الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ ذَهَبَتْ بِى خَالَتِى إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِى وَجِعٌ. فَمَسَحَ رَأْسِى وَدَعَا لِى بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ. أطرافه 3540، 3541، 5670، 6352 - تحفة 3794
بَوَّب بلا ترجمة وقد ذكرنا وجهه.
190 -
قوله: (فشربت من وضوئه) والظاهر أنه الباقي في الإِناء دون المتساقِطِ من الأعضاء.
قوله: (زَرِّ الحَجَلة) وقد أتى كل منهم في تشبيه ما كان أقربُ إليه في ذهنه وكان علامة لختم النبوة. وناسب أن يكونَ على الظَّهر على خلاف ما يكون على جبهة الدَّجَّال من: ك، ف، ر، يقرأه كل راءٍ
(1)
، وذلك لأنَّ الختمَ يكونُ في الآخر، فناسب الظهر. وطبعه بالنقش المذكور للإشاعة والإِعلان، فناسب الوجه
(2)
. ولم يكن الخاتم في حقِّ الوسط بل كان مائلًا إلى جانب اليسار، وذلك لأنَّه محل وسوسة الشيطان كما كُشِفَ لبعضهم أنَّ للشيطان خُرطومًا، فإذا وسوس في قلب ابن آدم جلس خلفَه ووسوس من هننا، فجعل الله سبحانه محفوظًا من الخاتم، فناسب ذلك المحل للختم.
43 - باب مَنْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ
191 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ أَوْ مَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أطرافه 185، 186، 192، 197، 199 - تحفة 5308
ويُستفاد بلفظ «من» أنَّه يُشير إلى الاستدلال على الجمع فقط، لا أنَّه اختاره بنفسه أيضًا. واعلم أنَّ الخلافَ في الفصل والوصل بين الحنفية والشافعية ليس في الجواز وعدمه، بل في الأوْلَوية، مع أنَّ في «البحر» تصريحًا بأنَّ أصل السنة تتأدى بالوصل أيضًا وكمالُها بالفصل. وهو في «إمداد الفتاح شرح نور الإِيضاح» أيضًا، فلا حاجة إلى الجواب عندي.
(1)
قلت: وعند الترمذي: "يقرأه من يكره عمله" فاحفظه فإن أكثر الأحاديث خالية عنه، وهو مهم.
(2)
قلت: وقد رأيت في الأحاديث كتابة التقدير بين السنن، فعند الترمذي في حديث طويل في بسط الرب تعالى اليدين وعرض ذرية آدم بين يديه فقال:"أي رب ما هؤلاء قال: هؤلاء ذريتك، فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه"
…
الحديث.
وقد أجاب عنه الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى
(1)
أنَّ المرادَ من قوله: «من كُفَّة واحدة» هو الاستعانة بيد واحدةٍ على خِلاف سائر الوضوء، فإِنه يُستعان فيه باليدين. فالراوي لا يريد الفصلَ والوصلَ، بل يريد بيانَ استعمال كفة لا كفتين.
وقال آخر: إنَّه من باب تنازع الفعلين، والذي وَصُحَ لدي:
(2)
هو أنَّ حديث عبد الله بن زيد واقعة واحدة، وفيها الوصل لما في النسائي:«من ماء واحد» وروى: «غَرفة واحدة» لكن لا لكونه سُنة بل لكون الماء قليلًا. أما كونه واقعة فلما أخرجه البخاري في باب الغسل والوضوء من المِخْضَب يكونُ الغُسْل مرتين أيضًا سُنة لهذا الحديث بعينه، مع أنه لم يقل به أحد.
ثم اعلم
(3)
ولا تغفل أن هذا من دأبهم أنه إذا تكونُ عندهم واقعةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم يُضيفونها
(1)
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وأول ما رأيت هذا الشرح في "شرح ابن مَلَك على مشارق الأنوار" لشمس الدين الصغاني وقد جمع أحاديث الصحيحين. وابن مَلَك مقدَّم على ابن الهُمَام رحمه الله تعالى، وله شرح آخر لصاحب "العناية" أيضًا، إلّا أنه ليس فيه إلّا حل الألفاظ؛ كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز مما ضبطه من تقريرات الشيخ رحمه الله تعالى.
(2)
ونص عبارة الشيخ رحمه الله تعالى مما تتعلق بهذا الحديث في موضع آخر هكذا. وأما صفة الوضوء التي أراها عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه، وفيه ما ظاهرهُ الجمع وهو حديث الباب، فالذي يظهر والله أعلم: أنه أخذها من واقع عينٍ لا عمومَ لها، كما يدلُّ عليه سِيَاق عبد العزيز بن أبي سلمة عند البخاري في باب الغسل من المخضب؛ في أول هذا الحديث: "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في توْرٍ من صُفْر، فتوضأ
…
الحديث.
ولعل هذه القصة هي التي روتها أم عبد الله بن زيد، وهي أم عُمَارة بنت كعب، اسمها نَسيبة، وزوجها زيد بن عاصم وابناها منه: حبيب وعبد الله كما في "الإِصابة" للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتي بماء في إناء قَدْر ثُلثي المُد". قال شعبة: حفظ أنه غَسَلَ ذراعيه وجعل يدلكهما ويمسحَ أذنيه باطنهما، ولا أحفظُ أنه مسح ظاهرهما. رواه النَّسائي في "سننه" من طريق حَبيب عن عبَّاد بن تميم، وحَبيب هذا هو حَبيب بن زيد بن خلَّاد كما يظهر من "التهذيب". وخلَّاد جدُّ حبيب هذا لعله ابن عبد الله بن زياد كما يظهرُ من قول ابن سعد في ترجمة عبد الله: بلغني أنه قُتِل بالحرَّة، وقُتل معه ابناه: خلَّاد وعلي، كذا في "التهذيب".
وعبَّاد بن تميم هو ابن أخي عبد الله بن زيد، فحديث عبد الله بن زيد إن شاء الله ليس حكاية عن العادة الكريمة، بل هي حكاية فعل جُزئي يمكن حملُه على التخفيف والجواز، دون الإِكمال والِإتمام كما يُشعر به الاكتفاء بتثنية غَسْلَ الذراعين،، مع أن السنة التثليثُ بالاتفاق، وفي حديث أم عُمَارة إشارةٌ إلى قِلة الماء الموجبة للتجوز في الوضوء.
وُيؤيد ما قلنا من كونه حكاية فعل جُزئِي ما قاله الحافظ رحمه الله تعالى: في رواية مالك عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه: أن رجلًا قال لعبد الله بن زيد: إن تستطيع أن تُريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم! فدعا بماء
…
الحديث، وقال وفي رواية وهيب: فدعا بِتَورٍ من ماء، وفي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في تور من صُفْر. قال: والتور المذكورُ يُحتمل أن يكون هذا الذي توضأ منه عبد الله بن زيد، إذ سئل عن صفة الوضوء، فيكون أبلغُ في حكاية صورة الحال. انتهى كلامه.
(3)
بل كان بعضُهم يداومُ عليها مع عدم كونها مسألة. وأعجب أمثلتِهِ ما أخرجه أبو داود عن أنس قال: "كانت لي ذؤابة ففالت لي أمي: لا أجزها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدها ويأخذها" ولا يبعدُ أن يكونَ تطبيق ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وأذان أبي مَحْذُورة رضي الله تعالى عنه من هذا الباب. ويجيء تفصيله في موضعه. والله تعالى أعلم.
إليه كالعادة له، ويعبرون عنها كأنها وضوء النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا، ولا يمكن لهم غيره، فإنهم لم يَرَوه إلا كذلك، فلا بد أن يجعلوه كالعادة له، فإن الصحابة لم يتيسر لكل منهم الصُّحبة إلى زمان طويل، بل صَحِبَ بعضُهم مرةً فقط، وبعضٌ آخر أزيدَ منه وهكذا. ثم عبَّر كلُّ واحدٍ منهم عن فعله كما رآه في مدة إقامته.
فلمَّا كان النبي صلى الله عليه وسلم توضأ في بيته ووصل فيه بين المضمضة والاستنشاق وغَسْل ذراعيه مرتين، حكاه كذلك وجعله وضوءَ النبي صلى الله عليه وسلم والذي يَذْهَل عن هذه الدقائق يَحسبُه عادةً وسُنة مستمرةً وقاعدةً مُنعقدة، ولا يدري أنه مجرد تعبير منه، لا أنَّه رأى من وضوئه مرارًا، ثمَّ حقَّقَ المسألة، ثم أراد أن يذكرَها كما يذكرون المسألة، بيد أنَّه ينقل الواقعة، وهكذا يفعله الرواة في نَقْلِ سائر الوقائع، فيريدون بها حكايتها كما وقعت ولا يتعرضون إلى تخريج المسائل وهكذا فعلوا في مهر صفية رضي الله عنها فقالوا:«وجعل عِتْقَها صَدَاقها» وفعلوا مثله في حديث استقراض الحيوان بالحيوان. وسنقرره إن شاء الله تعالى.
وإنَّما هو إلى الفقهاء فإِنهم يُنَقِّحُون المناطَ، ويخرِّجُون عنها الأصول، ويُفرِّعون عليها الفصول، والناس غافلون عن هذا الصنيع. فربما يأخذون المسائل عن تعبيراتهم وليس بشيء عندي. والحاصل: أنَّ وضوء النبي صلى الله عليه وسلم عند الصحابة هو ما رأوه ولو مرةً، فهذا عبد الله بن زيد ليست عنده غير تلك الواقعة وحكاية الحال، فنقلها كما رآها، فليُفهم.
إلخ عنه قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في تَوْرٍ من صُفْر، فغسل وجهه ثلاثًا ويديه مرتين»
…
إلخ. وعند أبي داود في باب الوضوء في آنية الصفر عنه قال: «جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في تَوْر» فدلَّ على أنَّ ما يحكي عبد الله بن زيد عن وضوئه صلى الله عليه وسلم إنما هو واقعةٌ عنده. وعند النسائي عن أم عُمَارة أم عبد الله بن زيد ما يدلُّ على قِلة الماء في تلك الواقعة، وفيه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأُتي بماءٍ قَدْر ثلثي المُد» فكأنَّها تشير إلى ذلك. (باب قدر الذي يكتفى به الرجل من المار «نسائي») ولذا اكتفى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيها في الغَسْل إلى المِرْفَقين بالمرتين فقط، فلو كان الوصلُ سنةً كاملةً لحديث عبد الله بن زيد ينبغي أن ولنا ما أخرجه ابن السَّكَن في «صحيحه» ونقله الحافظ في «التلخيص الحبير» عن أبي وائل شقيق بن مسلمة، قال:«شَهِدْت علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان توضآ ثلاثًا ثلاثًا، وأَفْرَدا المضمضة من الاستنشاق، ثم قالا: هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ» . وأخرج أبو داود أيضًا حديثَ وضوئهما إلاّ أنه ليس فيه التصريح بالفصل. نعم، ظاهره الفصل قطعًا، وإن كان يُتوهَّمُ من بعض الألفاظ الوصل.
ثم إنَّ عثمان رضي الله تعالى عنه إنما اهتم بوضوءِ النبي صلى الله عليه وسلم لأنَّه اختُلف في زمانه في صفة وضوئه كما في «الكنز» . عن أبي مالك الدمشقي قال: حُدِّضتُ أَن عثمان بن عفان اختلف في خلافته في الوضوء، فأذن للناس فدخَلوا عليه فدعا بماء
…
إلخ، وهكذا فعله علي رضي الله عنه، وبَّوب أبو داود على الفصل. وأخرج تحتَه حديثًا، إلاّ أنه ليَّنَه لما فيه: ليث بن