الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((.. ((تَقَرّا)): يحتمل وجهين: أن يكون من تَقَرّى الشيء؛ إذا تتبعه، فهذا غير مهموز، والآخر أن يكون من تقرا القرآن؛ إذا طلب حفظه، وتشبه بالقراء، فهذا أصله الهمز، وحمله على هذا الوجه أليق)) (1).
ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
وَلَرُبَّما استَبكَتهُ نَكبَةُ حادِثٍ
…
نَكَأَت بِباطِنِ صَفحَتَيهِ نُدوبا [بحر الكامل]
((و [أشكته] (2) .. أحوجته إلى الشكية، وقد يكون في معنى أزالت شكيته، وهذه الكلمة تذكر في الأضداد، والبيت يحتمل المعنيين إذا لم يُشْفَع بالبيت الثاني، وحمله على إزالة الشكاية أحسن في حكم الشعر؛ لأن المراد أنه يصبر على النكبات؛ فيعقب صبره خيرا ونجحا، وهذا المعنى يتردد في شعر الطائي وغيره)) (3).
ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
ماذا عَسَيتَ وَمِن أَمامِكَ حَيَّةٌ
…
تَقِصُ الأُسودَ وَمِن وَرائِكَ عيسى [بحر الكامل]
((.. وهذا البيت يدل على أن ((عيسى))، مراد به اسم هذا الرجل، وكونه في معنى المسيح معنى صحيح، وهوأبلغ في المدح)) (4).
…
ـ
العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره:
كان أبوالعلاء يوظف خصائص البيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان، وكانت خصائص تلك البيئة المستقرة نسبيا والموجودة في عصره بمثابة المعيار الذي يلجأ إليه في شرح الديوان؛ بمعنى أن تلك الخصائص كانت ((المعيار))
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 214ب4].
(2)
هذه رواية أبي العلاء، أما رواية التبريزي: استبكته، كما هومثبت في البيت.
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 563ـ564ب5].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 271ب35].، وبقية هذه المواضع في ديوان أبي تمام:[2/ 238، ب9]، [2/ 329، ب31]، [2/ 424، ب4]، [3/ 41، ب32]، [3/ 49، ب2].
أو ((المستوى)) الثابت الذي يلجأ إليه، ويسجل على هديه في شرحه مدى اقتراب أبي تمام أوابتعاده عنه.
وقبل المضي في توضيح الكلام السابق يرى الباحث أنه من الواجب تقديم تصور أبي العلاء للغة الذي اعتمد عليه في شرحه.
اللغة عند أبي العلاء:
يحاول البحث هنا استجلاء طبيعة اللغة عند أبي العلاء، وذلك من خلال دراسة النصوص المتفرقة التي جمعها الباحث من خلال دراسته للديوان.
من خلال تلك النصوص نقول: إن نظرة أبي العلاء للغة كانت تنقسم إلى قسمين:
• قسم أطلق عليه ((لغة العامة)) (1).
• وقسم أطلق عليه ((لغة أهل العلم وأهل اللغة))، أولغة ((الطبقة الراقية)) (2).
أما القسم الأول الذي يمثل لغة العامة فقد قال عنه يوهان فك: ((هي لهجة دارجة بين سواد الشعب العريض)) (3)، لهجة ((تتفاهم بها الطبقات الوسطى والدنيا من سكان المدن منذ نشوئها في عصر الفتوحات الإسلامية الأولى وقد أخذت هذه العربية المولدة تكتسب مناطق جديدة بسبب التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية)) (4)
ومن أمثلة هذا القسم قول أبي العلاء:
(1) تلك اللغة سماها يوهان فك في كتابه ((العربية، دراسة في اللغة واللهجات والأساليب)):
((اللهجة الدارجة))، ص93، و ((العربية المولدة)) (ص 109)، [ترجمة د. رمضان عبد التواب، ط1، 1980، الخانجي]، وسماها الجاحظ:((لغة المولدين والبلديين)). [ضحى الإسلام: أحمد أمين، 1/ 313 ـ 314، (ط مكتبة الأسرة 1997 م)]، ونستأنس هنا بإشارة الأستاذ أحمد أمين عن هذه اللغة حيث قال:((إنها لغة لها ألفاظ غير منتقاة، وتتسامح في الإعراب، وتميل إلى إسكان أواخر الكلمات)).
(2)
كما سماها يوهان فك: ص 109
(3)
العربية، دراسات في اللغة واللهجات والأساليب:: ص 93
(4)
العربية، دراسات في اللغة واللهجات والأساليب:: ص 109
ـ ((وطَيْبَة: اسم من أسماء النساء أيضا مخفف من طَيّبة. فأما قول العامة: الطِّيبة في مصدر الشيء الطيِّب؛ فأهل اللغة ينكرون ذلك، ويختارون حذف الهاء؛ فيقولون: هذا شيء طيب بين الطيب)) (1).
وأبوالعلاء يقر أن للغة العامة استعمالها الخاص، وأنها لغة لها ألفاظها الخاصة، ولها ألفاظ مشتركة بينها وبين لغة أهل العلم واللغة، ولكنها ذات دلالات خاصة عندها، ولها أيضا أساليبها.
يقول أبوالعلاء: ((جاء بـ (الإشلاء) في معنى الإغراء، وكذلك تستعمله العامة، يقولون: أشليت الكلب إذا أغريته)) (2).
ـ ويقول: ((.العامة يقولون دابة أشعل (
…
) وأهل العلم يذكرون ذلك في الذنب خاصة)) (3).
ـ ويقول: ((والعامة يسمون ضربا من النبت إذا أصاب الجسد أذي به قراصا؛ كأنهم أخذوه من القرص باليد)) (4).
ـ ويقول: ((قال أبوتمام:
لَوكانَ كَلَّفَها عُبَيدٌ حاجَةً
…
يَوماً لَأُنسِيَ شَدقَمًا وَجَديلا [بحر الكامل]
((هذا البيت يختلف في روايته، وكان الناس ينشدون في أول الأمر (لزنَّى شدقما وجديلا)؛ فاستضعفوا هذه الكلمة؛ لأنها عامية فغيرت بغيرها)) (5).
ـ ويقول: ((قال أبوتمام:
ذَهَبَت بِمَذهَبِهِ السَّماحَةُ فَالتَوَت
…
فيهِ الظُّنونُ أَمَذهَبٌ أَم مُذهَبُ [بحر الكامل]
وقوله: (أمذهب أم مذهب) من قول العامة: بفلان مذهب إذا كان يلج في الشيء ويغرى به)) (6).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 12].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 344].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 411].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 452].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 70].
(6)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 129].
ـ ويقول: ((والمعروف في الحدائق أن تستعمل في النخل والكرم، ولا يمتنع أن يعني بالحدائق التي هي معروفة عند العامة)) (1).
ـ ويقول: ((وبعض أصحاب اللغة يزعم أن الصلف الذي تضعه العامة موضع التيه كلمة مولدة)) (2).
ـ ويقول: ((قال أبوتمام:
نَعاءِ إِلى كُلِّ حَيٍّ نَعاءِ
…
فَتى العَرَبِ احتَلَّ رَبعَ الفَناءِ [بحر المتقارب]
العامة يثبتون الياء في بيت الطائي، كأنهم يعتقدون الإضافة، وذلك ردىء جدا في القياس)) (3).
أما لغة أهل العلم فهي تلك اللغة التي وصفها يوهان فك فقال إنها: ((لغة الطبقة الراقية (
…
) احتفظت بالتصريف الإعرابي، وبقواعد الإعراب والتصريف احتفاظا تاما، ولم تزل من حيث بناؤها الحقيقي ـ على الرغم من السمات المولدة ـ تعد من اللغة الفصحى)) (4).
أما لغة أهل العلم، أوأهل اللغة، أولغة الطبقة الراقية فإنها ((كلام)):
1.
منه الفصيح ومنه غير الفصيح.
2.
ومنه القديم (الذي انتهى استعمال بعضه)، ومنه الحديث المولد.
3.
ومنه الجيد، ومنه غير الجيد.
ودليل ذلك قول أبي العلاء:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 24].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 364].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 6].
(4)
العربية، دراسات في اللغة واللهجات والأساليب: ص 109
ـ ((يقال: هَمَرَ كلامه همرا، إذا جاء بكلام كثير، وأفصح الكلام أن يقال: أرْتَجَ الباب إذا أغلقه)) (1).
ـ وقوله: ((وقال: (كم تعذلون)؛ فخرج من خطاب الواحد إلى خطاب الجميع، ومثله كثير في القرآن والكلام القديم)) (2).
ـ وقوله عند قول أبي تمام:
وَمِثلُ قُوى حَبلِ تِلكَ الذِّراعِ كانَ لِزازًا لِذاكَ الرِّشاءِ [بحر الكامل]
((وحبل الذراع: أعظم عروقه، وهوكلام قديم ليس مما استعاره الطائي)) (3).
وهذا الكلام يتكون من لغات، وهذه اللغات عنده على درجات: منها
العالي، ومنها الجيد، ومنها القبيح، ومنها الردىء المرفوض، ومن ذلك:
ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
إِذا ظُلُماتُ الرَّأيِ أُسدِلَ ثَوبُها
…
تَطَلَّعَ فيها فَجرُهُ فَتَجَلَّتِ [بحر الطويل]
((المعروف (سُدِل) وهي اللغة العالية، ويجوز أسدل)) (4).
ـ وقال عند بيت أبي تمام:
إِذا ما رَأَتهُ العيسُ ظَلَّت كَأَنَّما
…
عَلَيها مِنَ الوِردِ اليَمامِيِّ نافِضُ [بحر الطويل]
((ويقوي رواية من روى (اليماميّ) بميمين أن (اليماني) بتشديد الياء ليس باللغة العالية)) (5).
ولم يورط أبو العلاء نفسه في تحديد لمن هذه اللغة، ونأى بها عن التناقض الذي وقع فيه علماء اللغة قبله، فلا هو جعلها لغة قريش ولا لغة بني سعد مثلا (6).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 254].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 22].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 36].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 305].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 297].
(6)
د. علي أبو المكارم: أصول التفكير النحوي، ص 60
ـ وقال عند بيت أبي تمام:
لَهُ زِئبِرٌ يُدفي مِنَ الذَّمِّ كُلَّما
…
تَجَلبَبَهُ في مَحفِلٍ مُتَجَلبِبُ [بحر الطويل]
(((له زئبر)؛ أي للشكر، وخفف الهمزة (يدفي)، وهي لغة جيدة)) (1).
ـ وقال: ((و (اللَّذْ) لغة في الذي، وقد جاءت في (الذي) لغات أجودها (الذي) بإثبات الياء)) (2).
ـ وقال أبوالعلاء عن بعض العرب: ((
…
وقد يمكنون الحركة حتى تصير حرفا ساكنا مثل ما حكي أن بعض العرب يقول: قام زيدو؛ فيثبت الواو، ومررت بزيدي؛ فيثبت الياء، وذلك ردىء مرفوض)) (3).
ومن اللغات ما هوأكثر استخداما من غيرها، يقول:
((يقال: ينعت الشجرة، وأينعت، وهذا على يَنِعَتْ، فإن أخذ من أينع فجائز، والحمل على اللغة الأخرى أكثر)) (4).
واللغة عند أبي العلاء تعني فيما اصطلح عليه اللهجة: من ذلك قوله:
ـ ((خفف الهمزة في (يَهْنِي) على لغة من قال: (هَنَاك) في الماضي)) (5).
ـ وقال: ((وسكن الهاء في (مُهْراق) على لغة من قال: أَهْرقْتُ)) (6).
ـ وقوله: ((إذا كان آخر الفعل الماضي ياء وقبلها كسرة فطيئ تقلبها ألفا، فيقولون: اجتُنَى في اُجتُنِيَ
…
ومن العرب مَنْ يسكن الياء ها هنا؛ ولم يستعمل اللغة الطائية)) (7).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 280].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 18].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 326].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 403].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 9].
(6)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 131].
(7)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 190].
والألفاظ التي تتكون منها تلك اللغات منها ما قد انتهى استعماله في عصر أبي العلاء، قال:((و (الدرانك): واحدها دُرْنُوك. ويقال: إن أصله غير عربي، إلا أنهم قد استعملوه قديما)) (1).
ومنها ما وصل إلى مرحلة الابتذال، قال:(((تسحبنا): استطالتنا، كأنه من السَّحب، والتَّسحب كلمة مبتذلة)) (2).
كما أنه يقر بتطور البنية الصرفية لبعض ألفاظها، يقول:((أصل (اليافوخ): الهمز، والجمع يآفيخ)) (3).
وألفاظها متفاوتة في الفصاحة، قال:((ومضاض على قولهم مضَّني، وأمضني عندهم أفصح)) (4).
ومما ينبغي الإشارة إليه أن أبا العلاء المتوفي سنة 449هـ كان يلجأ إلي لغة العامة أحيانا في توضيح شرح ديوان أبي تمام (5).
ويمكن إجمالا أن نلخص تصوره للغة كالتالي:
?
لغة أهل العلم واللغة / لغة الطبقة الراقية
ومن خلال حديثنا التالي سنجد أن تلك ((اللغة العالية)) تتمتع بالآتي:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 458].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 320].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 123].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 315].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 129].
· لها خصائص ثابتة نسبيا على المستوى الصرفي.
· لها خصائص ثابتة نسبيا على المستوى النحوي.
· لها خصائص على مستوى الاستعمال الكلامي للألفاظ، ومصاحبة ألفاظ لألفاظ، وشيوع ألفاظ وقلة شيوعها على حساب ألفاظ ودلالات أخرى.
· خصائص عامة بعيدة عن الخصائص النحوية والصرفية والاستعمالات الخاصة بألفاظها (1).
ولا أدل على لجوء أبي العلاء للغة الطبقة الراقية بكل خصائصها التي أثبتناها سابقا من كثرة ترديده لكلمة ((يقال)) ومشتقاتها عند شرحه لألفاظ الديوان، وقد أحصى البحث ما يقرب من مائتين وواحد وثلاثين موضعا (231) ذكر فيه أبوالعلاء هذا اللفظ صراحة، منها على سبيل المثال:
ـ قال أبوالعلاء: ((.. يقال: ناقة وَسَاع إذا كانت واسعة الخطو)) (2).
ـ وقال: ((
…
ويقال: ضيف مُدَفَّع إذا تدافعه الناس فلم يضيفوه)) (3).
ـ وقال: ((يقال: ظن أنْ سيكون، وظن بأن سيكون، وحذف الباء أكثر)) (4).
(1) ومن أمثلة تلك الخصائص العامة ـ على سبيل المثال ـ أسلوب ((الالتفات))، وهو مصطلح من مصطلحات علم البيان، وقد درج علماء البلاغة على تعريفه بأنه ((تعقيب الكلام بجملة مستقلة متلاقية له في المعنى على طريق المثل أو الدعاء ونحوهما من المدح والذم والتأكيد والالتماس، كقوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} [الإسراء: 81]، ومنها أن تذكر معنى فيتوهم أن السامع اختلج في قلبه شيء فتلتفت إلى كلام يزيل اختلاجه ثم ترجع إلى مقصودك))، ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي، 1/ 251
والالتفات عند علماء البلاغة ((إنما يستعمل في الكلام للتفنن والانتقال من أسلوب إلى أسلوب تطرية لنشاط السامع، وهو تعريف جميل؛ لأن النفس تسأم الكلام الجاري على نسق رتيب))، ينظر: إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين الدرويش، 1/ 243، دار ابن كثير للطباعة والنشر، دمشق.
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 334].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 334].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 396].
ـ وقال: ((يقال: نَفِهَت المطية إذا أعيت)) (1).
ـ وقال: ((يقال: نهشته الحية ونهسته، وقيل: النهس بمقدم الفم، والنَّهشُ أكثر منه)) (2).
****
بعد الانتهاء من استجلاء نظرة أبي العلاء للغة نعود لعنصرنا الثالث من عناصر المنهج عنده وهو: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان:
ونبدأ بأولى تلك الخصائص:
[أ] توظيف السمات الصرفية:
وأول هذه السمات والخصائص التي كان يعتمد عليها أبوالعلاء السمات الصرفية، حيث قام أبوالعلاء بتوظيف السمات الصرفية الثابتة للغة الراقية؛ أي أنه عول على الفصيح الراقي منها في شرح الديوان، وبيان مدى خروج أبي تمام على هذه السمات أوالاتفاق معها، وقد أحصى البحث أكثر من ستة وثلاثين موضعا استخدم فيها أبوالعلاء السمات الصرفية في الشرح، وفيما يلي أهمها:
ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
أَيُّها الغَيثُ حَيَّهَلَّا بِمَغداكَ وَعِندَ السُّرى وَحينَ تَؤوبُ [بحر الخفيف]
((((أيها الغيث حَيَّهَلَاّ)): شدد حَيَّهَلَّا، ولا تعرف إلا مخففة اللام)) (3).
ـ وقال: ((والحِنْدِيس مثل الحِنْدس، وزيادة الياء في مثل هذه المواضع جائزة؛ لأن ((فِعْللا وفِعْليلا)) متقاربان، وكذلك: فِنْعِل وفِنْعيل)) (4).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 537].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 244].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 292].وحَيَّهَلْ: مركبة من ((حيَّ)) ومن ((هل)) التي تفيد الحث والاستعجال، واستعمالها منفردة قليل، والجمع بينهما يفيد المبالغة والاستعجال في طلب الإقبال. المعجم الوافي لأدوات النحو العربي، ص 151
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 266].
ـ وقال: ((والأحسن أن يكون أعجاس جمع: عِجْس بكسر العين أوعُجس بالضم؛ لأن (فَعْلا) لا يجمع على أفْعَال كثيرا)) (1).
ـ وقال: ((ويقال للؤلؤة العظيمة (تُؤْمَة)، والجمع تُؤَم، وهذا أجود من أن تجعل توم جمع: تُؤَام على تخفيف الهمزة؛ لأن ذلك قليل)) (2).
ـ وقال: ((ومضَّاض على قولهم: مَضَّني، وأمضَّني عندهم أفصح، وفَعَّال يَقِِلُّ في أفعل، إلا أنهم قالوا جبار وهوعندهم من أجبرته على الأمر إذا أكرهته عليه، إلا أن هذه الأشياء تحمل على حذف الزوائد)) (3).
ـ وقال: ((وأصل همزة التعجب أن تدخل على الأفعال الثلاثية التي لا زيادة فيها، مثل: ضرب، وعلم، وكَرُمَ، ودخولها على ما في أوله الهمزة قليل، إلا أنه جاء وكثر
…
ولا يستعملون عطوت إلا في معنى تناولت، وأفعل التي للتعجب تجري مجرى أفعل التفضيل)) (4).
ـ وقال: ((
…
وقال قوم خَدجَتْ وأخْدَجَتْ سواء؛ وهذا القول أشبه بكلامهم؛ لأن فَعَلَ وأفْعَلَ يشتركان كثيرا)) (5).
…
[ب] توظيف الخصائص النحوية للغة الراقية:
اعتمد أبوالعلاء على الخصائص النحوية في شرحه للديوان، وقد أحصى البحث خمسة وعشرين موضعا وظف فيها أبوالعلاء هذه السمة، ومنها ما يلي:
ـ قال أبوتمام:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 287].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 315].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 114].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 17]. ولمزيد من الأمثلة يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي المواضع التالية: [1/ 183]، [1/ 226]، [1/ 230]، [1/ 63]، [1/ 8]، [2/ 123]، [2/ 236]، [2/ 254]، [2/ 403]، [3/ 120]، [3/ 16]، [4/ 164]، [4/ 6]، [4/ 38ب5]
وَتَعَلَّم بِأَنَّهُ ما لِأَنوائِكَ إِن لَم تُرَوِّها مِن خَلاقِ [بحر الخفيف]
ـ قال أبوالعلاء: ((
…
يقال ما له خلاق: أي نصيب في الخير، ولا يكادون يستعملون هذه الكلمة إلا في النفي)) (1).
ـ وقال: ((أكثر ما يستعمل (زَعَمَ) مع أَنَّ)) (2).
ـ وقال: ((ومن روى (كلا الآفاق) بكسر الكاف، وهويريد كل الآفاق فروايته خطأ؛ لأن: كِلا يستعمل للاثنين لا للجمع، ولم يأت في المسموع كلا القوم، وكلا الأصحاب، وإنما يقال: كلا الرجلين، وكلا الفرسين، ونحوذلك)) (3).
ـ وقال عند قول أبي تمام:
هُما أَظلَما حالَيَّ ثُمَّتَ أَجلَيا
…
ظَلامَيهِما عَن وَجهِ أَمرَدَ أَشيَبِ [بحر الطويل]
((جعل (أظلم) هاهنا متعديا، وذلك قليل في الاستعمال، وهوفي القياس جائز)) (4).
ـ وقال: ((يقال: ظَنَّ أن سيكون، وظن بأن سيكون، وحذف الباء أكثر)) (5).
ـ وقال عند قول تمام:
سُعُمٌ حَثَّ رَكبَهُنَّ أَمانٍ
…
فيكَ تَترى حَثَّ القِداحِ المُفيضُ [بحر الخفيف]
((.. وأضاف الحث إلى القداح؛ لأن المصدر يجوز أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول)) (6).
ـ وقال عند قول تمام:
غَدَت مُغتَدى الغَضبى وَأَوصَت خَيالَها
…
بِحَرّانَ نِضوالعيسِ نِضوالخَرائِد [بحر الطويل] ِ
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 447].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 43].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 155].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 150].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 396].
(6)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 291].
((من روى: (نِضْوالعيش) بالشين أراد أن عيشه قد أنضاه فهوشاك له؛ وأصل النضو: البعير الذي قد أنضاه السفر، يريد أن العيش قد أنضاه لصعوبته، وأن الخرائد قد فعلن به مثل ذلك، ويكون (نضوالعيش) معرفة؛ لأن انفصال الإضافة هنا لا يكثر، وإنما يحسن الانفصال إذا كان المضاف إليه يمكن فكه من الأول وإضافته إلى المضمر)) (1).
ـ وقال: ((كان النحويون المتقدمون يرون أن (إِيَّاك) ينبغي أن تستعمل مع الواومثل قولهم: إِيَّاك وزيدا، وينكرون مجيئها على غير ذلك، إلا أن تستعمل بـ (أن)، كقولك: إياك أن تقوم، وإياك أن تذهب، ولكن الواوحذفت كحذف الباء مع (أن) في مواضع كثيرة، وكذلك تحذف معها حروف الخفض، يقال: نهيتك أن تفعل؛ أي: عن أن تفعل، وأمرتك أن تفعل؛ والمراد: بأن تفعل، فإذا عُدِمَتْ قبح عندهم الحذف إلا في ضرورة الشعر)) (2).
ونلمح في هذا الاقتباس إشارة مهمة من أبي العلاء على أن التطور اللغوي قد يقع في قواعد اللغة.
ـ تعليق على توظيف الخصائص الصرفية والنحوية:
من خلال الاقتباسات السابقة يتبين أن أبا العلاء اعتمد على الخصائص الصرفية والنحوية التي أسماها د. سعد مصلوح بـ ((السمات الثابتة Constant)) والتي من خلالها أوضح انحرافات أبي تمام، ويمكن أن نلخص هذه السمات كما وردت في الاقتباسات السابقة كالتالي:
السمات الصرفية الثابتة نسبيا
…
السمات النحوية الثابتة نسبيا
ـ فِعْلل وفِعْليل متقاربان وكذلك فِنْعِل وفِنعيل.
…
ـ كلمة ((خَلاق)) لا تستعمل إلا في النفي.
ـ فَعْل لا يجمع على أفعال كثيرا.
…
ـ لفظ ((كلا)) يستعمل للاثنين لا للجمع.
ـ فَعَّال يقل في أفعل.
…
ـ المصدر يجوز أن يضاف للفاعل وإلى المفعول.
ـ يحسن انفصال الإضافة إذا كان المضاف إليه يمكن فكه من الأول وإضافته إلى المضمر.
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 69ـ70].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 13].
ـ أصل همزة التعجب أن تدخل على الأفعال الثلاثية التي لا زيادة فيها.
…
ـ فَعَل وأفعل يشتركان كثيرا.
والجدول السابق يشير إلى الملحوظتين التاليتين:
أـ وجود تمايز واضح عند أبي العلاء بين قواعد اللغة واستعمال الشاعر، وهذا التمايز يذكرنا بما اصطلح عليه اللغويون المحدثون من تفرقة بين اللغة والكلام، أو القدرة والأداء.
ب ـ إذا قمنا بتأصيل نظري لقواعد علم الأسلوب في تراثنا العربي فإننا يمكن أن نعتبر أبا العلاء بحق رائدا من رواد علم الأسلوب العربي.
[ج] الاعتماد على سمات الاستعمال اللغوي (أوالكلامي) للألفاظ، والألفاظ المصاحبة، والألفاظ والدلالات الأكثر أو الأقل شيوعا:
كان أبوالعلاء يعتمد على المستعمل من الألفاظ في اللغة (أوالكلام)، وينبه على غير المستعمل منها، ويوضح أي الألفاظ أكثر شيوعا في الاستعمال، وأيها أقل، كما يوضح الألفاظ التي تأتي في العادة مصاحبة لألفاظ أومعان أوأشياء أخرى.
وقد أحصى البحث أكثر من ثمانية وتسعين موضعا استخدم فيها أبوالعلاء الاستعمال اللغوي، والمصاحبة والشيوع. وهذه المواضع مقسمة كما يلي:
• أربعة وأربعون موضعا للاستعمال اللغوي.
• ثلاثة وثلاثون موضعا للمصاحبة.
• واحد وعشرون موضعا للشيوع أوالقلة في الألفاظ أو الدلالات.
ـ توظيف الاستعمال اللغوي:
أـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
إِذا كانَتِ الأَنفاسُ جَمرًا لَدى الوَغى وَضاقَت ثِيابُ القَومِ وَهيَ فَضافِضُ [بحر الوافر]
((فَضَافِض: جمع فَضْفاض وهوالواسع، وإنما المستعمل ثوب فَضفاض؛ فجاء هذا على فَضْفَض، ومثله كثير)) (1).
ب ـ وقال: ((الوسنان: الناعس، واستعاره هاهنا للهوى، ولم يستعمل ذلك من قبل الطائي)) (2).
ج ـ وقال: ((الإقراب: أكثر ما يستعمل في الإناث، يقال: فَرَس مُقْرَبَة؛ أي: تُشَد قريبا من بيت مالكها
…
وربما استعمل ذلك في الذكور)) (3).
د ـ وقال: ((((أغاض)): قليلة في الاستعمال؛ وإنما يقال: غاض الماءُ وغاضه غيره، ويجوز أن يكون الطائي سمع أغاض في شعر قديم، وإن لم يكن قد سُمِع فالقياس يطلقه)) (4).
وعبارة أبي العلاء السابقة: ((القياس يطلقه)) عبارة أصولية مهمة في تصور تفكير أبي العلاء، وهو ينحى هنا منحى ابن جني الذي أجل القياس أيما إجلال.
ـ وقال: ((والصامت من المال ما كان من فضة أوذهب، ويجوز أن يعني به كل ما لا ينطق، إلا أن أعرف ما يستعمل في الذهب والورق)) (5).
ـ وقال: ((و ((السُّدْس)):جمع سَديس، ولا يستعمل ذلك في الخيل ولكن في الإبل)) (6).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 299].، الجمع: فضافض لم تذكره المعاجم العربية، مع ورده في كتب الأدب والسير، [ينظر: الأغاني 3/ 151، سيرة ابن هشام 4/ 217] وهذا يدل من ناحية أن المعاجم العربية لم تستوعب كل ألفاظ اللغة ويدل من ناحية أخرى على مدى سعة ثقافة أبي العلاء.
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 243].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 409].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 46].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 321].
(6)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 227]. يضيق المقام عن ذكر كل المواضع التي نص فيها أبوالعلاء على الاستعمال، لذلك نحيل إلى المواضع التاليةُ من ديوان أبي تمام:[1/ 100]، [1/ 129]، [1/ 136]، [1/ 145]، [1/ 148]، [1/ 224]، [1/ 225][1/ 24]، [1/ 268]، [1/ 326]، [1/ 344]، [1/ 366]، [1/ 398][1/ 400]، [1/ 409]، [1/ 413 ـ 414]، [1/ 57]، [1/ 85]، [2/ 170]، [2/ 193]، [2/ 236]، [2/ 270]، [2/ 278]، [2/ 310]، [2/ 329][2/ 361]، [2/ 364]، [2/ 37]، [3/ 138]، [3/ 248]، [3/ 337]، [4/ 568]
ونصوص أبي العلاء السابقة تثير الملحوظات التالية:
1ـ لجوء أبي العلاء إلى الاستعمال اللغوي يبرز أهميته في توضيح المعنى الأساسي للكلمة، وإمكانية استغلاله للوقوف على مخالفات الشعراء.
واتكاؤه على فكرة الاستعمال اللغوي في حد ذاتها يذكرنا بقول اللغوي المعاصر فيرث الذي يرى ((أن الكلمة ليست بذات معنى مستقل قائم بذاته وأن وجودها ومعناها شيئا نسيبا يمكن ملاحظة كل منهما في سياق غيرهما من الكلمات والمعاني أو عن طريق التقابل بينهما)) (1).
2ـ لم يكن أبو العلاء بدعا بين العلماء في استناده إلى الاستعمال اللغوي للوصول لمأربه وبغيته، بل نجده مسبوقا بغيره من علماء البلاغة، فها هو ابن سنان الخفاجي (المتوفى: 466هـ) يضع شروطا للفصاحة من بينها ((أن لا تكون الكلمة قد عبر بها عن أمر آخر يكره ذكره فإذا أوردت وهي غير مقصود بها ذلك المعنى قبحت)) (2).
3ـ نلاحظ ثالثا أنه لم يخطئ أبا تمام في استعمالاته التي انفرد بها، وهو بهذا ليس من هؤلاء العلماء التقليديين ((الذين جعلوا القواعد ((الرسمية)) وحدها أساس الحكم بالصواب والخطأ [والذين] أهملوا في الوقت نفسه النظر إلى الاستعمال الواقعي وقيمة هذا الاستعمال)) (3).
ـ التنبيه على المصاحبة:
اعتمد أبوالعلاء في شرحه على خاصية المصاحبة؛ أي: الألفاظ التي تأتي مصاحبة لألفاظ أومعان أوأشياء أخرى، فقد كان حريصا في شرحه على إبراز هذه المصاحبة. ولعل هذا الاستخدام والبيان قريب من نظرية ((الرصف Collocational Theory)) التي أشار إليها د. أحمد مختار عمر في كتابه ((علم الدلالة))،تلك النظرية التي تعتبر امتدادا لنظرية السياق أوتطورا عنها.
(1) د. حلمي خليل: الكلمة دراسة لغوية معجمية، ص 95
(2)
سر الفصاحة: 85، دار الكتب العلمية ط 1، 1402هـ، 1982م
(3)
د. كمال بشر، مقال بعنوان: العربية المعاصرة، مجلة المجلة يونيه 1966م
وقد نقل د. أحمد مختار عمر تعريف المصاحبة أوالرصف عن Ullmann قائلا: ((هوالارتباط الاعتيادي لكلمة ما في لغة ما بكلمات أخرى معينة))، أو:((استعمال وحدتين معجميتين منفصلتين، استعمالهما عادة مرتبطتين الواحدة بالأخرى)) (1).
وفيما يلي أمثلة على ذلك:
ـ ((((الذَّرَابة)) الحدة، وقلما يقولون رجل ذَرِب حتى يقولوا ذرب اللسان)) (2).
ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
أولِعنَ بِالمُردِ الغَطارِفِ بُدَّنا
…
غيدًا أَلِفنَهُمُ لِدانًا غيدا [بحر الكامل]
((إذا رويت ((لُدَّنًا)) فهوجمع لادنة، وذلك لفظ لا يستعمل، وإنما يقال: غَضٌّ
لَدْن، وشباب لدن، وهوالناعم المنعطف
…
وإذا رويت ((بُدّنا لُدْنا)) فهوأعرف؛ لأن قولهم: امرأة بادن، كلام معروف)) (3).
ـ وقال: ((
…
و ((الوَخْد)) و ((الوَسْجُ)) ضربان من السير، وأكثر ما يستعملان في الإبل والنعام، وقد يستعاران لغيرهما)) (4).
ـ وقال أبوالعلاء عند قوله:
نَدَّ عَنكَ العَزاءُ فيهِ وَقادَ الدَّمعَ مِن مُقلَتَيكَ قَودَ الجَنيبِ [بحر الخفيف]
((استعار: ((نَدَّ)) للعزاء، وإنما هو للإبل ونحوها)) (5).
ـ وقال: ((.والبلاء يستعمل في الفعل الحسن وفي القبيح، وفي الاختبار)) (6).
ـ وقال: ((والفأل أكثر ما يستعمل في الخير، وربما استعمل في الشر كالمستعار)) (7).
(1) علم الدلالة: ص 74 (عالم الكتب ط 5).
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 260].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 409 ـ 410].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 337].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 117].
(6)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 32].
(7)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 78].
ـ وقال: ((
…
ولم تجر العادة بأن يقال: كَسَفَ الكوكب، إنما المعروف: كَسَفت الشمسُ وخسف القمر)) (1).
ـ وقال: ((.ولما كانت ((المها)) تستعمل في الدر والأسنان وبقر الوحش والبلور والنساء وغير ذلك مما يحسن ويصفو؛ استحسن أن يقول: ((مها اللذات)) ليخص بها الإنس)) (2).
ـ وقال: قوله: ((أدهم فيه كمتة)) لم يستعملوا مثله؛ لأنهم لم يقولوا: أدهم كميت)) (3).
ولم ينفرد أبو العلاء بالإشارة إلى المصاحبة اللفظية هذه، بل نجد قبله الثعالبي يشير إليها ويعتبرها من ((خصائص من كلام العرب)) يقول: ((وهاج الفحل والشر والحرب والفتنة، ولايقال: هاج لما يؤدي إلى الخير (
…
) ومن ذلك قوله تعالى: چ ں ں چ؛ أي مثلنا بهم، ولا يقال: جُعِلُوا أحاديث إلا في الشر، ويقال: نفشت الغنم ليلا، وهملت نهارا)) (4).
ـ توظيف الشائع والأقل شيوعا من الألفاظ والدلالات:
كان أبوالعلاء يعتمد على الشائع والأقل شيوعا من الألفاظ، وكان ينبه على هذا، ومن أمثلة ذلك:
ـ ((
…
وغارة شعواء؛ أي: متفرقة، وقلما يصرفون منه الفعل، ولا يقولون للذكر أشعى)) (5).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 326].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 256].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 236].، وينظر أيضا [4/ 154ب2]. ومن المواضع التي أوضح فيها التبريزي خاصية المصاحبة مشاركا في ذلك أبا العلاء قوله:
((واشتقاق تماضر من قولهم: عيش مَضِر؛ أي ناعم: وأكثر ما يستعمل في الإتباع، يقال: خذه خضرًا مضرًا؛ أي بحسنه ونضارته)). [1/ 158 ـ 159 ب7]
(4)
فقه اللغة وسر العربية: ص 374
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 15].
ـ ويقول: ((المتعارف بين الناس ((الإسكندر)) بالألف واللام، فحذفهما منه (؛ أي: أبوتمام)، وقد فعل ذلك في غير موضع، كقوله:((ما بين أندلس إلى صنعاء)) .. ولم تجر العادة أن يستعمل ((الفرزدق ولا الأندلس)) إلا بالألف واللام)) (1).
ـ ويقول: ((
…
وإذا أُدخْل النفي على ((كاد)) أخرجها إلى معنى الإيجاب في معظم كلامهم، كقوله تعالى: چ ? چ چ چ چ چ [البقرة 71]؛ أي: قد فعلوا بعد إبطاء .. ولها معنى آخر إلا أنه قليل التردد، وإنما يكون كاللغز؛ لأن المعروف سواه، تقول: ما كاد يقوم أخوك؛ أي: لم يقم، ولم يقارب .. ومثل هذا قلما يستعمل)) (2).
ـ ويقول: ((
…
وقد يقال: ثوب فُضُل إذا لم يكن على اللابس غيره، فإن ثبت أنه قال: فاضلا وهويريد الفضل فهي كلمة لا تعرف في كلام المتقدمين، وإنما المعروف تفضلت المرأة إذا كانت فُضُلا)) (3).
ـ ويقول: ((
…
و ((العيرانة)): الناقة التي تشبه العير الوحشي في صلابتها، .. ودلوث: مثل دلاث، وهي الجريئة على السير، وقلما يقولون في صفة الناقة دَلُوث، وإنما يقولون: دلاث)) (4).
ـ ويقول: ((المَرَطى: ضرب من العدوسهل، وقلما يُستعمل في الإبل)) (5).
ـ ويقول: ((وشحب كلمة قليلة، وإنما الكلام شاحب؛ أي: متغير)) (6).
ـ ويقول: ((والفَلَج: أراد به تلفج الأسنان، وقلما يقولون: ثغر أفلج، وإنما يقولون: مفلج)) (7).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 48].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 177].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 149].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 325].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 247].
(6)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54].
(7)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 329].
ـ ويقول: ((.. ويقال: ((ظبية عوهج))؛ إذا كانت طويلة العنق، وقلما يستعملونه في صفة المذكر)) (1).
ومن أمثلة توظيفه للخصائص الدلالية للغة الراقية، وإيضاح مدى اقتراب أوابتعاد أبي تمام عنها، التالي:
ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
مَن مُبلِغٌ أَفناءَ يَعرُبَ كُلَّها
…
أَنّي ابتَنَيتُ الجارَ قَبلَ المَنزِلِ [بحر الكامل]
((جعل الجار يبتنى كما تبتنى الدار، وهذا مجانس لقوله تعالى: چ ? ? ?? ? ? ? ? چ [آل عمران: 54]، لأنه جعل جزاءهم على المكر مكرا، وكذلك الجار لما كان حالا إلى الدار؛ جاز أن يستعار له ما هولها في الحقيقة، وذلك مثل قولهم للرجل إذا رأوه يخيط ثوبه وقد انهدم له بيتٌ: خياطة بيتك أوجب من خياطة ثوبك، والبيت لم تجر العادة باستعمال الخياطة فيه، ومثل هذا كثير، يستعار ما هوللشيء المقارب غيره؛ فينقل إلى ما قاربه)) (2).
ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
لا يَأسَفونَ إِذا هُمُ سَمِنَت لَهُم
…
أَحسابُهُم أَن تُهزَلَ الأَعمارُ [بحر الكامل]
((استعار ((السمن)) للأحساب، وهي استعارة قديمة،.وقابل سِمَن الحسب بهُزال الأعمار، ولم يستعمل ذلك في العمر قبل الطائي إلا أن يكون شيئا غير مشهور)) (3).
ـ وقال: ((وقوله: ((رَضِيْعَي لبان))،يستعمل في الإنس، وكأن اللِّبان مصدر لابنه لبانا؛ إذا رضع من لبن أمه، وربما أخرج إلى غير الإنس على التوسع والمجاز)) (4).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 324].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 49].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 177].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 11].
ـ وقال: ((و ((المعاقل)): جمع مَعْقِل، وأصل ذلك في الجبل، يقال: قد عَقَلَ الوعلُ إذا حصل في موضع عالٍ لا يوصل إليه فيه، ثم قيل لكل حصن مَعْقِل، ثم كثر ذلك حتى قيل فلان مَعْقِلي؛ أي: الذي أمتنع به، وكذلك سيف فلان معقله؛ أي: يقوم له مقام المعقل)) (1).
ـ وقال: ((.. ((أشباه))؛ أي: كفاه .. وقال قوم: يقال أشبى الرجل إذا وُلد له أولاد أذكياء، وهومأخوذ من الشبا؛ أي: الحد، وقد استعملوا أشبى في غير هذا المعنى، قالوا أشبى عليه إذا أشفق)) (2).
ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
بِيَومٍ كَطولِ الدَهرِ في عَرضِ مِثلِهِ
…
وَوَجدِيَ مِن هَذا وَهَذاكَ أَطوَلُ [بحر الطويل]
((.. لما جعل للدهر طولا وصله بالعرض على معنى الاستعارة، ولا حقيقة بأن يوصف الدهر بذلك، وإنما هو طويل لا غير، فأما العرض فإنما هوعلى الأماكن وما جرى مجراها، فأما الدهر فطويل، ما عُلِم أن أحدا قبل الطائي وصفه بالعرض، ولكنه لما تقدم ذكر الطول استجاز أن يجيء بضده)) (3).
ويمكن من خلال مبدأ ((الإعلامية Informativity)) الذي يقول به علم النص أن نعلل اهتمام أبي العلاء بالتنبيه على استعمال أبي تمام لألفاظ شائعة أو ألفاظ أقل شيوعا، فإبرازه لدرجة الإعلامية في ألفاظه وتراكيبه إشارة درجة فحولة الشاعر ومدى شاعريته.
[د] الاعتماد على الخصائص الأسلوبية العامة للغة العربية:
اعتمد أبوالعلاء على الخصائص الأسلوبية العامة التي تحفل بها اللغة، وبيان مدى اتفاق أبي تمام معها أوابتعاده عنها ومثال ذلك:
ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 28].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 183].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 72].
وَقَرِّب أَنتَ تِلكَ فَإِنَّ هَمًّا
…
عَراني بِاشتِجارٍ وَارتِفاقِ [بحر الوافر]
((خاطب المرأة ثم انصرف عنها إلى مخاطبة رجل يأمر بتقريب العيس للسير، وهم يفعلون ذلك كثيرا، يتركون خطاب الأول المذكر إلى المؤنث، وخطاب المؤنث إلى المذكر، ومنه الآية: چ ? ? ? ?? ? ?? ? ? ? ? ? چ [يوسف:29])) (1).
ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
قَدكَ اتَّئِب أَربَيتَ في الغُلواءِ
…
كَم تَعذِلونَ وَأَنتُمُ سُجَرائي [بحر الكامل]
((.. وقال: ((كم تعذلون))؛ فخرج من خطاب الواحد خطاب الجميع، ومثله كثير في القرآن والكلام القديم، ومنه قوله: چ ? ? ? ? ? چ [الطلاق: 1])) (2).
ـ وقال: ((من كلامهم إذا أكثر الرجل من الشيء وألفه أن يقولوا هو أبو كذا وأمه وابنه، كما يقال: هوأبوالأضياف، وأم العيال وابن الهيجاء وأخو رغائب)) (3).
ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
بِنتُ الفَضاءِ مَتى تَخِد بِكَ لا تَدَع
…
في الصَّدرِ مِنكَ عَلى الفَلاةِ غَليلا [بحر الكامل]
((يعني الناقة؛ أي أنها معاودة للسير في الفضاء من الأرض على مذهب قولهم: ابن قفر وابن ليل، وهو كثير في كلامهم)) (4).
ـ وقال: ((((الراقصات)): الإبل، والرقص ضرب من السير، وقد كثر في كلامهم القسم بالراقصات إلى منى)) (5).
(1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 424].
(2)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 22].
(3)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 47].
(4)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 68].
(5)
يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 43].