الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرحم الله معاوية، ورضي عنه، وجمعنا به مع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام أجمعين، في دار الخلد في مقام أمين. آمين.
صفاته وأخلاقه:
اجتمع لمعاوية رضي الله عنه من صفات الخير الكثير والكثير، حتى شهد له بذلك القاصي والداني، والعدو والصديق.
يقول د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف: «وقد أجمع المؤرخون على أنه كان لمعاوية نصيب كبير من الذكاء، والدهاء، والسماحة، والحلم، والكرم، وسعة الأفق، وقدرة فائقة على التعامل مع الناس على قدر أحوالهم، أعداءً كانوا أم أصدقاء»
(1)
.
ومن أهم هذه الصفات ما يلي:
1 - الحرص على السُنَّة (تَعلُّماً، وتطبيقاً، وأَمراً ونَشْراً):
فقد كان حريصا رضي الله عنه أن يسأل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يستزيد منه علما، فكان يسأل بعض الصحابة إن كان عندهم علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
- أنه سأل زيد بن أرقم رضي الله عنه: «أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد، ثم رخص في الجمعة؛ فقال: من شاء أن يصلي فليصل»
(2)
.
بل كان أيضا يرسل إليهم إن لم يكونوا حوله، ومن ذلك:
- أنه كتب إلى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: «اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فكتب إليه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
(1)
العالم الإسلامي في العصر الأموي (2/ 81).
(2)
إسناده ضعيف: أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 303)، وفي سنده إياس بن أبي رملة الشامي، مجهول، كما في التقريب (587).
وسمعته يقول: إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال»
(1)
.
- وكتب مرة أخرى إلى عائشة أم المؤمنين: «أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه، ولا تكثري عليَّ، فكتبت عائشة إلى معاوية: سلام عليك. أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضاء الله بسخط الناس؛ كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله؛ وكله الله إلى الناس، والسلام عليك»
(2)
.
ومن حرصه أيضا على السنة: أنه كان يحذر من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يُعرف، فعن عبد الله بن عامر اليحصبي، قال: سمعت معاوية يقول: «إياكم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا حديثاً كان في عهد عمر، فإن عمر كان يخيف الناس في الله عز وجل»
(3)
.
وكان إذا صنع شيئا عن اجتهاد منه، ثم جاءه نصٌّ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ تراجع عن فعله، وقدَّم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
- أنه «كان بينه وبين أهل الروم عهد، وكان يسير في بلادهم، حتى إذا انقضى العهد أغار عليهم، فإذا رجل على دابة أو على فرس، وهو يقول: الله أكبر، وفاء لا غدر، وإذا هو عمرو بن عبسة، فسأله معاوية عن ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان بينه وبين قوم عهد؛ فلا يحلن عهدا، ولا يشدنه حتى يمضي أمده، أو ينبذ إليهم على سواء.
(1)
متفق عليه: أخرجه البخاري (844، 6330)، ومسلم (593)، عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة.
(2)
إسناده صحيح موقوف: أخرجه الترمذي (2414)، وقد رجَّح الترمذي، وأبو حاتم، وأبو زرعة الوقف على الرفع.
انظر: العلل الكبير للترمذي (ص: 332)، علل ابن أبي حاتم (5/ 58 - 60).
(3)
أخرجه مسلم (1037)، وفي صحيح ابن حبان (3401) زيادة؛ وهي: أن معاوية قال ذلك على منبر دمشق.
فرجع معاوية بالناس»
(1)
.
- وعن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه قال: «دخلت على معاوية فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان، وهي كلمة تقولها العرب، فقلتُ: حديثاً سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ولَّاه الله عز وجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم؛ احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره. قال: فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس»
(2)
.
وكان حريصا على نشر ما يحتاج إليه المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجهر بذلك، ويعلمه الناس، على منبره، وفي مجلسه، بل حتى فيما بينه وبين آحاد الناس، ومن ذلك:
(3)
.
- وفي خطبته تلك أيضا، وهو على المنبر:«تناول قصة من شعر كانت في يد حرسي، وقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه، ويقول: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم»
(4)
.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه أحمد (17015)، وأبو داود (2759)، والترمذي (1580) -وقال: حسن صحيح-، والنسائي في الكبرى (8679). والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1105، رقم: 6480).
(2)
إسناده صحيح: أخرجه أحمد (15651، 18033)، وأبو داود (2948)، والترمذي (1333)، والحاكم (4/ 105 - 106) -وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه-.
والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 205 رقم: 629).
(3)
متفق عليه: أخرجه البخاري (2003)، ومسلم (1129)، عن حميد بن عبد الرحمن.
(4)
متفق عليه: أخرجه البخاري (3468)، ومسلم (2127)، عن حميد بن عبد الرحمن.
(1)
.
- وعن حمران بن أبان، يحدث عن معاوية، قال:«إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليها، ولقد نهى عنهما -يعني: الركعتين بعد العصر-»
(2)
.
(3)
.
- وعن عمر بن عطاء بن أبي الخوار: «أن نافع بن جبير، أرسله إلى السائب -ابن أخت نمر- يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة
(4)
، فلما سلم الإمام قمت في مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إلي، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة، فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج»
(5)
.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه أحمد (16846)، وهو في الصحيحين بسياق آخر.
(2)
صحيح البخاري (587).
(3)
إسناده صحيح: أخرجه أحمد (16845)، وأبو داود (5229)، والترمذي (2755) -وقال: حديث حسن-.
(4)
المقصورة: حجرة مبنية في المسجد، أحدثها معاوية بعدما ضربه الخارجي.
(5)
صحيح مسلم (883).
- وعن عيسى بن طلحة قال: «كنت عند معاوية بن أبي سفيان، فجاءه المؤذن يدعوه إلى الصلاة فقال معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة»
(1)
.
- ولربما سمع معاوية بأمر خلاف السنة وقع في غير بلده، فلا يتوانى عن الإرسال بتغييره، أو القيام في الناس بالتحذير منه.
فعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج: «أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وقد كانا جعلا صداقا، فكتب معاوية بن أبي سفيان - وهو خليفة - إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(2)
.
(3)
.
- ومن أعجب ما وقفتُ عليه في اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم: ما نقله عنه حاجبه أبو يوسف، قال:«قدم أبو موسى الأشعري، فنزل بعض الدور بدمشق، فكان معاوية يخرج ليلا يستمع قراءته»
(4)
.
(1)
صحيح مسلم (387).
(2)
إسناده حسن: أخرجه أحمد (16856)، وأبو داود (2075)، وفي سنده محمد بن إسحاق بن يسار المدني، صدوق يدلس، كما في التقريب (5725)، وقد صَّرح بالتحديث، فأُمن تدليسه.
(3)
صحيح البخاري (7139).
(4)
إسناده صحيح إلى أبي يوسف: أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (ص: 231).