الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمني ليس مقصورًا على بابه، بل المراد من هذا التَّنبيه على صحةِ ما أخبَرَه به، والتنويه بقوة تصديقهِ فيما يجيءُ به.
(فتر الوحي) وفتوره عبارة عن تأخُّره مُدَّة، وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وَجَدَهُ من الرَّوع. واختُلِف في زمن الفترة كم كان؟ وكان ينزلُ إسرافيل عليه السلام في تلك المُدة ويُسَلِّيه، ويُقَوِّي روحانيته، لأن له مناسبة مع الأرواح ولذا قالوا: أن الأرواح بعد مفارقتها عن الأبدان تسكن في الصُّور، ومنها تخرج إلى أبدانها عند نفخه فيها، وأما جبريل عليه الصلاة والسلام فله مناسبةٌ تامة مع عالم الشهادة، ولذا كان ينزل بالوحي.
وَرَقَةُ وإسلامه
واتفقوا على إيمانه، حتى إن بعضًا منهم عَدُّوه في الصحابة رضي الله تعالى عنهم. نعم، كونه من هذه الأمة محلَّ تردُّد، فإنه تُوفِّي قبل ظهور دعوته. ويشهدُ لإيمانه رؤياه صلى الله عليه وسلم حيث رآه في ثياب بيض، ثم لا يكون مقدَّمًا على خديجة رضي الله تعالى عنها، والصِّديق الأكبر رضي الله تعالى عنه، بل يوضع بعدهما، فإنهما أسلما في زمن رسالته بدون تردد، بخلاف ورقة. واستحسنه الشيخ الأكبر أيضًا.
(قال ابن شهاب) قيل: إنه تعليق. وقال الحافظ: بل هو موصول بعين هذا الإسناد، ولكن ليست القِطْعَةُ المذكورة عنده عن عروة، بل هي عن أبي سَلَمَة، فهذا تحويل لا تعليق. ثم التحويل على نحوين: الأول: أن يتغاير الإسناد في الأول ويتَّحِد في الآخر، وهو أكثر. والثاني عكسه، بأن يتَّحِدَ الإسناد في الأول ويتغاير في الآخر. وهذا النوع نادر، وهو المتحقق ههنا.
(فأنذر) قيل: كان نبيًا والآن صار رسولًا أيضًا. قلتُ: ولا أدخل في مثل هذه الأمور.
(وربَّكَ فكَبِّر) استدل به الحنفية: أن مُطلق الذِّكر المُشْعِر بالتعظيم يكفي للدخول في الصلوات، لأن قوله:«كبِّر» ، معناه عظِّم، فالمأمور به هو مطلق التعظيم بأي صيغة كان، لا خصوص صيغة: الله أكبر، ولا سيما إذا ورد في سياق الصلاة، كما في قوله تعالى:{وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلَّى} فالسياق سياق الصلاة. والظاهر من الذكر هو الذي للشروع في الصلاة. فهذا دليل واضح على أن الضروري هو مطلق الذكر كما قلنا. وأجاب عنه ابن المُنَيِّر - وهو ركيك، وقال: إن الإضافة في ذكر اسم ربه للعهد، فالمراد هو الصيغة المعهودة، أي: الله أكبر. وهو كما ترى نداء من بعيد. نعم، لك أن تقول: إنّ كبر ليس تفعيلًا من كبَّر المجرد، بل هو قصر من جملة: الله أكبر، كَ: سَبْحَلَ وهَلَّل من قوله: سبحان الله، ولا إله إلا الله. فإذًا لا يكون التكبير معناه التعظيم مطلقًا، بل يكون معناه هو القول ب: الله أكبر. ولا يثبت ما أراده الحنفية رحمهم الله تعالى.
ثم ههنا تتفيش ويقتضي تمهيدَ مقدمة وهي: أن النُّحَاةَ جعلوا (كَبَّر) قصرًا من اللَّهُ أكبرُ، مثل سَبْحَل، وجعلوهما من وادٍ واحد، وهو عندي خطأ للفرق الجلي بينهما، لأن كبّر لفظ يفيد
معنى بنفسه، بخلاف حَوْقَل وسَبْحَل، فإنه لا معنى له في نفسه، فوجب أن يُجعل قصرًا من الجملة، بخلاف كبّر، فإنه موضوعٌ ومفيدٌ لمعنى بنفسه، ولا ضرورةُ فيه إلى أخذه من الجملة.
والوجه فيه عندي أنه مأخوذ من جزء الجملة أي من أكبر في قوله: الله أكبر، وليس مأخوذًا من الجملة كمجرب ومرغن، وملبب (بالأردية)، بخلاف حَوْقَل، فإنه مأخوذ من مجموع جملة: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا بد. وإذا اتضح الفرق بينهما فالأولى أن يُفَرَّق في التسمية أيضًا ويُسمَّى مثل سَبْحَل نحتًا، لكونه منحوتًا من الجملة. ويسمى مثل كَبَّر وسَبَّح قصرًا لكونه مأخوذًا من جزئها، فإن سبح مأخوذ من سبحان في قوله: سبحان الله. فالخطأ إنما هو ممن سمى الأخذ من مجموع الجملة قصرًا، مع أنه ينبغي أن يسمى بالنحت، وهذا بالقصر.
ثم اعلم أنه لا بد في التفعيل من ذكر المفعول، بخلاف النحت. فإن المفعول يدخل في نفس مفهومه، فسبَّح يحتاج إليه، بخلاف سَبْحَل، فإنه صار لازمًا واستغنى بمفعولٍ في معناه عن ذكر مفعول آخر.
وإذ قد علمتَ: أن القصر ما يكون مأخوذًا من جزء الجملة لا من مجموع الجملة، لم يبق دليل في قوله كَبَّر على خصوص الصيغة، وصار معناه مطلق التعظيم. وكذا جاز لك أن تقول: معنى قوله {وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] ولتُعَظِّموا الله على ما هداكم، ومع هذا لا أُغَيِّر المسألة ولا أدَّعي أن المأمور به مطلقُ التعظيم بأي صيغة كان. وإنما تكلمتُ في تحقق المدلول وبيان اللغة فقط، مع بقاء المسألة بحالها، فإن اللفظ وإن صار صالحًا للعموم، إلا أن التعامل قد تواتر على صيغة الله أكبر قُبَيل الصلاة، وفي العيدين. ولم يَرِد في العمل غيرُهُ، والتعامل هو الفاصل في تعيين المراد عندي. فينبغي أن يُترك وجوب الصيغة وسُنِّيتَها تحت مراحل الاجتهاد، فإنه لا بحث لنا في العمل، لأن الحنفية كافة لا يشرعون صلواتهم إلا بتلك الصيغة، وإنما البحث في الأنظار فقط، فَلْيَكِلْهُ إلى الاجتهاد لا سيما إذا اختار ابن الهُمَام رحمه الله وجوبَهَا. ونُقِل عن الإمام الأعظم أنَّ مَنْ ترك التكبير، أي الصيغة المخصوصة، فقد أساء، فماذا بعده إلا الجدال. وسيجيء للمسألة أشياء أُخَر في موضعه.
ثم إن قوله: {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} إشارة إلى الصلاة، وقوله:{وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ} إشارة إلى اشتراط الطهارة، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قالوا: أي الأصنام فاهجر. قلت: وعلى هذا لا يبقى له تعلق بمسألة الصلاة إلا أن يقال معناه: استمر على هجر الأصنام عند الصلاة وغيرها. ويكون المطلوب ههنا من الأمر هو دوام الهجران لا نفس الفعل. كما قرروا في قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ} ، والأَولى أن يُجْعل إشارة إلى طهارة المكان. كما أن الجملة الأُولى إشارة إلى طهارة الثياب، فتتعلق الجملتان بالصلاة، ويتسق النظم.
تنبيه: واعلم أن الصلاة فريضةٌ عندي من أول أمر النبوة، نعم ما زالت تتحول صفاتها من حال إلى حال إلى أن آل الأمر إلى الخمس ليلة المعراج. ومعنى فرضية الخَمْس فيها بيان عدد المجموع مما فُرِض فيها مع ما قبلها. ثم أُمِدَّ بصلاة هي خير من خُمْر النَّعَم. وإذًا لا تأويل عندي في الآيات التي ذُكِرَت فيها الصلاتان فقط، كقوله تعالى: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ