الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسموات عن حملها، حين عرضت عليهن، لأنهنّ لم يكُنَّ بهذه المثابة، ولم يكن حاملة لتلك الأوصاف، وإنما سبق بها الإنسان مع ضَعفه؛ لأنه كان حاملًا لهذه الأوصاف، وبعبارة أخرى: إعطاء كل ذي حق حقه، ووضعُ كل شيء مكانه أمانةٌ، وضِدّها غش، وهو: حطُّ الشيء عن مرتبته، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه لأنس «يا بُنَيَّ إن قَدَرْتَ أن تُصبحَ وتُمسيَ وليس في قلبك غشٌ لأحد فافعل
…
إلخ» ثم المصنف رحمه الله يجعل «مِنْ» تبعيضية، ونحن نجعلها ابتدائية كما قررنا.
17 - باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]
25
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَاّ بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» . تحفة 7422 - 13/ 1
غرض المصنف رحمه الله: أن تلك الأعمال من الإيمان، فكما أنه لا نجاةَ في الآخرة بدون الأعمال كذلك لا يُكفُّ القتال عنهم في الدنيا إلا بها. قال الإمام الشافعي ومالك رضي الله عنهما: إن تارك الصلاة يقتل حدًا لا كفرًا.
[الفرق بين الحد والتعزير، والكلام في تارك الصلاة]
والفرق بين الحد والتعزير، أن الحد لا يمكنُ ردُّه للقاضي أيضًا، فإنه من حقوق الله تعالى، بخلاف التعزيز فإنه مفوض إلى رأيه. وقال أحمد رضي الله عنه: إنه يقتل كفرًا، وقال إمامنا الأعظم رضي الله عنه: إنه ليس بكافر، ولا يقتل، ولكنه يُحبس ثلاثًا، فإن عاد إلى الصلاة فبها وإلا يضُرب ضربًا يتفجر منه الدم، نعم، لو قتله الإمام تعزيرًا وسع له كما وسع له قتل المبتدع.
قلت: وجاز في السرقة للقاضي أن يقطع اليد تعزيرًا، وعليه أحملُ ما وقع فيه القطع فيما دون عشرة دراهم، وتمام البحث يجيءُ في السرقة إن شاء الله تعالى. وقد قال لي بعض الفضلاء: إن في تذكرة المخدوم
(1)
هاشم السندهي إشارة إلى جواز قتل تارك الصلاة عندنا
(1)
وهو من قضاة البلدة طهطها ومعاصر للشاه ولي الله رحمه الله تعالى، ولم يتيسر له لقاؤه غير أنه حصلت له الإِجازة من كتابته. (قلت): ولعله يكون إذ ذاك صغيرًا، وكانت عنده ذخيرة من الكتب النادرة، والأسف على أنه لم يبق اليوم في ذريته أحد من العلماء ولم يبق لكتبه حافظٌ إلّا دابةُ الأرض، فإنا لله وإنا إليه راجعون. هكذا وجدناه فيما ضبطه الفاضل عبد القدير من تقارير الشيخ رحمه الله تعالى. ثم النووي من المفيدين عندي، وقد لا يُعدل في حق الحنفية والمفيدُ عندي من يأتي بكلام القوم مع إيضاح وبيان من قبله، أما من خاض اللجج، واقتحم الغِمار، وحل المعضِلات، ونقح كلمات القوم، وميز بين المَفرِّط والمُفرِط، فهو محقق عندي وقليل ما هو. هكذا سمعت من حضرة الشيخ رحمه الله تعالى.
تعزيرًا، ولنا عند أبي داود عن أبي مَحَيريزٍ أن رجلًا من بني كِنَانَة يُدعى المَخْدَجِيَّ سَمِعَ رجلًا بالشام يُدعى أبا محمد يقول: إن الوترَ واجبٌ، قال المخدجي: فَرحتُ إلى عُبادة بن الصامت رضي الله عنه فأخبرتُه، فقال عُبادة رضي الله عنه: كذب أبو محمدٍ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمسُ صَلَواتٍ كَتبهنَّ اللَّهُ على العباد، فمن جاء بِهنَّ لم يضيِّعْ منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهن، كان له عند الله عهدًا أن يُدخِله الجنةَ، ومن لم يأت بِهنَّ فليس له عند الله عهدٌ، إن شاء عَذَّبه، وإن شاء أدخَلَه الجنة. انتهى. فلو كان تاركُ الصلاة كافرًا لجزم بدخوله النار، ولكنه أبقى أمره تحت المشيئة، فعُلم أنه مسلم فاسق.
ونقل فيه مناظرة الإمام الشافعي وأحمد رضي الله عنهما. قال الشافعي لأحمد رضي الله عنه: سمعتك تقول. إن تارك الصلاة كافرٌ، قال: نعم، قال: فما سبيل إسلامه؟ قال: أن يصلى، قال: وهل تُقبل صلاة الكافر؟ فسكت أحمد رضي الله عنه.
بقى تواتر السلف بإطلاق الكفر على ترك الصلاة، فالأمر عندي أنه بمعنى كفرٍ دون كفر، لأني لا أعلمُ من حالهم إلا أنهم عاملوا مع أمراء الجور معاملة الفُساق، حتى صلوا على جنائزهم وصلوا خلفهم الفرائض، وتمسك النووي رضي الله عنه بحديث الباب على قتلِ تارك الصلاة. وفيه نظر؛ لأن القتال غير القتل
(1)
. وفي الحديث ذكر القتال، دون القتل، والقِتَال بمعنى الجِدال، كما في الحديث «أقتالًا يا سعد؟» وما عند الترمذي «فليقاتله» لمن مر بين يدي
(1)
قاله الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وهو من أعيان القرن الثامن، ويقال إنه شافعي، ومالكي. قال الشاه عبد العزيز في "بستان المحدثين": إنه لم يخل رجلٌ مثله أجود علمًا، وأدق نظرًا لا في السلف، ولا في الخلف، وله كتاب شهر بين الأنام يُسمى "بالإِلمام" في خمسة عشر مجلدًا، ولم يطبع وليس مفقودًا، وقد طالعت نُسخته، وله شرح يُسمَّى "بالإِمام" وقد طبع من إملائه "إحكام الأحكام"، وروي، أن الحافظ شمس الدين الذهبي ذهب إليه مرة، وكان الشيخ في شغل له، فسلم عليه، فرد عليه السلام، وقال: من أنت، وقد كان سمع اسمه، دون لقبه، فأجابه باسمه، ولم يذكر لقبه، فسأله الشيخ رحمه الله تعالى عن أبي محمد الكاهلي من هو، فأجاب من ساعته أنه: سفيان بن عيينة، فنظر إليه الشيخ من القَرَن وهو المقرون الحاجبين مختار الصحاح ص 222 مادة (قرن) إلى القدم، وكأنه تحير من سرعة جوابه، وكان الشيخ رحمه الله تعالى معاصرًا لابن تيمية رحمه الله تعالى ولم أر في التراجم أن الحافظ رحمه الله تعالى لقي الشيخ رحمه الله تعالى أم لا، مع أن الحافظ رحمه الله تعالى أقام بمصر إلى زمان، وكان الشيخ رحمه الله تعالى أيضًا هناك، فإن لم يكن لقيه فكأنه لم يحسن وكان الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى من أهل الطريقة صاحب الكرامات الباهرة، معتدل المزاج، لم يكن يتعصب للمذهب، ويتكلم بغاية الانصاف، حتى أنه ربما يأتي بكلام يفيد الحنفية ويترشح منه أنه يقصده، بخلاف الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فإنه لا ريب أنه حافظ يتكلم في غاية المتانة والتيقظ، لكنه لا يريد أن ينتفع الحنفية من كلامه ولو بجناح بعوضة، فإن حصل فذلك بلا قصد منه، ونظيرُه في العدل والنصفة منا، الحافظ الزيلعي رحمه الله تعالى، وكان أيضًا من أهل الطريقة، وقد جربتُ من أهل الطريقة ذلك العدلُ والانصافُ، ونرجو منهم فوق ذلك فإنهم عباد الله، والشيخ ابن الهمام رحمه الله تعالى أيضًا من أهل الطريقة وهو منصفٌ أيضًا غير أنه قد يخرجُ عن الاعتدال يسيرًا حماية لمذهبه. كذا في تقرير الفاضل عبد القدير والفاضل عبد العزيز، ملتقطًا من المواضع المتفرقة ومعربًا.
المصلى، فمن هذا الباب، وكتب النووي رحمه الله تعالى تحته مسائل الدِّية: بأنه لو قتل المارِّ أحدٌ هل يجبُ به الدِّية أم لا؟ فأوهم أن المراد من المقاتلة القتل، وهو غلطٌ، وكان الأولى أن لا يكتب هناك تلك المسائل. فإن الحديثَ لا تعلق له بمسألة القتل، وذكر تلك المسائل يوهم ذلك.
ثم عن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى أنه يقاتلُ مع قوم تركوا الخِتَان، أو الآذان، وفهِمَ منه بعضهم أن الأذان عنده واجب.
قلت:
(1)
بل القتال إنما هو على تركِ شعار الإسلام والأذان، والخِتَان، من شعارِهِ فمن نَسَبَ إليه وجوب الأذان منا فقد توهمَّ من هذه المسألة، فإذا ثبت عنه جواز القتال من هؤلاء، فمن تارك الصلاة أولى.
ثم ههنا مهم
(2)
: وهو أنه كيف امتنع عمر رضي الله تعالى عنه عن قتال مانعي الزكاة مع هذا الحديث الصريح؟ والحل ما في رسالتي: «إكفار الملحدين» وأوضحته في مواضع، وخلاصته: أن اختلاف الشيخين إنما كان في غرض مانع الزكاة، فجعله عمر رضي الله تعالى عنه بغيهم، وجعله أبو بكر رضي الله تعالى عنه الرِّدة، من حيث إن الإيمانَ اسم لالتزام كل الدين، فمن فرق بين الصلاة والزكاة، فكأنه لم يؤمن بالكل، ومن لم يؤمن بالكل، فهو كافر قطعًا. وهو نظر الحنفية: أن الإيمانَ لا يزيدُ ولا ينقص، لأنه لاتشكيك في الالتزام وقد مر الخلافُ في تحقيق الواقعة، والكشف عنها ولو تحقَّق عند عمر رضي الله تعالى عنه أنهم أنكروا الزكاة رأسًا لأكفرَهَم هو أيضًا، ولم يتردد أصلًا، وذكر مثله العلامة الحافظ الزَّيلعي رحمه الله تعالى في «تخريج أحاديث الهداية» من الجزية وفي «المستدرك» عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لأن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إليّ من حُمْر النَّعم»، وذكر منها قومًا قالوا: نقرُّ بالزكاة في أموالنا، ولا نؤديها إليك، أيحلُّ قتالهم؟ انتهى مختصرًا. وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين. فعُلم منه أنهم لم ينكروا الزكاة رأسًا، كيف ولو أنكروها عن أصلها
(1)
قال النووي: إن هذا الحديث يُستدل به على وجوب قتال مانعي الصلاة، والزكاة، وغيرهما من واجبات الإسلام، قليلًا كان أو كثيرًا. قال الشيخ العيني رحمه الله تعالى: فعن هذا قال محمد بن الحسن رحمه الله تعالى: إن أهلَ بلدة، أو قرية، إذا أجمعوا على ترك الأذان، فإن الإمام يقاتلهم، وكذلك كل شيء من شعائر الإسلام. اهـ. قال الشيخ: ومن هنا صار الحديث معمولًا به عندنا أيضًا فإنه لما جاز القتال من تاركي الأذان، فمن تاركي الصلاة بالأولى.
(2)
وقد تعرض إليه العيني رحمه الله تعالى وراجع كلامه، وحينئذٍ تقدر قدر كلام الشيخ قدس الله سره نعم ذكر العيني رحمه الله تعالى كلامًا وهو مفيدًا. قال وسأل الكرماني ههنا عن حكم تارك الزكاة ثم أجاب بأن حكمهُ حكم تارك الصلاة، ولهذا قاتل الصديق رضي الله تعالى عنه مانعي الزكاة. فإن أراد أن حكمهما واحدٌ في المقاتلة فمسلم، وإن أراد في القتل فممنوعٌ؛ لأن الممتنع من الزكاة يمكن أن تؤخذ منه قهرًا بخلاف الصلاة، أما إذا انتصب صاحب الزكاة للقتال لمنع الزكاة فإنه يقاتل، وبهذه الطريقة قاتل الصديق رضي الله تعالى عنه مانعي الزكاة، ولم يُنقل أنه قَتَلَ أحدًا منهم صبرًا. اهـ.