الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (سَبْع قِرَب)
…
إلخ، وفي كتب السِّير: أن تلك السَّبْع كانت من الآبار السَّبْع، ولعلّ تعدّد السبع وعدم الحل دخلا في الشفاء، كما يكون مثل هذه الشرائط في باب العملياتِ والتعويذاتِ كثيرًا.
قوله: (ثم خرج إلى الناس)
…
إلخ، وخروجه هذا إنما هو في العشاء عندي.
ذِكْرُ عدد صلواته صلى الله عليه وسلم في مرض موته، وخروجه إلى المسجد وتحقيقه على خلاف ما اختاره الحافظ ابن حَجَر رحمه الله تعالى
واعلم أنَّ الروايات في غَيْبُوبته صلى الله عليه وسلم في مرضه عن المسجد مختلفةٌ: فعند البخاري أنَّه غاب ثلاثة أيام، واختاره البيهقي وتَبِعَه في ذلك الزَّيْلَعِي. وعند مسلم أنَّه غاب خمسة أيام، واختاره الحافظ.
قلت: ولعلّ الحافظ رحمه الله تعالى عدّ الكُسُور أيضًا، ولعلّ ابتداءَ الغَيْبة عنده يكون من ليلة الخميس، وحينئذٍ لو اعتبرنا ذلك اليوم مع يوم الاثنين حصل الخَمْس، ومَنْ قال بثلاثة أيام، اعتبر اليوم التام، فارتفع الخلاف.
ثم إنَّهم اتفقوا على أنَّه خرج في صلاة من تلك الأيام، ولعلّه ظُهْر السبت أو الأحد، لأنَّ الغَيْبة لمّا كانت من عشاء الخميس على ما اختاره الحافظ، فلا يُمكِنُ أن يكون ظُهْر هذا اليوم، ولا من يوم الجمعة، وتُوْفِّي يوم الإثنين، فتعيَّن أن يكون إما ظُهْر السبت أو الأحد. والعجب من الحافط حيث جَعَلَ قدوتَه فيه الإِمام الشَّافعيّ رحمه الله تعالى، مع أنَّ الإِمام رحمه الله تعالى وإن اختار شركته في صلاةٍ واحدةٍ، إلاّ أنَّه ذَهَبَ إلى أنَّها الفجر، بخلاف الحافظ، فإِنَّه اختار أنَّها الظُّهْر.
أقول: والذي تبيّن لي: هو أنَّه صلى الله عليه وسلم دَخَلَ في أربع صلوات بعد، الغَيْبُوبة:
الأولى: العشاء التي غُشِيَ عليه في ليلتها - كما في رواية الباب - فإِنَّه لم يستطع أولًا أن يَخْرُج، ثم وجد في نفسه خِفَّة، وخرج إليها وصلَّى بهم وخطب النَّاس، كما عند البخاري، وفيه: قالت وخَرَجَ إلى النَّاس فصلّى لهم وخَطَبهم. وأَوَّله الحافظ رحمه الله تعالى، وقال معناه: إنه أراد الخروج، ثم لم يَقْدِر عليه.
والثانية: الظُّهْر من أي يوم كانت، وأَقَرَّ بها الحافظُ رحمه الله تعالى أيضًا.
والثالثة: المغرب كما هو عند الترمذي في باب القراءة بعد المغرب، عن أمّ الفَضْل قالت: «خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصبٌ رأسه في مرضه، فصلَّى المغرب، فقرأ ب: المرسلات، فما صلاّها بعد حتى لَقِيَ الله عز وجل. وهو عند النَّسائي أيضًا، وأوَّله الحافظ بأنَّه خرج من مكانه إلى موضع في بيته، لا أنه خرج إلى المسجد.
والرابعة: الفجر من اليوم الذي تُوُفِّي فيه كما في «مغازي موسى بن عُقْبَة» ، وهو تابعي صغير السِّن، وأقرَّ بها البيهقي أيضًا، ودخل فيها في الركعة الثانية، وصَلاها خلف أبي بكر
رضي الله عنه. نعم، ظاهر البخاري خلافه، إلاّ أني جَمَعْتُ بينهما بأنه اقتدى من حُجْرَته، ولم يَخْرُج إلى المسجد.
فهذه أربع صلوات دخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم بعد غَيْبُوبته عن المسجد، ولم أَجِد شَرَكَته في العصر في يوم، وكذا لم أَجِد الترتيب في تلك الصَّلاة. وأقرَّ الترمذي أنه صلّى في مرض وفاته ثلاث صلوات، وزِدْتُ عليه رابعة، وهي المغرب.
وفي العَيْنِي: أنه ذهب جماعةٌ إلى القول بتعدّد الصلوات حتى نُقِل عن الضِّيَاء، وابن ناصر، وابن حِبَّان: أنَّ من أنكر تعدّد خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الصَّلاة، فإِنَّه جاهلٌ عن الحديث.
ثم اعلم أني بالغت في هذا التفتيش، لأنه يُفِيدُنا في مسألةِ القراءةِ خلفَ الإِمام، لأنه ثَبَتَ عند الطَّحَاوي خروجُه في صلاة جَهْرِيَّة، وأخذ القراءةَ من حيث تَركَها أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وحينئذٍ لا بُدَّ أن تَفُوتَه الفاتحة، كلُّها أَو بعضُها، فلو كانت رُكْنًا لَزم أن لا تتِمّ صلاته صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله، فهذه آخره صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت مُسْتَدَلًا للحنفية، ولم يَشْعُر به أحدٌ منهم غير ابن سيِّد الناس في «شرح الترمذي» ، إلاّ أنه لم يُجِب عنه.
وعَرَضَ للحافظ رحمه الله تعالى إشكالٌ آخر، وهو: أنَّ الصَّلاة التي خَرَج إليها النبيّ صلى الله عليه وسلم هي الظُّهْر عنده، فكيف أخذَ القراءةَ من حيث تَرَكَها أبو بكرَ رضِي الله تعالى عنه؟ فالتزم أنَّ أبا بكر رضي الله تعالى عنه لعلّه جَهَر بآيةٍ منها. وأمَّا على ما اخْتَرْتُ، فلا حاجة إلى هذا التأويل، فإِنه ثَبَتَ خروجُه إلى العشاء أيضًا، وهي جَهْرِيَّة.
ولفظ الطَّحَاوِي في قصة مرض موته: «وجَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خِفَّةً، فخرج يُهَادَى بين رجلين، فلمَّا أحسَّ أبو بكر، سَّبحوا به، فذهب أبو بكر يتأخَّر، فأشار إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكانك، فاسْتَتَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة» ، ورواه ابن ماجه، والدَّارقّطِنيِّ، وأحمد في «مسنده» ، وابن الجَارُود في «المُنْتَقى» ، وأبو يَعْلَى في «مسنده» ، والطَّبَرِي في «تاريخه» ، وابن سعد في «الطبقات» ، والبَزَّار في «مسنده» .
وإذ قد عَلِمْتَ أنَّه خَرَج في أربع صلواتٍ، منها الفجر والمغرب، أَمْكَن لنا أَنْ نقول: إنَّ ما عند الطَّحَاوِي قصةٌ في إحدى هاتين الصَّلاتين، وأخذ فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم القراءةُ من حيث تركها أبو بكر رَضِي الله تعالى عنه، ولم يُدْرِك الفاتحةَ كلَّها أو بعضَها، ثم صحَّت صلاته، وحُسِبَت قراءة أبي بكر رَضِيَ الله تعالى عنه عن قراءته، فلو كانت الفاتحة ركنًا لا تصحَّ الصَّلاة بدونها، فأين ذَهَبْتَ من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هذه؟ وقد بَسَطْتُ فيه الكلام في رسالتي بالفارسية المسماة ب «خاتمة الخطاب في فاتحة الكتاب» .
ومرَّ الحافظ على رواية ابن ماجه هذه - وهي عند الطَّحَاوي أيضًا - فَحَكَمَ عليها بالحُسْن، وحَكَمْتُ عليها بالصحة، وعَزَوْتُها إلى الحافظ رحمه الله تعالى، فاعترض عليَّ بعضُ المُدَّعِين بالعمل بالحديث: أنه خلافُ الواقع، فإن الحافظ رحمه الله تعالى لم يَحْكُم عليه بالصحة، فأَجَبْتُ له: أن الحافظ رحمه الله تعالى مرَّ عليها في موضعين، فحكم بالحُسْنِ في المجلد الثاني، وبالصحة في المجلد السادس.