الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة عشرة
قال: في (الروضة) في الخصائص ومنه تفضيل زوجاته على سائر النساء، إن أراد بسائر الباقي، كما هو المشهور، فمن المفضلات عليهن.
وإن أراد بها الجميع على اللغة الأخرى، فما الدليل عليه؟ وهل مراده نساءالأمة، أو نساء بني آدم عليه السلام؟
وهل قال أحد إن أحدا من نسائه صلى الله عليه وسلم أفضل من فاطمة رضي الله عنها، غير خديجة ......
وعائشة رضوان الله عليهما.
والمسئول بيان ذلك.
الجواب (الحمد لله)
مراده بسائر الباقي، ولايصح هنا أن يريد الجميع، لأنه يلزم منه تفضيلهن على أنفسهن، لأنهن من جملة جميع النساء، فالسؤال عن ذلك عجب، وطلب الدليل عليه أعجب، ولعل مراد السائل الترديد بين مجموع الباقي وبين كل فرد منه، فإنه عبارة الروضة محتملة لذلك، وعبارة الرافعي مثل الروضة.
ووجه الاحتمال أن النساء جمع معرف بالألف واللام (وهو محتمل للأمرين. وقاعدة دلالة العموم ترجح كل فرد، وكذا الاحتمالان في
زوجاته، لأنه جمع مضاف، والمضاف كالمعرف بالألف واللام.
والذي ينبغي حمله عليه كل فرد من المفضل والمفضل عليه معًا.
وقد نصت الآية الكريمة عليه، في جانب المفضل عليه في قوله تعالى (لستن كأحد من النساء).
وقول السائل: هل مراده نساء الأمة، أو نساء بني آدم، وجوابه أن القاضي حسين قال: نساؤه أفضل نساء العالمين.
والمتولى قال: زوجاته خير نساء هذه الأمة.
وقول الروضة سائر النساء محتمل لهما، يحتمل أن يريد على باقي نساء هذه الأمة، ويحتمل أن يريد على باقي النساء، كلهن من هذه الزمة وغيرها، والاحتمالان المذكوران فيما يفهمه من معنى قوله تعالى (يا نساء النبي بتسن كأحد من النساء إن اتقيتن).
والظاهر أن مراد العموم من هذه الأمة وغيرها، وقد يؤيده أن هذه الأمة خير الأمم، فنساؤها خير نساء الأمم، والتفضيل على الأفضل تفضيل على من دونه، بطريق الأولى /.
وفي هذا بحث من جهة: أن التفضيل لجملة هذه الأمة وتفضيل الجملة على الجملة، لا يقتضي كل فرد (على كل فرد، فقد يكون في الجملة المفضولة واحدة أفضل من كل فرد) من الجملة الفاضلة، ويكون في باقي الجملة الفاضلة أفراد كثرة مجموعها أفضل من باقي الجملة المفضولة أو من كلها.
وإذا فهمت هذا، فانظر إلى الآية الكريمة تجدها اقتضت التفضيل على كل فرد، لا على الجملة، فإن حملناها على العموم، اقتضت تفضيل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على كل فرد، من جميع النساء فيلزم أن لا يكون في أحد من النساء المتقدمة نبية للإجماع على أن النبي أفضل من غير النبي وقد اختلفوا في مريم هل هي نبية أو لا وكذلك في غيرها، في أم موسى
وآسية، فإن ثبتت امرأة، فإما أن يكون عاما مخصوصا، وإما أن يكون المراد نساء هذه الأمة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع)) فذكر منهن مريم وخديجة، ولا شك أن خديجة ليست نبية فلا دلالة في الحديث على كون مريم نبية أو غير نبية.
بقي بحث آخر، وهو أن الآية الكريمة نصت على الإفراد بقوله: كأحد وهو عام، لأنه نكره في سياق النفي، ولا شك أنه إذا أخذ، واحد واحد، كان مفضلا عليه، وإذا أخذ المجموع، لم يلزم ذلك فيه.
وإذا أخذت جملة من آحاد المجموع، احتمل أن يقال: إن (أحدا) بعمومه يشملها، ولا يخرج عنه إلا المجموع لضرورة التبعيض.
فهذا البحث ينبغي أن ينظر فيه، ويكمل ما يقتضيه، ولا شك أنك إذا قلت ما جاءني من أحد من الناس، اقتضى نفي مجيء كل واحد منهم مطابقة واقتضى نفي مجيء المجموع التزاما، وأما اقتضاؤه لنفي مجيء جملة منهم فهل هو بالالتزام كالمجموع أو بالمطابقة؟ لأن أحدا بمنزلك بعض، واحدا
كان أو أكثر؟ هذا محل نظر، والضمير في لستن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن المراد كل فرد أيضا وإن كانت / الصيغة محتملة للمجموع.
وقد قال القرافي: إن الضمائر عامة والظاهر بحسب ما تعود عليه وهي هنا لجمع مضاف، فهي بحسبه وهو عام يدل ظاهرا على كل فرد ومحتمل للمجموع، فضميره كذلك، فإن جعلناه للمجموع، فمعناه أن جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من كل جمع من النساء قل أو كثر، وهذا نتيجة البحث المتقدم، فإن أحدا يجيء هنا بمعنى بعض متكمنة، وإن جعلناه لكل فرد فمعناه أن كل واحدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من كل واحدة من النساء، ويبقى تفضيل كل واحدة منهن على كل جمع النساء على البحث المتقدم.
وأما تفضيل كل واحدة منهن على مجموع النساء سواهن، فاللفظ ساكت عنه، وقد ظهر بهذا أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، مفضلات على نساء هذه الأمة وكذا على نساء سائر الأمم، إن جعل اللفظ على عمومه، وإن لم يكن في النساء نبية، لكن في هذا إشكالا، من ثلاثة أوجه.
أحدها: أن فاطمة رضي الله عنها أفضل كما سنبينه، ولا جواب
إلا تخصيص اللفظ بها، أو نقول إنها داخلة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها ابنته، وهي معهن داخلة في اسم النساء ف الجملة والإضافة مختلفة فيها، بمعنى البنوة، وفيهن بمعنى الزوجية.
الثاني: أن الخطاب للنساء الموجودات حين نزول الآية الكريمة، فيلزم أنهم أفضل من خديجة، ولا خلاف أن خديجة أفضل من بقيتهن بعد عائشة، وجوابه أن خديجة داخلة في جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم تكن مخاطبة، ولكن دل الخطاب على أن التفضيل إنما حصل للمخاطبات بكونهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الوصف حاصل في خديجة فلا تخرج عن حكمه.
الثالث: أنه يلزم تفضيل حفصة، وأم سلمة، ..........
وزينب، وميمونة، وصفية، وسودة، وجويرية، .......
وأم حبيبة، على نساء سائر الأمم إذا جعلنا النساء للعموم.
ولا شك أن مريم أفضل من هؤلاء الثمان، لقوله صلى الله عليه وسلم، (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع)
فذكر مريم وخديجة.
وجوابه: أن يلتزم التخصيص لذلك، عند هذا أقول: إن الآية الكرية تضمنت تعظيم قدر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بأمور:
منها (فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما)
وكلهن محسنات، فعلمنا أن الله أعد لهن أجرا عظيما عنده، ويصغر في عين العظيم العظايم، فعظم الأجر المعد لا يعلم كنهه إلا الله.
،منها: أنهن يؤتين أجرهن مرتين، وهذا لم يحصل لغيرهن، إلا للثلاثة المذكورين في القرآن والحديث.
ومنها: (وأعتدنا لها رزقا كريما) والشهداء أثنى عليهم، بآنهم عند ربهم يرزقون، وهؤلاء زادهم مع الرزق كونه كريما.
ومنها المفاوتة بينهن وبين غيرهن، وإرادة الله إذهاب الرجس عنهن ويطهرهن تطهيرا مؤكدا.
وما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، وليس في الآية إلا ذلك، وشرفهن بانتسابهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنافة قدرهن بذلك حتى يفارق صفاتهن صفات غيرهن.
وليس في الآية تصريح بما أراده الفقهاء أو تكلموا فيه من التفضيل حتى يتكلف النظر بينهن وبين مريم عليها السلام، فنقول ما قاله
الله، ونسكت عما سكت عنه.
وقوله: هل قال أحد: إن أحدا من نسائه صلى الله عليه وسلم، أفضل من فاطمة رضي الله عنها، غير خديجة وعائشة رضي الله عنهما؟
جوابه: قال بذلك من لا يعتد بقوله في ذلك، وهو الذي يقول: إن أفضل الصحابة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهن في الجنة معه، في درجته التي هي أعلى الدرجات، وهذا قول ضعيف، مردود ساقط لا مستند له، من نظر ولا نقل.
وأما فاطمة وخديجة وعائشة فالذي أختاره وندين الله به، أن فاطمة أفضل ثم خديجة، ثم عائشة، ولم يخف عنا الخلاف في ذلك، ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل./
والحجة في تفضيل فاطمة ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمين، أو سيدة نساء هذه الأمة).
وروى النسائي، من حديث داود بن أبي الفرات، عن علباء بن أحمر اليشكري، عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد) .....
وداود بن أبي الفرات، وعلباء بن أحمر ثقتان، فالحديث صحيح، وهو صريح في أنها وأمها أفضل نساء أهل الجنة.
والحديث الأول، يدل لتفضيلها على أمها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها)
وأما تفضيل خديجة، على عائشة، فبهذا الحديث، وبقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح:(خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد).
والضمير قيل إنه للسماء والأرض، ويؤيده ما ورد من الإشارة إليهما، وعلى هذا يكون المراد خير نساء الدنيا، وهويقتضي أن مريم وخديجة، أفضل النساء مطلقا، فمريم أفضل نساء زمانها، وخديجة أفضل نساء زمانها، وليس في تعارض، لفضل أحداهما على الأخرى.
وقد علمت أن مريم اختلف في نبوتها، ولا شك أنها إن كانت نبية فهي أفضل، ويهشد لنبوتها ذكرها في سور الأنبياء معهم هو قرينةوإن لم تكن نبية، فالأقرب أنه أفضل أيضا لذكرها في القرآن وشهادته بصديقيتها.
وقال صلى الله عليه وسلم (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش) قيل إنما قال: ركبن الإبل، لأن مريم لم تركب بعيرا قط.
وزمان خديجة إن كان المراد به زمان ملتها، احتجنا إلى تخصيصه
بفاطمة، وإن كان المراد به زمان وجودها قفد يقال: عائشة لم تكن في ذلك الوقت، فلا يدل فضل خديجة على عائشة، فالحديث الأول كان في الاستدلال.
وقد اختلف في نبوة نسوة غير مريم، كأم موسى، وآسية، وحواء، وسارة، ولم يصح عندنا في ذلك شيء / إلا أن رسول صلى الله عليه وسلم قال:(كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد)
و (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)
والحديث الذي فيه خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة (لم يتعرض في لآسية، ولا يؤخذ منه حكمها لأنها ليست في زمانها).
وفي قوله: خير نسائها مربم، وجه آخر، وهو أن الضمي يعودعلى مريم، وتكون كلمة مريم مبتدأ وكذا خديجة، والتقدير: مريم خير نساء مريم، وخديجة خير نساء خديجة وإضافة النساء إليهما، كإضافتهن في قوله تعال:
(أو نسائهن) ويعود شرحه إلى ما سبق، إما نساء زمانها
أو نساء ملتها.
وفي الصحيح عن عائشة: (ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة).
وفي غير الصحيح: (ما أبدلني الله خيرا منها).
ولا شك أنها أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وظهر عنها في ذلك الوقت من العقل، والنور ما لا يخفى.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إني رزقت حلها، ووالله إني لأحب عائشة محبة كثيرة، لفضلها وفقهها)
ولمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ولأمره بمحبتها كما سأذكره وما كنت اشتهي
أن أقدم عليها أحدا، ولكن تكلمت بما تقتضيه الأدلة.
والحديث الذي أشرت إليه بالأمر بمحبتها، في الصحيح لم جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم:(وقال لها ألست تحبين ما أحب؟ قال بلى قال فأحبي هذه يعني عائشة).
وهذا الأمر لا صارف لحمله على الوجوب، وحكمه صلى الله عليه وسلم على الواح حكمه على الجماعة، ويلزم من هاتين المقدمتين، وجوب محبتها على كل واحد، وقال صلى الله عليه وسلم فيها ما لا يحصى من الفضل ونطث القرآن في أمرها بما لم ينطق به في غيرها.
وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم: (بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت أي الناس أحب / إليك؟ قال: عائشة، قلت من الرجال قال أبوها، قلت ثم من؟ قال: عمر، فعد رجال).
وقد قال المتولى من أصحابنا، تكلم الناس في عائشة وفاطمة، أيهما أفضل، والأولى للعاقل، أن لا يشتغل بمثل ذلك.
وحكى عن الصعلوكي: أنه قال: من أراد أن يعرف التفاوت بينهما، فليتأمل في زوجته وبنته. وتكلموا في خديجة وعائشة.
قال قوم: خديجة أفضل، وقسل عائشة أفضل هذا كلام المتولى،
وأما بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلا يبلغن هذه المرتبة، وإن كن خير نساء الأمة بعد هؤلاء الثلاث، وهن متقاربات في الفضل، لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله، ولكن نعلم لحفصة بنت عمر من الفضائل كثيرا، فما أشبه أن تكون هي بعد عائشة، والكلام في التفضيل صعب، ولا ينبغي التكلم إلا بما ورد، والسكوت عما سواه وحفظ الأدب، رضي الله عن الجميع، ورزقنا محبتهم ونفعنا بهم