الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأعضاءُ كالفروع له، وهو: مَعْدِنُ العلوم والمعارفِ والأخلاقِ والمَلَكاتِ. وفي «الجامع الصغير» للسيوطي رحمه الله تعالى: «أن القلب ملك
…
إلخ»، وفي البيهقي: أن الأَذَنَ قِمْعٌ للقَلْب يُحضِرُ المسموعات عنده من الخارج، والعينان مسلمة يتقي بهما الحجر والشجر، واليدان جناحان، والرجلان البريد، والكبد رحمة، والطِّحال ضحك، والرِّئةُ نَفَس، فإن صح هذا لدل على أن الضَّحِكَ من الطِّحَال، ولم يذكر الأطباءُ له وجهًا. وما وَضَحَ لدي، أنه يحدث من انقباض الرئة مرة وانبساطه أخرى. والقلبُ هو أصلُ اللطائفِ كلها عندي غير الروح، فإنها من الخارج والنفسُ مَعِدنه الكبدُ الطالبة للذات والشهوات، والقلب بعد فنائه في اللذات والهوى يُسمَّى نفسًا. وعليه مدار الصلاح والفلاح وهو مهبطُ الأنوار ومنبعُ الأسرار.
وفي الحديث أنه لما صوَّرَ آدم، طاف به الشيطان ودخل فيه ورأى فيه منافذ قال: إنه مخلوق لا يتمالك نفسَه. وفي تفسير «فتح العزيز» زيادة: وهي أن في يساره حُجْرَة مسدودة لا أدري ماذا فيها، وكان فيه القلب. قلت: ولما كان القلبُ مَظهرًا لتجلياتِ الصمد الأحد، جعله اللَّهُ صمدًا ولم يبق فيه منفذًا، فهو إذن كالقَّبةِ المُشرفةِ مسدودةٌ جوانبها، محكمةٌ أبوابُها وغرفُهَا، لا يدرى سره إلا الله العلي العظيم.
41 - باب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ
53 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، يُجْلِسُنِى عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِى حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِى، فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنِ الْقَوْمُ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ» . قَالُوا رَبِيعَةُ. قَالَ «مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ - أَوْ بِالْوَفْدِ - غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى» . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَاّ فِى شَهْرِ الْحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَىُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ، نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ. وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ. فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ. قَالَ «أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ» . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ» . وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ. وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ. وَقَالَ «احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ» . أطرافه 87، 523، 1398، 3095، 3510، 4368، 4369، 6176، 7266، 7556 تحفة 6524 - 21/ 1
53 -
(كنت أقعد مع ابن عباس) وسبب ذلك في كتاب العلم عند المصنف رحمه الله تعالى ولفظه: «كنت أترجم بين ابن عباس رضي الله تعالى عنه وبين الناس» ، لأن أبا جَمْرة كان يعرفُ اللغة الفارسية، وكانت المعاملات عنده تجيءُ في تلك اللغة فيترجِمُ لهُ.
(أقم عندي) إن كان هذا الإعطاء أُجرة الترجمة كان دليلًا على جوازِ أخذِ الأجرةِ على التعليم أيضًا، وإن كان بسببٍ آخرَ فلا. ونقل أنه كان ذلك بسببِ الرؤيا التي رآها في فسخِ
العمرة، أنه قبل حجه وعمرته، وقد كان فسخَهُ على فتواه، فسُرَّ به.
(إن وفد عبد القيس)
(1)
وأنهم أَتُوه مرتين: مرةً في السنة السادسة وأخرى عام فتح مكة. ومسجد عبد القيس بجُواثى، أول مسجدٍ صُليت فيه صلاةُ الجمعةِ بعد المسجد النبوي، فاحفظه فإنه ينفعُك في مسألة الجمعة في القرى، وسيجيء إن شاء الله تعالى تحقيقها.
(غير خزايا ولا ندامى) وفي ندامى مُشاكلة كما في الغَدَايَا والعَشَاي. وإنما قال لهم ذلك لأنهم جاؤا برغبةٍ منهم بدون الحرب. ثم ههنا إشكال وهو أنه وعد بذكر الأربع، فإن عَددْنا الإيمانَ بالله منها، يبقى سواه أربعًا، ويصير المجموعُ خمسًا فيزيدُ العدد. وإن جعلنا المجموعَ تفسيرًا للإيمان وأدرجْنَاه تحته لم يحصل إلا أمر واحد، وعلى كلا التقديرين لا يحصلُ العدد الموعود.
فقال البيضاوي في «شرح المصابيح» : إن الإيمانَ بالله وحده أمرٌ واحد، وإقامِ الصلاة
…
إلخ تفسير للإيمان، والثلاثة الباقية تركها الراوي.
قلت: وحاصله هَدْر ما ذكره الراوي والأخذُ بما لم يذكره هو الرجم بالغيب. وقيل: إن العددَ باعتبار أجزاء التفصيل، فالإيمان واحدٌ ثم فصَّلَه في ذلك العدد. وقيل: إنه وَعَدَ بالأربع وزاد عليه بواحد عند الوفاء، فذكرُ إعطاء الخمس تبرع منه، ولا بأس في إعطاء الزيادة على الموعود. قلت: وهذا الجواب بعيد عن ترجمة المصنف رحمه الله تعالى بَوَّبَ عليه بكونه من الإيمان.
ويمكن أن يُجاب عنه أن إعطاءَ الخمسِ وإن كان خارجًا عن الإيمان، لكنه معدودٌ عند المصنف رحمه الله تعالى من الإيمان، لأنه قد علم من صَنِيْعِهِ أن جميع الأشياء المتعلقة بالإيمان إيمانٌ عنده. وقيل: إعطاءُ الخمسِ داخلٌ في إيتاء الزكاة، لأنَّه أيضًا من نوعه وهذا ألطفُ من جعله تبرعًا، سيما على مذهب الشافعية، فإنهم قالوا: في المعدِن الزكاة، وفي الرِّكاز الخمس. وقيل: إن الشهادتين ليستا من الأشياء الموعودة، وإنما ذكرهما تمهيدًا ولكونهما لا بد منهما، والعددُ يبدأُ من قوله: إقام الصلاة.
أقول: ويرد عليه ما عند البخاري أنه ذكر الشهادتين وعقد واحدة. وهذا يدل على أنه عدَّها من الموعود. لا يقال: إن العقد كان للإشارة إلى التوحيد، لأنا نقول: المعهودُ فيها
(1)
واعلم أن رَبَيْعة، ومُضَر، وأنَمار، وزيدًا كانوا أبناء أب. ومضرُ منهم أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ههنا صار الوفدُ المذكور من بني أعمامه صلى الله عليه وسلم. ثم اعلم أن والد هؤلاء كان من الأغنياء، فلما أشرف على الموت أوصاهم بالإِشارة أن يقتسموا أمواله بينهم، وعيَّن لكل ولد صِنفًا من المال، فكان الخيل في حظ ربيعة، فاشتهرت بربيعة الخيل، وكذا الذهب في حظ مُضَر، فاشتَهْرت بمضر الحمراء، فإِن الذهبَ يُكنى بالأحمر، وقد ذكرهم خواجه أمير خسرو أيضًا في كتابه /هشت بهشت/ غير أنه لم يدرك الحقيقة وقد ذكرناها لك. كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز.
الإشارةُ بنصبِ المسبِّحة دون العقد. والراوي يذكر العقدَ. والأولى عندي أن يقال: إن الأربعة هو الإيمان مع ما بعده، وما بعده تفسيرٌ للإيمان. فإذا قلنا: إنها إيمانٌ، قلنا: إنها شيء واحدٌ، وإن نظرنا إلى الأجزاء قلنا: إنها أربعة، فهو واحد من جهة الإجمال، وأربعةٌ من جهة التفصيل.
وبعبارة أخرى: أن المقصود كان الأمرُ بالإيمان، غير أنه قال
(1)
: أربعة نظرًا إلى أجزائه الداخلة فيه. وهذا يوافق غَرَضَ المصنفِ رحمه الله تعالى أيضًا، فإنه جعل أداء الخُمُس من الإيمان. وأيضًا يوافق لما ذكره في باب سؤال جبرائيل ما بينَه النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس، فإنه دليل على أنه عدَّ الأشياء الأربعة من أجزاءِ الإيمان وتفسيره. وكذلك بَوَّب في كتاب السِّير والجهاد بقوله: باب أداء الخمس من الدين، فدل على أنه معدودٌ عنده من الإيمان.
(وحده) وفرق في «المطول» بين الواحد والأحد. فقال: إن الواحدَ مشتقٌ من الوَحَد، ويصيرُ أحدًا بانقلاب الواو ألفًا، فالأحدُ اثنان: الأول من الوَحَد، وهو للعدد المقابل للاثنين، والثاني: للمنفرد عن الشيء. والأولُ لا يردُ إلا في سياق النفي، كقوله:{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} أي واحدًا. والثاني يُستعمل في الإثبات كقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} أي منفرد. ثم قيل: إن الواحد لا جمع له إلا أنه ثابت في شعر الحماسة:
قامُوا إليه ذرافات ووُحْدانا
قال التبريذي: والوحدان جمع الواحد، بمعنى المنفرد دون الواحد، بمعنى العدد المقابل للاثنين. قلت: لا بأس في كون الجمع للواحد بمعنى العدد أيضًا. وليطلب استعمالاته من "كليات" أبي البقاء فإنه بحث فيها أنه للانفراد عن الذات أو للانفراد عن الفعل. وكتب فيه السهيلي رسالة مستقلة.
(إقام الصلاة
…
إلخ) قيل: إنه مجرور ومعطوف على الإيمان وتفسيره قد تم عند ذكر الشهادتين. ثم إنه بعد كونه معطوفًا على الإيمانِ إيمانٌ أيضًا. وقيل: بالرفع. وأقول: إنه داخلٌ في تفسير الإيمان، وهو الأقرب عندي وأوفق لغرض المصنف رحمه الله تعالى، ثم إنه قال الحافظ رحمه الله تعالى: إن الحج ليس بمذكور في أحد من طُرقه، لأنه فُرِضَ بعدَه وما ذُكِرَ في بعض طرقه من الحج معلولٌ عند المحدثين.
(وصيام رمضان) وهو مصدرٌ لغةً، لا جمعُ صوم وفي كتب الفِقه من قال: عليَّ صيام يلزمه ثلث صيام فدل على أنه جمعٌ عندهم، ولعله عُرفٌ حادثٌ. وإلا فالصيام مصدرٌ وليس بجمع.
(والحنتم)"سبزرنك كى روغنى كهر يا جيسى مرتبان" والحنتم وإن فسروها بالجرة الخضراء، ولكن لا يشترطُ أن تكونَ خضراءَ دائمًا. بل هذا بالنظر إلى الغالب.
(1)
قلت: ولا يبعد أن يقال: إنه لما نهاهم عن أربعة ناسب، أن يأمرهم بأربعة، فإن الجمع بين أعداد المأمور به والمنهي عنه من نوع واحد أيضًا من المحسنات، وحينئذٍ لطف تعبير الإيمان بالأربعة جدًا، فذقه.