الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مالك رحمه الله تعالى إلا أن أصحابه أَضَاعُوه. وقال ابنُ خَلِّكان في تاريخه: إني رأيت في بعض الكُتُب أنه حنفيٌّ. عند الطحاوي في «باب القراءة خلف الإمام» إسناد فيه ذلك الليث وهذه صورته: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال أخبرني الليث عن يَعْقُوب - وهو أبو يوسف - عن النُّعمان - أي أبي حنيفة - عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» فهذا الإسناد أيضًا قرينة على كونه حنفيًا لكونه تلميذَ أبي يوسف. قال الليْثُ: إني كنت أَسْمَع اسم أبي حنيفة رحمه الله تعالى وكنت مولعًا بِلُقِيِّهِ فوجدتُهُ بمكة قد أكب عليه الناس يستفتونه فبينما هم كذلك إذا أتاه آتٍ واستفتاه في حاجته فعَجِبْتُ على جوابه بداهَةً.
قوله: (لأرى الرِّيَّ) وهذا من باب المحاورات فلا يقال إنه كيف رأى الرِّيُّ مع كونه غير مرئي؟
حكاية: ذكر الشيخ الأكبر حكاية عن بَقي بن مَخْلَد في «الفصوص» أنه رأى في المنام أن النبي صلى الله عليه وسلم سقاه لبنًا فاستقاء بعدما استيقظ تصديقًا لرؤياه، فخرج اللبن في قَيْئِهِ. قال الشيخ الأكبر: كان هو العلم فلو كان تَرَكَه لكان أَحْسَن، ولكنه لما استقاء تحوَّل العلم إلى صورة اللبن: قلت: ولا بأس فإنه لو قُدِّرَ له من العلم النَبَوِيّ حِصّة يفوز بها ولا يَخِيْبُ منها بالاستقاء كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفضل ولم ينقص من علمه شيء. (من هو بقي) كذلك بقي وإن استقاء اللبن لكنه لا ينقص من علمه الذي قُدِّرَ له وبَقِي محدِّثٌ جليلُ القَدْرِ من تلامذة أحمد رحمه الله تعالى، وصَنَّف في الحديث كتابًا جمع فيه ثلاثينَ ألف حديث (30.000) كذا ذكره الذهبي. وبَقِي من معاصري البخاري وقد أخذ عن أحمد كثيرًا ولعله تَعَلَّم منه حين كان أحمد رحمه الله تعالى يجلس للدرس. ثم لما أَتَتْ عليه الحوادثُ في خَلْقِ القرآن تَرَكَهُ، وكان البخاري بَلَغَهُ مرة وهو صغير السن ثم رحل إليه بعد أن كان أحمد ترك الدرسَ، ولذا لم يخرِّج عنه البخاري إلا ثلاثة أو أربعة أحاديث منها. وكتاب بَقِي هذا لم يَفُزْ به الذهبي.
والذهبي ممن قيل في حقه أنه لو أقيم على أكْمَةَ والرّواة بين يديه يعرف كلًا منهم بأسمائِهم وأسماءِ آبائهم. ويتلو كتابَ بَقِي «مسند أحمد» فإنه جمع أربعين ألف حديثٍ، ثم «كنز العمال» فإن فيه أيضًا ذخيرة عظيمة للأحاديث.
24 - باب الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا
83 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. فَقَالَ «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» . فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ. قَالَ «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» . فَمَا سُئِلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَىْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَاّ قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ. أطرافه 124، 1736، 1737، 1738، 6665 تحفة 8906
ناظِرْ إلى حديث النهي عن جعل ظهر الدابة منبرًا فإما أن يمشي راكبًا أو ينزلَ ثم يتكلم بحاجته فيقول البخاري: إن الفُتْياشيءٌ يسيرٌ وليس تحت النهي.
وقوله: (وغيرها) وقد استفدتُ من عادةِ البخاري أن الحديث إذا اشتمل على جزء مخصوص ويكون الحكم عامًا عنده فيصنع البخاري هناك هكذا، ويضع لفظَ «أو غيرها» دفعًا لإيهام التخصيص وإفادة للتَّعميم ثم لا يخرِّج له دليلًا فيما بعد.
فالمصنف رحمه الله تعالى ههنا أخرج من الحديث مسألة الدابة فقط، وإنما أضاف أو غيرها إفادة لتعميم الحكم فهذا فقه وبيان مسألة احتراسًا. فطلب الدليل على هذا الجزء في كلامه بعيدٌ عندي. ثم كونه صلى الله عليه وسلم على الدابة مذكورٌ في هذا الحديث بعينه إلا أنه في غير طريقه. وهذا أيضًا من دَأْبِهِ حيثُ يضعُ التَّرْجَمَةَ ويكونُ اللفظُ المُتَرْجَمُ عليه في طريق آخَر، ويُخَرِّجُهُ في موضعٍ آخر ويتركه ههنا عمدًا تعميةً وإلغازًا، وربما لا يكون ذلك اللفظُ في كتابه بل يكونُ في الخارج ومع ذلك يُتَرْجِمُ على الحديث ناظرًا إلى هذا اللفظ.
83 -
قوله: (اذبح) والأمر ههنا للإبقاء يعني ذبح هو نى ذى، واعلم أن في يوم النحر أربعة أفعال الرَّمي والذَّبح والحلق والطَّواف. ثم لا ترتيب في الطواف؛ فإنه عبادة في الأحوال كلِّها وليس بجناية. والنحر ليس بواجب على المفرد، نعم يجب الترتيب بين الرمي والحلق مطلقًا، وبين الذبح والحلق على القارن والمتمتع فقط. ولم يُعلم بعد أن هذا الرجل كان قارنًا أو مفردًا، فإن كان مفردًا فأبو حنيفة رحمه الله تعالى أيضًا يقول كما في الحديث يعني أنه لا شيء عليه؛ لأن ذلك الذَّبح الذي قُدِّمَ عليه الحَلْق ذَبْحٌ غير واجبٍ ولكن كان أفضل له أن يُقَدِّمَ الذَّبْحَ قبل الحَلْقِ ولكنه إذا قَدَّمَ الحَلْقَ أَجْزَأَهُ ولا شيء عليه، إلا أن في بعض ألفاظِهِ ما سُئِل عن شيء قُدِّم أو أُخِّر إلا قال افعل ولا حرج. والصور كلُّها سبعةٌ مذكورةٌ في الفقه، وفي بعض الصور يتعين الدم عندنا. وأجاب عنه الطحاوي بأن قَوْلَه «لا حَرَجَ» هو على الإثم أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذا لأنكم فعلتموه على الجهل منكم لا على التعمد فلا جناح عليكم في ذلك. واستَشْهَدَ بروايةٍ فيها:«فجاءه رجل فقال يا رسول الله: لم أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قبل أن أذبح» فدلَّ على أنهم كانوا جاهلين لا متعمدين.
وبروايةٍ أخرى فيها: «وتعلموا مناسككم فإنها من دينكم» . وبرواية أخرى فيها: «قد رَفَع الله الحرج عن عباده إلا من اقْترضَ من أخيه شيئًا ظُلمًا، فذلك الذي حَرِجَ وهَلَك» . ورواية أخرى نحوُها وهي عند أبي داود أيضًا فدَّلَّ على أنّه أراد نَفْيَ الإثم دونَ الجزاء.
وهذا من خصائص الحج فإن الشارع يأمر فيه بشيء ثم يوجب معه الجزاء أيضًا، وإلا فقد يَتَخَايَلُ أن بَيْنَ امتِثَال الأمرِ وبين إيجابِ الجزاءِ تَنَاقُضٌ فاعلمه. والذي تحقق عندي أن يُلْتَزَمَ أن الجزاءَ أيضًا سَقَطَ عنه كما سَقَطَ الإِثْمُ لعذر الجهل؛ فإنه إذا لم يُشْعِرْ ينبغي أن لا يكونَ عليه حرجٌ أصلًا كما قال أحمد رحمه الله تعالى: إن أحدًا لو خالف الترتيبَ بين هذه الأفعال جاهلًا لا يجبُ عليه الجزاء، والجهل في فقهنا لا يكاد أن يكون عذرًا بخلاف الآخرين فإنهم اعتبروه كثيرًا واعتبره البخاري أكثر كثيرًا.