الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد عَلِمتَ. وأما الثاني، فلأنه روي أنَّ القومَ أعادوا تحريمتهم كما في الدَّارقطني أنهم كبَّروا بعد انصرافه صلى الله عليه وسلم.
على أنَّ المسألةَ عند المصنِّف رحمه الله تعالى أن الإِمام إن كان فرغ عن التكبير يجب على القوم أن لا يزالوا قائمين على هيآتهم، مع أنَّ روايةَ أبي داود صريحةٌ في أنه أمرهم بالجلوس. ففيه: عن محمد رحمه الله تعالى مرفوعًا قال: فكبَّر ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا، فذهب فاغتسل، وكأن هذا الراوي يناقض نفسه عند المصنِّف رحمه لله تعالى، فإِنه يذكر تكبير الإِمام، ومع هذا يقول: إنه أمرهم بالجلوس وهذا يناقض ثبوت التكبير عنده، لأنِّ الجلوسَ عنده فيما إذا لم يكبِّر الإِمام، وعبارة المصنِّف رحمه الله تعالى في بعض النسخ هكذا:«قيل لأبي عبد الله: إن بدا لأحدنا مثلَ هذا يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأي شيء يصنع؟ فقيل: ينتظرونه قيامًا أو قعودًا، قال: إن كان قبل التكبير فلا بأس أن يقعدوا، وإن كان بعد التكبير ينتظرونه قيامًا» . وحكى بعض المحدثين عن أبي داود في هذه الواقعة جلوسَ بعضٍ وقيامَ بعض
(1)
.
ثم اعلم أنه ينبغي للرسول أن نقع له مثل هذه الواقعة مرة أو مرتين لقوله صلى الله عليه وسلم «إنما أُنَسَّى لأَسُنَّ» ، ولكونهم بشرًا فينسون كما تَنْسَون، وهذا كمال في حقهم ورحمة في حق أممهم.
20 - باب مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِى الْخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ
وَقَالَ بَهْزٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» . تحفة 11380 - 78/ 1
هذه الترجمة إذا كان في الفضاء وأَمِنَ من مرور الناس، وفي مراسيل أبي داود: أنه لو اغتسل في الفضاء فليَخُطَّ حوله خطًّا، لأن هناك أيضًا من عباد الله مَن يُسْتَحَى منهم، فالمطلوب التستر، ولو اغتسل عُريانًا لا يكون معصيةً.
قوله: (الله أحق) يعني أن الله سبحانه وإن كان يعلم سِرَّهم ونجواهم إلا أنه ينبغي أن يُسْتَحْيَى منه مما يُسْتَحْيَى فيما بين الناس، فهذا من الآداب.
(1)
قلت: والذي في أكثر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "مكانكم أو كما أنتم" بعد اختلافهم في أنه كان إيماءً أو قولًا، ولم أرَ في أحدٍ من الروايات أنه أمرهم بالقيام صراحةً، بل في بعضها:"فلم نزل قيامًا ننتظره" بعد قوله: "مكانكم"، فهذا يُشْعِر أن قيامهم كان من عند أنفسهم حملًا لقوله:"مكانكم" على القيام، مع أنه يمكن أن يكون أراد منه عدم تفرقهم من المسجد، وحينئذٍ لا يبقى فى قوله:"فلم نزل قيامًا" دليلٌ للبخاري على أن قيامهم كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، مع ثبوت الأمر بالجلوس عنه صلى الله عليه وسلم صراحةً. والذي يظهر أنه لم يأمرهم بالقيام ولا بالجلوس، وإنما أشار إليهم أو تكلم كلامًا فحمله بعضهم على الأمر بالقعود وبعضهم على الأمر بالقيام، فلم يزل بعضهم قائمًا وقعد بعضهم، كما نقله بعض المحدثين عن أبي داود، ثم إن ترجح أنه تكلم معهم كلامًا تجري مسألة الكلام في الصلاة أيضًا، والظاهر فيه عندي أنه جمع بين الإِشارة والكلام، وهو المعروف في مثل هذه المواضع ولا سيما على ما قلنا: إنه لم يكبِّر، فإِنه لا حَجْرَ في الكلام إذن، والله تعالى أعلم.
278 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَاّ أَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى فِى إِثْرِهِ يَقُولُ ثَوْبِى يَا حَجَرُ. حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ. وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا» . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ. طرفاه 3404، 4799 - تحفة 14708
278 -
قوله: (يغتسلون عُرَاةً) ولعله كان في التِّيْهِ لانعدام العِمَارَات فيها.
قوله: (ثوبي يا حجر) يدل على أن فيه شعورًا، ولكنه من نحو العلم الحضوري فقط.
قوله: (لَنَدبٌ) ترجمتُه في لساننا: ليكين. قلت: وإنما رُئي عليه من ضربه ندبًا فقط، لأنه قُدِّر منه تفجُّر الأعين، وإلا لانعدم بضرب موسى، وأَنَّى كان للحجر أن يضربه نبي مغضَبًا عليه ثم يبقى موجودًا، ألا ترى أنه وَكَزَ واحدًا من أهلهم فقضى عليه، ولطم المَلَك ففقأ عينه، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم برُمح إلى رجل ناداه في أُحُد يا محمد، وأراد أن يُبَارُزه فخرَّ يَتَدَهْدَه
(1)
، ودعا بالويل والثُّبُور حتى ماتمُحْرَقًا، ولذا قيل: شر القتلى من قتله نبي، ولذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم القتال.
279 -
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِى فِى ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لَا غِنَى بِى عَنْ بَرَكَتِكَ» . وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا» . طرفاه 3391، 7493 - تحفة 14724، 14224
279 -
قوله: (يغتسلُ عريانًا)
(2)
أي بعد ما صحّ ممَّا ابتُلي به.
(1)
فإن قلت: لِمَ استعمل الله الحجر في فعل يُنسب إلى الوقاحة؟ فالجواب أن الله تعالى أراد أن يُبَرِّىء رسوله من عيب كانوا يرمونه به، أعني الأدرة، وكان لا بد له من أن يُرَى عُريانًا لئلا يبقى في أنظار الطاعنين فيه عيب، وعَلِمَ أن ذلك أنفعُ لهم من تستره وبقائهم في التردد، على أنه لم تكن فيه عندهم وقاحة، فإنه كان من عاداتهم، فإذا لم يكن عندهم فيه عيب، وكان ذهابه إليهم عُريانًا أقطع لطعنهم، تحمَّل هذا. -كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز بالهندية-.
(2)
واعلم أن النبوة بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام انحصرت في ذريته بنص القرآن، وله ابنان: إسحاق، وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، ولإسحاق عليه السلام ابنان: يعقوب، وعِيصَ عليهما الصلاة والسلام.
والنبوة إنما جرت في ذرية يعقوب عليه الصلاة والسلام، والظاهر أن أيوب عليه الصلاة والسلام نبيٌّ من بني إسرائيل، لأنه لا دليل على تقدمه على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وبعده قد انحصرت النبوة في ذريته، ثم في بني إسرائيل، وإن قلنا: إنه من الروم من ذرية عِيص عليه الصلاة والسلام لزِمَ إثبات النبوة في ذرية عِيص عليه الصلاة والسلام، والمشهور خلافه، -كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز-.