الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِى الآخِرَةِ». أطرافه 1126، 3599، 5844، 6218، 7069 - تحفة 18290 - 40/ 1
العِظة: التذكير للغير. والعلم: التذكير لنفسه. والمصنف رحمه الله تعالى يُشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم «لا سمر بعد العشاء
…
إلخ» ويقول: إن العلم والعظة ليس من السمر، فيجوز.
قوله: (صدقة) هو محدث متشدد في حق الحنفية، وراجع له نيل الفرقدين.
115 -
قوله: (ذات ليلة) قال الرضي: إن كلمة ذات مؤنث ذو، وتكون صفةً لموصوف محذوف، أي مدة ذات ليلة. وقال العيني رحمه الله تعالى: إنها مقحمة زعمًا منه أنها بمعنى الحقيقة. قلت: وما اختاره الرضي أقرب، فإنه في هذا الباب أحذق.
قوله: (ماذا أنزل) وهذا من باب تجسد المعاني، ثم ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم فهو أيضًا نحو من الوجود كالتقدير، فعلى هذا ما يقدر في ليلة البراءة هو أيضًا نحو من الوجود. وقد مر سابقًا أن للوجود أنحاءً من الجسماني، والرُّوحاني، والمِثالي، والعلمي، والذر، والتقديري كلها وجودات لشيءٍ واحد. وكذا كل وجود عالم برأسه، فهذه سبع وجودات
(1)
وسبع عوالم، وهو الله سبحانه رب العالمين. وسيجيء تحقيقُ عالمِ الذر بما لم يقرعُ سمعك إن شاء الله تعالى. وبه ينحلُ حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه:«أن الله خلق سبع أرضين» إلخ وقد أشكل على الناس. وألف مولانا محمد قاسم النانوتوي فيه رسالة مستقلة. والوجه عندي: أن الحديث تعرَّض إلى أنحاء وجُودات الشيء، فالشيء واحدٌ وهو متعددٌ بتعدُدِ الوجُودات، لا أنها أشخاصٌ متعددة وأشياء كثيرة فافهم، وستنفعك هذه الإشارة إن شاء الله تعالى.
قوله: (صواحب الحجر) جمع حُجْرة، ثم إن كانت مُسَقَّفةً فهي بيت، وإلا فحجرة. وصرح السَّمْهُودي في «الوفا» أن لكل من أزواجه صلى الله عليه وسلم كانت حجرة وبيتًا.
قوله: (رب كاسية عارية) بفقدان العمل ولباسِ التقوى ذلك خير، وهي إن كانت مرفوعة فهي جواب رُبَّ، وإن كانت مجرورةً فجوابه محذوف.
42 - باب السَّمَرِ في الْعِلْمِ
116 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِى اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَأَبِى بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ فِى آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ» . طرفاه 564، 601 - تحفة 6867، 8578
(1)
ذكرت ههنا ستة، فلعل السابع سقط من الضبط، وعسى أن يكون السابع: الوجود البرزخي، (من المصحح).
وإطلاق السمر في العلم كإطلاق التغني في القرآن، وإلا فالسمر لا يكون إلا في غير العلم كالقصص والحكايات. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» وألطفُ شروحِهِ ما ذكره ابن العربي: أن مراده وضعُ القرآن موضعَ الغناء واختياره مكانه، فإن الغناءَ ألذُ عند عامة الناسِ، والمطلوب تركه، فإذا تركه لا بد أن يضعَ مكانه شيئًا آخر يتلذذُ به، فعلى المؤمن الخاشع أن يجعلَ القرآنَ مقامَه ويتنزه قلبه به، ويتركَ ما لا يعنيه، ويشتغل بما يعنيه. ومن لم يفعل كذلك واشتغل باللهو والغناء وأضاعَ فيه وقته وجعلَ القرآن خلفَ ظهره، فإنه ليس منه صلى الله عليه وسلم وليس على طريقه.
قوله: (أرأيتكم) قال النُّحاة: ضميرُ المنفصلِ فيه تأكيدٌ للمتصل. ومعناه: أرأيتم ومحصلُه أخبرني على حد قول سعدى في بوستان.
*"دو لشكر بهم برزدنذا زكمين
…
توكفتى زدند آسمان برزمين"
يعني: لو كنتُ هناك لقلتُ هذا وكذلك معناه، لو كنت فرأيت فأخبرت.
116 -
قوله: (لا يبقى)
…
إلخ وقد وقعَ في شرحه أغلاطٌ. ومعناه: أن كل من كان موجودًا في وقت تكلمه على وجه الأرض فإنه لا يتجاوزُ عن هذه المدة، فالذين وُلدُوا بعد هذه، لم يدخلوا تحت هذه المقُولة، وكذا لا حكمَ فيه بأن عمرَ أمته لا يزيد عليه. ومن ههنا قال المحدثون: إن دعوى الصُّحْبة بعد تلك المدة باطلة كما ادَّعى بابًا رَتَن في بهتندا وردَّ عليه الذهبي فأخطأ في اسمه فكتبه «بطرند» . وتصحيح اسم لسان من عالمِ لسان آخر أمرٌ عسير. وآخرهم وفاةً في مكة إنما هو عامر أبو طفيل، وفي المدينة جابر رضي الله عنه، وأنهما ماتا في تلك المئة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم تكلم في الخضر أنه حي الآن أو مات هو أيضًا؟ ونسب إلى البخاري أنه ليس بحيِّ. وعند عامتهم هو حيّ. وأحسن ما يستدل به على حياته ما في «الإصابة» بإسناد جيد أنّه خرج عمر بن عبد العزيز مرة من المسجد ومشى مع رجل يتكلم معه فلم يعرفه الناس، فسألوه عنه فقال: إنه كان خَضِرًا. والعرفاء أيضًا ذهبوا إلى حياته إلا أنهم قالوا: بالبدن المثالي كما صرح به بحر العلوم. ثم قيل في وجه الجواب: أنه يمكن أن يكون على وجه البحر إذ ذاك لا على وجه الأرض، فلا يدخل في قضية الحديث.
وعندي هو مخصوصٌ، فإن العموم على التحقيق ظني. ثم هو من رجال الأمم السابقة وغائب عن الأبصار، فلا بُعدَ في أن لا يشمَلَه الكلام ويبقى خارجًا عنه. ومن زوال كلام البلغاء لا يراها تأويلًا، بل هو الطريق المسلوك في العبارات.
117 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا فِى لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ «نَامَ الْغُلَيِّمُ» . أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى
سَمِعْتُ غَطِيطَهُ - أَوْ خَطِيطَهُ - ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ. أطرافه 138، 183، 697، 698، 699، 726، 728، 859، 992، 1198، 4569، 4570، 4571، 4572، 5919، 6215، 6316، 7452 - تحفة 5496
117 -
قوله: (عن ابن عباس) إنما سنه عباس ليرى صلاةَ ليله صلى الله عليه وسلم ولاستيفاء دينه منه، لما كانت جرت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم معاملة للدين، فكان يستقرض منه ويصرفه في مصارف الزكاة، ثم يؤديه إذا جاء عنده من مال الزكاة. واعلم أنه اخُتلف في عدد ركعات صلاة ليله صلى الله عليه وسلم تلك، فقيل إنها إحدى عشرة وقيل ثلاث عشرة، ولم يترجح واحد منهما.
قوله: (فصلى أربع ركعات
…
إلخ) وفهم الحافظ أنها قطعة من صلاة ليله صلى الله عليه وسلم والركعتان الأخيرتان كانتا سنة الفجر. وعندي هي سنهُ بعدِية للعشاء. وصرح الشيخ ابن الهُمام رحمه الله تعالى بأن المؤكَّدة وإن كانت هي الركعتان، إلا أن الأربع أيضًا مأثور بعد العشاء. وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قال: سألت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العشاء إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات
(1)
.
والتحقيق عندي: أن الراوي جمع فيه قِطعتين من صلاته صلى الله عليه وسلم فذكر السنة البعدية وخَمْسًا من صلاة الليل، وحذف منها الباقي كما هو مصرح عند أبي داود عن سعيد بن جبير. فجاء فصلى أربعًا ثم نام، فهذه هي السنة البعدية، ثم قام يصلي
…
فصلى خمسًا. وعند أبي داود: فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثماني ركعات، ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن
…
إلخ، فصارت تلك إحدى عشرة ركعة صلى ثمانية منها في سلسلة وخمسة في سلسلة أخرى. فاقتصر الراوي على إحدى السلسلتين وترك الأخرى.
أما الاستدلال بقوله: أوتر بخمس
…
إلخ على خلاف وِتْرية الثلاث فليس بناهض، بل يُبنى على خفاءِ حقيقة صلاته صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة. فاعلم أن صلاته صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة على ما يظهر من الروايات كانت هكذا: أربع ركعات، وثمان ركعات، وخمس ركعات، وركعتين. والأرجح عندي في الأربع أنها كانت سنة بعد العشاء كما مر، فمجموع صلاة ليله: ثلاثة عشر، والركعتان سنة الفجر. فصلى ثماني منها في سلسلة، وخمسًا أخرى في سلسلة، يعني صلى ثماني ركعات، ركعتين ركعتين ولم يجلس بينهما للاستراحة، فصارت تلك سلسلة واحدة ثم جلس. وليست هذه الجلسة إلا جلسة الاستراحة، لا ما تكون في خلال الصلاة، ثم أتمها بخمسة أخرى، فصلى ركعتين من صلاة الليل وثلاثًا للوتر في سلسلة واحدة، ثم جلس جلوس الفراغ، ثم ركع ركعتي الفجر.
(1)
قلت: وعن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا: أربع ركعات بعد العشاء يحاسبن بمثلهن في ليلة القدر لعله حديث آخر ولم يتيسر لي السؤال عنها أنها السنة البعدية أو صلاة مستقلة. حتى رحل الشيخ إلى جنة النَّعيم، فيمكن أن تكون الأربع هي هذه.
وإذا كانت صلاته في تلك الليلة هكذا، سرى فيه تفنن العبارات. فذكر بعضهم السنَّة بعد العشاء، وحذف ثمان ركعات من صلاة ليله، ثم ذكر ركعات الوتر مع قِطعةٍ من صلاة ليله، ثم ذكر ركعتي الفجر كما هو عند أبي داود عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس قال: بتُ في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم جاء فصلى أربعًا ثم نام - وهذا قريب من الصريح في أنها كانت سنة بعد العشاء، لأنه صلاها قبل النوم وبعد العشاء - ثم قام يُصلي فقمت عن يساره، فأدارني فأقامني عن يمينه، فصلى خمسًا ثم نام - وهذه الخمسة من صلاة ليله، وسقط عنه ذكر الثمانية ههنا - ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الغَدَاة. وهذا صريح في أن الركعتين كانتا سنة الفجر، لأنه فَصَلهما عن الخمس وذكرهما عند الخروج إلى الفرض.
والدليل على أن ذكر الثمانية سقط من الراوي ما عنده عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس من طريق آخر: أنه قال: قام فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثماني ركعات، ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن - وبقي في هذا الطريق ذكر ثنتي الفجر - وأيضًا عنده في تلك القصة أنه صلى ركعتين خفيفتين ثم سلم، ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر ثم نام - فذكر فيه مجموع عدد صلاة الليل بدون الفصل بين الثمانية والخمس. وقد علمت حال الاختلاف في بيان العدد المجموع بين إحدى عشرة وثلاث عشرة - فأتاه بلال فقال: الصلاة يا رسول الله، فقام فركع ركعتين ثم صلى للناس، وهذا أصرح في أنهما كانتا سنة الفجر لا غير - فيذكر الراوي تارة صلاته قِطعةً قِطعةً لأنها كانت في الخارج كذلك، وتارة يُعطى العدد المجموع لداعية له، وأخرى قد يتعرض إلى ركعتي الفجر وقد يحذفها. وإذا تبينتَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى الثمانية في سلسلةٍ وفصل بين هذه القِطعة وقطعة أخرى بعدها لم يبعدُ حذفها من العبارة أَيضًا. ثم إذا لم يحصل له الفراغ عن صلاة ليله إلا بعد الخمس، تعرض إلى بيانه وقال: أوتر بخمس ثم فرغ عن صلاته، يعني تمت صلاته على هذا العدد ولم يتجاوزه.
وعبر عنه بقوله: لم يجلس بينهن، أي جلوس الفراغ، لأنه كان بصدد حكاية ما رأى من كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم ولم يره جالسًا جلوس الفارغ إلا بعد الخمس، فرواه كما رأى، وليس هو بصدد بيان ركعات الوتر فقط أو الجلسات بينهما، وإنما أراد أن يحكيَ عن صورة صِلاته في تلك الليلة. وكان ذهب لذلك فكأنه أراد التصوير على اصطلاح علماء المعاني، ولم يكن منه بدٌ أن يذكرَ تلك القطعات كذلك. إلا أن بعض الرواةِ لما ذكرها إجمالًا ذكر العدد المجموع فقط، وبعضهم زاد ونقص حسب ما سنح لهم عند روايتهم.
ثم إن الدليل على أن الوترَ من تلك الخمس كانت هي الثلاث: ما أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه في تلك القِصة بعينها وفيه: ثم فعل ذلك ثلاث مراتٍ ستَّ ركعات، كل ذلك يَستاكُ ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث.
وأشار الحافظ رحمه الله تعالى إلى تفرُّدٍ فيه. قلت: لا تفردَ فيه، بل له متابعاتٌ شتى أخرجها الطحاوي عن قيس بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس: أن عبد الله بن عباس
حدثه
…
ثم أوتر بثلاث، وفيه غَلطٌ من الكاتب إنما هو: مَخْرَمة بن سليمان عن أبي إسحاق، عن المنهال بن عمرو، عن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه وفيه: حتى صلى ست ركعات وأوتر بثلاث. وعنه عند النسائي عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث. وهو عند الطحاوي أيضًا.
فتحصل من هذه المتابعات أن وتر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة كانت هي الثلاث. وإنما ذكر معه الركعتين من صلاة الليل لأنهما كانتا صُليتا معه في سلسلة كما علمت. وستعلم إن شاء الله تعالى أن المطلوبَ في نظر الشارع أن يصلي الوتر مع شيء من صلاة الليل، وهو معنى قوله: «لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس أو سبع
…
إلخ» فمعنى النهي عن الإيتار بالثلاث إفرازها عن صلاة الليل، والإيتار بها بدون أن يكون شيء قبلها. أما إذا كان قبلها ركعتان أو أربع ركعات، فقد خَرَجَ عن معنى النهي، لأن الوتر لما كانت لإيتار صلاة الليل، ناسب أن تكون قِطعة من صلاة الليل معها، ليظهر معنى الإيتار، وستعرف إن شاء الله تعالى.
وقال مولانا شيخ الهند محمود حسن رحمه الله تعالى: الركعتان مع الوتر ليستا قِطعة من صلاة الليل، بل هما اللتان تصليان بعد الوتر قاعدًا. وقد كان رحمه الله تعالى يُجري هذا الجواب في حديث عروة أيضًا. قلت: أم الأحاديث في الركعتين بعد الوتر فقد بلغت إلى الأربع وكلها صحاح، إلا أني لم أختر هذا التوجيه، لأن مالكًا رحمه الله تعالى أنكرهما ولم يخرج لهما في «موطئه» شيئًا، ورآه وهَمًا مخالفًا لقوله صلى الله عليه وسلم «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» فإنه صريح في أن الوتر ينبغي أن يكون في آخر صلاة الليل، وحينئذٍ لو سُلِّم ثبوت الركعتين بعده لزم أن يكون الآخر هما هاتان، وتفوت آخرية الوتر. والبخاري رحمه الله تعالى وإن أخرجهما في كتابه إلا أنه لم يبوب على هذا اللفظ.
وقد تحقق عندي: أن البخاري رحمه الله تعالى إذا يخرج لفظًا ويكون فيه ضعف عنده لا يُترجم عليها، فهذا أيضًا دليلٌ على ضعف في المسألة عنده. ثم إن السلف أيضًا كانوا مختلفين فيها، فحملها على هاتين الركعتين، وإن كان ممكنًا في حديث ابن عباس رضي الله عنه، إلا أني تركته لما علمت آنفًا. أما في حديث عُروة فحملُها على هاتين الركعتين مُشكلٌ، فإن عروةَ ممن ينكرهما رأسًا كما هو في «قيام الليل» للمروزي، فهاتان غير ما في حديث عروة قطعًا. إن أمكن حملهما عليهما في غير حديثه، إلا أني لمّا لم أحملُهما في حديث عروة على الركعتين بعد الوتر لما علمت، وجعلتهما من صلاة الليل. لهذا المعنى أحببتُ أن تكون شاكلةُ الجواب في كلها واحدة، وإن أمكن الحملُ عليهما في حديث ابن عباس رضي الله عنه.
أما المسألة في هاتين الركعتين فإنهما جائزتان عندي، غير أنهما تصليان قاعدًا. وقد اتضحت لي حكمةُ القعود أيضًا، وهي: إبقاء آخرية الوتر ولو بوجه، فإنها وإن فاتت صورةً ناسب أن لا تفوت معنى أيضًا، فحرفهما عن شاكلة الصلاة التي صليت قبلهما، لتصير صلاة متميزةً مستقلةً ممتازةً عما قبلها ويبقى الوتر آخرًا فيما جعل لها آخرًا، وهي صلاة الليل. وأما الركعتان بعدها فكأنها صلاة أخرى لم يقصد تأخير الوتر عنها. ولما كان القعودُ فيها لتغيير