الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن يبدوأن الأمر أوسع من ذلك عند أبي العلاء، فهولا يتقيد بأن تكون الإضافة بمعنى ((مِنْ)) لإعراب المضاف إليه بدلا أوعطف بيان.
ـ قال عند قول أبي تمام:
وَما اللَّيثُ كُلُّ اللَّيثِ إِلّا ابنُ عَثرَةٍ
…
يَعيشُ فُواقَ ناقَةٍ وَهوراهِبُه [بحر الطويل]
((والرواة مجمعون على إضافة ((فُوَاق)) (1) إلى ناقة مع بيان الزحاف، ولو رواه راو ((فواقًا ناقة))؛ فنصب الفواق ونونه لجاز في العربية)) (2).
ولا يجوز أن تكون ((فواقًا ناقة)) على معنى من؛ إذ إن الفواق فترة زمنية، ولا تكون جزءا من الناقة (3).
[ج] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالتوابع:
• البدل عند أبي العلاء:
مما أوضحه أبوالعلاء في باب البدل أن الحرف إذا كان متصلا بالضمير ثم أبدل منه وجب أن يعاد مع الحرف.
قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:
بِالمُجتَبى وَالمُصطَفى وَالمُستَرى
…
لِلحَمدِ وَالحالي بِهِ وَالكاسي [بحر الكامل]
((جاء بالباء في قوله: ((بِالمُجتَبى))؛ لأنه بدل من الهاء في قوله ((به))، وإذا كان الحرف متصلا بالضمير ثم أبدل منه وجب أن يُعادَ الحرف مع الاسم، كقولك: مررنا بهم بالقوم الصالحين، ونزلنا عليهم على خيار الناس)) (4).
(1) الفُواق: الفَوَاق. والفَواق: الوقت بين الحَلْبتين. [المعجم الوسيط 2/ 732 مادة ف وق]
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 230ب34]. وينظر أيضا: [1/ 192ب42]
(3)
ويوافق التبريزي أبا العلاء في هذه القاعدة في أحد مواضع شرحه، فيقول عند قول أبي تمام
هَل يَرجِعنَ غَيرَ جانِبٍ فَرَسًا
…
ذوسَبَبٍ في رَبيعَةِ الفَرَسِ [بحر المنسرح].
((الوجه في ربيعة أن يضاف إلى الفرس، ولا يمتنع أن يجعل الفرسُ لربيعة كالنعت؛ أي: ربيعة صاحب الفرس)). [2/ 234ب2]، وينظر أيضا:[2/ 244ب7]
(4)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 247ب16].
ونلاحظ هنا أن أبا العلاء يوجب هذه الإعادة في الوقت الذي يضعه نحاة آخرون في نطاق الجواز، معللين ذلك بـ ((المجاراة للمبدل منه)) (1).
• مادة النعت عند أبي العلاء:
(1)
المصادر التي يُنْعَتُ بها تجيء على حذف المضاف:
قال: ((المصادر التي ينعت بها [إنما تجيء] على حذف المضاف، كقولك: رجلٌ فطر؛ أي: ذوفطر، وصومٌ؛ أي: ذو صوم)) (2).
ويؤيد النحاة أبا العلاء في قوله السابق بقولهم في هذا الأمر: ((تقول: رأيت في المحكمة قاضيًا عدلا، وشهودًا صدْقًا، ونظامًا رِضًا، وجموعًا زَوْرًا بين المتقاضين (
…
) تريد: قاضيًا عادْلا، وشهودًا صادقين، ونظامًا مرضيًّا، وجموعًا زائرة بين المتقاضين (
…
) فالمعنى على تأويل المصدر باسم مشتق كالسابق، ويصح أن يكون على تقدير مضاف محذوف هو النعت، ثم حُذف وحلّ المصدر محله، وأعرب نعْتًا مكانه. والأصل: قاضيًا صاحبَ عدل ـ شهودًا أصحاب صدق ـ نظامًا داعيَ رضا ـ جموعًا أصحاب زَوْر)) (3).
(2)
التوابع فضلات يصح الاستغناء عنها إلا النعت:
يقر النحاة ((أن التوابع الأربعة فضلات يصح الاستغناء عنها؛ إذ ليس واحد منها يؤدي في جملته معنى أساسيا تتوقف عليه فائدتها الأصلية إلا النعت؛ فإنه قد يتمم ـ أحيانا ـ الفائدة الأساسية)) (4). ويتم النعت ((الفائدة الأساسية بالاشتراك مع الخبر، مع أن الأصل في الخبر أن يتمم هذه الفائدة وحده. لكنه في بعض الأحيان لا يتممها إلا بمساعدة لفظ آخر كالنعت)) (5).
(1) النحوالوافي: 3/ 681
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 313ب13].
(3)
النحوالوافي: 3/ 461
(4)
النحوالوافي: 3/ 437، الهامش
(5)
النحوالوافي: 3/ 440
والنعت لا يصح الاستغناء عنه كما أثبتنا إلا في حالة ما إذا حذف وفهم بدلالة قرينة السياق أو غيرها، كما يؤيد هذا قول أبي العلاء تعليقا على قول أبي تمام:
وَالفَتى مَن تَعَرَّقَتهُ اللَّيالي
…
وَالفَيافي كَالحَيَّةِ النَّضناضِ [بحر الخفيف]
((والفتى: كلام محمول على حذف، كأنه قال: الفتى المحمود؛ لأن الفتي قد يكون مقيما لا يبرح موضعه، ولم تزل العرب تصف الإنسان بالتطوح والاغتراب)) (1).
وقد ذهب الأستاذ عباس حسن إلى قياسية حذف النعت المرتبط بقرينة، فقال:
((قد يحذف النعت أحيانًا حذفًا قياسيًا إذ كان معلومًا بقرينة تدل عليه بعد حذفه؛ كقوله تعالى: چ گ گ گ ? ? ? ?
…
? ? ? ? ں ں ? ?
…
? ? ? چ [الكهف 79]، والأصل: كل سفينة صالحة؛ بقرينة قوله: چ ? ? چ؛ فهي تدل على أنها قبل هذا خالية من العيب، أي: صالحة للانتفاع بها، وبقرينة أخرى؛ هي: أن الملك الغاصب لا يغتصب ما لا نفع فيه)) (2). ولكن ننبه على أنه بالرغم من جواز حذف النعت وقياسيته مع وجود القرينة إلا أنه يقل هذا الحذف؛ ((لأنه جيء به فِي الأَصل لفائدة إِزالة الاشتراك أَو العُمُوم فَحَذفهُ عكس المقصُود)) (3).
…
• المحال الإعرابية للجملة عند أبي العلاء:
لقد لاحظنا عند أبي العلاء ((بوجه خاص نضجا لغويا كبيرا؛ إذ كان مسيطرا على المادة مالكا لناصيتها، حتى إننا وقعنا على شبه عظيم بينه وبين ابن هشام في مُغني اللبيب، برغم تأخره في الزمن، واختصاصه في المادة. ولعل من أبرز ما نذكره في هذا المقام أن أبا العلاء لم يتقيد في مباشرته النحوية لشعر أبي تمام بالتقسيم الثنائي النظري للجملة المركبة عند العرب؛ فهم يرون أن من الجمل ما له محل من الإعراب، ومنها ما ليس له محل من الإعراب. غير أننا لا نجد لهذا التقسيم صدي
(1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 310ب10].
(2)
النحو الوافي: 3/ 492
(3)
همع الهوامع: 3/ 158
في عمله؛ فجميع الجمل عنده ذات محل من الإعراب، على أساس أن كل جملة إنما يؤتى بها في الحقيقة لتؤدي وظيفة مهمة في الكلام البشري. وهذا ـ والحق يقال ـ تعديل في مفهوم الجملة المركبة لم يشهده النحوالعربي إلا
حديثا)) (1).
ومن الأمثلة على المحال الإعرابية عند أبي العلاء:
قال عند قول أبي تمام:
أُسائِلُكُم ما بالُهُ حَكَمَ البِلى
…
عَلَيهِ وَإِلّا فَاترُكوني أُسائِلُه [بحر الطويل]
((وقوله: أُسائله موضوع موضع الحال)) (2).
وقال عند قول أبي تمام:
لُعابُ الأَفاعي القاتِلاتِ لُعابُهُ
…
وَأَريُ الجَنى اشتارَتهُ أَيدٍ عَواسِلُ [بحر الطويل]
(1) خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام: الهادي الجطلاوي، 149، هذا ولم أقف في شرح أبي العلاء على ديوان أبي تمام على ما يؤيد كلام الأستاذ الهادي الجطلاوي، ولعل هذه النتيجة توصل إليها بعد استقراء لمؤلفات وشروحات أبي العلاء. ولكن نستطيع القول في هذه المسألة إن ابن هشام في كتابه ((مغني اللبيب)) في باب:((الجمل التي لها محل من الإعراب)) ـ ص: 536 وما بعدها ـ قال: ((وهي أيضا سبع: الجملة الأولى الواقعة خبرا وموضعها رفع، الجملة الثانية الواقعة حالا وموضعها نصب، الجملة الثالثة الواقعة مفعولا ومحلها النصب، الجملة الرابعة المضاف اليها ومحلها الجر، والجملة الخامسة الواقعة بعد الفاء أوإذا جوابا لشرط جازم، الجملة السادسة التابعة لمفرد وهي ثلاثة أنواع أحدها المنعوت بها، الجملة السابعة التابعة لجملة لها محل ويقع ذلك في بابي النسق والبدل خاصة))، ثم علق على هذه المواضع قائلا:((هذا الذي ذكرته ـ من انحصار الجمل التي لها محل في سبع ـ جارٍ على ما قرّروا، والحق أنها تسع، والذي أهملوه: الجملة المستثناة، والجملة المسند إليها. أما الأولى فنحو: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)} [الغاشية 22ـ 23]
…
وأما الثانية: فنحو: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)} [يس 10]
…
)).
(2)
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 21ب3].