المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: معنى الملك العضوض: - فتح المنان بسيرة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان

[أحمد الجابري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌منهج العمل في الأبحاث

- ‌من نماذج الرواة:

- ‌ محمد بن عمر الواقدي:

- ‌ سيف بن عمر التميمي:

- ‌ أبو الحسن علي بن محمد المدائني:

- ‌ أبو مِخنف لوط بن يحيى:

- ‌ محمد بن إسحاق بن يسار المدني:

- ‌منهج العمل في الكتاب:

- ‌الفصل الأول مُعاويةُ رضي الله عنه قبل الخِلافة

- ‌اسمُهُ ونسبُهُ وكنيتُهُ ولقبُهُ:

- ‌مولده:

- ‌اهتمام أمِّه به، وتنبُّؤها بنبوغه:

- ‌صِفَتُه الخَلْقية:

- ‌زوجاتُه وأولادُه

- ‌إسلامُهُ:

- ‌القول الأول: أنَّه أسلم عام الفتح:

- ‌القول الثاني: أنَّه أسلم عام القضيَّة (الحديبية):

- ‌القول الثالث: أنَّه أسلم قُبَيْل الفتح (بعد الحديبية، وقبل الفتح):

- ‌معاوية رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: مع النبي صلى الله عليه وسلم في جهاده:

- ‌ثانياً: مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في نُسُكه:

- ‌ثالثاً: كتابتُه الوحي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعاً: روايتُه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌معاوية مع أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنهما

- ‌معاوية مع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنهما

- ‌عمرُ يولِّي معاويةَ الشام:

- ‌تهنئةُ النَّاس هند بولاية معاوية:

- ‌كِتَابُ عمر إلى معاوية:

- ‌ثناءُ عمر على معاوية:

- ‌فتوحاتُ معاوية في عهد عمر:

- ‌معاوية مع عثمان بن عفَّان رضي الله عنهما

- ‌فتوحات معاوية وغزواته في عهد عثمان:

- ‌معاويةُ يرفع أمر الخلافات إلى عثمان بن عفَّان:

- ‌معاوية وفتنة مَقْتَل عثمان رضي الله عنه

- ‌بداية ظهور الفتنة بالكوفة، ونَفْيُ المتكلمين إلى الشام عند معاوية:

- ‌تفاقُم المِحنة، واستدعاء عثمان معاوية:

- ‌وصول الخبر إلى معاوية:

- ‌معاوية مع عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما

- ‌انقسام الصحابة والناس بعد مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌تلخيصٌ لما حدث في معركة الجمل (سنة 36 هـ)

- ‌الرسائل بين عليٍّ ومعاويةَ رضي الله عنهما:

- ‌موقعة صفِّين (سنة 37 هـ)

- ‌تعداد الجيشين:

- ‌النزاع على الماء:

- ‌المراسلات بين علي ومعاوية:

- ‌تنظيم الجيوش وبداية القتال:

- ‌مَقْتلُ عمَّار بن ياسر رضي الله عنه، وظهورُ جيش عليٍّ على أهل الشام:

- ‌ردُّ العلماء تأويل معاوية رضي الله عنه وأهلِ الشام للحديث:

- ‌ليلة الهرير، وآخر أيام القتال:

- ‌توقُّف القتال والدعوة إلى التحكيم:

- ‌مرويَّاتُ قصة التحكيم:

- ‌خُلاصة الكلام في قصة التحكيم:

- ‌موقفٌ حميدٌ لمعاوية مع ملك الروم حال الفتنة:

- ‌عدد الصحابة الذين شهدوا صفِّين:

- ‌فأمَّا الصحابة البدريُّون (من شهدوا بدراً):

- ‌موقف أهل السنَّة مما وقع بين عليٍّ ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌أيُّ الطائفتين كان أدنى إلى الحق

- ‌هل أصاب عليٌّ رضي الله عنه الحقَّ كاملاً بهذا القتال

- ‌إعذار أهل السنة لمعاوية رضي الله عنه ومن معه، وإمساكهم عن الكلام فيهم:

- ‌معركة النَّهْرَوَان

- ‌التخطيط لقتل عليٍّ، ومعاوية، وعمرو رضي الله عنهم

- ‌استقبال معاوية خبر مقتل عليٍّ:

- ‌الفصل الثاني معاوية رضي الله عنه والخلافة

- ‌خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌دعوة معاوية للصلح، وتنازل الحسن عن الخلافة:

- ‌كيف سيقنع الحسن هؤلاء العشرات من الآلاف خلفه بهذا الصلح والتنازل، وقد اشتعلت في قلوب الكثيرين منهم جذوة الغضب، ونار الانتقام

- ‌عام الجماعة:

- ‌فوائد من قصة الصلح بين الحسن ومعاوية:

- ‌ أهم نتائج هذا الصلح

- ‌معاوية رضي الله عنه: خليفةٌ أم مَلِكٌ

- ‌أولاً: معنى الملك العَضوض:

- ‌خروج الخوارج على معاوية:

- ‌الفتوحات في خلافة معاوية:

- ‌أهم الولاة والعمال الذين استعملهم معاوية رضي الله عنه، أو عزلهم:

- ‌معاوية يعهد بالخلافة لابنه يزيد من بعده:

- ‌الخطوة الأولى: معاوية يفكر في الأمر، ويستشير فيه بعض خواصِّه:

- ‌الخطوة الثانية: أخذ معاوية البيعة ليزيد من أهل الشام:

- ‌الخطوة الثالثة: استدعاء معاوية الوفود من الأمصار لأخذ البيعة ليزيد:

- ‌الخطوة الرابعة: الكتابة إلى أهل المدينة بطلب البيعة ليزيد:

- ‌الخطوة الخامسة: قدوم معاوية المدينة بنفسه، وطلبه البيعة ليزيد:

- ‌الخطوة السادسة: لقاء معاوية مع المعترضين على بيعة يزيد:

- ‌الخلاصة في بيعة يزيد:

- ‌أسباب اعتراض بعض الصحابة على بيعة يزيد:

- ‌دوافع ترشيح معاوية لابنه يزيد للخلافة بعده:

- ‌1 - الحفاظ على وحدة الأمة، والخوف عليها من الاختلاف والنزاع:

- ‌2 - حبُّ معاوية لابنه، وتوسُّمه فيه النجابة الدنيوية:

- ‌الجواب عن أدلة المعترضين على تولية معاوية ليزيد من بعده:

- ‌إذن لماذا اعترض البعض على عهد معاوية بالخلافة ليزيد من بعده

- ‌هل كان معاوية مصيبا في عهده ليزيد بالخلافة من بعده

- ‌مرضه وفاته:

- ‌وصيته قبل موته:

- ‌موضع مقبرته:

- ‌عمره، وتاريخ وفاته:

- ‌مدة ملكه:

- ‌نقش خاتمه:

- ‌حزن الصحابة لموته:

- ‌ممَّا قيل فيه من رثاء

- ‌صفاته وأخلاقه:

- ‌1 - الحرص على السُنَّة (تَعلُّماً، وتطبيقاً، وأَمراً ونَشْراً):

- ‌2 - ستر الناس، والعفو والتجاوز عنهم:

- ‌3 - الحلم والأناة:

- ‌4 - التواضع:

- ‌5 - الخشية من الله:

- ‌6 - العدل:

- ‌الفصل الثالث مناقبه، وثناء العلماء عليه

- ‌أولاً: مناقبه وفضائله:

- ‌ثانياً: ثناء الصحابة رضي الله عنه والسلف عليه:

- ‌ أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم

- ‌ علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ أبو الدرداء رضي الله عنه

- ‌ عبد الله بن عباس رضي الله عنه

- ‌ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه

- ‌ عبد الله بن عمر رضي الله عنه

- ‌ المسور بن مخرمة رضي الله عنه

- ‌ مجاهد بن جبر:

- ‌ محمد بن سيرين:

- ‌ محمد بن شهاب الزهري:

- ‌ أبو إسحاق السبيعي:

- ‌ سفيان الثوري:

- ‌ الفضيل بن عياض:

- ‌ شيخ الإسلام ابن تيْميَّة:

- ‌ الذهبي:

- ‌ ابن كثير:

- ‌المفاضلة بين معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز:

- ‌أقوال السلف فيمن سبَّ معاوية رضي الله عنه

- ‌ عمر بن عبد العزيز:

- ‌ الحسن البصري:

- ‌ الإمام مالك:

- ‌ الإمام أحمد:

- ‌ شيخ الإسلام ابن تيْميَّة:

- ‌الفصل الرابع شبهاتٌ وردُود

- ‌الشُّبهة الأولى: الأحاديث الواردة في ذم معاوية رضي الله عنه

- ‌أ- حديث: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه -وفي لفظ: فارجموه

- ‌ب- حديث عبادة بن الصامت مرفوعا: «سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، فلا تعتلوا بربكم»

- ‌جـ- حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «كنتُ ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب، قال فجاء فحطأني حطأة(1)، وقال: اذهب وادع لي معاوية. قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية. قال: فجئت فقلت:

- ‌د- عن فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب،…، قالت: فلما حللتُ ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية ف

- ‌الشبهة الثانية: تعامل معاوية رضي الله عنه بالربا:

- ‌الشبهة الثالثة: بيع معاوية رضي الله عنه الأصنام:

- ‌الشبهة الرابعة: سمُّ معاوية للحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌الشبهة الخامسة: قتل معاوية لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد:

- ‌الشبهة السادسة: قتل معاوية للأشتر مالك بن الحارث النخعي:

- ‌الشبهة السابعة: قتل معاوية لحُجْر بن عدي

- ‌الشبهة الثامنة: لعنُ وسبُّ معاوية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌الشبهة التاسعة: محاولة معاوية نقل منبر النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى الشام:

- ‌الشبهة العاشرة: استلحاق معاوية رضي الله عنه زياد بن أبيه:

- ‌جريدة المصادر والمراجع

الفصل: ‌أولا: معنى الملك العضوض:

‌أولاً: معنى الملك العَضوض:

قال ابن الأثير: «ثم يكون مُلكٌ عَضوض، أي: يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا. والعضوض: من أبنية المبالغة»

(1)

.

وقال ابن منظور: «وملك عَضوض: شديد فيه عسف وعنف»

(2)

.

وأما على رواية: ملوك عُضوض:

فقد قال الخطابي: «العُضوض: جمع عِض، وهو: الرجل الخبيث الشرس الخلق»

(3)

.

ثانياً: نص الحديث الصحيح، وبيان اللفظ الضعيف:

فعن سعيد بن جمهان، عن سفينة رضي الله عنه قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخلافة ثلاثون عاما، ثم يكون بعد ذلك الملك. قال سفينة: أمسك خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي ست سنين»

(4)

.

وهذا الحديث صحَّحه الإمام أحمد، وكان يقول به، ويردُّ على من ضعَّفه.

قال المرُّوذي: «ذكرت لأبي عبد الله حديث سفينة، فصححه، وقال: هو صحيح.

قلت: إنهم يطعنون في سعيد بن جمهان؟

فقال: سعيد بن جمهان ثقة، روى عنه غير واحد، منهم: حماد، وحشرج، والعوام.

قلت: إن عباس بن صالح حكى عن علي بن المديني، عن يحيى القطان أنه تكلم فيه؟ فغضب، وقال: باطل ما سمعت يحيى يتكلم فيه»

(5)

.

وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال:«سألت أبي عن الخلافة، فذكر المسألة، وسمعته يقول: والخلافة على ما روى سفينة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة»

(6)

.

وسأل محمد بن الحكم الإمام أحمد عمن ضعَّف حديث سفينة من قبل سعيد بن جمهان، فقال:«بئس القول هذا، سعيد بن جمهان رجل معروف، روى عنه حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، والعوام، وعبد الوارث، وحشرج بن نباتة، هؤلاء خمسة أحفظ أنهم رووا عنه»

(7)

.

من خلال ما تقدَّم: تبين لنا أن لفظ الحديث الصحيح ليس فيه ذكر: «الملك العضوض» ! وإنما وردت هذه اللفظة في حديث آخر، إليك نصه والحكم عليه:

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 253).

(2)

لسان العرب (7/ 191).

(3)

غريب الحديث للخطابي (1/ 250).

(4)

إسناده صحيح: أخرجه أحمد (21919)، وأبو داود (4646، 4647)، والترمذي (2226)، والنسائي في الكبرى (8099).

(5)

المنتخب من العلل للخلال (ص: 217).

(6)

السنة للخلال (2/ 424).

(7)

السنة للخلال (2/ 428).

ص: 160

عن أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائنا خلافة ورحمة، وكائنا ملكا عضوضا، وكائنا عنوة وجبرية وفسادا في الأرض، يستحلون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله»

(1)

.

وهذا ضعيف الإسناد، منكر المتن في بعض ألفاظه.

قال الشيخ الألباني: «والحديث مع ضعف سنده فإن قوله في آخره: "وينصرون على ذلك" منكر، بل باطل؛ لأنه ينافي النصوص القرآنية، كقوله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم}، مع مخالفته لواقع حال المسلمين اليوم، والله المستعان»

(2)

.

ولهذه اللفظة شاهد من حديث آخر؛ وهو:

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه الطيالسي (225)، وأبو يعلى (873)، والطبراني في الكبير (20/ رقم 91، 92)، والبيهقي (16630)، وفي سنده الليث بن أبي سليم، أكثر العلماء على عدم الاحتجاج بحديثه، وأجمل الحافظ الكلام فيه في التقريب (5685) بقوله:"صدوق اختلط جدا، ولم يتميز حديثه؛ فتُرك".

(2)

سلسلة الأحاديث الضعيفة (7/ 56).

ص: 161

عن النعمان بن بشير قال: «كنا قعوداً في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بشير رجلاً يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت»

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه الطيالسي (439) -وعنه أحمد (18406) - والبزار (2796)؛ من طريق داود بن إبراهيم الواسطي (وانقلب عند البزار إلى: إبراهيم بن داود!)، عن حبيب بن سالم، عن النعمان؛ به.

وقد فرَّق العلماء بين داود بن إبراهيم الواسطي، وداود بن إبراهيم الذي يروي عن طاوس، كما في التاريخ الكبير للبخاري (3/ 236 - 237)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 406 - 407)، والضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (1/ 260)، والمتفق والمفترق للخطيب (2/ 875، 877)، ولسان الميزان لابن حجر (3/ 392). وأما ابن حبان فقد جعلهما في الثقات (6/ 280) رجلا واحدا!

فأما صاحبنا -الواسطي- فلم يذكر فيه البخاري ولا ابن أبي حاتم جرحا ولا تعديلا، وإنما نقل ابن أبي حاتم توثيق الطيالسي له، وهو موجود في موطن هذا الحديث عند الطيالسي، وذكره ابن حجر في تعجيل المنفعة (1/ 505) وقال:"ذكره ابن حبان في الثقات".

وقال الذهبي في ديوان الضعفاء (ص: 124): "أما داود بن إبراهيم الواسطي، عن شعبة، وداود بن إبراهيم العنبري، عن عبدة بن سليمان، وداود بن إبراهيم عن الحسن بن شبيب، فليسوا بالمشهورين، ولا ضُعِّفوا".

إذا فليس ثم توثيق لصحابنا إلا من الطيالسي، وذكر ابن حبان له في الثقات، وقد تقدم أن ابن حبان جمعه براوٍ آخر.

وأما الطيالسي: فقد انفرد بتوثيقه، وكذا انفرد برواية هذا الحديث عنه.

قال الدارقطني -كما في أطراف الغرائب والأفراد (3/ 24) -: "تفرد به أبو داود الطيالسي، عن داود بن إبراهيم الواسطي، عن حبيب بن سالم، عن النعمان".

وأعلَّه البزار بشيء آخر؛ فقال عقبه: "هذا الحديث لا نعلم أحدا قال فيه: النعمان عن حذيفة إلا إبراهيم بن داود".

ومما يعلُّ هذه الرواية أيضا: أن للحديث طريقا آخر عن حذيفة بلفظ مختلف، أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده -كما في المطالب العالية (4337) - ومن طريقه الطبراني في الأوسط (6581)؛ من طريق زيد بن الحباب، ثنا العلاء بن المنهال الغنوي، حدثني مهند القيسي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم في نبوة ورحمة، وستكون خلافة ورحمة، ثم يكون كذا وكذا، ثم يكون ملكا عضوضا، يشربون الخمور، ويلبسون الحرير، وفي ذلك ينصرون إلى أن تقوم الساعة» .

قال الطبراني عقبه: "لم يرو هذا الحديث عن العلاء بن المنهال إلا زيد بن الحباب".

قلتُ (أحمد): هذا إسناد ظاهره الحسن، أما زيد: فهو صدوق، كما في التقريب (2124)، والعلاء الراجح في حاله التوثيق، كما في التذييل على كتب الجرح والتعديل لطارق ناجي (ص: 205).

لكن يبدو -والله أعلم- أن أحد الرجلين دخل له حديث حذيفة في حديث أبي عبيدة، وعلى كل حال فالشاهد الذي نريده -مع ثبوت هذا السند- أن هناك مرحلةً وسطى بين الخلافة الراشدة، والملك العضوض، وهذا ما أشارت إليه رواية أخرى صحيحة الإسناد، كما سيأتي في الرواية القادمة من حديث ابن عباس.

ص: 162

وهذا الحديث في إسناده كلام يجعل الاحتجاج به متعذرا بعض الشيء، خاصَّةً في إثبات حكم متعلق بمن ثبت فضله، وقامت عدالته بيقين. ومع هذا: فحتى لو ثبتت هذه اللفظة، فقد أفادت بعض الروايات أن ثمة مرحلة وسطى بين الخلافة الراشدة، والملك العضوض؛ هي: مرحلة الملك والرحمة.

فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكا ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر فعليكم بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان»

(1)

.

خلاصة المسألة:

أولاً: حديث «الخلافة ثلاثون سنة» صحيح الإسناد، وقد فسَّر سفينة رضي الله عنه رواي الحديث- هذه المدة بقوله:«أمسك خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي ست سنين» -كما تقدَّم-.

وهناك من العلماء من يجعل خلافة الحسن بن علي هي المتممة لهذه السنوات الثلاثين.

(1)

إسناده حسن: أخرجه الطبراني في الكبير (11/ رقم 11138)، من طريق موسى بن أعين، عن ابن شهاب (كذا في المطبوع، وسيرد التصحيح قريبا)، عن فطر بن خليفة، عن مجاهد، عن ابن عباس؛ به. وفي سنده فطر بن خليفة، صدوق، كما في التقريب (5441).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 190): "رواه الطبراني، ورجاله ثقات".

والحديث صحَّحه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/ 803، رقم: 3270)، وقال:"وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير سعيد بن حفص النفيلي، ففيه كلام يسير، وقد وثَّقه ابن حبان، وأخرج له في صحيحه ثلاثة أحاديث، والذهبي، والعسقلاني فقال: "صدوق تغير في آخر عمره". وأبو شهاب: هو موسى بن نافع الخياط، ووقع في الأصل: (ابن شهاب)! والتصحيح من المخطوطة (3/ 111/ 1) وكتب الرجال".

وانظر ما تقدم في الحاشية السابقة هنا.

ص: 163

قال شيخ الإسلام ابن تيْميَّة: «فكان آخر الثلاثين: حين سلَّم سبطُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما الأمر إلى معاوية»

(1)

.

وقال ابن كثير: «وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنه، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من أكبر دلائل النبوة»

(2)

.

ثانياً: لم تثبت لفظة: «الملك العضوض» في هذا الحديث، وقد تقدَّم بيان ضعف أسانيدها.

ثالثاً: ورد ما يشهد لهذه اللفظة في حديث آخر، لكن في سنده تتمة هامة تبين المعنى، وتتفق مع ما وقع، وهي: قوله عليه الصلاة والسلام: «ثم يكون ملكاً ورحمة» ، بعد ذكره لفترة الخلافة، وتتنزل هذه على فترة حكم معاوية رضي الله عنه.

رابعاً: لا أعلم أحداً من العلماء أدخل معاوية في فترة الخلافة المعدودة في الحديث، وهو لا يتناسب مع المدة الزمنية المذكورة، لكنَّه معدود عندهم أول ملوك المسلمين، وأفضلهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيْميَّة: «وكان معاوية أول الملوك، وفيه ملك ورحمة، كما رُوِي في الحديث: ستكون خلافة نبوة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض»

(3)

.

وقال أيضا: «ثم لما مات معاوية تولى ابنه يزيد هذا، وجرى بعد موت معاوية من الفتن والفرقة والاختلاف ما ظهر به مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: سيكون نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك عضوض.

(1)

جامع المسائل (3/ 82).

(2)

البداية والنهاية (11/ 134).

(3)

جامع المسائل (3/ 82). وانظر: مجموع الفتاوى (35/ 19).

ص: 164

فكانت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم نبوة ورحمة، وكانت خلافة الخلفاء الراشدين خلافة نبوة ورحمة، وكانت إمارة معاوية ملكا ورحمة، وبعده وقع ملك عضوض»

(1)

.

وقال في موضع آخر: «واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك؛ كان ملكه ملكا ورحمة، كما جاء في الحديث: يكون الملك نبوة ورحمة، ثم تكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية، ثم ملك عضوض.

وكان في ملكه من الرحمة والحلم ونفع المسلمين ما يُعلم أنه كان خيرا من ملك غيره، وأما من قبله فكانوا خلفاء نبوة»

(2)

.

وقال الذهبي: «ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم»

(3)

.

وقال ابن كثير: «فأيام معاوية أول الملك، فهو أول ملوك الإسلام وخيارهم»

(4)

.

وقال أيضاً: «والسنة أن يقال لمعاوية: ملك، ولا يقال له: خليفة، لحديث سفينة»

(5)

.

وقد رُوي عن معاوية رضي الله عنه نفسه أنه كان يقول: «أنا أول الملوك»

(6)

.

(1)

جامع المسائل (5/ 154).

(2)

مجموع الفتاوى (4/ 478).

(3)

سير أعلام النبلاء (3/ 159).

(4)

البداية والنهاية (11/ 143).

(5)

البداية والنهاية (11/ 439).

(6)

في سنده مقال: أخرجه ابن أبي شيبة (30714)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 177)، وفي سنده شيخ لم يُسمَّ، وهو الراوي عن معاوية. وله طريق آخر عند أبي خيثمة -كما في البداية والنهاية (11/ 439) - عن عبد الله بن شوذب قال:"كان معاوية يقول: أنا أول الملوك، وآخر خليفة". وسنده صحيح إلى ابن شوذب، لكنه مرسل، فهو لم يدرك معاوية. ولعل هذا الطريق يشد من أزر سابقه.

ص: 165