الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما تفصيلا
(1)
: فإليك أشهر الأحاديث وبيان ما فيها:
أ- حديث: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه -وفي لفظ: فارجموه
-».
وهذا الحديث روي من عدة طرق
(2)
؛ فرُوي عن كلٍّ من:
أ- أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
(3)
:
وهو ضعيف، لا يثبت عنه.
قال البخاري: «وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة؛ أن معاوية لما خطب على المنبر فقام رجل فقال -قال: ورفعه-: إذا رأيتموه على المنبر فاقتلوه. وقال آخر: اكتبوا إلى عمر، فكتبوا فإذا عمر قد قتل.
وهذا مرسل، لم يشهد أبو نضرة تلك الأيام.
وقال عبد الرزاق: عن ابن عيينة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد؛ رفعه.
وهذا مدخول لم يثبت.
ورواه مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد؛ رفعه.
وهذا واهٍ، قال أحمد: أحاديث مجالد كلها حلم، وقال يحيى بن سعيد: لو شئت لجعلها كلها عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله»
(4)
.
(1)
إذا وجدتُ من تتبَّع طرق الحديث وبيَّن عللها وما فيها؛ أحلتُ عليه، واكتفيت في رد الحديث بحكم المحدِّثين عليه، وتنصيصهم على عدم صحته.
(2)
وهذه الطرق جميعها لا يسلم منها شيء، ففي أسانيدها المجهول، والضعيف، والوضَّاع، وقد قام الشيخ سعد السبيعي بتبيين ما فيها في كتابه سل السنان (114 - 121).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده -كما في المطالب العالية (4433)، وليس فيه تسمية معاوية-، وابن حبان في المجروحين (1/ 157)، وابن عدي في الكامل (2/ 382، 6/ 343، 543، 8/ 367)، والجورقاني في الأباطيل والمناكير (190)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 155 - 156)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 25).
(4)
التاريخ الأوسط (1/ 135 - 136).
وقال الجورقاني: «هذا حديث لا يرجع منه إلى صحة، وليس هذا الحديث أصلا من حديث أبي سعيد، ولا من حديث أبي الوداك، ومجالد هذا -أحد رجال سند الحديث- ضعيف، منكر الحديث، فسرق هذا الحديث من عمرو بن عبيد، فحدث به، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد بهذا اللفظ.
قال أحمد بن سنان: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: حديث مجالد عند الأحداث: يحيى بن سعيد، وأبي أسامة؛ ليس بشيء.
وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن مجالد؛ فقال: ليس بشيء. يرفع حديثا كثيرا لا يرفعه الناس.
وقال العباس بن محمد الدوري، عن يحيى بن معين، أنه قال: مجالد لا يحتج بحديثه، وقال مرة أخرى: مجالد كذاب، وقال محمد بن إسماعيل البخاري: مجالد كذاب»
(1)
.
ب- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
(2)
:
(3)
.
وقال ابن عدي -بعد ذكره مع عدة أحاديث-: «وهذه الأحاديث، عن عاصم وعن السدي التي ذكرتها كلها غير محفوظة»
(4)
.
جـ- جابر بن عبد الله رضي الله عنه
(5)
:
قال الجورقاني عقبه: «هذا حديث غريب، لم أكتبه إلا من هذا الوجه»
(6)
.
(1)
الأباطيل والمناكير (1/ 354).
(2)
أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 250، 2/ 172)، وابن عدي في الكامل (2/ 491)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 156)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 24).
(3)
المجروحين (1/ 250).
(4)
الكامل (2/ 492).
(5)
أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 482)، والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 274 - 275)، والجورقاني في الأباطيل والمناكير (191)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 158)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 27).
(6)
الأباطيل والمناكير (1/ 355).
د- سهل بن حنيف رضي الله عنه
(1)
:
وهو ضعيف الإسناد أيضا لا يثبت
(2)
.
ه- الحسن البصري، مرسلاً
(3)
:
قيل لأيوب السختياني: «إن عمرو بن عبيد، روى عن الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم معاوية على المنبر فاقتلوه؛ فقال: كذب عمرو»
(4)
.
وقال الجورقاني عقب حديث الحسن هذا: «هذا حديث موضوع باطل، لا أصل له في الأحاديث.
وليس هذا إلا من فعل المبتدعة الوضاعين، خذلهم الله في الدارين، من اعتقد هذا وأمثاله، أو خطر بباله أن هذا مما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو زنديق، خارج من الدين، وعمرو بن عبيد، الذي روى هذا الحديث، قد رمي بالكذب»
(5)
.
والخلاصة في هذا الحديث:
أني لم أقف على قولٍ لأحدٍ من المحدِّثين المتقدِّمين، ولا المتأخرين بتصحيحه، بل أكثرهم على ردِّه وتوهينه وردِّه، وتزيين كتب الموضوعات والوضَّاعين والضعفاء بذكره وتخريجه!
وفيما يلي سردٌ لأبرز العلماء الذين ضعَّفوا هذا الحديث إجمالا:
- الإمام البخاري:
حيث قال: «ويروى عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن رجل، عن عبد الله بن عمرو؛ رفعه في قصته.
وهذا منقطع لا يُعتمد عليه.
وروى الأعمش، عن سالم، عن ثوبان رفعه في قصته.
وسالم لم يسمع من ثوبان، والأعمش لا يدرى سمع هذا من سالم أم لا!
(1)
أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 270)؛ بلفظ: "إذا رأيتم فلانا على المنبر فاقتلوه".
(2)
انظر: سل السنان (ص: 118).
(3)
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 179 - 180)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 178)، والجورقاني في الأباطيل والمناكير (188)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 157)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 25 - 26).
(4)
إسناده صحيح: أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 176).
(5)
الأباطيل والمناكير (1/ 351).
قال أبو بكر بن عياش، عن الأعمش أنه قال: نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب اتخذوها دينا، وقد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معاوية أميرا في زمان عمر، وبعد ذلك عشر سنين؛ فلم يقم إليه أحد فيقتله.
قال البخاري: وهذا مما يدل على هذه الأحاديث أن ليس لها أصول، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خبره على هذا النحو في أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إنما يقوله أهل الضعف بعضهم في بعض، إلا ما يذكر أنهم ذكروا في الجاهلية ثم أسلموا، فمحا الإسلام ما كان قبله»
(1)
.
- أبو جعفر العقيلي:
قال بعد أن أورد عدة أحاديث هذا منها: «ولا تصح في هذه المتون عن النبي عليه السلام شيءٌ من وجه يثبت»
(2)
.
- الحافظ ابن عساكر:
قال بعد أن ذكر طرق الحديث وأسانيده: «وهذه الأسانيد كلها فيها مقال»
(3)
.
- ابن الجوزي:
أورده في الموضوعات، وقال عنه:«هذا حديث موضوع لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(4)
.
- شيخ الإسلام ابن تيْميَّة:
قال بعد ذكره لهذا الحديث: «هذا الحديث ليس في شيء من كتب الإسلام التي يرجع إليها في علم النقل، وهو عند أهل المعرفة بالحديث كذبٌ موضوعٌ مختلقٌ على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات»
(5)
.
- الذهبي:
قال عنه بعد إيراده في ترجمة معاوية: «هذا كذب، ويقال: هو معاوية بن تابوه المنافق
(6)
»
(7)
.
- الحافظ ابن كثير:
قال عنه بعد ذكره: «وهذا الحديث كذب بلا شك»
(8)
.
(1)
التاريخ الأوسط (1/ 135 - 136).
(2)
الضعفاء الكبير (1/ 259).
(3)
تاريخ دمشق (59/ 157).
(4)
الموضوعات (2/ 26).
(5)
منهاج السنة النبوية (4/ 380).
(6)
انظر في الرد على الزعم بأن المقصود معاوية بن تابوه: الموضوعات لابن الجوزي (2/ 26 - 28).
(7)
سير أعلام النبلاء (3/ 150).
(8)
البداية والنهاية (11/ 434).
وكذلك أورده جمعٌ من العلماء الذين صنَّفوا في الموضوعات في كتبهم في زمرة الأحاديث الموضوعة؛ مثل:
- السيوطي: ذكره في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة
(1)
.
- ابن عراق الكناني: ذكره في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة
(2)
.
- الشوكاني: ذكره في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة
(3)
.
والحديث منكر أيضا من جهة المتن، وذلك لأمرين:
الأول: أن هذا قدحٌ في الصحابة الذين بلغهم الحديث ولم يعملوا به، وهذا بعيد عنهم، للعلم بأنهم كانوا لا يخافون في الله لومة لائم.
قال الحافظ ابن كثير: «وهذا الحديث كذب بلا شك، ولو كان صحيحا لبادر الصحابة إلى فعل ذلك; لأنهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم»
(4)
.
الثاني: أن المنبر قد صعده من كان معاوية خيراً منه معاوية، ومع ذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله.
قال شيخ الإسلام ابن تيْميَّة: «ومما يبين كذبه أن منبر النبي صلى الله عليه وسلم قد صعد عليه بعد معاوية من كان معاوية خيرا منه باتفاق المسلمين. فإن كان يجب قتل من صعد عليه لمجرد الصعود على المنبر، وجب قتل هؤلاء كلهم. ثم هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام، فإن مجرد صعود المنبر لا يبيح قتل مسلم. وإن أمر بقتله لكونه تولى الأمر، وهو لا يصلح، فيجب قتل كل من تولى الأمر بعد معاوية ممن معاوية أفضل منه. وهذا خلاف ما تواترت به السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهيه عن قتل ولاة الأمور وقتالهم، كما تقدم بيانه.
(1)
اللآلئ المصنوعة (1/ 388).
(2)
تنزيه الشريعة (2/ 8).
(3)
الفوائد المجموعة (ص: 407).
(4)
البداية والنهاية (11/ 434).