الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة
590 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: شهدتُ بِنتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم تُدفَنُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ عندَ القبرِ فرأيتُ عينَيْهِ تَدمَعان. رواه البخاري.
رواه البخاري (1342) والبغويُّ في "شرح السنة" 5/ 394 كلاهما من طريق فليح بن سليمان حدثنا هلال بن علي عن أنس رضي الله عنه قال: شهدت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان فقال:"هل فيكم من أحدٍ لم يقارف الليلة؟ " فقال أبو طلحة: أنا. قال: "فأنزل في قبرها" فنزل في قبرها فقبرها.
قال ابن مبارك: قال فليح: أراه يعني الذنب. قال أبو عبد الله {وَلِيَقْتَرِفُوا} أي: ليكتسبوا.
وقال البغوي في "شرح السنة" 5/ 395: أَوَّلَ فليح قوله: "لم يقارف" أي: لم يذنب، وقيل: أي لم يقرب أهله، بدليل أنَّه ذكر الليل، والغالب من ذلك الفعل وقوعه بالليل. اه.
وبهذا جزم ابن حزم، وقال: معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم يذنب تلك الليلة.
وقال الحافظ: يقويه أن في رواية ثابت المذكورة في "التاريخ الأوسط" والحاكم في "المستدرك" بلفظ "لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة" فتنحى عثمان.
وفي الباب عن أسامة بن زيد وابن عمر وأنس وجابر بن عبد الله وجابر بن عتيك وأبي هريرة وأسماء بنت يزيد ومحمد بن لبيد: أولًا: حديث أسامة بن زيد رواه البخاري (1284) ومسلم 2/ 635 كلاهما من طريق عاصم الأحول عن أبي عثمان النَّهدي عن أسامة بن زيد قال: كُنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيًا لها في الموت؛ فقال: "ارجع إليها، فأخبرها: أن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلُّ شيء عنده بأجلٍ مسمَّى؛ فمُرها فلتصبر ولتحتسب" فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها. قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ ابن جبل وانطلقت معهم فرُفع إليه الصَّبيُّ ونفسُه تقعقع كأنها في شنة، ففاضت عيناه، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرُّحماء".
ثانيًا: حديث ابن عمر رواه البخاري (1304) ومسلم 2/ 636 كلاهما من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن الحارث الأنصاري عن عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عباده شكوى له؛ فأتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود؛ فلما دخل عليه وجده في غشية. فقال: "أقد
قضى؟ " قالوا: لا يا رسول الله؛ فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا فقال: "ألا تسمعون؟ إن الله لا يُعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يُعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم" زاد البخاري "وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه".
ثالثًا: حديث أنس رواه البخاري (1303) ومسلم 4/ 1807 كلاهما من طريق ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وُلِدَ لي الليلة غلام؛ فسميته باسم أبي إبراهيم" ثمَّ دفعه إلى أم سيف امرأة قين، يقال له أبو سيف. فانطلق يأتيه واتبعته، فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره، قد امتلأ البيت دخانًا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقلت: يا أبا سيف أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسك، فدعا النبي بالصَّبيِّ فضمه إليه، وقال: ما شاء الله أن يقول؛ فقال: أنس: لقد رأيتُه وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدمعت عينا رسول الله، فقال:"تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون" هذا لفظ مسلم.
وروى البخاري (4462) قال: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن ثابت عن أنس قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه؛ فقالت فاطمة عليها السلام: وا كربَ أباه. فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" فلما مات قالت فاطمة: يا أبتاه أجاب ربًا دعاه، يا أبتاه مَن جنةُ الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه؛
فلما دُفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنسُ أطابت نفوسُكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب.
رابعًا: حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه رواه مالك 1/ 233 وعنه الإمام أحمد 5/ 445 وأبو داود (3111) والنسائيُّ 4/ 13 كلهم من طريق مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث وهو جَدُّ عبد الله بن عبد الله بن جابر -أبو أمية- أنَّه أخبره: أن جابر بن عتيك أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه فصاح به. فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"غلبنا عليك يا أبا الربيع" فصاح النُّسوة وبكين؛ فجعل جابر يُسَكِّتُهن؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهن؛ فإذا وجب فلا تبكيَنَّ باكية" قالوا: يا رسول الله! وما الوجوب؟ قال: "إذا مات" فقالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدًا، فإنك كنت قد قضيت جهازك؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته".
قلت: رجاله ثقات؛ غير أن عتيك بن الحارث بن عتيك الأنصاري المدني لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلًا غير أن ابن حبان ذكره في "الثقات".
ورمز له الحافظ في "التقريب"(4447) مقبول، أي في المتابعات، والحديث صححه النوويّ في "الخلاصة" 2/ 1056.
خامسًا: حديث جابر بن عبد الله رواه البخاري (1293) ومسلم 3/ 1917 - 1918 والنسائيُّ 4/ 13 كلهم من طريق محمَّد بن
المنكدر عن جابر بن عبد الله، قال: أُصيب أبي يوم أُحد؛ فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني. قال: وجعلت فاطمة بنت عمرو تبكيه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه".
سادسًا: حديث أبي هريرة رواه النسائي 4/ 19 وابن ماجه (1587) كلاهما من طريق محمَّد بن عمرو بن عطاء أن سلمة بن الأزرق قال: سمعت أبا هريرة قال: مات ميت من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه؛ فقام عمر ينهاهُن ويطردهُن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهن يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب".
قلت: في إسناده سلمة بن الأزرق حجازي.
قال ابن القطان: لا يعرف حاله ولا أعرف أحدًا من المصنفين في كتب الرجال ذكره. اه.
ورمز له الحافظ في "التقريب"(2483) مقبول. اه. لكن للحديث طريق آخر فقد رواه ابن ماجه (1587) من طريق محمَّد ابن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة به، ولم يذكر سلمة بن الأزرق؛ فإن هذا الإسناد محفوظ فهو متصل لأبي محمَّد بن عمرو مات سنة (120) وله نيف وثمانون أو أكثر، ومات أبو هريرة سنة (58) أو (59) هـ فيكون أدرك ما يقارب خمس عشرة سنة فإمكان السماع وارد، والله أعلم.
وروى ابن حبَّان كما في "موارد الظمآن"(189) و (743) والحاكم 1/ 538 كلاهما من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاح أسامة بن زيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس هذا منا ليس للصارخ حظ. القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يغضب الرب".
قلت: رجاله لا بأس بهم ومحمد بن عمرو بن علقمة سبق الكلام عليه (1).
سابعًا: حديث أسماء بنت يزيد رواه ابن ماجه (1589) قال: حدثنا سويد بن سعيد ثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له المعزي إما أبو بكر وإما عمر: أنت أحق من عظم الله حقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب. لولا أنَّه وعد صادق وموعود جامع، وأن الآخر تابع للأول لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا، وإنا بك لمحزونون". قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" 1/ 283: إسناده حسن. اه.
قلت: في إسناده شهر بن حوشب سبق الكلام عليه (2).
(1) راجع باب: الإنصات لخطبة الجمعة، وباب: ذكر الموت.
(2)
راجع باب: تحريم المدينة.
وأما سويد بن سعيد إذا حدث من حفظه فهو ضعيف سيئ الحفظ، وإذا حدث من كتابه فهو صحيح.
وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 4/ 311: هذا إسناد حسن في الشواهد. اه.
ثامنًا: حديث محمود بن لبيد رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 142 عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
وفيه: ودمعت عيناه فقالوا: يا رسول الله تبكي وأنت رسول الله. قال: "إنما أنا بشر تدمع العين ويخشع القلب ولا نقول ما يسخط الرب، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون".
قلت: رجاله ثقات وإسناده قوي.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 4/ 310: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، ومحمود بن لبيد صحابي صغير. اه.
* * *