الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد: أهمية الحديث عن المنهج والوقوف على مناهج العلماء
.
إن الحديث عن مناهج العلماء والمفكرين في كتاباتهم وأقوالهم ليس من باب العبث الفكري، ولا من قبيل الثقافة الذهنية المجردة، بل هو حديث من الأهمية بمكان. وهو أمر يجب أن يتجه إليه الباحثون في مختلف الفنون؛ إذ أن ((الكشف عن هذه المناهج لدى مفكري الإسلام تعتبر في رأينا ـ بالإضافة إلى قيمته التاريخية ـ أفضل مدخل للتراث الإسلامي في جملته. فهو الذي يوضح الخطوات القياسية أو الاستقرائية التي اتبعها المفكرون والعلماء المسلمون في مختلف أوجه النشاط التي مارسوها)) (1).
وقد أقر علماؤنا ونصوا على أن هناك ((مناهج خفية)) سن لنا ((آباؤنا وأسلافنا طرقها)) (2)؛ يجب التنقيب عنها وتجليتها.
وقد يكون من أوجه القصور التي يمكن أن توجه لنا ـ نحن الباحثين ـ عدم الوقوف على مناهج العلماء والمفكرين. فها هو الشيخ محمود شاكر يحدثنا عن تجربته التي قاساها وعانى لايَها في سبيل تحديد منهج يتذوق به الكلام العربي، وكيف أنه قام بتطبيق هذا المنهج على كتابه ((المتنبي)) الذي كان مفاجأة مثيرة لجمهرة الأدباء والقارئين، وذلك لأنه ـ كما يقول ـ ((مكتوب على منهج وجدوه فريدا متميزًا، مباينا مدبه كل المباينة لجميع المناهج الأدبية المختلفة المألوفة)) (3).
ثم نجده يُنْحي باللوم، ويشد بالنكير على هؤلاء الذين لم يجدوا من وقتهم ((ساعات للتأمل والأناة والصبر، للبحث عن هذا المنهج الغريب غير المألوف الذي وجدوه
(1) د. حامد طاهر: الفلسفة الإسلامية مدخل وقضايا، ص37، بدون بيانات أخرى.
(2)
محمود محمد شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص15، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1997م.
(3)
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص17
أمامهم مطبقا في كتاب كامل، وأحس به كل منهم إحساسا خفيا دعاه إلى المعارضة أو الثناء. وهذا خذلان كبير، غفر الله لنا ولهم، وتجاوز عن سيئاتنا وسيئاتهم)) (1).
وعدم الالتفات إلى هذا المنهج، وعدم الوقوف عليه جعله يقول في موضع آخر:((فهذا، كما ترى، منهج متشعب مطبق على أصناف الكلام العربي، قراءة له أو بيانا عنه. وببديهة العقل لم يكن من عملي، ولا هو من عمل أي كاتب مبين عن نفسه، أن يبدأ أول كل شيء فيفيض في شرح منهجه في القراءة والكتابة = وإلا يفعل، كان مقصرا تقصيرا لا يُقبل منه بل يُرد عليه = ثم يكتب بعد ذلك ما يكتب ليقول للناس: هذا هو منهجي، وهاأنذا قد طبقته. هذا سخف مريض غير معقول، بل عكسه هو الصحيح المعقول، وهو أن يكتب مطبقا منهجه، وعلى القارئ والناقد أن يستشف هذا المنهج ويتبينه، محاولا استقصاء وجوهه الظاهرة والخفية، مما يجده مطبقا فيما كتب الكاتب)) (2).
إن البحث عن مناهج العلماء المختلفة والوقوف عليها يقودنا إلى نفس الثمرة التي يسعى إليها الفيلسوف المنهجي ((الذي يتجاوز حدود التخصص المعين، ويستقرئ المناهج المختلفة للعلوم محاولا الاتجاه نحو التعميم، حتى يقدم لنا صورة إجمالية للمناهج التي يسلكها العقل الإنساني، للكشف عن حقيقة العلوم)) (3).
كما أن الوقوف على مناهج العلماء والمقارنة بينها يمكن من الحصول على منهج ((متفق عليه)) لتفسير النصوص الأدبية منها وغير الأدبية، والوقوف على فهم سليم لها.
****
(1) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص 17
(2)
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص 20، 21
(3)
د. عبد اللطيف محمد العبد، دراسات في الفلسفة الإسلامية ص191، مكتبة النهضة الإسلامية، 1979م