الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ.
وَحَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً. أطرافه 185، 186، 191، 197، 199 - تحفة 5308 - 60/ 1
جَزَمَ البخاري هنا بمذهب الإِمام الأعظم رحمه الله تعالى وترك مذهب الشافعية. قال الحنفية: إن الإِسباغ في المسح هو بالاستيعاب، لأنه لا يُنَاسبُه التثليث.
192 -
قوله: (من ماء) هذا تصريحُ بكونِ الماءِ واحدًا.
قوله: (وقال مسح برأسه مرة) وفَهِمَ هذا الراوي عينَ ما فهمه الحنفية: أن الإِقبال والإِدبار حركتان، والمسحُ واحد. ولم يحملهما على التكرار في المسح كما فَهِمَه الشافعية رحمهم الله تعالى.
45 - باب وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ وَفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيمِ مِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ
واعلم أن تَطُّرَ الرجل والمرأة من إناء واحد جائزٌ بإِجماع المسلمين، وكذا تطهر المرأة بفضلِ الرجلِ أيضًا جائزٌ بالإِجماع. وأما تطهر الرجل بفضلها، فذهب جمهورُ السلف والأئمة الثلاثة إلى جوازه، سواء خَلتْ بالماء أو لم تخِلِ. وقال أحمد وداود: إنها إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوزُ للرجلِ استعمال فضلها. وجمِعِ الخَطَّابِي بين أحاديث النهي عن الفضل وجوازه: بأن المراد من الفضل في أحاديث النهي المُتَساقط من الأعضاء، وفي أحاديث الجواز ما بقي في الإِناء.
وحاصله: أنه نهى عن استعمال الماء المتساقِطِ من الأعضاء، وأباح استعمالَ الماءِ الباقي في الإِناء، فلا تنافي بين الحديثين.
وقال آخرون: بل المراد به في الحديثين هو الباقي في الإِناء، والنَّهي لئلا تخطَر ببالِهِ الوساوس الشهوانية. ويرد عليهم قوله:«وليغترفا جميعًا» ، فإن النهي إن كان لأجل الوساوس، فهي في حالة الاغتراف جميعًا أزيدُ وأكثر منها في حالة الانفراد. وحمله بعضهم على التنزيه، وهو الصواب، إلاّ أنهم لم يُبيّنوا مرادَ الحديث، وهو مع كونه بديهيًا عسيرٌ. وكأنه من قبيلِ السهلِ المُمتنع، وقد كشفَ اللهُ على مرادَه.
فاعلم أنَّ النَّهي في الغسل ورد من الطرفين، كما هو عند أبي داود: نهى الرجل أن يغتسل بفضل المرأة، والمرأةَ بفضلِ الرجل» وفي الوضوءِ من جانبٍ واحدٍ فقط، فنهى الرجلَ عن فضلِ المرأة، ورأيتُ عكسَه أيضًا في بعض الروايات، إلاّ أن المحدثين عللوه. ومناطُ النَّهي عندي: هو صِيَانة الطَّهُور عن وقوع الماء المُسْتَعْمَل فيه، كما مرّ مني: أنَّ الماء المُسْتَعْمَل وإن لم يكن
نجسًا عند صاحب الشرع، إلاّ أن المطلوبَ الاحتزاز عنه والاحتياط فيه، لئلا يقع في مُغْتَسَلِهِ، وهو المذكور في فقهنا، حتى لو سقط الماء المُسْتعمَل في وَضُوئه وغَلَب عليه، لا يجوز الوضُوء منه، ولا يبقى مُطَهِّرًا.
ولمّا كانت النساء أقل نظافةً، وأقل احتياطًا في أمور التطهير، خصَّ الرجل بالنهي عن استعمال فضلهَّن. ولو ثَبَتَ عكسه أيضًا، فالنهي عن فَضْل الرجال جَرْيًا على مقتضى طَبْعهن، فإِنهنَّ يَرَوْن الرجال أقلّ نظافةً من أنفسهن، فراعى في الأول الواقع في نفس الأمر، وفي الثاني الواقع في زَعْمِهنَّ، لئلا تَتَوَسْوَس صدورهنَّ في استعمال الماء، فإِن عدم الوسواس في أمر التَّطَهّر مطلوبٌ. فناسب أن ينهى عن فَضْل الرجال أيضًا، حسمًا لمادة الوَسَاوِس وقطعًا لِعرْقها، والمراد منها التي تقع في طهارة الماء وعدمها، دون الوَسَاوِس الشهوانية.
والحاصل: أن الحديث وَرَدَ على وَفْق طَبْع الرجال والنساء، وإن كان ما في طَبْع الرجل مُوَافقًا للواقع، وما في طَبْعهنّ مخالفًا له، إلا أن الغرضَ لمّا كان قَطْع الوَسْوَاس لم يُنَاظِر معهنَّ، وتركهن على فِطْرَتهن، ولا تبديل لخَلْق الله، نعم الوَسَاوِس التي تكون لا عن منشأ صحيح لم يعتبرها الشرع أصلًا، ولذا أباح الاغْتِرَاف معًا، لأنَّ الذين يكرهون استعمال السُّؤْر لا يَرَوْن به بأسًا، أَلا تَرَى أن من يَكْرَه أن يأكل فَضْل طعامك، لا يَكْرَه أن يكألَ معك، لأنه لا يراه سُؤْرًا فالدَّخْل فيه للسُّؤْر دن الوَسَاوِس. والمعنى أن لا يُسْئِر الرجلُ الماءَ للمرأة، ولا تُسْئِر هي له، فكما أنك تَكْرَه أن تُسْئِر طعامَك وشرابَك لجبيك، كذلك أراد الشرع أن لا يُسْئِر الزوجان أحدهما للآخر غِسْلَه.
فهذا الحديث من باب حُسْن الأدب، وسدّ الأوهام، وأول ما انتقل إليه ذِهْني من كلام الطَّحَاوِي، فإِنه بوَّب أولًا بسُؤْر الهرة، ثم بسؤو الكلب، ثم بسُؤْر بني آدم، وأخرج تحته حديث النهي عن اغتسال الرجل بِفَضْل المرأة وبالعكس، فكأنه أشار إلى أن المعنى في هذه الأحاديث هو السُّؤْرِيَّة الإِسْآر، دونَ الوَسَاوِسِ الشهوانية، فللَّه دَرُهُ ما أدقّ نَظَرِه. ويدُّلك على قلنا ما أخرجه النسائي عن أمُ سَلَمَة:«أنها سُئِلَت: أَتَغْتَسِلُ المرأه مع الرجل؟ قالت: نعم، إذا كانت كَيِّسَة» . فأشارت إلى أن الأمر يدور على الكِيَاسة وعدمها، ولَمَّا كان الرجل كَيِّسًا لم يُنْه عن استعمال فَضْل وضُوئه، يخلاف النساء، فإِنهنَّ لَسْن كذلك في عامة الأحوال، وإذا كانت كَيِّسَة تَعْرِف طريق آداب الماء وصيانته،، فلها أن تَغْتَسل معه.
فإِن قُلْتَ: إذا كان الأمر كما وَصَغْتَ لِمَ نهى النساء عن اغتسالهنَّ بفَضْل الرجال؟ قُلْتُ: إن التَّقَاطُرَ في الاغتسال يمكن منهم أيضًا، فإِنَّه استعمالٌ للماء الكثير وغسلٌ لسائر البدن، والأواني كانت مُتَّسِعَة كالمِرْكَن، فيُشْكِلُ فيها التَّحَفُط من الرجال أيضًا، فلذا وَرَدَ فيه النهي للطرفين.
فإِن قلتَ: وحينئذٍ ينبغي أن يُنْهَى الرجل عن الاغتسال بفَضْل الرجل أيضًا، فَلِمَ خصَّصَ به الزوجين مع أن العِلَّة تشملهما؟ قلتُ: لتحقُّق الاغتسال كثيرًا بين الزوجين، بخلاف غيرهما،
وأراد بالمرأة في حديث التَّوَضُّؤ من كانت في بيته، ولم يقل في المرأتين شيئًا، لأنهن يَفْعَلْنَ ما هو عادتهنَّ.
والحاصل: أن الأقسام ستة فَضْل الرجل للمرأة، وبالعكس. وفَضْل الجنس للجنس، وكلٌّ منه إمَّا في الوُضِوء، أو الغسْل. والأحاديث وَرَدَت في الأربعة منها، وإن علَّل المحدِّثون واحدًا منها كما مرَّ، ولم يَرِد في الاثنين لِمَا بيَّنَّا. وجملة الكلام أن الحديث لا دَخْل فيه للوَسَاوِس الشهوانية، بل وَرَدَ على طبائع الناس في السُّؤْر، فالنَّهي فيه كأمر الغُسْل بِغَسْل الميت، والوُضُوء بحَمْلِه، والمراد بالفَضْل: هو الباقي في الآنية، لا كما قاله الخطَّابي، وتَبَعِه الحافظ رحمه الله تعالى.
قوله: (بالحميم)
…
إلخ، ويُتَبَادَرُ من ظاهر عبارته أنهما واقعتان: الأولى في استعمال الحَميم، والثانية في استعمال ماء النصرانية، مع أنها واقعةٌ واحدةٌ في مكة حين جاء للحج، فقضى حاجته، ثم طلب الماء وتوضأ بالحَمِيم من بيت نصرانية. والظاهر أن الماء إذا كان من بيتها، أنها غَمَسَت فيه يدها أيضًا، ولعلَّه كان من سُؤْرها، ومع ذلك توضّأ ابن عمر منه، فَثَبَتَ أن وُضُوء الرجل بفَضْل المرأة لابأس به. وهذا من عادات البخاري حيث يعتبر الاحتمالات القريبة، لأنَّه لمّا شدَّد على نفسه في باب الحديث، وأراد أن يخرِّج المسائل، ويَبْسُط فقهه في تراجمه، فلزمه أن يوسِّع في الإِشارات وطُرُق الاستدلال.
193 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعًا. تحفة 8350
193 -
قوله: (جميعًا) قال السِّيرافي: إنه يُسْتَعمل بمعنى كلّهم، وبمعنى معًا، والأول يدلّ على الاستغراق، والثاني على المَعِيَّة الزمانية وتفصيله: أن هذا اللفظ قد يُسَتْعْمَل للاستغراق وإحاطة الأفراد مع قطع النظر عن الاجتماع، وقد يُسْتَعْمَل للثاني، أي بمعنى الاجتماع والمَعِيَّة، وهو المناسب ههنا، فإن التعرُّض إلى اغتسال الرجال والنساء مطلقًا ليس بأهم، وإنما المفيد بيانُ اغتسالهما معًا. ثم أقول: والشيء بالشيء يُذْكَر، أن إمامنا رحمه الله تعالى ذهب إلى مقارنة المقتدي مع الإِمام في حميع أفعال الصلاة، واختاره صاحباه أيضًا، إلا في التحريمة والتسليم، والشافعي رحمه الله تعالى ذهب إلى التعقيب في جملة أفعالها غير آمين، وتمسَّك من أحاديث الائتمام، وفيها الفاء: «إذا كبر فكبروا
…
» إلخ، وهي للتَّعقِيب عندهم، فَلزمَ التَّعْقِيب في جميع الأفعال كما أراد.
قلت: وفي «شرح التسهيل» : أن في الفاء الجَزَائية قولان: التَّعْقِيب، والمقارنة، وحينئذٍ صحَّت الفاء على مذهبنا أيضًا، فلا تنافيها المقارنة الزمانية، فهي للتَّعْقِيب ذاتًا، والمقارنة زمانًا عندي.
ولا بُدَّ أن يكون بين أفعال الإِمام والمأموم تقدُّمًا وتأخُّرًا ذاتًا، وإنما أراد الإِمام من المقارنة أن يدخل المقتدي في الرُّكن حين يدخل الإِمام، ولا ينتظر بلوغه فيه، فَيْركع حين