الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
168 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِى أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِى تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِى شَأْنِهِ كُلِّهِ. أطرافه 426، 5380، 5854، 5926 - تحفة 17657
وفي «شرح الوقاية» : أنَّ التيامن كان من عادته صلى الله عليه وسلم ثم إذا داوم عليه جاء الاستحباب. ثم التيامن ليس في أحدٍ من أقوام الدنيا غير الإِسْلام، حتى أن كتابتهم أيضًا من جانب الأيسر. وفي «المشكاة»:«أن الله تعالى خَيَّر آدم فاختار اليمين وكلتا يدي الرحمن يمين» فهذا اختيار آدم جرى في ذريته، كالسَّلام ورد الملائكة عليه صار سُنَّة له ولذريته، وأجدُ أشياءَ استحبها المقربون فوقعت بمكانٍ من القَبُول، ثم سُنَّت في الشرائع.
32 - باب الْتِمَاسِ الْوَضُوءِ إِذَا حَانَتِ الصَّلَاةُ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتُمِسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ، فَنَزَلَ التَّيَمُّمُ.
169 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ. قَالَ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. أطرافه 195، 200، 3572، 3573، 3574، 3575 - تحفة 201 - 54/ 1
يعني أنه لا يَجبُ قبل الوقت.
169 -
قوله: (ولم يجدوا) وكان في المدينة خارجًا منها.
قوله: (من عند آخرهم) مختصر من أوَّلِهم إلى آخرهم، واختُلف في تَعداد الرجال فيه، وحمله الحافظ رحمه الله تعالى على تعدُّدِ الواقعة.
33 - باب الْمَاءِ الَّذِى يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَانِ
وَكَانَ عَطَاءٌ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الْخُيُوطُ وَالْحِبَالُ، وَسُؤْرِ الْكِلَابِ وَمَمَرِّهَا فِى الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الزُّهْرِىُّ إِذَا وَلَغَ فِى إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَهَذَا مَاءٌ، وَفِى النَّفْسِ مِنْهُ شَىْءٌ، يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ.
170 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قُلْتُ لِعَبِيدَةَ عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ فَقَالَ لأَنْ تَكُونَ عِنْدِى شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. طرفه 171 - تحفة 1465
171 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ. طرفه 170 - تحفة 1462
قلت: إنَّ المصنَّف رحمه الله تعالى ذَكَرَ فيها مسألة الأنجاس والآسار دون مسألة المياه كما اختاره الحافظ رحمه الله، فهذه ترجمةٌ تتعلق بالأشياء التي قد تتفقُ أن تقعَ في الماءَ، ثم تُفسِدُ الماء أو لا تفسده. وإنما جاء ذِكْرُ الماء تبعًا لكونه محلَّ الوقوع. أما مسألة المياه أصالة فسيجيء ذكره. وذَكَرَ هذه الأشياء هناك تبعًا لكونها واقعة فيه. وهذا شبيهٌ بما في فِقْهنا من ذكر بعض الأنجاس في فصل المياه مع كون باب الأنجاس مستقلًا عندهم أيضًا، فلهذه الأشياء تعلق بالماءِ لكونها واقعةً فيه، وكونِ الماء محلًا لوقوعها. ولهذا قد ينجرُّ ذِكرها إلى المياه، وقد ينجرُّ المياه إليها.
ويبقى الفرق بالأصالة والتبعية، فالأصل في باب الأنجاس ذِكرها فقط، وذكر الماء لكونِهِ قد يتفق أن تقعَ فيه وإن أمكن وقوعُها في غيره أيضًا كالطعام واللبن والدهن وغيرها. وكذلك الأصل في باب الماء، ذِكرُ مسائله خاصَّة لا ذِكرُ الأنجاس، وإنَّما تذكر استطرادًا لكونها واقعةً فيه. والحاصل: أن المصنَّف رحمه الله تعالى ذكر في ترجمته مسألة الأشعار أولًا، سواء وقعت في الماء أو الطعام، لا مسألة المياه.
واعلم أن في الحديث بابًا لا يوجد في الفقه إلا قليلًا، وهو أنَّ الشارع إذ يحكم على شيء بالنجاسة لا يحبُّ المعاملةَ معه والملابسة به، ويأمرُ بالاجتناب والتحرُّز عنه، قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وقال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]، وقال:{فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الاْوْثَانِ} [الحج: 30] فإذا حكم على شيء بكونه نجسًا أمر بالتحرُّز عنه ونهى عن قُرْبانه، فعُلِم أنَّ الاجتناب والتحرز من لوازم النجس والرِّجْس. ورأيت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما غسل اليدين بعد المصافحة بالمشرك، فكأنَّه فهم معنى النجس، وأنَّه لا ينبغي أن يقربَ منه، ولهذا غسل يديه مع كون يدي المشرك يابسًا، ومقتضاه أَلا يطلق النَّجِس على الثياب والمياه.
ثم اطلعت على كلام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير وفيه وفيه: إنَّ إطلاق النَّجَس على المؤمن لا يجوز، لا حقيقة ولا مجازًا وحينئذ ظهر شرح لطيف لقوله صلى الله عليه وسلم «إنَّ المؤمنَ لا يَنْجَس» وشرح آخر لقوله:«إن الماء طَهُورٌ لا ينجِّسه شيء» فإن مياه الآبار لا يتنجس بحيث لا تبقى معها معاملة، ويكون التجنب عنها ضروريًا في نظر الشارع بل يُستعمل بعد نزح البئر، فهذا عُرف قرآني في النجس فلاحَظَه بخلاف الفقهاء، فإنهم يحكمون على شيء بالنجاسة ثم يكتبونَ مسائلَ تُبنى على بقاء المعاملة معها كما قالوا: إنَّ الكلب إذا مر في المسجد يابسًا لا يتنجَّسُ به المجسد.
وإنَّ المُصلي إن حَمَلَ جُرو كلب في كمِّه ولم يكن عليه نجاسةٌ تصحُّ صلاته. فباب
الأنجاس لا يظهرُ أثرُها في الفقه إلا عند وقوعها في الماء أو المائع. أما قطعُ المعاملة عنها والملابسة بها، فهذا بابٌ مفقود في الفقه وإن ظهر في بعض الجُزئيات كما في «الكبيرى»: أنَّه يُكره لُبْس الثوب النجس خارجَ الصلاة أيضًا، فهذا يُشير إلى قطع المعاملة عنه ما دام نجسًا. ونحوه نَسَبَ إلينا الشوكاني أييضًا، ولذا أقول: إنَّ أمر التوضؤ بخروج المَذْي وأمثاله محمولٌ على الفور لا عند القيام إلى الصلاة، فإِن المطلوبَ عند الشرع كونُ المؤمن على طهارةٍ وعدم تلطُّخه بالنجاسات. ولم يذكره من علمائنا إلا ما يستفاد من الجزئية التي ذكرتها عن «الكبيري» .
قوله: (وكان عطاء)
…
إلخ، واختار البخاري في الأشعار مذهبَ أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما قال ابن بَطَّال، وأيدَه بأثر عطاء، لأنَّه لما وسَّع فيه باتخاذِ الخيوطِ والحبال لَزِمَ أن يقولَ بطهارته جزمًا، فلو سقطت في الماء لا تُفْسِدُه، إلا أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى لم يجوز الانتفاع بأجزاء الإنسان كرامةً له وتحرزًا عن الامتهان. وفي رواية عند الشافعي أنها نجسة، فأشكل عليهم أشعارَه صلى الله عليه وسلم لأنَّه ذهب جماعة إلى طهارة فَضَلاته صلى الله عليه وسلم ونُسِبَ إلى إمامنا أيضًا، إلا أنَّي لم أجده فاستثنوها. وأراد الحافظ رحمه الله تعالى إخمالَ هذه الرواية، لأنَّها أصعب عليه جدًا، وصَدَعَ بها الشيخ العيني رحمه الله تعالى.
قوله: (سؤر الكلب)
…
إلخ هذا هو الجزء الثاني من ترجمته. وفيه مسألةُ الآسار وتتعلقُ بها مسألة المرور فذكرها استطرادًا. وسُؤرُ الكلب طاهرٌ عند مالك رحمه الله تعالى
(1)
. وفي «المدونة» : أنه سُئل عن وجه الحديث المرفوع، فقال: لا أدري. ولعلَّه عدَّهُ من سواكن البيوت كالهرة، فصار من الطَّوَّافين فسقطت نجاستهُ عنده. ثم جاء فضلاء المالكية وقالوا: إنَّ الغَسْل منه لأجل صفاء الباطن، فإنَّه أطلقَ عليه لفظ الشيطان في الحديث، فهو من باب التزكية والتحلية دون النجاسة. قلت: فارتفع باب الآسار عند مالك رحمه الله تعالى، حتى أن سؤر الخنزير أيضًا غير مؤثرٍ في الماء عنده، فإنَّ الكلاب والسِّبَاع كلها يَرِدُون علينا ونردُ عليهم، فلا أثر لآسارهم في التَّنجِيسِ عنده.
واختار الشافعي رحمه الله تعالى نجاسةَ سؤرِ الكلب والخنزير خاصة، ولم ير بسؤرِ السِّباع بأسًا. ثم شَرَطَ التَّسبيعَ في سؤر الكلب، وهو مذهب أحمد رحمه الله تعالى فيه وفي سائر النجاسات، حتى رأيت في كلام بعضهم التسبيع في الاستنجاء أيضًا.
والواجبُ فيه عندنا هو التثليث كما في البول والغائط، فإِنَّ سؤرَ الكلبِ ليس بأغلظ منهما. نعم، التسبيع مستحب كما في «الزَّيْلعي شرح الكنز» . وصرَّح (الوبرى) باستحباب التسبيع عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما في «التحرير» . وإنما اعتنيتُ بهذا النقلِ لأنه ليست
(1)
قلت: قال الخطابي: وذهب مالك والأوزاعي إلى أنه إذا لم يجد ماءً غيره توضأ به. وكان سفيان الثوري يقول: يتوضأ به إذا لم يجد ماءٌ غيره ثم يتيمم بعده. اهـ. قلت: وإذن صار كالنبيذ عند إمامنا رحمه الله تعالى.
في الكتب رواية عن أبي حنيفة، فيمكن أن يكونَ استحبابه من باب الخروج عن الخلاف، بخلاف ما في «التحرير» فإنَّه صريحٌ في كونه روايةً عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فصار التسبيع مستحبًا على المذهب لا على طريق الخروج عن الخلاف، فإِنَّه باب آخر يجري فيما لا يكون فيه رواية عن الإِمام أيضًا.
ثم إن راوي الحديث أبو هريرة أفتى بالثلاث أيضًا كما عند الطحاوي، وصححه ابن دقيق العيد. وما أخرج عنه الحافظ رحمه الله تعالى من فتوى التسبيع فإنه لا يضرُّنا، بل يؤكد الاستحباب، ثم فتوى الثلاث رفعه الكرابيسي كما في «الكامل» وهو حسين بن علي الكَرَابيسي من معاصري أحمد رحمه الله تعالى، من كبار العلماء - وإنما حَمَلَ ذكره لما جرى بينه وبين أحمد رحمه تعالى من الخلاف.
ومنه تعلَّم البخاريُّ وداود الظاهري مسألة: لفظي بالقرآن مخلوق، ولم أطلع عليه بِجَرْحٍ فيه، فإِن كانت هذه المسألةُ هي سببُ الجرح فيه، فالبخاري أيضًا يصيرُ مجروحًا. ومع هذا أتردد في رفعه، ولعله وَهَمٌ منه.
ثم فتوى التثليثُ وإن لم تكن مرفوعةً، لكن أخرجَ الطحاوي في باب سؤر الهرة إسنادًا أن كلَّ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنَّما كان يفعلُ ذلك لأن أبا هريرة لم يكن يحدثهم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم فدلَّ على أن فتوَاه وإن كانت موقوفةً لكنها في حكم المرفوعِ. قلت: الكُلِّية محل ترددٍ عندي، نعم، كل ما رواه ابن سيرينَ عنه فهو مرفوع قطعًا، ثم لا عليك أن تحمل التسبيع على زمان كان فيه التشديد في أمرِ الكلاب
(1)
، ثم خُفِّف فيه، فلعل أمر التسبيع كان عند أمره بقتل الكلاب، وإذا خفف في الكلاب وأباح لهم الاصطيادَ بها خفف في أمر التطهير أيضًا.
ونظيره النهي عن استعمال الأواني المخصوصة بالخمر
(2)
. ثم قال: «إن الأواني لا تحرم شيئًا ولا تحلله» فاستعملوا كلها غير أنه لا تشربوا مسكرًا. وألزم الطحاوي أنكم لو عملتم بالتسبيع لأجل حديث أبي هريرة فعليكم أن تقولوا بالثامنة لحديث عبد الله بن مُغَفَّل ففيه: «وعفِّرُوه الثامنة بالتراب» .
قلت: وهو رواية عن أحمد رحمه الله تعالى أيضًا إلا أنَّ النَّووي حَمَله على أن المراد منه اغسلوه سبعًا واحدةً منهن بالتراب مع الماء، فكان الترابُ قائمًا مَقَام غَسْله، فسميت ثامنة لهذا.
(1)
قلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بقتلها حين لم يلقه جبريل بعد مُوَاعدة منه، فعند مسلم: فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ فأمر بقتلِ الكلاب
…
إلخ. كذا في "المشكاة" من باب التصاوير. وعند أبي داود الدارمي: "لولا أن الكلابَ أمةٌ من الأممِ لأمرت بقتلها كلِّها فاقتلوا منها كل أسود بهيم"، كذا في "المشكاة" من باب ذكر الكلب، قلت: ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الكلبَ الأسود يقطعُ الصلاة" كذا في أحاديث السترة.
(2)
فقد أخرج الترمذي في الأشربة عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت نَهيتُكم عن الظروف، وإن ظرفًا لا يُحلُّ شيئًا ولا يحرِّمه، وكل مسكر حرام" هذا الحديث حسن صحيح.
وقد تصدَّى بعضهم إلى إثبات الاضطراب فيه. ففي رواية: «أولاهُنَّ بالتراب» وفي رواية: «أخراهن» ، وفي أخرى:«إحداهن» . قلت: بل ينبغي أن تجوزَ الصور كلها ولا اضطرابَ ولا حاحة إلى إقامة الترجيح كما قال بعضهم: إن الراجِحَ أولاهن.
ثم الوجه في الأمر بالثامنة عندي أنَّ الترابَ لمَّا كان له دخلٌ في التطهير عدَّه الراوي غسلًا مستقلًا، فهو داخلٌ في السبع، ودليله أنَّه أمَرَه في عين تلك الرواية بالتسبيع، ثم قال: وعَفِّرُوه الثامنة. ولو أرادَ الغسل ثمان مرات لقال: فاغسلوه ثمان مرات، وعفروه الثامنة
…
إلخ. ولكنه أَمَر أولًا بالتسبيع، فذكر العددَ المطلوب ثم فكَّكَ الراوي منها واحدةً وعدَّها ثامنة في التعبير فقط.
قال الحافظ ابن تيمية: إنَّ الكلب يكثر من فِيهِ اللعاب فيغلبُ على الماء ولا يتميز منه لكونه مائعًا أيضًا. وأنت تعلم أنه تغيَّرَ المناطُ، لأنه كان في أصل التغير وعدمه. ثم لا أدري ماذا أراد به؟ فإن أراد أنَّ الماءَ كان في الأصل طاهرًا إلا أنه تنجَّس لأجل عدم تخليص اللعاب منه وهو نجس، فهذا مجرد اعتبار، لأنهم لا يعنونَ بحكم التَّنجيسِ على شيء إلا اختلاطُ النجَاسة به، ولا معنى لكون الشيء نجسًا غيره وهل يتنجسُ الطاهر إلا باختلاط النجَاسة، فأي اعتبار هذا. وقد يتعللُ بأن لعابَه لزجٌ فلا يستحيل بالسرعة. قلت: وخرج منه مناطٌ آخر غير ما ذكره أولًا، وهو الاستحالة وعدمها، فالحافظ رحمه الله تعالى مع جلالة قدرِه اضطرب كلامهُ في المناط، ولا أظن بالشريعة أن تنوطَ أحكام النجاسة والطهارة فيها على الاستحالة وغيرها، مما لا يُدرى إلا بعد الممارسة الطويلة، ولشرحها موضع آخر.
قوله: (وممرها)
…
إلخ وفي الكلب روايتان عن أبي حنيفة: في رواية أنه نجسُ العينِ، هو ما يكونُ نجسًا بجميع أجزائه ولا يُستثنى منه شيء. وفي المشهورة أنه نجسُ اللحم، فإن صلَّى حاملًا إياه في كمه، صحت صلاتُه إذا لم ير عليه أثر نجاسة. قيل: إنما كانت تُقْبِلُ وتدبر لأنه لم يكن للمسجد إذ ذاك باب. قلت: ويمكن ذلك مع وجود الأبواب أيضًا كما هو مشاهد في زماننا، وعند أبي داود: تبول أيضًا، وحينئذٍ أشكل.
قوله: (قال الزهري)
…
إلخ قال الحافظ رحمه الله تعالى: إن البخاري اختار مذهبَ مالك رحمه الله تعالى. وقال العيني رحمه الله تعالى: إنه اختار مذهبَ أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهو الأجه عندي. فإِنه لم يُفصح في ترجمته بما يدل على طهارة سؤر الكلاب، ولا أخرج حديثًا يكون دليلًا على ذلك، بل أخرج حديث الغَسْل سبعًا الذي يدل على كونه من أغلظ النجاسات. وأما أثر الزهري فلا دلالة فيه على طهارته عنده، بل رُوي عنه في «مصنَّف عبد الرزاق» الأمر بإراقة سؤرها.
أما ما أخرجه البخاري فهو نظيرُ مسألتنا: أَنَّ المُصلي إذا لم يجد إلا ثوبًا نجسًا هل يُصَلي عُريانًا أو في ذلك الثوب. فكما أنها لا تدل على عدم نجاسة هذا الثوب عندنا، كذلك قول الزهري فيمن لم يكن عنده غيرُ هذا السؤر، لا يكون دليلًا على طهارته وهو ظاهر.