الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
67 - باب غَسْلِ الدَّمِ
انعقد الإجماع على نجاسته، ولذا عبَّر بالغَسْل، وهكذا فعل في البول والمَذِيِّ والمَنِيِّ، فقال: باب ما جاء في غَسْل البول كما مرَّ، وقال: باب غَسْل المَذِيِّ والوضوء منه، وقل: باب غسل المَنِيِّ وفَرْكِهِ، كما سيأتي. فهذا دليلٌ على أنَّه ذهب إلى نجاسة المَنِيِّ على ما أرى، وفي عامة كتبنا؛ أنَّ المسفوح نَجِسٌ، وغير المسفوح ليس بَنجِسٍ، وبحث فيه شارح «المُنْيَة» في الكبيري، وجمع الشَّوْكَاني فقهه في رسالة سمَّاها «الدُّرر البَهِيَّةً» ، ووضع فيها مسائل أخشى على العامل بها أن لا يُغْفَر له، منها: طهارة جميع الأشياء سوى دم الحيض، وغائط الإِنسان، وبوله. وقال: إنَّ شَحْم الخنزير ليس بحرامٍ، لأن القرآن سمّى لحمه حرامًا، والشحم ليس بلحمٍ، فلا يكون حرمًا، ونعوذ بالله منه.
227 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَتْنِى فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِى الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّى فِيهِ» . طرفه 307 - تحفة 15743
227 -
قوله: (وَتَنْضَحُهُ)
…
إلخ، وقد مرّ أن النِّضْح ههنا بمعنى الغَسْل عند الكل، وهو المراد عندنا في بول الصبي، فَشاكِلَتُه عندنا من ههنا إلى هناك واحدة، بخلاف الشافعية رحمهم الله تعالى.
228 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِى حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِى الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِى عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّى» . قَالَ وَقَالَ أَبِى «ثُمَّ تَوَضَّئِى لِكُلِّ صَلَاةٍ، حَتَّى يَجِىءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» . أطرافه 306، 320، 325، 331 - تحفة 17196 - 67/ 1
228 -
قوله: (أُسْتَحَاض) بضم الهمزة وفتح المثناة مجهولًا، وهكذا يُقْرَأ، لأن الاستحاضة ليست من صنعها وإنما تلقى عليها من أسباب سَمَاوِيَّة. ومعناه: أنه استمرَّ بي الدم، فلا يَرْقَأ، ولا تريد به الاستحاضة الفقهي: وهي الدماء التي تَنْقُص من عادتها أو تزيد عليها، وأهل اللغة لا يفرِّقون بين الدماء الفقهية، ويقولون: حاضت المرأة، إذا جاء الدم على عادتها، وإذا غَلَب عليها يقولون: أُسْتُحِيضَت، ثم الفقهاء يفصِّلونها إلى دم الحيض والاستحاضة، وهو موضوعهم. وأما اللغويون، فيحكمون على المجموع أنه استحاضة.
قوله: (فلا أَطْهُرُ) أي حِسًّا، ولم تُرِد به الطهارة الشرعية، بل معناه لا أَطْهُر حِسًّا، ولا أزال أتلطَّخ بالدماء لأجل جَرَيان الدم، فلا أَطْهُرُ حِسًّا. والشريعة قد تَحْكُم بالطهارة حال النجاسة الحِسِّية كالمعذور، وقد تحكم بالنجاسة مع الطهارة الحسِّية كالطُّهْرِ المتخلل، فهذه من اعتبار الشرع، فلا تريده، وإنما أرادت: أنَّ دمها غَلَبَ عليها فلا يسكن، ومنعها عن صلاتها، وبه يرتبط الجواب، لأنها لو كانت تَعْلَمُ أنها استحاضة، لم يكن فيه إشكالٌ. وإنما أَشْكَل عليها الأمر،
لأنها إذا استمر بها الدَّمُ لم تستطع أن تتبيَّن حَيْضَها من استحاضتها، فسألت صاحب الشرع.
قوله: (إنما ذلك دم عِرْقٌ)
…
إلخ، وهذه عِلَّةٌ منصوصةٌ تدلُّ على أنَّ الخارج من غير السبيلين أيضًا ناقضٌ، لأنه علَّلها بَكونها دم عِرْق، وإنما تحقَّق خروجه عن إحدى السبيلين لخصوص المقام، وإدارةُ الحكم على السبيلين في هذا المقام تركٌ للمَنْطُوق، وأخذٌ بالمسكوت، وهو كما ترى. وما قاله الحافظ رحمه الله تعالى: إنَّ المقصودَ من قوله: «إنه دم عِرْق» ، توكيدٌ لعدم كونه دم الحيض، وليس بيانًا لكونه ناقضًا، يأباه السياق أيضًا. ثم إن الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى أيضًا موافقٌ للشافعية رحمهم الله تعالى في عدم النقض من الخارج من غير السبيلين، مع أن أحمد رحمه الله تعالى نصَّ على نقض الوضوء من الرُّعَاف، وقد مرَّ التصريح به.
قوله: (فإذا أقبلت حيضتُك) بالفتح وبالكسر يوميء إلى التميز بالألوان. واعلم أنه لا عِبْرة للألوان عندنا في أيام الحيض، فما تراه من السَّوَاد إلى الكُدْرَة يكون كلها حيضًا. وذهب الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى إلى اعتباره، فجعل الأحمر الشديد والأسود منه حيضًا، ولم يَرَ باقي الألوان حيضًا. ولفظ الإِقبال والإِدبار يؤيده، فإِنه يُعْلَم منه أن دم الحيض دمٌ متميِّزٌ بنفسه، يُعْرَف إذا أقبل وإذا أَدْبَر. فالإحالة على الدم مُشْعِرٌ بأن دم الطمث مُغَايِر لدم الاستحاضة بنفسه، ومُتَمَيِّزٌ كَتمَايُز سائر المَاهِيَّات، ولذا اكتفى بالإحالة على الاسم، لأنه كان من الأشياء المتميِّزة بنفسه، كما في رواية:«فإِنه دمٌ أسود يُعْرَف» .
قلت: ولا ريب أن الألفاظ المذكورة أقرب إلى نظرهم، إلا أنَّه يَصْدُق على مذهبنا أيضًا، فإِنه يمكن أن يُعْرَف الإِقبال والإِدبار باعتبار عادتها، فإذا جاء أوانُ حيضها ودَمِيت، فقد أَقْبَل حيضها، وإذا مضى زمان الحيض، فقد أَدْبَر، ثم أقول: إن في الباب لفظ آخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر مستحاضة أن تَنْظُر عِدَّة الليالي والأيام الي كانت تحيضهنَّ من الشهر، فهذا إحالةٌ ظاهرةٌ على عادتها بدون تفصيلٍ بين الدماء وألوانها، وإن كان يَسُوغ لهم أيضًا أن يحملوه على التمييز، إلاّ أنَّ المُتَبَادر منه عدمه.
فالحاصل: أنَّ العُنوانَ الأول أقرب إلى الشافعية، والعنوان الثاني أقرب إلى الحنفية، وإن أمكن حَمْل أحدهما على الآخر، ولذا وَضَع أبو داود ترجمة بهذا اللفظ، وترجمة أخرى بذاك، لينبِّه على أنهما يُنْبئان عن النظرين.
وأما قوله: «فإِنه دمٌ أسود يُعْرَف» ، فقد أخرجه النَّسائي في موضعين، وأشار إلى إعلاله، وفي «العلل» لابن أبي حاتم: أنه مُنْكَرٌ. وحكي الطَّحَاوي
(1)
عن أحمد رحمه الله تعالى
(1)
قال الطَّحَاوي: فلم نجد أحدًا يرويه عن عُرْوَة عن عائشة، ولا عن عُرْوَة عن فاطمة إلَّا محمد بن المُثَنَّى، وذكر لنا أحمد بن شُعَيْب أنه لم يكن عليه لمّا حدَّث به كذلك، وقيل له: إن أحمد بن حنبل قد كان حدّث به عن محمد بن أبي عَدِي، فأوقفه على عُرْوَة، ولم يتجاوز به إلى عائشة، فقال: إنما سمعته من ابن أبي عدي مِنْ حِفْظه، فكان ذلك دليلًا على أنه لم يكن فيه بالقوي، ووقع في القلب اضطراب محمد بن المُثَنَّى فيه، لأنه قال فيه مرةً: عن عائشة، وقال فيه مرّةً: عن فاطمة بنت أبي حُبَيْش، وقوَّى في القلوب أنَّ حقيقتَهُ عن ابن أبي عدي.
في «مشكلة» : أنه مُدْرَجٌ. وإن سلَّمنا، فهو محمولٌ على الأغلب، لا أنه هو المَحَطُّ كما فَهِمُوه.
والذي تبيَّن لي أن الأمر في حديث فاطمة بنت أبي حُبَيْش إنما يَدُور على العادة دون التمييز، وإن كان لفظ الإِقبال والإِدبار أقرب إلى التمييز، لأنه أخرجه البخاري بعينه في باب إذا حاضت في شهر ثلاثَ حِيَض، وفيه:«ولكن دَعِي الصَّلاة قدر الأيام التي كنتِ تَحِيضِينَ فيها» مكان الإِقبال والإِدبارد فاتِّضحَ أنَّ الراوي لم يَقْصِد إِلا التَّفَنُن في العبارات، ولم يُرِد من قوله:«أقبلت وأدبرت» معنًى زائدًا عمَّا في قوله: «قدر الأيام التي كنت تَحِيضين فيها
(1)
»، فالأمر أنها كانت مُعْتَادة تعرف الإِقبال والإِدبار بحَسَب عادتها، لا أنها كانت تْعتَبر بالألوان وإلا لَمَا اختار التعبيرَ المُخِلَّ بالمراد.
قوله: (فاغسلي عنكِ الدم)، المراد منه غَسْل اللَّوْث دون الغَسْل الذي هو فرض بالإِجماع، وهو مرادٌ قطعًا وإن لم يُذْكَر في هذا الطريق، وصحَّ فيه لفظ:«توضيء» ، وإن تردَّد فيه مسلم. وقال: وفي حديث حمَّاد بن زيد زيادةُ حرفٍ تركنا ذكره.
قلت: بل هو صحيحٌ بدون تردّد كما أثبته الطَّحَاوي، وأخرج له مُتَابعات أيضًا، فلا تفرُّد، فيه ولا ترُّدد. وأقرّ به الحافظ رضي الله عنه أيضًا: ثم الإِسناد الذي أخرجه الطَّحَاوي فيه أبو حنيفة، ومرّ عليه ابن سيد الناس في «شرح الترمذي» وصحَّحه. وهكذا استشهد أبو عمرو في «التمهيد» بطريق أبي حنيفة والحافظ رحمهما الله تعالى. وإن أقرّ بتلك الزيادة، إلاّ أنه لم يَسْتَعِن بهذا الطريق، ونحن نفهم ما يريد، فافهم أنت أيضًا، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
والحاصل: أنَّ الأمر بالوُضُوء ثابتٌ فيه، ثم هو محمولٌ على الوُجُوب عندنا، وعلى
(1)
قال الطَّحَاوي في "مشكله" في حديث حَمْنَة في شرح قوله: "تَحِيضِين في كل شهرٍ في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام". هكذا عند الطحاوي: أنه لم يأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما توَّهم أنه أمرها به مما ردَّ الخيار فيه إليها أن تَحِيض ستًا أو سبعًا، ولكنه أمرها أن تَتَحَيَّض في علم الله ما أكثر ظنّها أنها فيه حائض بالتَّحرِّي منها لذلك، كما أمر مَن دخل عليه شكٌّ في صلاته، فلم يَدْر ثلاثًا صلّى أم أربعًا، أن يتحرَّى أغلب ذلك في ظنِّه، فيعمل عليه، فمثل ذلك أَمْرُهُ المرأةَ في حيضها لمّا أمرها به فيهَ، ولا يكون ذلك منه إلَّا وقد أعْلَمَتْه أنه قد ذهب عنها علم أيامها التي تحيضهن، أي أيام هي من كل شهر؟ فأمرها بتحرِّيها، كما أمر صلى الله عليه وسلم المصلِّي في صلاته عند شكِّه كم صلّى منها بالعمل على ما يؤدِّيه إليه تحرِّيه فيه، وكان ما في الحديث من الستة أو السبعة إنما هو شكُّ دخل على بعض رواته، فقال ذلك على الشكِّ، فأمَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمرها إلَّا بستة أيامٍ أو بسبعة أيامٍ، لا اختيار منها في ذلك لأحد العددين، ولكن لأنَّ أيامَها كانت -والله أعلم- أحد العددين، وذهب عنها موضعها من كل شهر، وأَعْلَمَتْهُ صلى الله عليه وسلم ذلك، فأمرها به فيه. انتهى.
قلت: وهذا كلامه وإن كان في حديث حَمْنة لا في حديث فاطمة، غير أني نقلته لفائدة، ولقد تعسَّر عليّ فهم مسائل الحيض والاستحاضة، فأنا كذلك متردِّد؟ في شرح تلك الأحاديث، فنقلتُ كلام الطَّحَاوي لتتمكَّن من شرح بعض الأحاديث شيئًا، وقد بَسَطَه الطَّحَاوي في "معاني الآثار"، غير أني ما فَهِمْتُ منه بما يكفي ويشفي، وأنا أسأل الله تعالى أن يرزقني فهمه.
الاستحباب عند مالك رحمه الله، لأن عُذْر المْعذُور لا يَنْقُضُ طهارته عنده، ولذا تصدَّى بعض المالكية إلى إسقاطه، والله تعالى أعلم.
ثم ههنا خلافٌ آخر، وهو: أنَّ وضوءَ المَعْذُور للصَّلاة أو للوقت؟ فعند الشافعية للصَّلاة، وعندنا للوقت، فالمستحاضة إذا توضَّأت تصلِّي في الوقت ما شاءت من الفرائض والنوافل، ولا تَبْطُل طهارتُه بهذا العُذْر. وتمسَّك الشافعية بلفظ:«لكل صلاةٍ» ، فإِنَّه صريحٌ في أنَّ طهارته اعْتُبِرت في حقّ الصلاة خاصةً، وأجاب عنه الحنفية: بتقدير المضاف، ومعناه: لوقت كل صلاة.
قلت: وأخرج العَيْنِي رحمه الله لفظ: «الوقت» عن «المغني» لابن قُدَامة، وإذن لم يَبْقَ هذا تأويلًا مع أنه لا حاجة إليه أيضًا، لأنه شاع في الدُّور الإِسلامية توقيت الأمور بأسامي الصلاة، فتقول: آتيك الظهر، وآتيك العصر، تريد وقته، فقوله:«لكل صلاة» صادقٌ فيما كانت طهارته للوقت أيضًا، ولعلّك فَهِمْتَ أن بين حذف المضاف وبين ما قلنا بَوْن بعيد، والفصل عندي: أَنّ الحديثَ صالحٌ للطرفين، ولا يتعيَّن لأحدٍ منهما.
والمسألة من مراحل الاجتهاد، لأنه لو ثَبَتَ لفظ وقت الصلاة، لم ينفصل منه الأمر أيضًا، لأنه يجري البحث بعده في السبب: هل هو الصلاة أو الوقت؟ ويَسُوغ لهم أن يقولوا: إن اللام للظرف، فوقت الصلاة ظرفٌ للوُضُوء لا سببٌ، وإنما السبب هو الصلاة، كما في قولنا: أتيت فلانًا لخمس مَضَيْنَ من رمضان، فإِن اللام فيه للظرف، لا للسبب، فالوُضُوء يجب على المْعذُور لأجل الصلاة في وقتها عندهم، فصحَّ ما في «المُغْني» «لوقت كل صلاة» على مذهبهم أيضًا، ولذا قلتُ: إن المسألة مفوَّضة إلى الاجتهاد، ولا تدخُلَ تحت النص.
ونظر الإِمام الهُمَام رحمه لله تعالى فيه: أنَّ العِبْرَةَ للوقت دون الصَّلاة، كما أنَّ العِبْرةَ في الجنون والإِغماء أيضًا للوقت، فَمَنْ جنَّ في رمضان بعدما أدرك جزءًا منه، يَلْزَم عليه قضاء رمضان بتمامه. وكذا من أُغْمِي عليه، وأحاط إغماؤه يومًا وليلةً، يسقط عنه قضاؤها، فالجنون والإِغماء عذران اعْتُبِرَ فيهما الوقت أيضًا، إلاّ أنه أخذ في الإِغماء وظيفة اليوم والليلة بتمامها، لأنه فَهِمَ أن بين الصلوات الخمس ربطًا، ولذا قال: إن الترتيب بين الفوائت مستحقٌ، وأخذ في باب الصوم وظيفة الشهر، وأَلْزَم كلَّه بإِدراك بعضه فالشهر في الجنون كالصلوات الخمس في الإِغماء، فمن لم يُدْرِك جزءًا من الشهر، وأحاط به الجنون جميع الشهر، فإِنه لا يَقْضي، كمن أحتاط بِه الإِغماء يومًا وليلةً.
وهكذا في مسألة الرَّجْعَة قالوا: لو انقطع دمها على العشرة، فإِنها تخرج عن عِدَّتها بمجردٍ مُضِيِّ الحَيْضَة الثالثة، وإن انقطع لأقل من العشرة، فإِنها تنتظر قدر الغُسْل، فاعتبروا فيها الوقت أيضًا. والظاهر أَنَّ البحث فيما إذا انقطع الدَّمُ لأقل من العشرة، أنَّ انقطاع حقّ الزوج - وهو الرجعة - يَنُوط بأمرٍ سماويّ - وهو الوقت - أو بفعل اختياري، كغسل المرأة، والذي فَهِمُوه أن إحالته على أمر سماوي أَوْلَى، وهو الوقت، بخلاف الفعل الاختياري، فإِنَّ إبطالَ حقًّ مِنْ فعل أحدٍ غيرُ معقولٍ فلم يَعْتَبِرُوا فيه فِعْلَها - وهو الغُسْل - بخلاف الوقت، فإِنه أمر سَمَاوِيّ، ورَاجِعْ