الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا هديٌ نبويٌ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستمع لقراءة أبي موسى ليلا، ولما أصبح قال له:«لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة؟! لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود»
(1)
.
- وكان في صلاته من أشبه الناس بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن قيس بن الحارث، عن أبي عبد الله الصنابحي، عن أبي الدرداء، قال: «ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا -يعني: معاوية-.
قيل لقيس: أين صلاته من صلاة عمر؟ قال: لا أخالها إلا مثلها»
(2)
.
فلا غَرْوَ بعد ما تقدَّم أن ينعته حبر هذه الأمة، وترجمان القرآن: عبد الله بن عباس رضي الله عنه؛ بالفقيه.
فعن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، قال:«قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية، فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب، إنه فقيه»
(3)
.
وقد ذكره ابن حزم ضمن مرتبة المتوسطين في الفتيا من الصحابة رضي الله عنهم
(4)
.
2 - ستر الناس، والعفو والتجاوز عنهم:
وهذا مما انتفع به من مجالسته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماعه الحديث منه، يبين ذلك تلك الرواية:
عن راشد بن سعد، عن معاوية، قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم» .
فقال أبو الدرداء: «كلمة سمعها معاوية من رسول الله نفعه الله تعالى بها»
(5)
.
(1)
صحيح مسلم (793).
(2)
رجاله ثقات: أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (282، 283)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 275)، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 357):"رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير قيس بن الحارث المذحجي، وهو ثقة".
(3)
صحيح البخاري (3765).
(4)
الإحكام في أصول الأحكام (5/ 93).
(5)
إسناده صحيح: أخرجه أبو داود (4888).
قال ابن كثير -مُعلِّقا على كلام أبي الدرداء-: «يعني أنه كان جيد السيرة، حسن التجاوز، جميل العفو، كثير الستر، رحمه الله تعالى»
(1)
.
ومما يدل على عفوه وتجاوزه عن الناس وهو متمكنٌ منهم ما يلي:
- عن وائل بن حجر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا، قال: فأرسل معي معاوية أن أعطها إياه، أو قال: أعلمها إياه ـ
قال: فقال لي معاوية: أردفني خلفك، فقلت: لا تكون من أرداف الملوك، قال: فقال: أعطني نعلك، فقلت: انتعل ظل الناقة، قال: فلما استُخلف معاوية أتيته، فأقعدني معه على السرير، فذكرني الحديث.
قال: وددت أني كنت حملته بين يدي»
(2)
.
- وكان الرجل يوقفه ويقاطعه، ويغلظ له النصيحة والكلام؛ فيقبل منه ولا يؤاخذه.
فعن عبد الله بن عون قال: «كان الرجل يقول لمعاوية والله لتستقيمن بنا يا معاوية، أو لنقومنَّك، فيقول لهم: بماذا؟ فيقولون: بالخشب، فيقول لهم: إذاً أستقيم»
(3)
.
وهذه الصفة -مع الصفة التالية- كان لها أثرٌ كبير في ثبات ملكه، ومحبة الناس له.
(1)
البداية والنهاية (11/ 419).
(2)
إسناده حسن: أخرجه أحمد (27239)، وابن حبان (7205)، وفي سنده سماك بن حرب، صدوق، كما في التقريب (2624).
(3)
إسناده صحيح إلى ابن عون: أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 184)، ويبقى النظر في سماع ابن عون من معاوية، ويبدو أنه لم يسمع منه، لأنه لم يسمع من أنس بن مالك الذي تأخرت وفاته -كما في جامع التحصيل (ص: 215) - فهو من سماعه من معاوية أبعد، والله أعلم.
وللأثر طريق آخر أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 184 - 185)، وفي سنده محمد بن الحسن، أبو بكر ابن دريد، متكلَّمٌ فيه، كما في اللسان (7/ 79).