الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حِدَة كما حكم به الشرع، وهَدَرهُ وجعلوها كلها بمنزلة واحدة فاضطروا إلى التأويلات، والله تعالى أعلم.
73 - باب إِذَا أُلْقِىَ عَلَى ظَهْرِ الْمُصَلِّى قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَأَى فِى ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ يُصَلِّى وَضَعَهُ وَمَضَى فِى صَلَاتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِىُّ إِذَا صَلَّى وَفِى ثَوْبِهِ دَمٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ تَيَمَّمَ، فَصَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ الْمَاءَ فِى وَقْتِهِ، لَا يُعِيدُ.
قَذَر "كندكى" نُسب إلى مالك رحمه الله تعالى أن طهارةَ الثوب عنده من سُنن اللباس لا من شرائط الصلاة، وكذا طهارةَ المكان سُنةٌ عنده. وذهب جماعة منهم إلى أنها من واجبات الصلاة وليست شريطة للصلاة، كما في «الفتح» . وذكر الباجي في «شرح الموطأ» القولَ الأولَ.
وظني أن المصنِّف رحمه الله تعالى فرَّق بين الابتداء والبقاء: فلو دخل في الصلاة طاهرًا، ثم أُلقي عليه قَذَرٌ بدون صُنْعِه لم تَفْسُد صلاته. ونحوه عن أبي يوسف رحمه الله تعالى: أن رجلًا لو سجد على موضعٍ نجس، ثم تَنَبَّه من فوره وسجد على مكان طاهر ولم يَمْكُث قَدْر ركنٍ جازت صلاتُه. فدل على الفرق بين الابتداء والبقاء عندنا أيضًا، إلا أنه اشترط الفور. والمصنِّف رحمه الله تعالى وإن لم يفصل بين الفور وعدمه إلا أنه فصل في حالة الاختيار وعدمه، ولعله يتحمل التمادي أيضًا.
قوله: (أو جَنَابةٌ)، وقد مرَّ أنه يدل على نجاسة المَنِيِّ عنده.
قوله: (لغيرِ القِبْلَة) فإِن كان بعد التحرِّي فكذلك المسألة عندنا، وإن كان بدون التحري فإِنه يعيدُها عندنا.
ثم إن هذه واقعة قبل الهجرة «سَلَى» بجه دان، وترجمته:«أو جهري» غلط (منعة) حامي. (يحيل) يعني يقول هذا الآخر: ما فعلت، ويقول له الآخر: ما فعلت تهكُّمًا. وفي نسخة: «يجيل» أي كأن يسقط أحدُهما على الآخر.
240 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ ح قَالَ وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَيُّكُمْ يَجِىءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِى فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ، لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِى مَنْعَةٌ. قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ،
حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» . ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ - قَالَ وَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِى ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ - ثُمَّ سَمَّى «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِى جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ» . وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ قَالَ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَرْعَى فِى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. أطرافه 520، 2934، 3185، 3854، 3960 - تحفة 9484
240 -
قوله: (دعَا عليهم) ولا تفصيل فيه أن هذا الدعاء كان خارجَ الصلاة أو داخلَها. وظاهر «الفتح»
(1)
أنه كان بعد الفراع عن الصلاة. ثم إنه إن ضَمَّ معه كلمة الدعاء «له» أو «عليه» فقال: اللهم عليك بزيد، أو اللهم اهد لزيد، ففيه قولان، ففي قول تَفْسُد، وفي قولٍ آخَر لا تَفْسُد. أقول: وهذا الأخير أختارُ فلا إشكال.
أما تمسُّك البخاري بالحديث ففيه نظر، أما أوَّلًا: فلأنه لا يدري أنها كانت فريضةً أو نافلةً. وثانيًا: أنه أعادها أم لا؟. وثالثًا: أنه لا دليل فيه على أنه كان يعلم أن على ظهره سَلَى جَزُور بخصوصه. ويمكن أن يكون أحسَّ منه ثِقْلًا فقط بدون علمه ما هو. ورابعًا: أنه ما الدليل على أنه تَمادى في صلاته لأنها كانت جائزة؟ لمَ لا يجوز أن يكون تَمَادَى عليها إبقاءً لأَثَرِ الظُّلم واستغاثةً في جَنَابِه تعالى، وَتَرَحُّمًا منه كما قال في قصة حمزة رضي الله عنه:«لولا صفيته لتركته تأكُلُهُ السِّباع» . فهذا أيضًا من باب إبقاء أَثر الشهادة، وتكميل أثر الظلم.
وكما في بئر معونة حيث استُشهد رجلٌ منهم وجعل يُلَطِّخ وجهه بدمه يقول: «فزت وربِّ الكعبة» فهذا أيضًا إبقاء للحالة المحمودة وهي الشهادة، فكذلك يمكن هنا أيضًا. وخامسًا: أنه لا دليل فيه على أن هذا السلا كان نجسًا، وفيه نظر لما في طُرُقه:«سلا جزور بين فرث ودم» وسادسًا: لما في «سيرة الدِّمياطي»
(2)
: أنها كانت أول واقعة دعا فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أَحَد ولم يثبُت منه قبلها دعاءٌ على أحد فهل يصِح التمسكُ من هذه الواقعة الشاذة الفاذة، التي ترك فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عادته المسمرة؟ يمكن أن يكون دعاؤه صلى الله عليه وسلم لحال النجاسة، فلو كان الدعاء لحال النجاسة لم يَجُز التمسك به أصلًا، فإِنه لا يدل إذَن على أن صلاته تلك كانت جائزةً مع
(1)
قال الحافظ في "الفتح": ففي رواية البزَّار فرفع رأسه كما كان يرفعُ رأسَه عند تمام سجوده، فلما قَضى صلاته قال: اللهم. اهـ. ولمسلم والنَّسائي نحوه. والظاهر منه أن الدعاء المذكور وقع خارج الصلاة، لكن وَقَع وهو مستقبلٌ القِبلة، كما ثبت من رواية زهير عن أبي إسحاق عند الشيخين-، قال الشيخ رضي الله عنه: ولعله يكون قطعَ صلاته حينئذٍ ثم دعا عليهم، والله تعالى أعلم. وإن فرضناه أنه مَضى في صلاته ولم يقطعها، يكون إبقاءً للهيأةِ المحمودة، كما سيجيء في الحوض.
(2)
قال الحافظ في "الفتح": ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث: أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لم أره دعا عليهم إلَّا يومئذٍ" إلخ وفي تقرير الفاضل عبد العزيز: أَنَّ الدمياطي شيخٌ لابن سيد الناس، وابن سيد الناس شيخ لزين الدين، وهو شيخ للعَيْني والحافظ، فكان الدمياطي شيخًا للحافِظَين ابن حجر والعيني بواسطتين.