الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: ترجمة أبي تمام
(1) اسمه ولقبه ومولده:
هو حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس الطائي، من حوران، من قرية جاسم (1)، وفي الأغاني:((من نفس طيئ صليبة، مولده ومنشؤه منبج، بقرية منها يقال لها جاسم)) (2).
ولد أبوتمام في سنة 188هـ، أو190هـ، في أيام الرشيد، ((وكان أولا حدثا يسقي الماء بمصر (3)، ثم جالس الأدباء، وأخذ عنهم، وكان يتوقد ذكاء، وسحَّت قريحته بالنظم البديع)) (4). أسلم وكان نصرانيا، مدح الخلفاء والكبراء، وكان أسمر طوالا، فصيحا، عذب العبارة مع تمتة قليلة، يوصف بطيب الأخلاق، والظرف والسماحة. وكان ابن وهب قد اعتنى بأبي تمام، وولاه بريد الموصل، فأقام بها أكثر من سنة. وأبوتمام ((يعد رأس الطبقة الثالثة من الشعراء المحدثين)) (5). ومن الألقاب التي أطلقت عليه ((الطائي الكبير)) (6)، ((المُوَلَّد)) (7).
(2) مكانته وشعره:
(1) سير أعلام النبلاء: الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي [11/ 63 ـ64]، (تحقيق شعيب الأرنؤوط، وصالح السمر ـ مؤسسة الرسالة، ط1 1982).
(2)
الأغاني: لأبي الفرج الأصفهاني [16/ 383]، (تحقيق: مصطفى السقا، 1961، دار الكتب)
(3)
رد الأستاذ مصطفى صادق الرافعي هذا الخبر، وقرر أن الشاعر العظيم لم ينشأ بمصر، وأنه ولد وتأدب في الشام، ثم قدم إلى مصر (210هـ) شاعرًا ناشئا يتكسب بأدبه؛ فأقام بها بين خمس سنين وست، وخرج منها في سنة 215هـ أوحواليها. (وحي القلم:[3/ 342، 343، 346]، مكتبة الأسرة 2003).
(4)
سير أعلام النبلاء: [11/ 64].
(5)
قصص العرب: محمد أحمد جاد المولى وآخرون [1/ 408]، (سلسة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة رقم 176، 2009).
(6)
الخصائص: لأبي الفتح عثمان بن جني [1/ 15 الهامش 2](تحقيق محمد علي النجار، سلسة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، رقم 146، 2006)، والبحتري هوالطائي الصغير.
(7)
الخصائص: [2/ 480]، وكفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب: ضياء الدين بن الأثير، ص 113، (تحقيق د. النبوي عبد الواحد شعلان، ط 1، الزهراء للإعلام العربي، 1994).
يعد أبوتمام رأس الطبقة الثالثة من الشعراء المحدثين، وإليه انتهت معاني المتقدمين والمتأخرين، فهو ((شاعر مطبوع، لطيف الفطنة، دقيق المعاني، غواص على ما يستصعب منها، ويعسر متناوله على غيره)) (1)؛ فـ ((شعره في الذروة)) (2).
وكان أبوتمام ((كثير الاختراع والتوليد عند جمهور من علماء الشعر خلافا للقاسم ابن مَهْرُويه)) (3)، ((لاقطا للمعاني الجميلة)) (4).
وقد فضَّلَ أبا تمام من الرؤساء والكبراء والشعراء من لا يشق الطاعنون عليه غباره، ولا يدركون ـ وإن جدوا ـ آثاره، وما رأى الناس بعده ـ إلى حيث انتهوا ـ نظيرا ولا شكلا (5).
واحتج بشعره بعض أئمة النحو واللغة، قال ابن جني: ((
…
ولا يستنكر ذكر هذا الرجل (أبي تمام) ــ وإن كان مولدًا ــ في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه، ولطف متسربه؛ فإن المعاني يتناهبها المتقدمون. وقد كان أبوالعباس (6) ـ وهوكثير التعقب لجلة الناس ـ احتج بشيء من شعر حبيب بن أوس الطائي في كتابه الاشتقاق؛ لما كان غرضه فيه معناه دون لفظه، فأنشد فيه له:
لَورَأَينا التَّوكيدَ خُطَّةَ عَجزٍ
…
ما شَفَعنا الأَذانَ بِالتَّثويبِ [بحر الخفيف]
وإياك والحنبلية؛ فإنها خلق ذميم، ومطعم على علاته وخيم)) (7).
(1) الأغاني: [16/ 383].
(2)
سير أعلام النبلاء: [11/ 64].
(3)
كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب: 131 ــ132.
(4)
أورد صاحب الأغاني قوله: ((مر أبوتمام بمخنث يقول لآخر: جئتك أمس، فاحتجبت عني، فقال له: السماء إذا احتجبت بالغيم رجي خيرها؛ فتبينت في وجه أبي تمام أنه قد أخذ المعنى ليضمنه في شعره؛ فما لبثنا إلا أياما حتى أنشدت قوله:
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا
…
إن السماء ترجى حين تحتجب)) [16/ 693].
(5)
الأغاني: [16/ 384].
(6)
يريد المبرد محمد بن يزيد، الإمام في اللغة والنحووالأخبار، وكانت وفاته سنة 285هـ.
(7)
الخصائص: [1/ 24].
وقد كان البحتري يرفع من شأن أبي تمام، ويقدمه على نفسه ويقول:((ما أكلت الخبز إلا به، وإني تابع له)) (1).
وكان الصولي من المتيمين بأبي تمام؛ فقال فيه: ((كان واحد عصره في ديباجة لفظه، وفصاحة شعره)) (2). وقال: ((إن أبا تمام أشعر أهل زمانه)) (3). وقال: ((إن أبا تمام اخترم، وما استمتع بخاطره، ولا نزح ركي فكره، حتى انقطع رشاء عمره)) (4). وقال له ذات مرة: ((يا أبا تمام، أمراء الكلام رعية لإحسانك)) (5).
وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الشاعر الأموي المشهور بعد استماعه لقصيدة لأبي تمام: ((كمل والله، لئن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني، واطراد المراد، واتساق الكلام، فإن صاحبكم هذا أشعر الناس)) (6).
وذكر كارل بروكلمان أن ((أبا الفرج الأصفهاني سماه أمير الشعراء، وأشاد أحمد زكي أبوشادي في كتابه: ((فوق العباب)) بقوة شاعريته، وأبدى أسفه لعدم بذل العناية الواجبة في الكشف عن نواحي عبقريته)) (7).
وكان ابن خلدون يشير إلى أهمية شعر أبي تمام لمن يروم تعلم اللسان العربي (8).
وثار جدل في أمره وأمر المتنبي أيهما أشعر، فـ ((الأذكياء على أن المتنبي أشعر، والشيخ أثير الدين مذهبه أن أبا تمام أشعر؛ فلوعُمِّر عمر المتنبي، وتأخر زمانه حتي يرى أقوال من تقدمه كان أشعر من المتنبي؛ لأن المتنبي تقدمه فحول
(1) سير أعلام النبلاء: [11/ 65].
(2)
سير أعلام النبلاء: [11/ 68].
(3)
الأغاني: [16/ 384].
(4)
الأغاني: [16/ 384].
(5)
الأغاني: [16/ 384].
(6)
الأغاني: [16/ 385].
(7)
تاريخ الآداب العربية: [2/ 73 ـ 74]، (ترجمة د. عبد الحليم النجار، دار المعارف).
(8)
المقدمة: لعبد الرحمن بن خلدون [3/ 1169]، (تحقيق د. علي عبد الواحد وافي، مكتبة الأسرة 2006)