الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل علم بطرف، ومن كل فن بلمحة، ومن كل تخصص بنبذة، ويوفق بين الجميع توفيقا تاما، وينسق بين أجزاء الشرح بانسجام يشعر بالتكامل والترابط. [ذلك] المنهج الذي يحقق ويوثق ويصحح ما توصل إليه العلماء السابقون بعضهم من بعض، ويمحص ويميز ويقارن ويفاضل بين الآراء جميعًا)) (1).
ذلك المنهج ((حصري نقلي مزجي استقرائي انتخابي تهذيبي تنسيقي توفيقي تكميلي تحقيقي، لا يظهر فيه شخصية صاحبه إنما الذي صنيعه، جمعه، سرده، استحسانه، انتخابه، انتقاؤه، ويظهر كذلك سعة صدره، وطول جلده وصبره)) (2).
إن صورة الشارح في هذا المنهج ((تكاد تكون غائبة، فلا يظهر في شرحه لون تخصصه، ولا نوع اهتمامه، ولا مذهبه العلمي ولا أسلوبه ولا تفكيره)) (3).
لقد كان أحد ((الجَمَّاعين المكمِّلين المهذِّبين المحقِّقين المصفِّين لحصيلة التراث التفسيري الذي وضع في الشعر الجاهلي
…
لذلك لم يظهر في شروحهم إلا نتاج السابقين، فلا استقلالية في التعبير، ولا تفرد في التفكير، ولا عبقرية في الفهم؛ لأن عملهم إعادة من أجل الإفادة، وتكرار لأفكار العلماء الكبار)) (4).
…
·
الملحوظة الثالثة:
إن الاتفاق بين التبريزي وأبي العلاء، وكون التبريزي إمام ((المنهج الانتخابي التهذيبي التكميلي)) لا يمنع من مخالفته لأبي العلاء في بعض المواضع.
وفي الحقيقة أن المواضع التي خالف فيها التبريزي أبا العلاء قليلة، وهذا الخلاف في تلك المسائل يعود إلى اختلافهما في سيطرة أصل من الأصول النحوية
(1) شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري، 271
(2)
شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري 273
(3)
شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري 274
(4)
شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري 274، وقد ناقشنا هذه الآراء ص 52
التي يعتمدان عليها، فأبوالعلاء يميل إلى ((اطراد القياس)) (1)، أما التبريزي فيميل إلى ((الاقتصار على السماع))، فهويفضل السماع على القياس.
قال التبريزي: ((وهم يجتنبون أن يبنى فعل التعجب على ((أَفْعَلَ)) في التفضيل، إلا في أشياء مسموعة. وقد ذهب بعضهم إلى أن ذلك قياس مطرد في كل فعل ماض على ((أفعل))؛ والأخذ بالسماع أحسن)) (2).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
ما خالِدٌ لي دونَ أَيّوبٍ وَلا
…
عَبدُ العَزيزِ وَلَست دونَ وَليدِ [بحر الكامل]
((.. و ((وليد)): يعنى به الوليد بن عبد الملك؛ فحذف الألف واللام، وهوجائز، وقد استعمل ذلك الطائي كثيرًا في مواضع، وهوجائز إلا أن تركه أحسن)) (3).
وكمثال على هذا الاختلاف أن أبا العلاء ـ في أمر مد المقصور ـ لا يَقْصُرُ مد المقصور على ضرورة الشعر فقط بل يجيزه في النثر أيضا.
قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
هَذا أَمينَ اللَهِ آخِرُ مَصدَرٍ
…
شَجِيَ الظِّماءُ بِهِ وَأَوَّلُ مَورِدِ [بحر الكامل]
((
…
مد الظماء، وهومهموز مقصور، وذلك جائز، إلا أن ترك المد أحسن، وهوفي الشعر أسوغ منه في الكلام المنثور)) (4).
بل إن أبا العلاء يشير إلى أن القياس يسمح بذلك. قال عند قول أبي تمام:
أَمُحَمَّدَ بنَ سَعيدٍ ادَّخِرِ الأُسى
…
فيها رُواءُ الحُرِّ يَومَ ظمائِهِ [بحر الكامل]
(1) أكد هذه الحقيقة د. جمال محمد طلبة في كتابه: ((الفكر اللغوي عند أبي العلاء المعري في ضوء علم اللغة الحديث))، ص: 81، [الكتاب بدون بيانات]
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 38ب27].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 395ب39].
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 54 ـ 55 ب41].
((ومد الظماء وهومهموز مقصور
…
وقد فعل ذلك في غير هذا الموضع، والقياس يطلق ذلك، وما هوأشد منه)) (1).
وعلى العكس من ذلك نجد التبريزي يقول عند قول أبي تمام:
قَد كِدتُ أَن أَنسى ظِماءَ جَوانِحي
…
مِن بُعدِ شُقَّةِ مَورِدي عَن مَصدَري [بحر الكامل]
((والأشبه أن يكون مد الظماء؛ لأنه تكرر في شعره ممدودًا؛ وذلك رديء؛ لأنه قليل في المستعمل)) (2).
****
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 37].
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 456ب26].