الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ زحف إليهم بالناس، ورفع معاوية قُبَّةً عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس، وبايعه عظم الناس من أهل الشام على الموت، وبعث خيلُ أهلَ دمشق فاحتاطت بقبته، وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة، فلم يزل يحوزه، ويكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قُبَّة معاوية عند الظهر»
(1)
.
مَقْتلُ عمَّار بن ياسر رضي الله عنه، وظهورُ جيش عليٍّ على أهل الشام:
كان لوجود عمار بن ياسر في جيش علي أثرٌ كبير في اتِّباع الناس له، وانحيازهم إليه، وذلك لما علموه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن قتل عمَّار خاصَّة، حيث قال:«ويْحَ عمَّار، تقتله الفئة الباغية»
(2)
.
فعن حبة بن جوين العرني، قال: «انطلقتُ أنا وأبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن، فدخلنا عليه، فقال: مرحباً بكما، ما خلَّفتُما من قبائل العرب أحداً أحبَّ إلي منكما، فأسندته إلى أبي مسعود، فقلنا: يا أبا عبد الله، حدِّثنا فإنا نخاف الفتن، فقال: عليكما بالفئة التي فيها ابن سمية، إنِّى سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق، وإن آخر رزقه ضياحٌ من لبن.
قال حبة: فشهدته يوم صفِّين وهو يقول: ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا، فأتي بضياح من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء، فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة، فقال:
اليوم ألقى الأحبَّة
…
محمَّداً وحِزْبه
(1)
إسناده ضعيف: أخرجه الطبري في تاريخه (5/ 37)، وفي سنده أبو مخنف، تقدم الكلام فيه.
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري (447)، ومسلم (2915) من حديث أبي سعيد الخدري.
وقد تكلَّم بعض العلماء في صحة هذا الحديث بما لا يقدح فيه إن شاء الله، فانظر تفصيل ذلك في: سلِّ السنان في الذبِّ عن معاوية بن أبي سفيان (ص: 176 - 184).
والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، وجعل يقول: الموت تحت الأسل، والجنة تحت البارقة»
(1)
.
يقول النوويُّ: «وكانت الصحابة يوم صفِّين يتبعونه -أيْ: عمَّار- حيث توجَّه؛ لعلمهم بأنه مع الفئة العادلة لهذا الحديث»
(2)
.
ولذلك ندم ابن عمر -لاحقاً- على عدم القتال مع عليٍّ، لأجل هذا الحديث.
(1)
إسناده ضعيف، ولبعضه شواهد: أخرجه الطبري في تاريخه (5/ 38 - 39)، وفي سنده مسلم بن كيسان الأعور، ضعيف، كما في التقريب (6641).
فحديث: "ويح عمار، تقتله الفئة الباغية" أخرجه البخاري (447)، ومسلم (2915) من حديث أبي سعيد الخدري.
وقول عمار: "ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا"، له شاهد عند الحاكم (5669) من حديث أبي البختري:"أن عمار بن ياسر، أتي بشربة من لبن، فضحك فقيل له: ما يضحكك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آخر شراب أشربه حين أموت هذا". إلا أن أبا البختري لم يدرك عمارا. انظر: جامع التحصيل (ص: 183).
والفقرة الأخيرة يشهد لها ما أخرجه أحمد (18884)، وابن حبان (7080) -بسند صحيح- عن عبدالله بن سلمة قال:"رأيت عمارا يوم صفِّين، شيخا كبيرا، آدم طوالا، آخذا الحربة بيده ويده ترعد، فقال: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده، لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعرفت أن مصلحينا على الحق، وأنهم على الضلالة".
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 38).
فعن حمزة بن عبد الله بن عمر، أنه بينا هو جالس مع عبد الله بن عمر جاءه رجل من أهل العراق فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني والله لقد خرجت أن أتسمت بسمتك، وأقتدي بك في أمر فرقة الناس، وأعتزل الشر ما استطعت، وأن أقرأ آية من كتاب الله محكمة، قد أخذت بقلبي، فأخبرني عنها، أرأيت قول الله عز وجل:{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} أخبرني عن هذه الآية. فقال عبد الله بن عمر: «ما لك ولذلك؟! انصرف عني» . فقام الرجل فانطلق حتى إذا توارينا سواده أقبل إلينا عبد الله بن عمر فقال: «ما وجدت في نفسي في شيء من أمر هذه الآية إلا ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله تعالى»
(1)
.
فلمَّا قُتل عمَّار رضي الله عنه شدَّ ذلك من أزر جيش عليٍّ، وكاد أن يفتَّ في عضد جيش معاوية، لولا ما تأوَّل به معاويةُ هذا الحديث، وانتشر بين أفراد جيشه.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه الحاكم (3722)، وليس في الأثر المذكور تحديد من يعنيهم ابن عمر، إلا أنه قد ورد عند ابن أبي الدنيا في المحتضرين (213) -بسند صحيح- من طريق سعيد بن جبير، قال:"لما حضرت ابن عمر الوفاة قال: ما آسى على شيء إلا على ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا. يعني الحجاج".