن تَلَعِه
[بحر المنسرح]
((وهذا البيت في موضع مفعول قلت)) (3).
[5]
البدلية:
البدل في العربية ((يقوم بوظيفة التماسك النصي)) (4).
وقد أشار النحاة إلى أن الغرض الأصيل للبدل هو ((في الغالب تقرير الحكم السابق وتقويته بتعيين المراد، وإيضاحه، ورفع الاحتمال عنه؛ لأن هذا الحكم ينسب
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 121ب17].
(2)
المعجم الوافي في أدوات النحوالعربي: ص 226
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 349ب25] ويُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتي: [2/ 351ب4]
(4)
علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 117
أولا للمتبوع فيكون ذكر المتبوع تمهيدا للتابع الذي سيجيء، وتوجيها للنفس لاستقباله بشوق ولهفة. فإذا استقبلته وعرفته استقبلت معه الحكم وعرفته أيضا؛ فكأن الحكم قد ذكر مرتين؛ وفي هذا تقوية للحكم وتوكيد، ولأجل تحقيق هذا الغرض لا يصح أن يتحد لفظ البدل والمبدل منه إلا إذا أفاد الثاني زيادة بيان وإيضاح)) (1).
ومما أشار إليه النحاة أيضا ((أن البدل في حكم تكرير العامل)) (2). والتكرار ((له أثره الواضح في النص والتواصل، وذلك راجع إلى عملية التخزين والاسترجاع التي تدور في ذهن المرسل والمستقبل للمفاهيم والأحداث التي يدور حولها الخطاب النصي)) (3).
وهذا ما لجأ إليه أبوتمام وأبرزه التبريزي عند قوله:
وَالمَركَبُ المُنجي فَمَن يَعدِل بِهِ يَركَب جَموحًا غَيرَ ذاتِ لِجامِ
يَتبَع هَواهُ وَلا لَقاحَ لِرَهطِهِ بَسلٌ وَلَيسَت أَرضُهُ بِحَرامِ
[بحر الكامل]
((قوله: يتبع هواه، بدل من قوله: يركب جموحا، وهذا بدل الفعل من الفعل، وهو مناسب لبدل التبيين؛ لأن معنى قوله: ((يتبع هواه)) جائز أن يشتمل عليه قوله ((يركب جموحا))، مثل هذه الآية:چ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ?
…
? ? چ [الفرقان 68، 69]؛فجعلچ ٹچ بدلا من چ ٹچ)) (4).
ـ وقوله: ما خَطبُهُ ما دَهاهُ ما غالَهُ
…
ما نالَهُ في الحِسانِ مِن خُرُدِه
السالِباتِ امرَءًا عَزيمَتَهُ بِالسِّحرِ وَالنافِثاتِ في عُقَدِه
[بحر المنسرح]
(1) النحوالوافي: 3/ 665
(2)
النحوالوافي: 3/ 665، هامش 1
(3)
التماسك النصي ودور المعاني النحوية فيه: د. محمد البدري عبد العظيم كامل، ص 174 [رسالة دكتوراه، كلية دار العلوم، 2007]
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 207ب34].
((السالبات: بدل من خرده)) (1).
[6]
لما الظرفية:
من وسائل التماسك التي أبرزها التبريزي ((لَمَّا)) الظرفية الزمانية، والتي من خواصها أنها ((بمعنى حين، مبنية على السكون في محل نصب، وتسمى أحيانا حرف وجود لوجود، وسماها بعضهم حرف وجوب لوجوب؛ ولذا فهي تحتاج إلى متعلق وإلى جملتين في الغالب، وأن يكون فعل كل منهما ماضيا)) (2).
قال أبوتمام:
فَلَمّا تَراءَت عَفاريتُهُ سَنا كَوكَبٍ جاهِلِيِّ السَّناءِ
وَقَد سَدَّ مَندوحَةَ القاصِعاءِ مِنهُم وَأَمسَكَ بِالنافِقاءِ
طَوى أَمرَهُم عَنوَةً في يَدَيهِ طَيَّ السِّجِلِّ وَطَيَّ الرِّداءِ [بحر المتقارب]
((طوى في أول البيت متصل بـ ((لَمّا تَراءَت)) لأن ((لما)) تفتقر إلى فعلين)) (3).
• التماسك الدلالي بلا رابط:
أحيانا يظهر التماسك الدلالي بين بيتين أوأكثر، بحيث تتوقف دلالة بيت سابق على دلالة بيت لاحق أوالعكس؛ فقد يكون ((البيت لشدة تماسكه دلاليا بالذي يليه، خاليين من الروابط اللفظية؛ لكي تربطهما الدلالة)) (4).
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 424ب3]، وتُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتية:[1/ 414،415ب25]، [3/ 44ب44]، [3/ 274ب13]
(2)
المعجم الوافي في أدوات النحوالعربي: د. علي توفيق الحمد، ويوسف جميل الزغبي، ص 286
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 19ب21]، ومما يتصل بأدوات التماسك أيضا بالإضافة إلى ما سبق ((متعلق حرف الجر)) وذلك أنَّ تعلُّقَ حرفِ الجر بالفعل أوما يشبهه هوارتباطه به ارتباطًا معنويًا؛ ليكون من متمِّماتِ ذلك العاملِ وقيوده، تُنْظَرُ المواضع الآتية في هذه الجزئية:[2/ 189ب24]، [2/ 106ب25]، [2/ 44ب3]، [2/ 45، 46ب7]، [2/ 34ب6]
(4)
علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 141
وهذا ما يمكن أن نسميه بالتماسك السياقي الذي عبر عنه عبد القاهر الجرجاني بقوله: ((أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب، حتى يُعلَّق بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض، وتجعل هذه بسبب من تلك)) (1).
وقد صرح التبريزي بأهمية توالي الأبيات في إيضاح بعضها بعضا فقال:
((.. ومثل هذا كثير يتفق في الشعر، يكون البيت يحتمل وجوها، فإذا سمع البيت الذي يليه قصره على واحد من تلك الوجوه)) (2).
وكثيرا ما نقرأ عند التبريزي العبارات التالية: ((والبيت الذي بعده يوضحه)) (3)، وقوله:((وأتبع ذلك بقوله ـ البيت التالي ـ)) (4)، وقوله:((ويقوى هذا البيت الذي بعده)) (5)، وقوله:((والبيت الذي بعده يدل عليه)) (6)، وقوله:((وهذا تفسير قوله ـ الأبيات التالية ـ)) (7)، وقوله:((وقد بين الطائي غرضه بقوله ..)) (8).
ومثال ذلك:
أَلحَقنَ بِالجُمَّيزِ أَصلَكَ صاغِرًا وَالشيحُ يَضحَكُ مِنكَ وَالقَيصومُ
طَبَقاتُ شَحمِكَ لَيسَ يَخفى أَنَّها لَم يَبنِها آءٌ وَلا تَنّومُ
يا شارِبًا لَبَنَ اللِّقاحِ تَعَزِّيًا الصبرُ مَن يَقنيهِ وَالحالومُ
وَالمُدَّعي صورانَ مَنزِلَ جَدِّهِ قُل لي لِمَن أَهَناسُ وَالفَيّومُ
[بحر الكامل]
(1) دلائل الإعجاز ص 55
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 417].
(3)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 97، 98]، [4/ 33ب56]
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 196ب5].
(5)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 357ب5].
(6)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 338ب9].
(7)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 107ب39].
(8)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 158ب3].
قال التبريزي: ((هذه الأبيات كلها كالشرح للبيت الذي فيه ذكر الجميز)) (1).
ـ قال أبوتمام:
غَرَّبَتهُ العُلى عَلى كَثرَةِ النا سِ فَأَضحى في الأَقرَبينَ جَنيبا
فَليَطُل عُمرُهُ فَلَوماتَ في مَر ومُقيمًا بِها لَماتَ غَريبا
[بحر الخفيف]
((تفسير لقوله: ((فَأَضحى في الأَقرَبينَ جَنيبا)))) (2).
…
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 427ب10، 11، 12].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 162ب18]، وينظر أيضا:، [2/ 149ب10].