الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معركة النَّهْرَوَان
(1)
:
كان من جرَّاء قبول علي رضي الله عنه الصلح مع معاوية، ووقف القتال، والسعي في الوصول لما فيه حفظٌ لدماء المسلمين؛ أثرٌ سيءٌ على طائفة الخوارج التي كانت تقاتل مع علي.
(1)
سُميَّت بذلك نسبة للمكان الذي وقع فيه القتال.
وليس الحديث عن معركة النهروان من صُلب هذا الكتاب، لأن معاوية ليس طرفاً فيها، ولذا لم أُطل النفس في الحديث عنها، وإنما أوردتها ليستقيم تسلسل الأحداث، لأنها كانت سببا في التدبير لقتل علي ومعاوية.
يقول ابن كثير: «والحكمان كانا من خيار الصحابة، وهما: عمرو بن العاص السهمي من جهة أهل الشام، والثاني: أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري، من جهة أهل العراق، وإنما نصبا ليصلحا بين الناس، ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين، وحقن لدمائهم، وكذلك وقع، ولم يضل بسببهما إلا فرقة الخوارج، حيث أنكروا على الأميرين التحكيم، وخرجوا عليهما وكفَّروهما، حتى قاتلهم علي بن أبي طالب، وناظرهم ابن عباس
(1)
،
(1)
أخرج أحمد (3187) وأبو داود (4037) والنسائي في الكبرى (8522) - واللفظ له - والحاكم (2656، 7368) وغيرهم؛ بسند حسن عن ابن عباس قال: "لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار، وكانوا ستة آلاف، فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين، أبرد بالصلاة، لعلي أكلم هؤلاء القوم، قال: إني أخافهم عليك، قلت: كلا، فلبستُ، وترجَّلتُ، ودخلت عليهم في دار نصف النهار، وهم يأكلون فقالوا: مرحبا بك يا ابن عباس، فما جاء بك؟ قلتُ لهم: أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين، والأنصار، ومن عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد، لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، قالوا: ثلاث، قلتُ: ما هن؟ قال: أما إحداهن، فإنه حكم الرجال في أمر الله، وقال الله: {إن الحكم إلا لله} [الأنعام: 57] ما شأن الرجال والحكم؟ قلت: هذه واحدة قالوا: وأما الثانية، فإنه قاتل، ولم يسب، ولم يغنم، إن كانوا كفارا لقد حل سباهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سباهم ولا قتالهم قلت: هذه ثنتان، فما الثالثة؟ وذكر كلمة معناها قالوا: محى نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين، قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟ قالوا: حسبنا هذا، قلت: لهم أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيه ما يرد قولكم أترجعون؟ قالوا: نعم، قلت: أما قولكم: حكم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد، وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم} [المائدة: 95] وكان من حكم الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ قالوا: بلى، هذا أفضل، وفي المرأة وزوجها: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} [النساء: 35] فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟ خرجت من هذه؟ قالوا: نعم، قلت: وأما قولكم قاتل ولم يسب، ولم يغنم، أفتسبون أمكم عائشة، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟ فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمنا فقد كفرتم: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6] فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج، أفخرجت من هذه؟ قالوا: نعم، وأما محي نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون. إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين فقال لعلي: «اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امح يا علي، اللهم إنك تعلم أني رسول الله، امح يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله» والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي، وقد محى نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم، فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقُتِلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار".
فرجع منهم شرذمة إلى الحق، واستمر بقيتهم حتى قتل أكثرهم بالنهروان وغيره من المواقف المرذولة عليهم»
(1)
.
قلتُ (أحمد): لم تقتصر هذه الفرقة الخارجة على عنادها، بل أخذوا يطعنون في عليٍّ ويُشغِّبون عليه، وامتدت أيديهم لسفك دماء بعض المسلمين بغير وجه حق، كعبدالله بن خباب بن الأرت رضي الله عنه
(2)
، عندها خرج عليٌ لقتالهم، فقتلهم
(3)
، وكان عليٌ في ذلك القتال على حالة تختلف عن حالته في قتال الجمل وصفِّين.
(4)
.
(1)
البداية والنهاية (9/ 179).
(2)
تاريخ الطبري (5/ 81 - 82).
(3)
انظر تفاصيل ذلك في: تاريخ الطبري (8/ 82 - 91).
(4)
مجموع الفتاوى (20/ 394 - 395).