الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: الصلاة على القبر بعد الدفن
554 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه في قِصَّةِ المرأةِ التي كانت تَقُمُّ المسجدَ. قال: فسأل عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: ماتت، فقال:"أفلا كنتُم آذنْتَمُوني؟ " فكأنَّهم صَغَّرُوا أمرَها، فقال:"دُلُّوني على قبرِها" فدَلُّوه فَصَلَّى عليها. متفق عليه. زاد مسلم ثم قال: "إنَّ هذه القُبورَ مملوءةٌ ظُلْمَةً على أهلِها وإنَّ اللهَ يُنَوِّرُها لهم بصلاتي عليهم".
رواه البخاري (1337) ومسلم 2/ 659 وأبو داود (3203) وابن ماجه (1527) وأحمد 2/ 388 والبيهقي 4/ 47 والبغوي في "شرح السنة" 5/ 263 كلهم من طريق حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة: أن امرأة سوداء كانت تقُم المسجد -أو شابًّا- ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات قال: "أفلا كنتم آذنتموني" قال: فكأنهم صغروا أمرها -أو أمره- فقال: "دلوني على قبره" فدلوه، فصلى عليها. ثم قال:"إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها. وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم" هذا لفظ مسلم.
وقد نص أن هذا اللفظ لأبي كامل فضيل بن حسين الجحدري الراوي عن حماد به.
وعند البخاري بلفظ: أن أسود -رجلًا أو امرأة- كان يقم المسجد. فمات، ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته. فذكر ذات يوم. فقال:"ما فعل ذلك الإنسان؟ " قالوا: مات يا رسول الله. قال: "أفلا آذنتموني؟ " فقالوا: إنه كان كذا وكذا. القصة. قال: فحقروا شأنه. قال: "فدلوني على قبره" فأتى قبره فصلى عليه.
تنبيه: لم يرد عند أبي داود وابن ماجه زيادة: إن هذه القبور مملوءة
…
فائدة: قال ابن حبان في "صحيحه": وقد جعل بعض العلماء الصلاة على القبر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما ورد فيه: "وأن الله نورها بصلاتي عليهم"، وليس كما توهموه بدليل أنه عليه السلام صف الناس خلفه. فلو كان من خصائصه لزجرهم عن ذلك. اهـ.
وتُعُقِّبَ. فقد قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 3/ 305: وتعقب. بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلًا للأصاله. اهـ.
لكن قد يستدل بعدم الخصوصية بالأصل في الأفعال. وبما ورد من أحاديث أخرى كما سيأتي.
وقد يقال: إن كون صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ينور الله بها القبور خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لوجود الضمير الذي يعود على النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "ينورها بصلاتي" ولا يعني هذا أن الصلاة على القبر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا من تقييد العمومات.
أما صلاة المؤمنين عامة فهي تنفع الميت بالشفاعة كما في حديث ابن عباس: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه" رواه مسلم (948) والله أعلم.
وفي الباب عن ابن عباس وعقبة بن عامر وأنس بن مالك ويزيد بن ثابت وعامر بن ربيعة وبريدة وأبي سعيد الخدري ومرسل سعيد بن المسيب.
أولًا: حديث ابن عباس رواه البخاري (857)، (1340) ومسلم 2/ 658 والترمذي (1037) وابن ماجه (1530) وأحمد 1/ 224، 283 كلهم من طريق أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى على قبر بعد ما دفن، فكبَّر عليه أربعًا. هذا لفظ مسلم وقال أيضًا مسلم: قال الشيباني: فقلت للشعبي: مَن حدثك بهذا؟ قال: الثقة عبد الله بن عباس. هذا لفظ حديثِ حَسَنٍ، يعني ابنَ الربيع.
وفي رواية ابن نمير قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصلى عليه، وصفوا خلفه، وكبر أربعًا.
قلت: لعامر: مَن حدثك؟ قال الثقة، مَن شهده، ابنُ عباس. اهـ.
وعند البخاري (1340) بلفظ: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على رجُلٍ بعدَ ما دفن بليلة، قام هو وأصحابُه، وكان سأل عنه، فقال:"من هذا؟ " فقالوا: فلان دفن البارحة، فصلَّوْا عليه.
وعند ابن ماجه بلفظ: مات رجلٌ وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعودُه، فدفنوه باللَّيل، فلما أصبح أعلموه. فقال:"ما منعكم أن تُعلِموني؟ " قالوا: كان الليل وكنت الظُّلمَة، فكرهنا أن نَشُقَّ عليك فأتى قبره فصلى عليه.
ورواه الدارقطني 2/ 78 من طريق هريم بن سفيان عن الشيباني به بلفظ: صلى على ميت بعد ثلاث.
ورواه أيضًا الدارقطني 2/ 78 من طريق بشر بن آدم ثنا أبو عاصم عن سفيان به. بلفظ: صلى على قبر بعد شهر.
قال الدارقطني: تفرد به بشر بن آدم وخالفه غيره عن أبي عاصم. اهـ.
قلت: كلا هاتين الروايتين شاذة. قال الحافظ في "الفتح" 3/ 205 لما ذكر هاتين الروايتين: وهذه روايات شاذة، وسياق الطرق الصحيحة يدل على أنه صلى عليه صبيحة دفنه. اهـ.
ثانيًا: حديث عقبة بن عامر رواه البخاري (4042) قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم أخبرنا زكرياء بن عدي أخبرنا ابن المبارك عن حيوة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحدٍ بعد ثماني سنين كالمودِّع للأحياء والأموات، ثم طلعَ المنبرَ فقال: "إني بين أيديكم فَرَطٌ وأنا عليكم شهيد، وإن موعِدَكُم الحوضُ، وإني لأنظُرُ إليه من مَقامي هذا، وإني لستُ أخشى عليكم أن تُشرِكوا، ولكني أخشى
عليكم الدنيا أن تَنافسوها" قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أخرج الحديث البخاري من طرق مسلم بدون ذكر المدة.
فقد رواه البخاري (1344) ومسلم 4/ 1795 كلاهما من طريق اللّيت عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال:
…
فذكر الحديث.
ثالثًا: حديث أنس رواه مسلم 2/ 695 وابن ماجه (1531) وأحمد 3/ 130 والدارقطني 2/ 77 والبيهقي 4/ 46 كلهم من طريق شعبة عن حبيب بن الشهيد عن ثابت عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر. هذا لفظ مسلم.
وعند ابن ماجه: صلى على قبر بعد ما قُبِر. ومثله البيهقي وزاد. قبر امرأة.
زاد أحمد: أن الميت امرأة.
ورواه البيهقي 4/ 46 من طريق خالد بن خداش عن حماد بن زيد عن ثابت به بنحوه.
قال الألباني في "الإرواء" 3/ 184: سنده جيد وهو على شرط مسلم وفي خالد كلام يسير. اهـ.
رابعًا: حديث يزيد بن ثابت رواه ابن ماجه (1528) والنسائي في "الكبرى" 1/ 651 وأحمد 4/ 388 والبيهقي 4/ 388 وابن
حبان 5/ 35 والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 295 كلهم من طريق عثمان بن حكيم ثنا خارجة بن زيد بن ثابت عن يزيد بن ثابت، وكان أكبر من زيد. قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما ورد البقيع فإذا هو بقبر جديد. فسأل عنه. فقالوا: فلانة. فعرفها. وقال: "ألا آذنتموني بها؟ " قالوا: كنتَ قائلًا صائمًا. فكرهنا أن نؤذيك. قال: "فلا تفعلوا. لا أعرِفَنَّ ما مات منكم ميت، ما كنت بين أظهركم، إلا آذنتموني به. فإن صلاتي عليه له رحمة" ثم أتى القبر، فصففنا خلفه، فكبر عليها أربعًا.
قلت: رجاله ثقات. وإسناده قوي.
ورواه عن عثمان بن حكيم كلٌّ من هشيم عند ابن ماجه والبيهقي وأحمد وأيضًا عبد الله بن نمير عند النسائي. وصححه الألباني في "الإرواء" 3/ 185.
خامسًا: حديث عامر بن ربيعة رواه ابن ماجه (1529) قال: حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب ثنا عبد العزيز بن محمد الدّراوردي، عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه: أن امرأة سوداء ماتت لم يُؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر بذلك فقال:"هلا آذنتموني بها" ثم قال لأصحابه: "صفوا عليها" فصلى عليها.
قلت: في إسناده يعقوب بن حميد بن كاسب المدني تكلم فيه.
قال مضر بن محمد عن ابن معين: ثقة. اهـ. وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء. اهـ.
وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي زرعة: ثقة. فحرك رأسه، قلت: كان صدوقًا في الحديث؟ قال: لهذا شروط. اهـ. وقال أيضًا: قلبي لا يسكن علَى ابن كاسب. اهـ.
وقال أبو حاتم: ضعيفُ الحديث. اهـ.
وقال البخاري: لم نر إلا خيرًا هو في الأصل صدوق. اهـ.
وقال النسائي: ليس بشيء. اهـ. وقال في موضع آخر: ليس بثقة. اهـ.
وأصل الحديث في "الصحيحين" كما سبق وله ألفاظ عدة.
لهذا قال البوصيري في تعليقه على "زوائد ابن ماجه" 1/ 271 (550) أصل الحديث قد رواه غيره وهذا الإسناد حسن، لأن يعقوب بن حميد مختلف فيه. اهـ.
قلت: لعله حسنه بالمتابعة، وإلا فيعقوب الأكثر على تضعيفه كما سبق لكنه توبع فقد رواه ابن أبي شيبة 3/ 361 قال: حدثنا داود بن عبد الله حدثنا الدراوردي به بلفظ: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر حدث فقال: "ما هذا القبر؟ " فقالوا: قبر فلانة. قال: "فهلا آذنتموني" فصف عليها فصلى عليها.
قال الحافظ ابن حجر في تعليقه على "المطالب"(876): إسناده حسن، وقد أخرجه ابن ماجه باختصار. اهـ.
ورواه عبد بن حميد كما في "المطالب"(877) قال: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أنبأنا أبو بكر بن حفص عن عبد الله بن عامر بن
ربيعة قال: إن امرأة كانت تلقط القصب والأذى من المسجد، فمرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرها فصلى عليها. هكذا مرسل.
ورواه أحمد في "المسند" 3/ 444 قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد الدراوردي- عن محمد بن زيد التيمي، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه.
ورواه ابن ماجه (1533) من حديث أبي سعيد بنحوه. وفي سنده ابن لهيعة. هو ضعيف كما سبق (1).
قال الألباني في "الإرواء" 3/ 185: أخرجه ابن ماجه (1529) وأحمد 3/ 444 - 445 وابن أبي شيبة 4/ 150 بسند صحيح على شرط مسلم. اهـ.
سادسًا: حديث بريدة رواه ابن ماجه (1532) قال: حدثنا محمد بن حميد ثنا مهران بن أبي عمر عن أبي سنان عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ميت بعد ما دفن.
قال البوصيري في "الزوائد" 1/ 271 (551): إسناده حسن، أبو سنان فمن دونه مختلف فيهم. اهـ.
قلت: إسناده ضعيف جدًّا؛ لأن شيخ ابن ماجه وثقه ابن معين في أول أَمْرِه تم ضعفه وتكلم فيه الأئمه أيضًا.
وقال أبو حاتم الرازي: سألني يحيى بن معين عن ابن حميد من قبل أن يظهر منه ما ظهر. فقال: أي شيء ينقمون منه؟ فقلت:
(1) راجع باب: نجاسة دم الحيض.
يكون في كتابه شيء فيقول: ليس هذا هكذا. فيأخذ القلم فيغيره. فقال: بئس هذه الخصلة، قدم علينا بغداد، فأخذنا منه كتاب يعقوب القمي، ففرقنا الأوراق بيننا ومعنا أحمد، فسمعناه ولم نر إلا خيرًا. اهـ.
وقال يعقوب بن شيبة: محمد بن حميد كثير المناكير. اهـ.
وقال البخاري: في حديثه نظر. اهـ. وقال النسائي: ليس بثقة. اهـ.
وقال أبو القاسم ابن أخي أبي زرعة: سألت أبا زرعة عن محمد بن حميد فأوميء بإصبعه إلى فمه. فقلت له: كان يكذب فقال برأسه: نعم. فقلت له: كان قد شاخ لعله كان يعمل عليه ويدلس عليه. فقال: لا يا بني كان يتعمد. اهـ.
وقال أبو نعيم بن عدي: سمعت أبا حاتم الرازي في منزله وعنده ابن خراش وجماعة من مشائخ أهل الري وحفاظهم، فذكروا ابن حميد فأجمعوا على أنه ضعيف في الحديث جدًّا، وأنه يحدث بما لم يسمعه
…
اهـ.
وكذلك في إسناده مهران بن أبي عمر العطار قال ابن معين: ثقة. اهـ. وكذا قال أبو حاتم.
وقال البخاري: سمعت إبراهيم بن موسى يضعف مهران وقال: في حديثه اضطراب. اهـ.
وقال النسائي: ليس بالقوي. اهـ.
وقال الساجي: في حديثه اضطراب. اهـ.
وكذلك شيخه أبو سنان اسمه سعيد بن سنان قال أحمد: ضعيف. اهـ.
وقال ابن معين: ليس بثقة. اهـ. وقال أحمد بن صالح المصري: منكر الحديث ما أعرف من حديثه إلا حديثين أو ثلاثة. اهـ.
وقال دحيم: ليس بشيء. اهـ.
وقال البخاري: منكر الحديث. اهـ. وقال النسائي: متروك الحديث. اهـ.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. اهـ.
والحديث ضعفه الألباني في "الإرواء" 3/ 185.
سابعًا: حديث أبي سعيد الخدري رواه ابن ماجه (1533) قال: حدثنا أبو كريب حدثنا سعيد بن شرحبيل عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن المغيرة عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: كانت سوداء تقم المسجد، فتوفيت ليلًا، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بموتها، فقال:"ألا آذنتموني بها؟ " فخرج بأصحابه، فوقف على قبرها فكبر عليها والناس من خلفه ودعا لها ثم انصرف.
قلت: إسناده ضعيف؛ لأن فيه ابن لهيعة وسبق الكلام عليه (1).
وبه أعله البوصيري في تعليقه على "زوائد ابن ماجه".
(1) راجع باب: نجاسة دم الحيض.
ثامنًا: مرسل سعيد بن المسيب رواه الترمذي (1038) قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب: أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر.
قلت: رجاله ثقات. وإسناده قوي.
ورواه البيهقي 4/ 48 من طريق نصر بن علي ثنا أبي ثنا هشام الدستوائي عن قتادة به بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد بعد موتها بشهر.
قال البيهقي: وكذلك رواه ابن أبي عروبة عن قتادة وهو مرسل صحيح. اهـ.
وقد احتج به أحمد في "مسائل أبي داود"(157).
* * *