المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منهج العمل في الأبحاث - فتح المنان بسيرة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان

[أحمد الجابري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌منهج العمل في الأبحاث

- ‌من نماذج الرواة:

- ‌ محمد بن عمر الواقدي:

- ‌ سيف بن عمر التميمي:

- ‌ أبو الحسن علي بن محمد المدائني:

- ‌ أبو مِخنف لوط بن يحيى:

- ‌ محمد بن إسحاق بن يسار المدني:

- ‌منهج العمل في الكتاب:

- ‌الفصل الأول مُعاويةُ رضي الله عنه قبل الخِلافة

- ‌اسمُهُ ونسبُهُ وكنيتُهُ ولقبُهُ:

- ‌مولده:

- ‌اهتمام أمِّه به، وتنبُّؤها بنبوغه:

- ‌صِفَتُه الخَلْقية:

- ‌زوجاتُه وأولادُه

- ‌إسلامُهُ:

- ‌القول الأول: أنَّه أسلم عام الفتح:

- ‌القول الثاني: أنَّه أسلم عام القضيَّة (الحديبية):

- ‌القول الثالث: أنَّه أسلم قُبَيْل الفتح (بعد الحديبية، وقبل الفتح):

- ‌معاوية رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: مع النبي صلى الله عليه وسلم في جهاده:

- ‌ثانياً: مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في نُسُكه:

- ‌ثالثاً: كتابتُه الوحي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعاً: روايتُه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌معاوية مع أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنهما

- ‌معاوية مع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنهما

- ‌عمرُ يولِّي معاويةَ الشام:

- ‌تهنئةُ النَّاس هند بولاية معاوية:

- ‌كِتَابُ عمر إلى معاوية:

- ‌ثناءُ عمر على معاوية:

- ‌فتوحاتُ معاوية في عهد عمر:

- ‌معاوية مع عثمان بن عفَّان رضي الله عنهما

- ‌فتوحات معاوية وغزواته في عهد عثمان:

- ‌معاويةُ يرفع أمر الخلافات إلى عثمان بن عفَّان:

- ‌معاوية وفتنة مَقْتَل عثمان رضي الله عنه

- ‌بداية ظهور الفتنة بالكوفة، ونَفْيُ المتكلمين إلى الشام عند معاوية:

- ‌تفاقُم المِحنة، واستدعاء عثمان معاوية:

- ‌وصول الخبر إلى معاوية:

- ‌معاوية مع عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما

- ‌انقسام الصحابة والناس بعد مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌تلخيصٌ لما حدث في معركة الجمل (سنة 36 هـ)

- ‌الرسائل بين عليٍّ ومعاويةَ رضي الله عنهما:

- ‌موقعة صفِّين (سنة 37 هـ)

- ‌تعداد الجيشين:

- ‌النزاع على الماء:

- ‌المراسلات بين علي ومعاوية:

- ‌تنظيم الجيوش وبداية القتال:

- ‌مَقْتلُ عمَّار بن ياسر رضي الله عنه، وظهورُ جيش عليٍّ على أهل الشام:

- ‌ردُّ العلماء تأويل معاوية رضي الله عنه وأهلِ الشام للحديث:

- ‌ليلة الهرير، وآخر أيام القتال:

- ‌توقُّف القتال والدعوة إلى التحكيم:

- ‌مرويَّاتُ قصة التحكيم:

- ‌خُلاصة الكلام في قصة التحكيم:

- ‌موقفٌ حميدٌ لمعاوية مع ملك الروم حال الفتنة:

- ‌عدد الصحابة الذين شهدوا صفِّين:

- ‌فأمَّا الصحابة البدريُّون (من شهدوا بدراً):

- ‌موقف أهل السنَّة مما وقع بين عليٍّ ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌أيُّ الطائفتين كان أدنى إلى الحق

- ‌هل أصاب عليٌّ رضي الله عنه الحقَّ كاملاً بهذا القتال

- ‌إعذار أهل السنة لمعاوية رضي الله عنه ومن معه، وإمساكهم عن الكلام فيهم:

- ‌معركة النَّهْرَوَان

- ‌التخطيط لقتل عليٍّ، ومعاوية، وعمرو رضي الله عنهم

- ‌استقبال معاوية خبر مقتل عليٍّ:

- ‌الفصل الثاني معاوية رضي الله عنه والخلافة

- ‌خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌دعوة معاوية للصلح، وتنازل الحسن عن الخلافة:

- ‌كيف سيقنع الحسن هؤلاء العشرات من الآلاف خلفه بهذا الصلح والتنازل، وقد اشتعلت في قلوب الكثيرين منهم جذوة الغضب، ونار الانتقام

- ‌عام الجماعة:

- ‌فوائد من قصة الصلح بين الحسن ومعاوية:

- ‌ أهم نتائج هذا الصلح

- ‌معاوية رضي الله عنه: خليفةٌ أم مَلِكٌ

- ‌أولاً: معنى الملك العَضوض:

- ‌خروج الخوارج على معاوية:

- ‌الفتوحات في خلافة معاوية:

- ‌أهم الولاة والعمال الذين استعملهم معاوية رضي الله عنه، أو عزلهم:

- ‌معاوية يعهد بالخلافة لابنه يزيد من بعده:

- ‌الخطوة الأولى: معاوية يفكر في الأمر، ويستشير فيه بعض خواصِّه:

- ‌الخطوة الثانية: أخذ معاوية البيعة ليزيد من أهل الشام:

- ‌الخطوة الثالثة: استدعاء معاوية الوفود من الأمصار لأخذ البيعة ليزيد:

- ‌الخطوة الرابعة: الكتابة إلى أهل المدينة بطلب البيعة ليزيد:

- ‌الخطوة الخامسة: قدوم معاوية المدينة بنفسه، وطلبه البيعة ليزيد:

- ‌الخطوة السادسة: لقاء معاوية مع المعترضين على بيعة يزيد:

- ‌الخلاصة في بيعة يزيد:

- ‌أسباب اعتراض بعض الصحابة على بيعة يزيد:

- ‌دوافع ترشيح معاوية لابنه يزيد للخلافة بعده:

- ‌1 - الحفاظ على وحدة الأمة، والخوف عليها من الاختلاف والنزاع:

- ‌2 - حبُّ معاوية لابنه، وتوسُّمه فيه النجابة الدنيوية:

- ‌الجواب عن أدلة المعترضين على تولية معاوية ليزيد من بعده:

- ‌إذن لماذا اعترض البعض على عهد معاوية بالخلافة ليزيد من بعده

- ‌هل كان معاوية مصيبا في عهده ليزيد بالخلافة من بعده

- ‌مرضه وفاته:

- ‌وصيته قبل موته:

- ‌موضع مقبرته:

- ‌عمره، وتاريخ وفاته:

- ‌مدة ملكه:

- ‌نقش خاتمه:

- ‌حزن الصحابة لموته:

- ‌ممَّا قيل فيه من رثاء

- ‌صفاته وأخلاقه:

- ‌1 - الحرص على السُنَّة (تَعلُّماً، وتطبيقاً، وأَمراً ونَشْراً):

- ‌2 - ستر الناس، والعفو والتجاوز عنهم:

- ‌3 - الحلم والأناة:

- ‌4 - التواضع:

- ‌5 - الخشية من الله:

- ‌6 - العدل:

- ‌الفصل الثالث مناقبه، وثناء العلماء عليه

- ‌أولاً: مناقبه وفضائله:

- ‌ثانياً: ثناء الصحابة رضي الله عنه والسلف عليه:

- ‌ أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم

- ‌ علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ أبو الدرداء رضي الله عنه

- ‌ عبد الله بن عباس رضي الله عنه

- ‌ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه

- ‌ عبد الله بن عمر رضي الله عنه

- ‌ المسور بن مخرمة رضي الله عنه

- ‌ مجاهد بن جبر:

- ‌ محمد بن سيرين:

- ‌ محمد بن شهاب الزهري:

- ‌ أبو إسحاق السبيعي:

- ‌ سفيان الثوري:

- ‌ الفضيل بن عياض:

- ‌ شيخ الإسلام ابن تيْميَّة:

- ‌ الذهبي:

- ‌ ابن كثير:

- ‌المفاضلة بين معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز:

- ‌أقوال السلف فيمن سبَّ معاوية رضي الله عنه

- ‌ عمر بن عبد العزيز:

- ‌ الحسن البصري:

- ‌ الإمام مالك:

- ‌ الإمام أحمد:

- ‌ شيخ الإسلام ابن تيْميَّة:

- ‌الفصل الرابع شبهاتٌ وردُود

- ‌الشُّبهة الأولى: الأحاديث الواردة في ذم معاوية رضي الله عنه

- ‌أ- حديث: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه -وفي لفظ: فارجموه

- ‌ب- حديث عبادة بن الصامت مرفوعا: «سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، فلا تعتلوا بربكم»

- ‌جـ- حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «كنتُ ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب، قال فجاء فحطأني حطأة(1)، وقال: اذهب وادع لي معاوية. قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية. قال: فجئت فقلت:

- ‌د- عن فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب،…، قالت: فلما حللتُ ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية ف

- ‌الشبهة الثانية: تعامل معاوية رضي الله عنه بالربا:

- ‌الشبهة الثالثة: بيع معاوية رضي الله عنه الأصنام:

- ‌الشبهة الرابعة: سمُّ معاوية للحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌الشبهة الخامسة: قتل معاوية لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد:

- ‌الشبهة السادسة: قتل معاوية للأشتر مالك بن الحارث النخعي:

- ‌الشبهة السابعة: قتل معاوية لحُجْر بن عدي

- ‌الشبهة الثامنة: لعنُ وسبُّ معاوية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌الشبهة التاسعة: محاولة معاوية نقل منبر النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى الشام:

- ‌الشبهة العاشرة: استلحاق معاوية رضي الله عنه زياد بن أبيه:

- ‌جريدة المصادر والمراجع

الفصل: ‌منهج العمل في الأبحاث

بسم الله الرحمن الرحيم

‌منهج العمل في الأبحاث

لا ريب أنَّ نزول ميدانٍ كميدان السِّيَرِ والأخبار والمغازي يعجُّ بمئات المرويات، والتي لم تلتئم على بعضها، أو تَأْرِز إلى مكانٍ واحدٍ يجمعها، بل آثرت الفرقة، وعزَّت معظم الروايات المقبولة بنفسها، فضنَّت بما فيها على كل باحثٍ عجول، أو قارئٍ يكتفي بالمشهور، وإنما اختارت أن تبقى بمنأى يُحوج طالبها إلى صبر لاستخراجها، وسعيٍ حثيثٍ للوصول إليها، أضف إلى ذلك كثرة المؤلَّفات في هذا الباب؛ كل هذا لا يجعل المهمة سهلةً ميسورة، إلا بتأنٍّ وتتبُّعٍ، بعد عون الله عز وجل.

وقد حاولنا -قدر الاستطاعة- أن نتخيَّر خُطة عمل تُحكم الأبحاث، وتُخرجها أقرب ما تكون إلى الدِّقة التي يرجوها كلُّ منصفٍ وباحثٍ عن الحق؛ فاهتدينا إلى ما يلي:

أولاً: جعلنا كتاب: (تاريخ الطبري) أصلاً لمادة هذا البحث، يُضاف إليه ويُجمع عليه ما يُحتاج إليه من تتمَّات وزيادات لإكمال مشهد، أو تفصيل مُجمَل، أو إزالة شُبهة وإشكال.

وسبب اختيارنا له: ما تمتَّع به صاحبه من سيرةٍ حسنةٍ، وعدالةٍ مشتهرةٍ، إضافةً إلى شموليته في كثيرٍ من الأحداث، فقد استوعب كثيراً مما كُتب قبله، فصار عمدةً لكل من جاء بعده

(1)

، حتى أنَّ أبا الحسن ابن الأثير (ت: 630 ه) حينما أراد أن يُصنِّف كتابه في التاريخ؛ جعل كتاب الطبري أصلاً لكتابه، بل في بعض الأحداث -كالفتنة التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم اكتفى بكلام الطبري، ولم يُضف عليه شيئا!

يقول رحمه الله: «وقد جمعتُ في كتابي هذا ما لم يجتمع في كتابٍ واحد، ومن تأمَّله علم صحة ذلك.

(1)

انظر عن كتاب الطبري ومنهجه فيه وما تميَّز به: موارد تاريخ الطبري للدكتور علي جواد، منهج كتابة التاريخ الإسلامي حتى نهاية القرن الثالث الهجري لمحمد بن صامل السلمي (ص: 440 - 451).

ص: 9

فابتدأتُ بالتاريخ الكبير الذي صنَّفه الإمام أبو جعفر الطبري، إذ هو الكتاب المعوَّل عند الكافَّة عليه، والمرجوع عند الاختلاف إليه، فأخذتُ ما فيه من جميع تراجمه، لم أخلَّ بترجمةٍ واحدةٍ منها، وقد ذكر هو في أكثر الحوادث رواياتٍ ذواتِ عدد، كل رواية منها مثل التي قبلها، أو أقلّ منها، وربما زاد الشيء اليسير أو نقصه، فقصدتُ أتمَّ الروايات فنقلتها، وأضفتُ إليها من غيرها ما ليس فيها، وأودعتُ كلَّ شيءٍ مكانه، فجاء جميع ما في تلك الحادثة -على اختلاف طرقها- سياقاً واحداً على ما تراه.

فلما فرغتُ منه: أخذتُ غيره من التواريخ المشهورة فطالعتُها، وأضفتُ منها إلى ما نقلته من تاريخ الطبري ما ليس فيه، ووضعت كلَّ شيء منها موضعه، إلا ما يتعلَّق بما جرى بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لم أُضفْ إلى ما نقله أبو جعفر شيئاً؛ إلَّا ما فيه زيادة بيانٍ، أو اسم إنسانٍ، أو ما لا يُطعن على أحد منهم في نقله، وإنما اعتمدتُ عليه من بين المؤرِّخين إذ هو الإمام المُتقنُ حقَّاً، الجامعُ علماً وصحةَ اعتقادٍ وصدقاً.

على أنِّي لم أنقل إلا من التواريخ المذكورة، والكتب المشهورة، ممن يعلم بصدقهم فيما نقلوه، وصحَّة ما دوَّنوه، ولم أكن كالخابط في ظلماء الليالي، ولا كمن يجمع الحصباء واللآلي»

(1)

.

قُلنا: وقريبٌ من منهج ابن الأثير، اخترنا لهذه الأبحاث أن تسير، فجعلنا كتاب الطبري أصلاً، لكن مع تعديل وتغيير.

فالطبريُّ يورد الأحداث مرتَّبة على السنين، وهذا لم نلتزم به، وإنما وضعنا كُل حادثة في مكانها الذي نراه لائقاً، وفق ترتيب كل بحث.

فبعض الأحداث تُنقل من نسقها عند الطبري لتُوضع في فصل خاص بالفضائل، أو الشبهات، أو غير ذلك، بحسب ما نرى الحدث ملائماً لمكانه في ترتيب البحث الذي يختاره الباحث.

(1)

الكامل في التاريخ (1/ 6 - 7).

ص: 10

أيضاً: اختار الطبريُّ لنفسه أن يُورد الرواياتِ التي يختارها في الحدث بسندها إلى قائلها وناقلها، تاركاً مسألة الحكم على الإسناد للقارئ والباحث من بعده، مُحذِّراً أن يُحمِّله أحدٌ نكارة رواية، أو بشاعة نقل؛ فقال:«فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة؛ فليعلم أنه لم يُؤتَ في ذلك من قِبَلِنا، وإنما أُتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنَّا إنَّما أدَّينا ذلك على نحو ما أُدِّي إلينا»

(1)

.

وعلى هذا فروايات الطبري جامعة بين الغثِّ والسَّمين، والصَّحيح والسَّقيم، وهنا يتحتَّم علينا أن نبيِّن الفرق بين هذه المرويَّات، وما يصلح للاحتجاج وما لا يصلح إلا أن يكون في الموضوعات، ولكن لما كان التبيين لصحة كلِّ ما ذُكر، وإظهار علَّة كلِّ خبر، مما يطول به حجم الكتب والأبحاث، ولربما بعث الملل في نفس القارئ والباحث لشبهته عن جواب؛ فقد آثرنا أن نقنِّن الأمر كما يلي في:

ثانياً: قمنا باستخراج جميع المرويات التي ورد فيها ذكر الشخصية صاحبة البحث (أبوبكر، عمر، عثمان، علي، معاوية) في الكتاب، سواءٌ في خلافته أم قبلها، وما صحَّ منها أدرجناه في البحث في موطنه اللائق به وفق ترتيب الأحداث -الذي يذكره كل باحث في مُقدِّمة بحثه-، وأمَّا ما لم يصح من هذه المرويات فهو على قسمين:

(1)

تاريخ الطبري (1/ 8).

ص: 11

- القسم الأول: احتِيج إليه لاستكمال صورة الأحداث، ووصل الحلقات ببعضها البعض، فمثل هذا لا مفرَّ من إيراده، وهو عين ما فعله الطبريُّ حينما أورد الأخبار الضعيفة في ثنايا كلامه عن بعض الأحداث، وإن كان الطبريُّ أحال القارئ على السَّند؛ فإننا لن نوقعه في ذلك العَنَت، بل سنبيِّن -إن شاء الله- عند كل روايةٍ ضعيفةٍ أوردناها ضعفها، وسبب وهائها، فثقافة النظر في الأسانيد قبل قبول المتن؛ لم تعد منتشرةً بين أبناء هذا الزمان، كما كانت منتشرةً في زمان الطبري، الذي تعامل معهم من هذا المنطلق، فأحالهم على الإسناد.

وهذا القسم يتميز عن لاحقه بأنَّ ضعفه ليس شديداً، ونكارته ليست ظاهرة.

- القسم الثاني: لم نجد ثمَّ احتياجٌ لإيراده، خاصة مع نكارة متنه، بل في بعضها ما يكون ذكره مُحدثاً فتنةً لعقول وقلوب بعض القارئين، فمثل هذه الروايات ضربنا صفحاً عن ذكرها، رغبةً في إماتتها، وإخمال نشرها، وهذا الفعل مِنِّا قد سبق إليه الطبريُّ، فمع ما أورد في كتابه من ضعيفٍ وموضوعٍ، ومع أنه أسند كلَّ قولٍ إلى قائله؛ إلَّا أنَّه أعرض عن ذكر بعض الأخبار، رغم استحضاره لها، وتمكُّنه من عزوها لقائلها وإسنادها؛ وذلك لأنَّه رأى أن فيما ذكر كفاية، وأيضاً: حفاظاً على عقول وقلوب العامة.

قال الطبريُّ: «وذكر هشام، عن أبي مخنف، قال: وحدثني يزيد بن ظبيان الهمداني، أن محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لما ولي، فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهتُ ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامة»

(1)

.

فانظر كيف أَعْرضَ الطبريُّ عن ذكر بعض الروايات، لما رأى أنها لا تضيف جديداً، وأنَّها قد تتسبَّب في فتنة بعض العامة في زمانه، فكيف لو ذُكرت لأهل زماننا؟!

(1)

تاريخ الطبري (4/ 557).

ص: 12

ومن هنا: أعرضنا عن ذكر بعض هذه الروايات لاجتماع الشَّرَّيْن فيها: ضعف الإسناد من جهة، ونكارة المتن التي لا تُتحمَّل من جهة أخرى، وإن كان الطبريُّ رأى تحمُّلها في زمانه.

والذي ينبغي أن يطمئنَ إليه القارئ، وهو ما التزمناه -بحمد الله- أثناء هذه الأبحاث؛ أنَّا لا ندع روايةً صحيحةً من كتاب الطبريِّ، وفيها ذكرٌ لصاحب البحث تندُّ عن هذا الكتاب، ونحسب تلك كافيةً للمُنْصِف -إن شاء الله-.

ثالثاً: لم نكتفِ بما ورد في تاريخ الطبري فقط، إذ كان هناك بعض الأحداث تستلزم توسُّعاً للتوضيح والتكميل، فهنا نُضيف ما نراه نافعاً من التواريخ الأخرى وكتب التراجم والطبقات، كتاريخ ابن عساكر، وتاريخ خليفة بن خياط، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي، وطبقات ابن سعد، وغير ذلك.

رابعاً: لم نتوسَّع في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الأبحاث، لأن هذا مما يطول به حجم الكتاب، فاقتصرنا على ذكر أهمِّ المصادر، إلا إذا قام داعٍ لغير ذلك.

خامساً: حكمنا على كل إسناد بما نُراه له مستحقَّاً، صحةً أو ضعفاً، وإن نزل الحديث أو الأثر عن الصحة؛ بيَّنَّا سبب ذلك، وِفق قواعد أهل الحديث المبثوثة في كتبهم، والمعلومة من خلال تطبيقاتهم وعملهم.

ولعله من المفيد هنا أن نذكِّر بشيءٍ من منهجهم في التعامل مع هؤلاء الرواة الأخباريين، ونقلة السير والمغازي المشهورين، حتى لا يظنَّ أحدٌ أننا ابتعدنا عن منهجهم، أو تساهلنا في تطبيق قواعدهم.

فنقول: إنَّ الرواة هم عمود الإسناد، وأصله وسلسلته الفقرية التي لا قَوَام له إلا بها، فكلَّما قوي أمرهم؛ قوي الإسنادُ وصار صلباً في ميدان الاحتجاج والاستشهاد، والعكس أيضا.

ص: 13

لكنْ: ثمَّ رواة عُرف عنهم التخصص في باب من الأبواب، مع ضعفهم في غيره، فمثلا: حفص بن سليمان الكوفي المقرئ، يقول عنه الحافظ ابن حجر:«متروك الحديث، مع إمامته في القراءة»

(1)

، فقد انتشرت روايته للقرآن في الآفاق، ولم يقبل منه العلماء حديثاً واحداً، ولم يشفع له إتقانه للقرآن في قبول الحديث، ولم يردَّ ضعفه في الحديث إتقانه للقراءات، وهذا من الإنصاف.

ومن هذا الباب أيضاً: رواة المغازي والأخبار، فكثيرٌ منهم يُحتاج إليه في هذا الفن، مع كونه غيرَ مقبولٍ عند العلماء في نقل الأحاديث، ولا يعتبرون بأحاديثه!

ويمكننا أن نلحظ بوضوح هذا التفريق والتساهل في تصرُّف أحد المشتغلين بعلوم السنة، وعلامة من علاماتها في زمانه؛ وهو: الحافظ ابن حجر، وذلك من خلال جمعه بين الروايات في كتابه: فتح الباري.

فإنه في الوقت الذي يقرر فيه ردَّ رواية محمد بن إسحاق إذا عنعن ولم يُصرِّح بالتحديث، وردِّ أحاديث الواقدي لأنه متروكٌ عند علماء الجرح والتعديل، فضلاً عن غيرهما من الأخباريين الذين ليس لهم رواية في كتب السنة، كأبي الحسن المدائني وعوانة؛ فإنه يستشهد برواياتهم، ويستدلُّ بها على بعض التفصيلات، ويحاول الجمع بينها وبين الروايات الأخرى التي هي أوثق إسناداً! وهذا دليلٌ على قبوله أخبارهم فيما تخصَّصوا فيه من العناية بالأخبار والسير، وهذا هو المنهج الذي نسير عليه هنا.

وفيما يلي بعض النماذج لرواة تُكلِّم في روايتهم للحديث، ومع ذلك لم تُهدر أقوالهم في باب الأخبار والسير، لعنايتهم وتخصصهم في هذا الباب، ثم نُتبع ذلك ببعض النماذج العملية من تصرفات العلماء مع مروياتهم في أبواب المغازي والسير.

(1)

تقريب التهذيب (1405).

ص: 14