الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة عشرة
وقع في "الروضة" في هذا الموضع، أنه يحرم مس وجه الأجنبية وإن جاز النظر، ومس كل ما جاز النظر إليه من المحارم والإماء، بل لا يجوز للرجل مس بطن أمه، ولا ظهرها، ولا أن يغمز ساقها، ولا رجلها، ولا أن يقبل وجهها، حكاه العبادى عن القفال.
وقد ظن المملوك أنه مباين لكلام الرافعى، (وأن الذي اقتضاه كلام الروضة لم يقل أحد).
(نعم اتفق كلام الرافعى والروضة) على أنه لا يجوز له مس البطن والظهر وهو مشكل، لأنه قال: في "شرح مسلم" في باب فضل الغزو في البحر أن جواز ملامسة المحرم في الرأس وغيره مما ليس بعورة مجمع عليه. انتهى. والمسئول كشف الغطاء عن ذلك وبيانه.
الجواب (الحمد لله)
بارك الله فيك، نعم عبارة الروضة مخالفة لعبارة الرافعي، ولا أقول مباينة، والمخالفة أخف من المباينة.
ووجه المخالفة: أن الرافعي قال: قد يحرم المس حيث لا يحرم النظر، فلا يجوز للرجل مس وجه الأجنبية وإن جوزنا النظر إليه، ولا مس كل ما يجوز النظر إليه من المحارم والإماء.
وعبارة "الروضة" كما ذكر في السؤال، فعدل عن النفي إلى الإثبات، وقال: موضع لا يجوز يحرم ظانا ترادفهما، ويحرم أخصر من لا يجوز، (ثم عطف مس كل على مس وجه المحرم، فاقتضى تحريم مس كل. والرافعى عطفه على مس وجه الذي هو لا يجوز).
وأكد ذلك بإعادة حرف النفي، ومقتضاه، سواء أكد أم لم يؤكد أنه لا يجوز مس كل.
ولا يلزم من سلب جواز مس كل، تحريم مس كل.
وهذا يفهمه من يفهم الفرق بين سلب العموم وعموم السلب، فعدم جواز مس كل، سلب العموم وهو أعم، وتحريم مس كل عموم في معنى عموم السلب، لأنه في معنى قولنا مس كل هو لا يجوز.
وفي عبارتي هذه، تعقيده أقدر ابسطها بما يفهمه كل أحد لكن أخشى التطويل، ثم بدا لي أنه قد يقف عليه مبتدى فلا باس أن أبسط الكلام قليلا، فأقول: لفظ كل إذا وقعت في الكلام فإن تأخر النفي عنها كان النفي عن كل فرد كقوله صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن" وهذا المسمى بعموم السلب، لأن موضوع القضية كل فرد وقد حكم عليه بالسلب فيعمه وكذلك قول الشاعر:"كله لم أصنع".
وإن تقدم النفي على كل، كان نفيًا للحكم عن كل فرد، ونفى الحكم عن كل فرد يحتمل أن يكون نفيه عن بعضها، لأن الحكم على كل فرد عموم، فسلبه سلب العموم، وسلب العموم يحصل بالثبوت
للبعض.
ولا فرق بين أن يرد النفي على كل، أو على المضاف إليها، أو على العامل فيه، وكلام الرافعي من هذا القبيل، لأن قوله: لا يجوز مس كل ما جاز النظر إليه، دخل حرف النفي على الفعل العامل في المضاف إلى كل، فيصدق بأن لا يجوز مس بعض، (ويجوز مس بعض).
هذا مراد الرافعي، والنووي لما غير لا يجوز بيحرم.
ويحرم إثبات لا نفي اقتضت تحريم مس كل فرد من أفراد ما يجوز النظر إليه وهذا لا يقوله أحد، ولا جواب عن ذلك، إلا أن يقول قائل: إن يُحْرِمُ، وإن كانت إثباتا/، هي في معنى لا يجوز فترد إليه، ويحكم لها بحكمه فتعود إلى معنى كلام الرافعي، ولكن هذا تعسف بعيد، وإنما دعانا إليه تعظيمنا للنووي ومحبتنا صيانة كلامه والمعتمد ما قدمناه.
وقد يحتمل جواب آخر وهو أن كلا لها معنيان، الكل الإفرادي، والكل المجموعي (والذي قدمناه إنما هو في الإفرادي فيحمل كلام الروضة على الكل المجموعي) ويكون المعنى يحرم مس مجموع ما جاز النظر إليه، وهو صحيح.
لكن هذا تمحل، ذكرناه لأنه غاية المقدور، وهذا البحث معروف ومشهور فلا حاجة إلى التطويل به.
والشيخ محيى الدين رضي الله عنه لا يخفى عنه ذلك، ولكن لم يتأمل لفظ ....................................................
كل التي في آخر الكلام وعامل النفي الوارد على المضاف إليها، مع محبة الاختصار والشغل الكثير عليه في طاعة الله علما وعملاً فهو معذور، ولو فكر أدنى فكرة تنبه لذلك، فصار كلام الروضة يقتضي أن كل ما جاز النظر إليه من المحارم والإماء لا يجوز مسه، وهذا لا يقول به أحد وهو خلاف إجماع المسلمين المحقق وهو معلوم بالضرورة.
وعبارة الرافعي يقتضي أن منه ما لا يجوز وهو صحيح ولم يفرق إمام الحرمين بين المس والنظر.
وأما نقله الإجماع في "شرح مسلم" فقد وقفت عليه.
قال: في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يدخل على أم حرام".
قال: اتفق العلماء على أنها كانت محرما له صلى الله عليه وسلم. واختلفوا في كيفية ذلك.
ثم قال: وفيه جواز ملامسة المحرم في الرأس وغيره مما ليس بعورة، وجواز الخلوة بالمحرم، والنوم عندها وهذا كله مجمع عليه انتهى كلامه.
وما نقله من الإجماع في المسائل الثلاث صحيح، وما ذكره من الاتفاق على أن أم حرام كانت محرما له صلى الله عليه وسلم ليس بصحيح.
ومن أحاط علما بنسب النبي صلى الله عليه وسلم ونسب أم حرام علم أنه لا محرمية بينهما، وقد بين ذلك شيخنا الحافظ الدمياطي في حين قرأته عليه.
وحينئذ أقول/: إن الأحكام الثلاثة (التي ذكرها) الشيخ محيى الدين صحيحة. ولكنها ليست مأخوذة من قصة أم حرام.
وأما الجواب عن قصة أم حرام، فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له، ومن خصائصه الخلوة بالأجنبية، لأجل العصمة. وما كان النبي صلى الله عليه وسلم (يفعل ذلك) مع كل أحد، لكن أم حرام لها خصوصية به، لذلك يقيل عندها، وتفلى رأسه صلى الله عليه وسلم.
وأما مس الرجل بطن أمه وظهرها فعندي أنه ينقسم إلى ما يحرم، وإلا ما لا يحرم، وبذلك يصح الجمع ويزول الإشكال بين ما قاله: في الروضة
وما قاله: في شرح مسلم، وإن كان لا تعارض بينهما إلا بالإطلاق.
ووجه الانقسام: أن ذلك قد يفعل لحاجة أو شفقة على الأم، حيث يقتضى الحال ذلك؛ وما أشبهه فهو جائز قطعا.
وقد يفعل على صورة يثير شهوة فهو حرام قطعا وبين الحالتين مراتب متفاوتة، فما قرب إلى الأولى ظهر جوازه، وما قرب إلى الثانية، ظهر تحريمه، وكذلك أقول: في غمز الساق، والرجل، وإن قرب من الثانية إلا أنه قد يكون لحاجة الأم إلى ذلك وإن لم ينته إلى حد المداوة المبيحة للأجانب، ويبعد أو يقطع فيه بانتفاء قصد آخر فكيف يحرم ذلك.
وكذلك أقول: في تقبيل الوجه، فقد ثبت في صحيح البخاري ـ في سنن أبي داود أن أبا بكر الصديق دخل على ابنته عائشة رضي الله عنها وهي مضطجعة قد أصابها حمى فقال كيف أنت يا بنية وقبل خدها.
فانظر هذا فعل أفضل الصحابة وليس ذلك إلا على وجه الكرامة، والحنو
والشفقة فهذا من الجايز المقطوع به.
وفي سنن البيهقي: "أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها رحبت به وقامت فأخذت بيده فقبلته.
وقال مالك رحمه الله: إذا قدم الرجل من سفره فلا بأس أن تقبله ابنته وأخته، ولا بأس أن يقبل خد ابنته، قال: ولا يقل خد ابنه أو عمه لأنه لم يكن من فعل الماضيين وذكر ابن رشد المالكي في
"شرحه" لذلك حديثا/ في الترمذي: "لما قدم زيد بن حارثة اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وقبله" قال: وأما القبلة في الفم للرجل من الرجل فلا رخصة فيه بوجه.
وقال القرافي من المالكية: قول مالك: يقبل خد ابنته، محمول على ما إذا كان هو وغيره عنده سواء، أما متى حصل الفرق في النفس صار استمتاعا حراما والإنسان يطالع قلبه ويحكمه في ذلك، يعني أنه متى وجد لذة بالقبلة في الفم زائدة على غيره حرم، ومتى استوى عنده الخد، والفم، والرأس، والعنق، وسائر الجسد، وكان على وجه الخير والحنان جاز، وكذلك لا تكون القبلة للجمال والحسن، بل لمحض القرابة. انتهى ما قاله.
ولعل لصعوبة الفرق سد الباب على كثير من الناس وأطلق من أطلق من أصحابنا المنع في غمز الرجل ونحوه.
وحكى عن بعض العلماء، أنهم كانوا يتحاشون تقبيل أولادهم في أفواههم، ويقبلونهم في أعناقهم ورءوسهم، وهذا لا ينبغي أن يؤخذ على الإطلاق فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: (يقبل الحسن" وغالب طباع بني آدم لا تجد في تقبيل الولد غير الحنو والمحبة الطبيعية، وإن فرض خلاف ذلك، فهو نادر، من نزعة شيطانية، وهذا إنما أقوله في قبلة الولد الصغير.
أما الكبير فقد جاء في الحديث "النهي عن المكاعمة".
ومعناها: أن يلم الرجل صاحبه، ويضع فمه على فمه، كالتقبيل، وهذا الحديث من رواية أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه عدة أشياء نهي
عنها.
وهو في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، في بعضها بطوله، وفي بعضها مختصرا، وفي النسائي بلفظ حرم، وفي بعض طرقه المطولة والخاتم إلا لذي سلطان والمشهور أن التختم بغير الذهب جائز لكل أحد.
فقال الحليمي: ينبغي أن تحمل على معنى المنع الذي هو من التنزيه إذ لم يحفظ عن أحد تحريم التختم لغير ذي سلطان.