الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القدرَ من العمل يكفي للنجاة، فعُلم منه أنه شيء اغترار لا موضع قرار، فإِذن هذا الحديث أيضًا في فواضل الأعمال لا في فرائضها. ومعنى الاغترار أن يغترَّ بهذا الوعد ولا يرغبُ في فضائل الأعمال.
25 - باب الاِسْتِنْثَارِ فِى الْوُضُوءِ
ذَكَرَهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم.
161 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» . طرفه 162 - تحفة 13547
قالوا: وهو من النَّثْرَة والاستفعال بمعنى تحريك النثرة، والظاهر عندي أَنْ يكون من النَثَّر.
161 -
قوله: (من استجمر) والجمهور على أَنَّ معناهُ استعمالُ الحِجَارة، وما نُقِل عن مالك أنَّه تجمير الكفن، فإِنه لا يليقُ بشأنه ومثلُ هذه النقول البعيدة توجد في مطاوي الأسفار وبطون الأوراق، فلا يُعتمد عليها.
26 - باب الاِسْتِجْمَارِ وِتْرًا
162 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِى أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِى وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» . طرفه 161 - تحفة 13820، 13840
فلو أَنْقَىَ بالرابعة يَستعمِلُ الخامسة استحبابًا تحصيلًا للإِيتار.
162 -
قوله: (إذا استيقظ أحدكم)
…
إلخ
(1)
ويدخل فيه عِدَّة مسائل، مِنْ أنَّ الحديثَ من متعلقات الوضوء أو المياة، فإِنَّ كان من مسائل الوضوء يخرج منه سُنية غَسْل اليدين قبل الوضوء، ولا أحفظ فيه حديثًا قوليًا.
(1)
قال الشيخ رحمه الله تعالى: ونُقل عن الشافعي رحمه الله تعالى كما في "الأم" في سبب الحديث: أنهم كانوا يستنجون بالأحجار والبلادُ حارة، فإذا نام أحدٌ عرق فلا يأمنُ النائم من أن تطوفَ يدُه على ذلك الموضع النجس. اهـ. كذا في تقرير الترمذي عندنا. قلت: ففيه دليلٌ على أن أمرَ الغِسْل لاحتمال النجاسة. ولما كان مدارُ النجاسة عند المالكية على التغيرِ وعدمه، ذكروا في سبب وروده شيئًا يليق بمختاراتهم، فقال الباجي المالكي: إن النائم لا يكاد أن يَسْلَم من حَكِّ جسده وموضع بشرة في بدنه ومس رفغه وإبطه وغير ذلك من مَغَابنِ جسده ومواضع عَرَقه، فاستحب له غَسْل اليد تنظيفًا وتنزهًا. اهـ. وهذا كما ترى جعل مرجعَ الحديث إلى باب النظافة كما فعله ابن تيمية رحمه الله تعالى، مع أنه قد أحسن في تأويله حيث جعل العلة تَطْوَاف اليد، وابن تيمية رحمه الله تعالى جعلها ملابسةُ الشيطان. والله تعالى أعلم بالصواب.
وأَنَّ النجاسة الموهومة هل لها أحكامُ التطهير؟
وأَنَّ أمر الغَسْل هل يختصُ بنوم من الليل أو النهار أو يعمهما؟
وأن سببَ الغسل ما هو؟
وأن التثليثَ ضروريٌ أم لا؟
وأنه إن غمس يده فيه فهل يفسد الماء أم لا؟
فاعلم أن ابن رُشدٍ تكلم عليه أنَّه من أي البابين، أعني من باب الوضوء أو المياه، فإِن كان من مسائل المياه كان محطُّه صيانةَ الماء لا غير، وهو أولى عندي، بقي الغَسْل قبل الوضوء فيكون من باب الأولى، لأن صيانةَ الماءِ إذا كان مطلوبًا في كل حالٍ كان للوضوء بالأولى، فالحديث وإن كان من باب المياه إلا أنه ينجرُّ حكمه إلى باب الوضوء أيضًا. ولا تناقض بين النظرين.
والحديثُ ناظرٌ إلى النجاسات الموهومةِ وأنَّ لها أحكام التطهير، ولذا أَمَرَهُ أن يغسل يده قبل إدخالها في الإِناء. ثم إنه لو غَمَسَهَا فيه بدون الغَسْل لا يفسدُ الماء، بشرط أن لم يكن على يده أثر نجاسة. نعم، كُرِه تنزيهًا، وهي الضابطة عندنا في النجاسات الموهومةِ كسؤور الدجاجة المُخَلاة إلا ما في «المنية» . وأمرُ التثليث عندنا في النجاسات الغير المرئية خاصةً لحصولِ غلبةِ الظن بعده بالتطهيرِ. وهذا الحديث وأمثاله هو المتمسك في هذا الباب، وعند الترمذي:«فلا يْدُخِلْ يده في الإِناء حتى يُفرِغَ عليها مرتين أو ثلاثًا» . وإنما وسَّع في الحكم ولم يؤكد لكون السبب أي وجودِ النجاسة محتمَلًا أيضًا، فحَكَم بقدر سببه.
والحديث حجةً لنا في مسائل المياه وها أنا أذكر مسألةَ المياه بقدْر الضرورة، وقد ذكرته تفصيلًا في درس «جامع الترمذي» ، فاعلم: أن الماء يتنجسُ بالتغيُّرِ إجماعًا، وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى بدون فصل بين القليل والكثير، وعنه روايات أخرى. وعند الشافعي رحمه الله تعالى: إذا بلغ الماءُ قلتين لم يحمل الخبث وإلا تنجَّس، وهو الفاصل عنده بين القليل والكثير. وعندنا الأمر مفوض إلى رأي المُبْتَلى به، فإِن رأى أنَّ النجاسةَ وقعت في جانبٍ وخَلَصَ أثرها إلى جانب آخر فهو قليل، وإلا فهو كثير في حكم الجاري. وبعبارة أخرى: أنَّ الماء إذا كان جاريًا أو في حكم الجاري فهو كثير وما وراءه فقليل. واختلفت الروايات عن أحمد رحمه الله تعالى.
والحاصل: أن الموقَّت والمحددَ في الباب ليس إلا الشافعية، فإنَّ المحدِدَ من لا يحكم بمقدار العِلَّة وهم الشافعية، فإنَّهم قالوا: إنَّ الماء إذا كان ما دون القلتين ولو بدرهم تنجَّس بقليل والنجاسة وكثيرها، وإن كان قُلتين لا يتنجَّسُ ولو بِرَطل منها، وهذا هو غايةُ التحديد حتى أنهم قالوا: إنَّ النجاسة إذا أُخرجت من قلتي الماء ولم يبق أَثرُها فالمطروحُ نجسٌ والباقي طاهر. وأعجب منه ما رأيت في كلمات بعضهم: أنَّ ما دون القلتين يتنجس وإن كان الماء
جاريًا والباقي طاهرًا، فهم الذين لا يحكمون بقدر العِلَّة، لأن حكمَ التَّنجيْس إن كان لحالِ النجاسة فالواجبُ أن يدارَ الحكمُ عليها، ويكون الحكم في القلتين وما دونهما سواء. ولكن المدار عندهم هو القلتان.
وأما أبو حنيفة رضي الله عنه فليس بمحدد أصلًا، كما قرره الطحاوي، ومسألة العشر في العشر ليست مرويةً عن الإِمام، وأَمرُها معلومٌ ولا نذكره، ثم لا فرق بيننا وبين المالكية إلا أنهم اعتبروا التغيُّرَ باعتابر الحِسِّ، واعتبرناه بحَسَبِ ظن المبتلى به. وأنت إن تأملت ظهر لك إن شاء الله تعالى أن أقربَ الأنظار إلى الشريعة هو الإِحالةُ إلى ظن المبتلى به، ولا أراك شاكًا في أن ما اعتبرته الشريعة في أكثر الأبواب هو الظنُّ دون الحس، فإِن كان الأمرُ في الأبوابِ الأُخر هو هذا، فليكن في هذا الباب أيضًا كذلك.
ثم ما من مذهب فيه إلا ويلزمُ عليه أَنْ يتركَ حديثًا من أحاديثِ الباب أن يؤوِّل فيه. فالمالكية يستدلون بحديث بئر بُضَاعة وأمثاله، ويتركون حديثَ القُلتين وحديثَ النَّهي عن البول في الماء الراكد وأمثالهما. وهكذا الشافعية يختارون حديث القلتين ويؤوِّلون في الباقي. والحاصل: أن كلًا منهم يأخذُ بحديثٍ في الباب ويجعلُه قاضيًا على جميع الأحاديث، ويحصرُ فيه مسألة المياه، فيشكِلُ عليه جمعُ الأحاديث على مورد واحد فتارة يلجأ إلى تأويل هذا، وأخرى إلى إعلال هذا، فصار كما قيل:
إِذا سد منه منخر جاش منخر
وأمَّا إمامنا الأعظم فإِنَّه لدِقَّة نظره لم يترك في الباب حديثًا إلا وقد عَمِلَ به ووضعه على الرأسِ والعينِ بدون ريب، وقال: إنَّ الله تعالى خَلَقَ المياه على أقسام: فمنها ماء الأنهار، ومنها ماء الآبار، ومنها ماء الفَلَوات والقِفار، ومنها ما تُحْرَز في البيوت والديار، والشريعة الغراء قد أعطت لكلٍ منها حكمًا حكمًا.
فحديث بئر بُضَاعة إنَّما ورد في مياه الآبار بعد إخراج النجاسة عنها لا حَالَ كونها فيها.
وحديث القُلتين في مياه العيونِ التي في الفلوات، ويكون لها نبع من تحتها وأَخْرَجَهٌ من فوقها، ويَبْقَى في الصحارى على طريق الدوام يَستقي منه النَّاس، يَردُون عليها ويَصْدرون عنها، ولا يكون فيها تيقنُ النجاسة، غير أَنَّها لمَّا لم تكن مصونةً محفوظةً، تسبقُ الأوهامُ إلى نجاستها، ويتزَّهُ العامَّة عن استعمالها.
وحديث ولوغِ الكلب وأمثاله في المياه المقطوعة المحرزة في الأواني. ولذا أخذها الحديث في العُنوان وقال: «طهورَ إناءِ إحدكم إذا ولغ فيه الكلب»
…
فلا يغمس يده في الإِناء. كما أنه أخذ عُنوان الفلوات في حديث القُلتين. فدلت الأحاديث من حاقِّها على أنَّها جاءت موزعةً على مياه. ثم إنَّه لمَّا لم يتفق في البيوت إلا أن يَلَغَ الكلبُ، أو تشربَ منه الهرةُ، أو تقعَ فيه الفأرة، أو يغمسَ أحد فيه يده، فقد أخذ كله في العُنوان ثم بيَّن له حكمًا.
وحديثُ ماء الفلوات لا يكون فيها إلا ورود السِّباع، فذكر له حكمًا أيضًا، فلمَّا علمنا أنها