الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْبَرَازِ
146 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ - وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ - فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم احْجُبْ نِسَاءَكَ. فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِى عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ أَلَا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ. حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. أطرافه 147، 4795، 5237، 6240 - تحفة 16542
147 -
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «قَدْ أُذِنَ أَنْ تَخْرُجْنَ فِى حَاجَتِكُنَّ» . قَالَ هِشَامٌ يَعْنِى الْبَرَازَ. أطرافه 146، 4795، 5237، 6240 - تحفة 16805
قوله: (كن يخرجن) وعُلم منه أنهنَّ لم يكنَّ يخرجن في النهار قبل نزول الحجاب أيضًا. وفي المقام إشكالات عديدة: الأول: أنه يُعلم من رواية الباب أنَّ سَوْدَة رضي الله عنها خرجت قبل أن ينزلَ الحجاب، ثم قال عمر رضي الله عنه ما قال، وبعده نَزَلَ الحجاب، ويعلم مما أخرجه المصنف رحمه الله تعالى في التفسير أنها خرجت بعد ما ضُرِب الحجاب، مع أنَّ الرواية متسحدةٌ متنًا وسندًا. وأجاب عنه الحافظ بتقسيم الحجاب، فمنه ما يكون بإدناء النِّقَاب عند الخروج وأُسمِّيه حجاب الوجوه. والثاني: أسميه حجاب الأشخاص. فما في الباب محمولٌ على خروجها قبل نزول حجابِ الأشخاص، وما في التفسير محمولٌ على خروجها بعد نُزُولِ حجاب الوجوه فصحَّ الأمران.
قلت: ولي فيه نظر، لأنَّ حديثَ البابِ يدُل على أنَّ عمر رضي الله عنه كان يحب التضييق، ولذا قال: قد عرفناكِ يا سوردُ رضي الله عنها حِرْصًا على أن يُنزلَ حكمُ الحجابِ أضيقَ منه. وحينئذ فالظاهر من قوله: «فأَنْزَلَ اللهُ الحجاب» أَنْ يكونَ نَزَلَ التضييق كما أراده، لأنَّ الحجابَ يعدّه عمر رضي الله عنه مما وافق فيه ربه كما في البخاري. ومعلوم أنه لم يكن يحبُ إلا التضييق، مع أنه نَزَل فيه التوسيع. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «قد أُذنَ لكُنَّ»
…
إلخ. كما في الرواية التي بعدها فهذا لا يتربط من السياق، لأن قوله:«فأنزل الله الحجاب» ، يُشعر بنزول التضييق والرواية الأخرى بعدها تدل على إذن الخروج، وكذا لا يلتئمُ بقول عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في الحجاب، فإِنَّ ربه خَالَفَه فيه ولم يُنزِل فيه التضييق كما أراد، فما معنى الموافقة؟
فالوجه عندي أنَّ الروايَ قدَّم وأَخَّر هنا في سرد القِصة، والصحيح كما في التفسير أنَّها
= ممن لا يجهلها لعرفتَ الفرقَ بين الفضاء وغيره، والفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس قال وَاسع: فقلت: لا أدري والله أنا منهم أم لا؟ أو لا أدري السنة في استقبال الكعبة أو بيت المقدس. اهـ. قال الشيخ رضي الله عنه: وإنما قال واسع: لا أدري أدبًا للصحابي.
خرجت بعدَ نُزُول الحجاب. كان عمر رضي الله عنه يحبُّ حجاب الشخص فلم يوافقه الوحي فيه، وإنما عدَّ الحجاب من مُوَافقاتِهِ لنزول حِصة منه على وَفْقِ رأيه. ثم إنَّ قوله صلى الله عليه وسلم «قد أَذن لكُنَّ» لم يكُن مستفادًا من الآية، بل لعله كان من وحيٍ غير متلوٍ أو استنباط منه. ولذا لم يذكر نزول آية هناك.
وسياقه في التفسير هكذا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: خَرَجَتْ سَودةُ بعدما ضُرِبَ الحجابُ لحاجتها .... فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة أما والله ما تخفَينَ علينا فأَنْكَفَأت
…
فقالت: يا رسول إنَّي خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمره: كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه
…
فقال: «إنَّه قد أُذِنَ لكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لحاجتكنَّ» ففيه تصريح بأنَّها خرجت بعد نزول الحجاب، وليس فيه إِنَّه إذْنَ الخروج كان من وحي متلوٍ، بل يُمكِن أن يكون من وحي غير متلو.
هذا هو الترتيب عندي، فاندفع منه إشكالُ التعارُضِ بين الروايتين، وكذا لم تبق في قوله:«فأنزل الله الحجاب» رِكَّة، لأنَّه مقدَّمٌ في الأصل وإنَّما أخره الراوي فأوهمَ رِكَّةً، وكذا لم يبق في قوله:«قد أُذِنَ لكُنَّ» قلقٌ، لأنَّ الإِذن على هذا التقدير ليس مُستفادًا من جهة الآية شرحًا لها، بل من جهة أخرى، بخلاف ما إذا كان الترتيب كما في رواية الباب، فإِنَّه يدُل على أن الإِذن مستفادٌ من آية الحجاب وأنَّ التوسيع من جهة الوحي فيوهم رِكَّةً، لأن السياقَ يوجبُ نزولَ التضييق وكذا لا يرتبط مع قول عمر رضي الله عنه، فإِن قوله: إذا كان قَبْلَ نزول الحجاب كما في هذه الرواية ونزول الحجاب بعده.
فالظاهر أنه نَزَلَ حَسَب رأيه وَوَافقَه الوحي فيه كما في البخاري عنه. وهذا كله لسوءٍ الترتيب، ولو كان الترتيبُ كما في التفسير لم يرد شيءٌ مِنْ هذا. ومن زَاول تصرفات الرواة لا يستبعد ما قلنا. وأمَّا من كان عنده عِلم بدون تجربة فإنَّه يضيق منه، فليكُن هكذا فإِنَّه الأولى بشأنه8 وللحافظ رحمه الله تعالى أن يقول: إن قوله: «فأنزل الله الحجاب» إشارة إلى أن الحجاب الذي نَزَلَ أولًا ولأجله عدَّه عمر من مُوَافقاته لا إلى الحجاب الذي نَزَل الآن، فإِنه لم ينزل في هذه الوَاقعة حجاب الشخص كما كان عمر يحبه ولا شيء.
والإِشكال الثاني: أنَّ هذه الرواية تدل على أن الآيةَ نزلت في قِصة سودة رضي الله عنها. وما عنده في التفسير يدُل على أنها نزلت في وليمة زينب رضي الله عنها. قال الحافظ: إِنَّ هناك واقعة أخرى أيضًا وكلها متقاربة وآخرها واقعةُ زينب رضي الله عنها، وفيها نَزَلت آية الحجاب، إلا أنَّ كلَّها لّما كانت متقاربةً نُسب نزولُها إلى هذه وهذه. قلت: والمتبادر من ألفاظ الأحاديث نزولها في كل منها، لا أنها نزلت في واحد منها ثم نُسب نزولُها إلى الأخرى لتقاربها فلتكن ما في قصة سودة رضي الله عنها غير ما نزلت في قصة زينب، إلا أنَّ الحافظ رحمه الله تعالى أتى برواية صريحة أنَّ الآية التي نزلت في قصة زينب رضي الله عنها هي بعينها نزلت في قصة سَودة رضي الله عنها، وإسنادُه لا بأس به.
ثم اعلم أنَّ المشهور بآية الحجاب هي التي نَزَلت في قصة زينب رضي الله عنها، يعني
قوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيّ} [الأحزاب: 53]
…
إلخ. فلعلها هي الدَّعامة في هذا الباب والبواقي تفاصيلها. وليعلم أن في قصة زينب رضي الله عنها أيضًا إشكالًا، فعن أنس رضي الله عنه أن الحجاب نزل بعدما خرج القومُ حين أراد أَنس رضي الله عنه أن يدخلَ بيته الشريف. وعنه في تلك القِصة أنَّه نَزَل الحجاب ثم خرج القوم.
فإِن قلت: إن الآية التي نزلت في واقعة زينب رضي الله عنها ليس فيها حجابُ الوجوه ولا حجاب الشخص، بل فيها أمرٌ ثالثٌ وهو نهيُ الدخول عليهن. قلت: ويعلم منها بطريق العكس نهي الخروج عليه مع استثنائه عند الحوائج
(1)
ثم اعلم أن هناك آياتٌ أخرى متعلقةٌ بمسألةِ الحجاب، فمنها:{قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] إلخ. فحكم الرجال والنساء بغض البصر، ومنها:{يَأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]. ومنها: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] والجِلباب: هو الرِداء الساتر لجميع البدن، والخِمار: ثوب صغير يُلقى على العمائم، وتجعله النساء على رءوسهنَّ لستر الجيب.
فإن قلت: إن إدناء الجِلباب يُغني عن ضرب الخُمُر على جيوبهن. قلت: بل إدناء الجِلباب فيما إذا خرجت من بيتها لحاجة، وضرب الخُمُر في عامة الأحوال، فضرب الخُمُر أيضًا محتاج إليه. ومنها:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] إلخ. قيل: الزينة هي الوجه والكفان، فيجوز الكشف عند الأمن عن الفتنة على المذهب، وأفتى المتأخرون بسترها لسوء حال الناس. وقيل المراد بها: الزينةُ المكتسبة من الثياب والحُلي، فما ظهرَ منها بعد مُرَاعاة التسترُ يكون عفوًا.
قلت: وهو المراد عندي، فإِن التي يعدُّونها أهل العرف زينةً هي هذه لا غير، وإليه يشيرُ قوله تعالى:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] أي لئلا تنكشف زينتهم المكتسية. ومنها: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ} إلخ [الأحزاب: 33] والخطاب فيها وإن كان خاصًا إلا أن الحكمَ عامٌ، ثم الخروج عند الحوائج ليس من تبرج الجاهلية في شيءٍ، إنما تبرجهم أن يخرجن كالرجال بالوقاحة وعدم التسترُ. فهذه نسق آيات الحجاب عندي والله تعالى أعلم بالصواب.
اطلاع: واعلم أن القَسْطَلاني أوضح مرادَ الحافظ رضي الله عنه في هذا الموضع فراجعه
(2)
.
(1)
قلت: وإنما أخذ نهيَ الدخول في العنوان لحال المورد إذ ذاك، وقد مر في كتاب الإِيمان أن القرآن يذكرُ المسألةَ مع إشارته إلى المورد للارتباط ويحدُث منه الإِشكال.
(2)
قال العلامة القسَطلَّاني: قوله: "قد أذنَ لَكن أن تخرجن لحاجتكن" دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج، وفيه تنبيه على أنَّ المراد بالحجاب الستر، حتى لا يبدو من جسدهنَّ شيء، لا حجب أشخاصهن في البيوت. والمراد بالحاجة البَراز كما وقع في الوضوء من تفسير هشام بن عروة، وقال الكِرْماني وتبعه البراوي: فإِن قلت: قال ههنا: إنه كان بعد ما ضرب الحجاب، وقال في كتاب الوضوء باب خروج النساء إلى البراز: أنه قبل الحجاب. "قلت": لعله وقع مرتين، اهـ، ومراده أَن خروجَ سَوْدة للبَرَاز وقول عمر رضي الله عنه لها ما ذُكر، وقع مرتين =