الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً: روايتُه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
-:
لم يكن معاوية رضي الله عنه من المكثرين في رواية الحديث، فعن أبي إدريس الخولاني قال:«سمعت معاوية على المنبر يخطب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وكان قليل الحديث عنه»
(1)
.
وربما يرجع ذلك لتأخُّر إسلامه، ولِقِصَرِ الفترة التي صاحب فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقد ظهر إسلامه في عام الفتح -كما تقدَّم-.
وربما رجع ذلك أيضاً لاحتياطه في الرواية عنه عليه الصلاة والسلام، فقد كان بعض الصحابة يتهيَّبون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة من بلغه حديثُ إثم الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم.
فعن عبد الله بن الزبير، قال:«قلتُ للزبير: إني لا أسمعك تحدِّثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدِّث فلانٌ وفلان؟ قال: أمَا إني لم أفارقه، ولكن سمعتُه يقول: من كذَبَ عليَّ فليتبوأ مقعده من النار»
(2)
.
قال أبو الحسن القابسيُّ -مُعلِّقا على هذا الحديث-: «فمن أجل هذا هَابَ بعض من سمع الحديث أن يُحدِّث الناس بما سمع، وهو بيِّنٌ في اعتذار الزبير»
(3)
.
فلا مانع أن يكون معاوية من هؤلاء الذين كانوا يحتاطون لأنفسهم، خاصَّةً وقد ثبت عنه أنه كان يحذِّر من التهاون في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن عبد الله بن عامر اليحصبي، قال: سمعت معاوية يقول: «إياكم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا حديثاً كان في عهد عمر، فإنَّ عمر كان يُخيف الناسَ في الله عز وجل»
(4)
.
(1)
في سنده ضعف: أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (السفر الثاني- 2/ 629)، وفي سنده أبو عون الأعور، الراوي عن أبي إدريس، قال عنه الحافظ في التقريب (8287):"مقبول".
(2)
صحيح البخاري (107).
(3)
الملخص لمسند الموطأ (ص: 31).
(4)
أخرجه مسلم (1037)، وفي صحيح ابن حبان (3401) زيادة؛ وهي: أن معاوية قال ذلك على منبر دمشق.
ثم وجدتُ عثمان الدارميَّ قد رجَّح هذا الاحتمال الأخير؛ فقال: «كان معاويةُ معروفاً بقلَّة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو شاء لأكثر، إلا أنه كان يتقي ذلك، ويتقدَّم إلى الناس ينهاهم عن الإكثار على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إنه كان ليقول: اتقوا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما كان يُذكر منها في زمن عمر ، فإنَّ عمر كان يُخوِّف الناس في الله تعالى»
(1)
. فالحمد لله على توفيقه.
ومع ذا: فقد روى معاويةُ رضي الله عنه قدراً لا بأس به من الأحاديث.
قال النوويُّ: «رُوي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثلاثة وستون حديثا
(2)
، اتفق البخاري ومسلم على أربعة منها، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة.
رَوَى عنه من الصحابة: ابن عباس، وأبو الدرداء، وجرير بن عبد الله، والنعمان بن بشير، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو سعيد الخدري، والسائب بن يزيد، وأبو أمامة بن سهل. ومن التابعين: ابن المسيب، وحميد بن عبد الرحمن، وغيرهما»
(3)
.
ولذا قال ابنُ كثيرٍ: «ورَوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديثَ كثيرة، في الصحيحين، وغيرهما من السنن، والمسانيد، ورَوَى عنه جماعة من الصحابة والتابعين»
(4)
.
وأمَّا ابنُ الوزير اليماني فله إحصاءٌ آخر لأحاديثَ معاوية رضي الله عنه، من خلال الكتب الستة، ومسند أحمد؛ فقال: «وبعد هذه القواعد أذكرُ لك ما يصدِّقها من بيان أحاديث معاوية التي في الكتب الستة لتعرف ثلاثة أشياء: عدم انفراده فيما رَوَى، وقِلَّةَ ذلك، وعَدَمَ نكارته.
(1)
الرد على بشر المريسي (2/ 632).
(2)
وممن قرر هذا العدد قبل النووي: ابن حزم، وذلك في رسالته: أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد (ص: 35).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 102 - 103)، وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء (ص: 148).
(4)
البداية والنهاية (11/ 397).
فأقول: جملة ما في الجامعين (البخاري، ومسلم) من حديثه: ثلاثة عشر حديثاً، اتفقا منها على أربعة، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة، وجملة ما روي فيهما وفي السنن الأربع من حديثه خمسة أقسام:
…
»
(1)
.
ثم ذكر أحاديث معاوية رضي الله عنه، وبيَّن من تابعه من الصحابة على روايتها، ثم قال:
«فهذا جميع ما لمعاوية في الكتب الستة، ومسند أحمد، حسب معرفتي، وجملتها ستون حديثاً، ما صح عنه وما لم يصح، المتفق على صحته عنه أربعة، ..... ، وأرجو أن لا يكون فاتني من ذلك شيء إن شاء الله تعالى» ، إلى أن قال:«وهو مُقِلٌّ جداً بالنظر إلى طول مدته، وكثرة مخالطته، وليس فيما صحَّ عنه بوفاق شيء يوجب الريبة والتهمة»
(2)
.
وقال في مصنَّفٍ آخر له: «المرويُّ في الكتب السّتّة من طريق معاوية في الأحكام ثلاثون حديثاً»
(3)
، ثم بيَّنها، وبيَّن من تابعه من الصحابة على روايتها، ثم أتبعها بذكر أحاديث أُخر خارج الأحكام، وبعض الآثار الموقوفة، ثم قال: «فهذا جملة ما له في جميع دواوين الإسلام السّتّة، لا يشذّ عنّي من ذلك شيء، إلا ما لا يُعصم عنه البشر من السّهو، وليس في حديثه ما ينكر قطّ، على أنّ فيها ما لم يصحّ عنه، أو ما في صحّته عنه خلاف، وجملة ما اتّفق على صحّته عنه منها كلّها في الفضائل والأحكام: ثلاثة عشر حديثاً؛ اتفق البخاري ومسلم منها على أربعة، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة.
(1)
العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (3/ 163).
(2)
المصدر السابق (3/ 207).
(3)
الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم (2/ 524).