الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قول مُتقدم، وقد أجاز المتأخرون فلان أفضل إخوته، أى: أفضل الإخوة الذين هومنهم، والإضافة يتسع فيها جدًّا، وإلى قول من أجازه أذهب)) (1).
ونختم كلامنا عن علاقة أبي العلاء بالنحو بالحديث عن بعض مظاهر الإبداع النحوي عنده. هذا الإبداع الذي تمثل فيما سماه د. محمد الطويل بـ ((الأدوار المسرحية))، فالقارئ مثلا ((لرسالة الصاهل والشاحج يعجب كثيرا لهذه الأدوار المسرحية التي أدارها أبو العلاء عن أبواب النحو بصورة لم تعرفها العربية قبله ولا بعده)) (2).
ومن خلال هذه الأدوار المسرحية ربط بين ((الواقع))، وبين ((النحو)). ويمكن أن نذكر مثالا لذلك قوله في رسالة الصاهل والشاحج، يقول:((وينبغي للحازم في الشدائد أن يكون مثل الهمزة، يخالق النفر بما يريدون، ويسكت على ضمائر النفس فإنه لا يقضي المأربة باللسان. وليس في الحروف حرف أكثر مسامحة من الهمزة، ألا تراها إذا كانت ساكنة في مثل رأس وبؤس وذئب، فبلغت ما تستحقه من الهمز فهي كالحروف الصحاح، ويجوز أن تقول في القوافي: ((رئم)) مع سهم،
و ((سؤل)) مع جُمل، فإذا اتفق لها أن تصاحب في القوافي حروف اللين صارت ألفا في شام، وياء في ريم، وواوا في بوس وسول، فجرت مع: رام، وجول، وهيم، وهي في ذلك غير جارة للعيب، بل قد أدت حق الحروف الصحيحة في حسن العشرة وتكلفت لحروف اللين ما ليس هو لها أصلا في الحقيقة)) (3).
وما أجمل هذه الطريقة في توصيل المعلومات النحوية للناشئة بطريقة شائقة تثبت المعلومات في الأذهان.
…
ثانيا النحو عند التبريزي:
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 371، 372ب9].
(2)
مشكلات نحوية: ص 167
(3)
رسالة الصاهل والشاحج:496 تحقيق: د. عائشة عبد الرحمن، ط2، دار المعارف 1984م
تحامل كثيرون على التبريزي واتهمه بعض الباحثين أنه بلا مذهب نحوي معين. فها هو الدكتور فخر الدين قباوة لم يجد بين يديه ما يعين على تحديد مذهبه، ويرى أن هذا راجع إليه ((فهو في مصنفاته لم يبد ما يشجع على الجزم في مثل هذا الموضوع؛ لأنه كان ينقل أقوال أسلافه وأحكامهم برمتها؛ فتطغى شخصياتهم المذهبية على شخصيته، ولا تبقى لها حدود متميزة واضحة المعالم. ولما كانت تلك الأقوال منقولة عن علماء مختلفي النزعات والمذاهب فقد لبث التبريزي في مصنفاته متنقلا بين وجهات من النظر متعددة، ولهذا نراه أحيانا مع مذهب البصريين وحينا مع مذهب الكوفيين، وآونة مع مدرسة بغداد، وطورا مع جميع المذاهب)) (1).
هذا الاعتراض من قبل د. فخر الدين قباوة ويؤيده في هذا د. سليمان الشطي، ود. أحمد جمال العمري اعتراض يقبل المناقشة، وأرى فيه تحاملا على التبريزي. فعدم تحديد مذهب نحوي معين أمر ليس التبريزي بدعا فيه دون غيره، فقد سبقه أستاذه أبو العلاء في ذلك، وسبقهما ابن جني كما أثبتنا من قبل.
كما أن النص السابق يخلط كثيرا من الأوراق ببعضها؛ فمن المعروف أن المدرسة البغدادية تقوم على الانتخاب من المدرسة البصرية والكوفية ولم تكن المدرسة البغدادية مدرسة مستقلة.
وفوق كل هذا نجد للتبريزي في ثنايا شرحه ما يدل على قبوله لآراء معينة ودفعه لآراء أخرى، ومثال ذلك قول التبريزي عند قول أبي تمام:
وَبَيَّتَّ البَياتَ بِعَقدِ جَأشٍ
…
أَشَدَّ قُوًى مِنَ الحَجَرِ الصَّلودِ [بحر الوافر]
((
…
ومن روى: ((أَمَرَّ قوًى)): فالمعنى أشدَّ إمرارًا؛ أي: فتلا، و ((أَشَدّ قُوًى)) أجود الروايتين؛ لأن المعروف أمررت الحبل بالهمز، وهم يجتنبون أن يبنى فعل
(1) شرح القصائد التسع المشهورات: 2/ 681، نقلا عن: د. سليمان الشطي: المعلقات وعيون العصور، ص105، عالم المعرفة، ع 380، سبتمبر 2011م، الكويت.
التعجب على ((أَفْعَلَ)) في التفضيل، إلا في أشياء مسموعة. وقد ذهب بعضهم إلى أن ذلك قياس مطرد في كل فعل ماض على ((أفعل))؛ والأخذ بالسماع أحسن)) (1).
بل إننا في بعض الأحيان نجده يخالف الجمهور في بعض الآراء، من ذلك مثلا القول بمصدرية ((لو)) فقد ((أثبت مصدريتها الفراء، والفارسي والتبريزي، وأبو البقاء، وابن مالك، ومنعه الجمهور)) (2).
ووقوف الباحث على مفهوم جديد للبنية الصرفية عنده لم يجده عند غيره (3). ومخالفته لأستاذه أبي العلاء في تفضيل السماع على القياس.
ولم يكتف د. سليمان الشطي باتهام التبريزي بعدم المذهبية، بل رماه بالسرقة، فقال:((نعم، يحمد له دوره وهدفه وأن المنهج الذي رسمه واستطاع تحقيق أهم جوانبه مقبول وجيد والنتيجة وافية بالغرض، ولكن الاعتراض ينصب على الكيفية التي حقق بها هدفه، فمن حقه في مجال التعليم الاستعانة بالجهود السابقة ليقدمها إلى المتعلمين، ولكن لم يقل أحد إن الاستفادة من معلومات الآخرين تعني النقل المباشر بالعبارات نفسها والألفاظ ذاتها من دون إشارة تذكر. فالفرق واضح بين الاستعانة المشروعة بكل الجهود والسرقة الواضحة المكشوفة أو على الأقل التصرف في مؤلفات الآخرين)) (4).
وهذا كلام مردود، ويكفينا للرد عليه قول الإمام الذهبي ـ إمام الجرح والتعديل بلا منازع عند علماء الحديث فضلا عن أنه من أكابر المؤرخين ـ فيه بأنه ((إمام اللغة))،
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 38ب27]، وينظر أيضا الأصول النحوية عند التبريزي: السماع.
(2)
السيوطي: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 1/ 279، تحقيق وشرح د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية 1975م، الكويت
(3)
ينظر ص 163
(4)
المعلقات وعيون العصور، ص103
وقول ياقوت والسيوطي عنه: ((أحد الأئمة في النحو واللغة والأدب، حجة صدوقًا ثبتًا)) (1).
ثم، هل نقل عبارات العلماء كما هي نوع من السرقة؟! وهل كان التبريزي ينقل بدون أن ينسب الكلام؟! أظن أن في هذا الكلام شطط كبير، ولا أبلغ في الرد عليه من قول د. محمد عبده عزام محقق ديوان أبي تمام بشرح التبريزي إذ يقول:
((ومهما يكن الرأي في الخطيب التبريزي، فإنه بهذا الشرح قد قدم للمتأدبين عملا جليلا خالدا؛ إذ جمع شعر أبي تمام من أوله إلى آخره، ثم نظر في شروح شراحه، ثم اختار من هذه الشروح، وضمها كتابه، ناسبا كل قول لقائله غالبا، فجاء حاويا لآراء هؤلاء الشراح جميعا)) (2).
ثم هل كانت التبريزي ينقل كل ما يقع تحت يديه أم كان يختار؟ فإذا كانت الإجابة الواضحه أنه كان يختار، فعلى أي أساس كان يختار؟! لابد أنه كان يختار ما يوافق عليه، ويوافق مذهبه.
****
(1) تراجع ترجمة التبريزي، الجزئية 3
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: 1/ 27