الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلاصة في بيعة يزيد:
استطاع معاوية رضي الله عنه أن يأخذ البيعة ليزيد من أهل الأمصار في حياته، ولم يكن ثمَّ اعتراضٌ أو مناقشة من أحد، خلا بعض الصحابة من أهل المدينة؛ كعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن الزبير، وابن عمر، مع مراجعات يسيرة من آخرين، كعمرو بن حزم، والأحنف بن قيس.
ولما خشي معاوية على هؤلاء الذين لم يبايعوا، أخبرهم ألا يظهروا اعتراضهم على ملإ من الناس حتى يخبرهم أنهم دخلوا في البيعة، حتى لا يتعرض لهم أحدٌ من أهل الشام بسوء، ثم ليفعلوا بعد ذلك ما أرادوا؛ فقال لعبد الرحمن بن أبي بكر -كما تقدَّم-:«على رسلك أيها الرجل، لا تشرفن بأهل الشام، فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت، ثم كن بعد ذلك على ما بدا لك من أمرك» . وهذا يفسِّر إعلان معاوية بيعة هؤلاء المعترضين من الصحابة أمام الناس على المنبر، فقد أخبرهم بما هو صانع، وبيَّن حجته فيما فعل.
وهذه الروايات التي تقدمت أصح سندا، وأقوم متنا، من الروايات التي ذكرت أن معاوية هدَّد هؤلاء الصحابة بالقتل، وجعل على رأس كلٍّ منهم حارسا لضرب عنقه إن لم يبايع
(1)
!
(1)
أخرج خليفة بن خياط في تاريخه (ص: 215) عن جويرية بن أسماء قال: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون "أن معاوية لما كان قريبا من مكة، فلما راح من مر قال لصاحب حرسه: لا تدع أحدا يسير معي إلا من حملته أنا، فخرج يسير وحده، حتى إذا كان وسط الأراك لقيه الحسين بن علي، فوقف وقال: مرحبا وأهلا بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد شباب المسلمين، دابة لأبي عبد الله يركبها، فأتي ببرذون فتحول عليه، ثم طلع عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: مرحبا وأهلا بشيخ قريش وسيدها وابن صديق هذه الأمة، دابة لأبي محمد، فأتي ببرذون فركبه، ثم طلع ابن عمر فقال: مرحبا وأهلا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن الفاروق وسيد المسلمين، ودعا له بدابة فركبها، ثم طلع ابن الزبير فقال له: مرحبا وأهلا بابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن الصديق وابن عمة رسول الله، ثم دعا له بدابة فركبها، ثم أقبل يسير بينهم لا يسايره غيرهم حتى دخل مكة، ثم كانوا أول داخل وآخر خارج، ليس في الأرض صباح إلا لهم فيه حباء وكرامة، لا يعرض لهم بذكر شيء مما هو فيه، حتى قضى نسكه وترحلت أثقاله وقرب مسيره إلى الكعبة وأنيخت رواحله، فأقبل بعض القوم على بعض فقالوا: أيها القوم، لا تخدعوا، إنه والله ما صنع بكم لحبكم ولا كرامتكم، وما صنعه إلا لما يريد، فأعدوا له جوابا، وأقبلوا على الحسين فقالوا: أنت يا أبا عبد الله، قال: وفيكم شيخ قريش وسيدها هو أحق بالكلام، فقالوا: أنت يا أبا محمد -لعبد الرحمن بن أبي بكر- فقال: لست هناك، وفيكم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن سيد المسلمين -يعني: ابن عمر-، فقالوا لابن عمر: أنت، قال: لست بصاحبكم، ولكن ولوا الكلام ابن الزبير يكفيكم، قالوا: أنت يا ابن الزبير، قال نعم، إن أعطيتموني عهودكم ومواثيقكم ألا تخالفوني كفيتكم الرجل، فقالوا: فلك ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فخرج الإذن فأذن لهم، فدخلوا فتكلم معاوية، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد علمتم سيرتي فيكم، وصلتي لأرحامكم، وصفحي عنكم، وحملي لما يكون منكم، ويزيد ابن أمير المؤمنين، أخوكم وابن عمكم، وأحسن الناس فيكم رأيا، وإنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة، وتكونون أنتم الذين تنزعون وتؤمرون وتجبون وتقسمون، لا يدخل عليكم في شيء من ذلك، فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني؟ فسكتوا فأقبل على ابن الزبير فقال: هات يا بن الزبير، فإنك لعمري صاحب خطبة القوم، قال: نعم يا أمير المؤمنين، نخيرك من ثلاث خصال، أيها ما أخذت فهو لك رغبة، قال: لله أبوك! اعرضهن، قال: إن شئت صنعت ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع أبو بكر، فهو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع عمر، فهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر، قال: لله أبوك! وما صنعوا؟ قال: قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعهد عهدا، ولم يستخلف أحدا، فارتضى المسلمون أبا بكر، فإن شئت أن تدع هذا الأمر حتى يقضي الله فيه قضاءه فيختار المسلمون لأنفسهم، فقال: إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، إن أبا بكر كان رجلا تقطع دونه الأعناق، وإني لست آمن عليكم الاختلاف، قال: صدقت، والله ما تحب أن تدعنا على هذه الأمة، قال: فاصنع ما صنع أبو بكر، قال: لله أبوك! قال: وما صنع أبو بكر؟ قال: عمد إلى رجل من قاصية قريش، ليس من بني أبيه ولا من رهطه الأدنين فاستخلفه، فإن شئت أن تنظر أي رجل من قريش شئت ليس من بني عبد شمس فترضى به، قال: لله أبوك! الثالثة ما هي؟ قال: تصنع ما صنع عمر، قال: وما صنع عمر؟ قال: جعل هذا الأمر شورى في ستة نفر من قريش، ليس فيهم أحد من ولده، ولا من بني أبيه، ولا من رهطه، قال: فهل عندك غير هذا؟ قال: لا، قال: فأنتم؟ قالوا: ونحن أيضا، قال: إما لا فإني أحببت أن أتقدم إليكم أنه قد أعذر من أنذر، وإنه قد كان يقوم منكم القائم إلي فيكذبني على رؤوس الناس فأحتمل له ذلك وأصفح عنه، وإني قائم بمقالة إن صدقت فلي صدقي، وإن كذبت فعلي كذبي، وإني أقسم لكم بالله لئن ردَّ عليَّ منكم إنسان كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلي رأسه، فلا يرعين رجل إلا على نفسه، ثم دعا صاحب حرسه فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين من حرسك، فإن ذهب رجل يرد علي كلمة في مقامي هذا بصدق أو كذب فليضرباه بسيفيهما.
ثم خرج وخرجوا معه، حتى إذا رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا نستبد بأمر دونهم، ولا نقضي أمرا إلا عن مشورتهم، وإنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ابن أمير المؤمنين من بعده، فبايعوا بسم الله، فضربوا على يديه، ثم جلس على راحلته وانصرف، فلقيهم الناس فقالوا: زعمتم وزعمتم فلما أرضيتم وحبيتم فعلتم، قالوا: إنا والله ما فعلنا، قالوا: فما منعكم أن تردوا على الرجل إذ كذب؟ ثم بايع أهل المدينة والناس، ثم خرج إلى الشام".
وهذا مع ما في متنه من النكارة والمخالفة للآثار الصحيحة التي تقدمت، فإنه معضل ضعيف الإسناد، فشيوخ جويرية الذين ذكروا هذه القصة مجاهيل مبهمون لا يُدرى من هم!