الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثناءُ عمر على معاوية:
لا شكَّ أنّ استعمال عمر لمعاوية، وإبقاءه عليه طول مدة خلافته؛ هو تزكيةٌ عاليةٌ من رجل عُرف عنه الانتقاء والاصطفاء في اختيار العمال والولاة والأمراء، خاصَّة مع ما كان عليه عمر من عزل مَنْ يحب ويستأمن لأقل شكوى ترد من رعيته فيه، كما وقع منه مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
(1)
.
وقد وردت -إضافةً لذلك، ولسنا في حاجة إليها لما تقدَّم- بعضُ الروايات التي تصرِّح بثناء عمر على معاوية؛ ومنها:
أن معاوية ذُكر يوماً عند عمر، وكأنَّ بعضهم قد ذمَّه، فقال عمر:«دعونا من ذمِّ فتى قريش وابن سيدها، من يضحك في الغضب، ولا يُنال إلا على الرضى، ومن لا يأخذ ما فوق رأسه إلا من تحت قدميه»
(2)
.
ولما قدم عمر الشام ورأى معاوية قال: «هذا كسرى العرب»
(3)
. وكان معاوية قد تلقَّاه في موكبٍ عظيمٍ، فلمَّا دنا منه قال له عمر:«أنت صاحب الموكب العظيم؟» قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: «مع ما يبلغني من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟» قال: مع ما يبلغك من ذاك. قال: «ولم تفعل هذا؟» قال: نحن بأرض جواسيس العدو بها كثير، فيجب أن نُظهر من عزِّ السلطان ما نرهبهم به؛ فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت.
(1)
انظر: صحيح البخاري (755)، صحيح مسلم (453). وقد قال عمر عن سعد لما طُعن، وهو يوصي بأهل الشورى والخلافة بعده -كما في صحيح البخاري (3700) -:"فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة".
(2)
إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي الدنيا في حلم معاوية (1) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 112) - وفي سنده رجل مبهم لم يُسمَّ.
(3)
إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي الدنيا في حلم معاوية (3) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 114) - عن أبي عبدالرحمن المدني؛ به، مرسلاً.
وأخرجه البغوي في معجم الصحابة (5/ 370) عن أبي الحسن المدائني؛ به، مرسلاً أيضاً.
فقال عمر: «يا معاوية، ما أسألك عن شيءٍ إلا تركتني في مثل رواجب الضرس! لئن كان ما قلت حقاً؛ إنه لرأي أريب، ولئن كان باطلاً؛ إنها لخدعة أديب» . قال: فمرني يا أمير المؤمنين. قال: «لا آمرك ولا أنهاك» . فقال رجلٌ: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه، فقال عمر:«لحسن مصادره وموارده جشَّمناه ما جشَّمناه»
(1)
.
ومع ذلك، فلم يخلُ الأمر من مرَّات يُعاتِب فيها عمرُ معاويةَ على بعض ما لا يرضاه، بل ويشتدُّ عليه أحياناً.
(1)
إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي الدنيا في حلم معاوية (2) -ونقله ابن كثير بسنده في البداية والنهاية (11/ 415)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 112) - وفي سنده رجل مبهم لم يُسمَّ.
وساق ابن عساكر القصة بسند آخر (59/ 112 - 113) وبسياق مقارب، وفيها أن الرجل المخاطِب لعمر هو: عبد الرحمن بن عوف، لكن الإسناد ضعيف كسابقه، ففيه من لا يُعرف، مع إرسال السند وعدم اتصاله.
(1)
.
وفي المقابل: كان معاويةُ يعرف لعمر قَدره، ولا تمنعه هذه الشدَّةُ أن يثني عليه بما هو أهله.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه ابن المبارك في الزهد (1/ 202 - رقم: 576).
وثمَّ مواقف أُخَر بين معاوية وعمر، ضربت صفحا عن ذكرها لما يعتريها من ضعف إسناد، ونكارة متن -أحيانا-.
فعن عمران بن سوادة، قال: «صلَّيتُ الصبح مع عمر، فقرأ: سبحان وسورة معها، ثم انصرف وقمت معه، فقال: أحاجة؟ قلت: حاجة، قال: فالْحَقْ، قال: فلحقتُ، فلما دخل أذِن لي، فإذا هو على سريرٍ ليس فوقه شيءٌ، فقلتُ: نصيحة، فقال: مرحباً بالناصح غُدوَّاً وعشيَّاً، قلتُ: عابتْ أمَّتُك منك أربعاً، قال: فوضع رأس دَرَّته في ذقنه، ووضع أسفلها على فخذه، ثم قال: هات، قلتُ: ذكروا أنَّك حرَّمت العمرة في أشهر الحج، ولم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه، وهي حلالٌ، قال: هي حلالٌ، لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم، فكانت قائبة قوب عامها، فقرع حجهم، وهو بهاء من بهاء الله، وقد أصبت، قلتُ: وذكروا أنك حرَّمت متعة النساء، وقد كانت رخصةً من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلَّها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السعة، ثم لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق، وقد أصبت، قال: قلتُ: وأعتقت الأمة أن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها، قال: ألحقت حرمة بحرمة، وما أردت إلا الخير، وأستغفر الله، قلتُ: وتشكوا منك نهر الرعية وعنف السياق، قال: فشرع الدرة، ثم مسحها حتى أتى على آخرها، ثم قال: أنا زميل محمد- وكان زامله في غزوه قرقره الكدر- فوالله إني لأرتع فأشبع، وأسقي فأروي، وأنهز اللفوت، وأزجر العروض، وأذب قدري، وأسوق خطوي، وأضم العنود، وألحق القطوف، وأكثر الزجر، وأقل الضرب، وأشهر العصا، وأدفع باليد، لولا ذلك لاغدرت.