الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية والخمسون
إذا شهد برؤية الهلال، فهل يكفي أن يقول أشهد أني رأيت الهلال، أم يكون فيه شهادة على فعل نسه، كشهادة المرضعة، أو يأتي، بلفظ آخر كقوله: أشهد أن الليلة أول شهر كذا، أو من شهر كذا/؟ والمسئول بيانه، فقد وقع فيه نزاع طويل.
الجواب: (الحمد لله)
نعم، يكفي أن يقول: أشهد أني رأيت الهلال، ومازلت أسمع من
يتوقف في ذلك، ويسأل عنه، وأما أنا، فلا ريبة عندي فيه، وأنه يقبل وها أنا، إن شاء الله، أبين ذلك، بمباحث: أحدها: في الدليل عليه، قال ابن عمر رضي الله عنهما (ترايا الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم (أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن ابن عباس قال: جاء أعرابي، إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيت الهلال (قال أتشهد أن لا إله إلا الله؟ أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال نعم، قال يا بلال أذن في الناس، أن يصوموا غدا) رواه الترمذي بسند فيه اختلاف
فكل من هذين قال إني رأيت، واكتفي النبي صلى الله عليه وسلم، به رواية كان أو شهادة، فمن قال: لابد من شهادة بغير هذه الصيغة، فقوله مردود بالحديث، على أني لا أعلم أحدا من العلماء قال بذلك، وإما هو بحث، يجري بين الفقهاء سيظهر فساد، إن شاء الله.
ولما حولت القبلة، صلى رجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، ثم مر على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد وجه إلى القبلة، فانحرفوا وهم ركوع رواه الترمذي وهذه وإن كانت رواية فلفظها شهادة على فعل
نفسه، وأخذ بها الصحابة، واعتمدوها.
وقال تعالى: (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله، إنه لمن الصادقين) ولا فرق بين أن يشهد بصدق نفسه، أو برؤية نفسه، وخصوصية اللعان كونه يشهد لنفسه، ولم يكلف أن يقول: أشهد أنها كذا، فدل على صحة هذه الصيغة، وحصول المقصود بها.
البحث الثاني: في نقل ذلك، قال القاضي حسين في باب العيدين، إذا شهد شاهدان، يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال (بأنا رأينا الهلال البارحة، وصحت عدالتهما قبل الزوال) فالإمام يصلي بهم، صلاة العيد.
وقال الإمام إذا شهد عدلان قبل زوال الشمس يوم الثلاثين، أنا رأينا الهلال البارحة، فلا شك أن نصغى إلى هذه الشهادة. وقال الرافعي لو شهد
شاهدان يوم الثلاثين من رمضان أنا رأينا الهلال البارحة، وكان ذلك قبل الزوال، وقد بقى من الوقت ما يمكن جمع الناس فيه، وإقامة الصلاة، أفطروا وصلوا، وكانت الصلاة أداء، فهؤلاء ثلاثة أئمة، أطلقوا هذه العبارة وإن لم يكن كلامهم في تحرير لفظ الشهادة، بل في حكمها، ولكن لا يظن بهم إطلاق ذلك، من غير تأمل.
وقال أبو سعد الهروي في (الإشراف): وصفة أداء الشهادة على الهلال أن يقول: رأيته في المغرب، وأطال الكلام في وصفه، وهو أيضًا لم يذكر ذلك في معرض أن رأيت هي المشهور بها، بل في معرض بيان صفة المرئى، ولكنه كر الصيغة المذكورة.
(وقال ابن سراقة العامري، وهو من متقدمي أصحابنا، إن قلنا إن رؤية رمضان شهادة أتى بلفظ الشهادة، فيقول: أشهد أيها القاضي أني رأيته،
وذكر ذلك في أدب الشاهد له، وليس مقصوده مسألتنا، وإنما مقصوده التصريح/ بلفظ الشهادة على هذا القول، ولكنه يؤخذ منه مسألتنا وقال في هذا الكتاب أيضا: وإن شهد على الزنا فلابد من استفسار الزنا الذي أثبته وصفته فيقول: أشهد أني رأيت فلان بن فلان زنا بفلانة بنت فلان وغيب فرجه في فرجها كتغيب الميل في الكحلة.
وقال ابن أبي الدم في (أدب القضاء) إذا انعقد نكاح بحضور
شاهدين، قال الشاهد مؤديا حضرت العقد، أو مجلس العقد الجاري، بين الزوج والمزوج، وأشهد به، ومن الناس من يقول: أشهد أني حضرت، واللفظ الأول أصح، وأصوب، ولا يبعد تصحيح الثاني، وهو قريب من الخلاف في المرضعة، وذكر المذهب أنها تقول أرضعته.
وقول الفورابي ارتضع منى، ولا تقل أرضعته، لفساد الصيغة، قال ونظيره في النكاح عقد بحضوري، قال: ومثل هذا شهادة المرء برؤية الهلال، أن يشهد أن هذه أول ليلة من رمضان، اكتفى به، استنادًا إلى رؤية الهلال، وإن قال أشهد أني رأيت، ففيه النظر المتقدم، وإن قال رأيت هلال شهر رمضان هذا من هذه السنة، في وقت كذا، وبذلك أشهد. قبل،
انتهى كلامه.
وقوله: وبذلك، إن كان إشارة إلى مجموع كلامه، فهو رؤيته، فأي فرق بينه وبين أشهد أني رأيت، الذي قال فيه فيه النظر، ولعله أراد الإشارة إلى المرئي، وهو الهلال، فيصح كلامه، ويخرج منه، أن في أشهد أني رأيت خلافا، كالمرضعة، والصحيح القبول، ولسنا نوافقه على ذلك، بل يقبل قطعا، وليس كالمرضعة.
وقال شيخنا ابن الرفعة رحمه الله في (الكفاية) في باب تحمل الشهادة/ وأدائها: في الشاهد إن كان يحمله على الإقرار من غير استرعاء، ولا حضور عنده، قال في شهادته أشهد أني سمعته يقر بكذا، ولا يقول أقر عندي، وهو في (الحاوي) للماوردي هكذا: وقد رأيته فيه، وقوله: إني سمعته مثل قوله: إني رأيته، ورأيت في كتاب القضاء، لأبي على الكرابيسي صاحب الشافعي، في شهود شهدوا لرجل على رجل بحق عند حاكم، واختلفوا في اللفظ، والمعنى واحد، قال: قائل من أهل العلم
والنظر، إذا شهدوا جميعا، أنهم سمعوه، أقر عندهم مرة واحدة، ولم يقر عدهم، في مواطن مختلفة الشهادة باطلة، وذلك أنهم اختلفوا في الشهادة، فقال بعضهم سمعناه في تلك المرة الواحدة، يقول: من ثمن عبد ابتعته منه، وقال بعضهم سمعناه يقول: من ثمن مملوك اشتريته منه، فهذه ألفاظ مختلفة، وإن كان المعنى واحدا فاللفظ مختلف، ولا تجوز شهادة مختلفة. انتهى.
فانظر كيف ذكر الشهادة بأنهم سمعوا؟ وإنما الاختلاف في القبول، إذا اختلف اللفظ مع اتحاد المعنى.
وقال الرافعي عند الكلام في التزكية، في صيغة الجرح، من أرباب المسائل، هل يشترط التعرض لسب رؤية الجرح، أو سماعة؟ قال قائلون نعم، فلابد أن يقول رايته، يزني، وسمعته يقذف وعلى هذا القياس استفاض عندي، وفي الشامل إنه لا حاجة إليه، انتهى.
وهذا يحتمل (أن يكون من نفس الشهادة فيقتضي) الاتفاق على قبول قوله: أشهد أني رأيت/، ويحتمل أن يكون بعد بت الشهادة، تبين السبب، والحمل على هذا أولى، لذكرة الاستفاضة، وذكر الاستفاضة، إنما يحمل على هذا النوع، وحينئذ لا بدال لما نحن فيه، وقد يقال إنه بدل.
لأنه لولا أن ذلك أقوى لما اختلف في اشتراطه.
البحث الثالث: في سبب التباس ذلك على بعض الناس، وسببه: أن قوله: رأيت وحكمت، وقسمت، وأرضعت، وزوجت، ألفاظها كلها أعال، مستندة إلى المتكلم، وقد اشتهر الكلام في أن الشاهد لا يشهد على فعل نفسه، وأصله في القاضي إذا عزل، ثم شهد مع آخر، على قضاء كان منه، قال الشافعي ومالك لا يجوز، وقال الثوري والأوزاعي يجوز وهو وجه لأصحابنا وكذلك القسام إذا قسموا ثم شهدوا لبعض الشركاء على
بعض أنهم قسموا بينهم، واستوفوا حقوقهم بالقسمة، قال الشافعي ومحمد ابن الحسن، وابن القاسم على معاني كلام مالك لا يجوز، وقال
أبو حنيفة يجوز، وهو وجه لأصحابنا. واختلف قول أبي يوسف.
فكان أولا يقول لا يجوز، ثم رجع وقال يجوز، ومحل ذلك، إذا كان بغير أجرة.
ولو شهد الأب وآخر أنه زوج ابنته من رجل وهي تنكر، قال محمد بن الحسن شهادته باطلة، وهو قياس قول الشافعي ومالك، وقياس قول الثوري، والأوزاعي أنها جائزة، ذكر ذلك محمد بن الحسن التميمي الجوهري.
وأما المرضعة إذا شهدت مع غيرها، فقال: الشافعي تقبل شهادتها،
وحجته: قوله صلى الله عليه وسلم (كيف؟ وقد زعمت أن قد أوضعتكما).
/ومحل قبول شهادتها إذا لم يكن لها غرض من طلب أجرة ونحوه، فإن كان لم يقبل بلا خوف، وأورد المخالفون على الشافعي فرقه بين المرضعة والحاكم وسنذكر الفرق بينهما، فينتفي الإيراد عنه، وفصل الأصحاب صيغة شهادة المرضعة، فقالوا: إن قالت أشهد أن ارتضع قبل، وليس ذلك شهادة على فعل نفسها، وإن قالت: اشهد أني أرضعته، فوجهان: أصحهما عند جمهورهم القبول للحديث وفرقوا بينها وبين الحاكم، والقاسم بأن فعل المرضعة غير مقصود، وإنما المقصود وصول اللبن إلى الجوف، وأما الحاكم والقاسم، ففعلهما مقصود، ويزكيان أنفسهما لأنه يشترط فيه عدالتهما.
وأقول زيادة أخرى في شرح كون فعل الحاكم والقاسم مقصودا أنه إنشاء يحدث حكما لم يكن، لأن حكم الحاكم إلزام، ويرفع الخلاف، وقسمة القاسم تميز الحقين، أو تنقلهما، وهذه الأحكام حدثت من فعلهما، من حيث هو فعلهما.
وأما فعل المرضعة فليس بإنشاء، بل فعل محسوس، ولم يترتب عليه حكم الرضاع، من حيث هو فعلها، بل ولا يترتب عليه أصلا، بل على ما بعده، وهو وصول اللبن إلى الجوف، حتى لو وصل بغير ذلك الطريق، حصل المقصود، فبان الفرق بين المرضعة والحاكم والقاسم، والذي يشبه فعل الحاكم والقاسم، تزويج الأب، فإنه إنشاء لعقد النكاح، يترتب عليه الحل، فإذا شهد به، كما قدمناه/ كان كشهادة الحاكم، والقاسم سواء، وكذلك لو أن رجلا وكل وكيلاً في بيع داره ومضت مدة يمكن فيها البيع، ثم عزله، ثم شهد من آخر أنه كان باعها من فلان قبل العزل، ينبغي أن يكون مثل الحاكم، ولم أرها منقولة، وقد ذكر الأصحاب حكم إقراره، ولم أرهم ذكروا حكم شهادته.
وأما قول الشاهد: اشهد أني رأيت الهلال، ففيه شبه بالمرضعة، من جهة أنه أمر محسوس، يترتب عليه حكم، فمن هنا ظن بعض الناس أنه يجري فيه الخلاف الذي في المرضعة، ولو صح ذلك، كان الأصح القبول، كما في المرضعة. لكن ذلك لا يصح، بل الصواب القبول قطعا، وأن الشبه المذكور
لا يلحقه بالمرضعة، وأن من ألحقه بالمرضعة فقد التبس عليه.
ووجه الالتباس أن فعل المرضعة على الجملة فعل يترتب عليه أثر، وأما رؤية الشاهد فليست فعلا، وإنما هي إدراك، والإدراك من نوع العلوم لا من نوع الأفعال وتنصيص الشاهد عليها تحقيق لتيقنه وعلمه.
وقد ذكر الأصحاب تعرض الشاهد للاستفاضة، إذا كانت مستندة واختلفوا في قبوله على تفصيل ليس هذا موضعه، ولا يتوهم جريان ذلك هنا، لما في التعرض للاستفاضة من الإيذان بعدم التحقق، عكس التعرض للرؤية، فإنه يؤكد التحقق فقد زال الالتباس بحمد الله تعالى.
البحث الرابع: إذا لم يقل أشهد أني رأيت، بل قال أشهد برؤيته، فإنه يقبل أيضا. قال الشافعي في (المختصر) وإن شهد على/ رؤيته عدل وحده، رأيت أن أقبله.
وقال في (التنبيه) وإن قامت البنية برؤيته يوم الشك، وجب عليهم قضاؤه، وفي المهذب في باب العيدين وإن شهد شاهدان يوم الثلاثين، برؤية الهلال بعد الزوال، على أني أجوز أن لا يكون الشافعي والشيخ قصدا حكم اللفظ بل الحكمين اللذين سبق الكلام لأجلهما، وهما القبول في كلام الشافعي.
والقضاء في كلام الشيخ، ولكن جلالة الشافعي تحملنا على التمسك بعبارته، كما يتمسك النحاة، بعبارة سيبوية.
ثم اعلم أن رؤيته مصدر، مضاف إلى المفعول، يحتمل أن يكون المعنى رؤيتي إياه، أو رؤية غيري إياه، أو أعم من ذلك، فإن كان الأول، فهو كقوله: إني رأيته وقد سبق، وإن كان الثاني، فالذي يظهر أنه لا يقبل،
إلا أن تكون شهادة على شهادة، فتبين بشروطها، وإن كانا لثالث، فيقبل وفيه احتمال وقد قال الشافعي في (المختصر) فإن شهد شاهدان، أن الهلال رئى قبل الزوال، أو بعده فهو لليلة المستقبلة.
فإن تمسكا بهذا اللفظ اقتضى قبول الشهادة بأنه رئى وهو محتمل، ولعل سببه إخبار جمع يحصل العلم أو الظن، بقولهم إنهم رأوه، فيعتمدهم الشاهد، ولم أر الأصحاب تعرضوا، لأن ذلك مما يشهد فيه بالاستفاضة، ولا شك أن أصل الشهر، والعام إنما علم بالتواتر، فإن هذا الشهر الذي رأينا هلاله، كونه شهر رمضان، إنما علم بالتواتر، المعلوم بالضرورة/، خلفا عن سلف إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله أي شهر هذا ليس ذا الحجة، وبينا عليه شهرا بعد شهر، وعامًا بعد عام، وإلى وقتنا هذا، وكذا كون هذا البلد هو البلد الفلاني، إنما يثبت بالتواتر.
وإذا نظرنا إلى الأشياء التي سوغ الفقهاء الشهادة فيها بالاستفاضة، تجدها أمورا لا يمكن إدراكها بالحس، كالنسب، والملك، والموت. أما ما يدرك بالحس كالعقد، والإقرار، فلا يثبت بالاستفاضة ورؤية الهلال تدرك بالحس، وبالخبر عن جمع عظيم، فإن صرح الشاهد أنه رأى قبل، وإن قال أشهد برؤيته كان قوله برؤيته محتملا، لكنا نحمله على رؤية نفسه، بقرينة قوله: أشهد، فإنها مشتقة من الشهادة بمعنى المشاهدة واستقرت في الشرع على ذلك، فلابد إذا أطلقت فيما يدرك بالحس أن تكون عن معاينة حتى لو
تبين أنه عن غير معاينة، كانت شهادة زور.
وإنما قبلناها في الاستفاضة عن غير معاينة، لأن قرينة الحال وهو كون ذلك الأمر لا يعاين صرفت لفظ الشهادة من معناها إلى معنى العلم القطعي فلهذا قبلنا قوله: أشهد برؤيته، وحملناه على أنه أراد رؤية نفسه، ولهذا تقبل الشهادة بالإقرار والتتابع، وشبهته، وإن احتمل التوسط، لكن قبلناه تنزيلا للشهادة على المعاينة، حتى لو تبين خلاف ذلك، كانت شهادة زور، وأما الشهادة بأنه رئى، فيحتمل أن يحمل على أنه الرائي لذلك، ويحتمل أن يحمل على أن الرائي غيره/ لأن قرينه البناء لما لم يسم فاعله تبعد أن يكون هو الرائي.
وعبارة الشافعي في (المختصر) في باب العيدين: ولو شهد عدلان في الفطر، بأن الهلال كان بالأمس وهذه صيغة أخرى، لم يتعرض فيها للرؤية، أصلا، فإذا شهد الشاهد بوجود الهلال، يحتمل أن يقال لا يقبل، لأن الهلال في السماء دائما، وتتفاوت رؤيته، ويحتمل وهو الأصح أنه يقبل، لأن الهلال اسم له عند إمكان رؤيته مأخوذ من الاستهلاك وهو رفع الصوت عند رؤيته، وقول الناس طلع الهلال، أقرب إلى القبول، من قوله وجد أو كان.
البحث الخامس: قوله اشهد أن الليلة أول الشهر، ليس فيه تعرض
للهلال أصلا، (فيحتمل أن قال: لا تقبل) لأن الشارع أناط بالرؤية (أو استكمال العدد، واستكمال العدد يرجع إلى رؤية) شهر قبله، فمتى لم يتعرض الشاهد، في شهادته إلى ذلك ينبغي أن لا يقبل، أو يجري فيه الخلاف فيما إذا شهد الشاهد بالاستحقاق من غير بيان السبب ففيه خلاف، لأن ذلك وظيفة الحاكم، ووظيفة الشاهد الشهادة بالأسباب فقط، وهنا احتمال آخر زائد يوجب التوقف، وهو احتمال أنه اعتمد الحساب كما ذلك أحد الوجهين في جواز الصوم بالحساب، إذا دل على طلوع الهلال، واحتمال إمكان رؤيته.
ولهذه الأمور، يحتمل أن يقال: لا يقبل الحاكم شهادته، حتى يستفسره، ويحتمل أن يقال: إن عدالته تمنعه من اعتماد الحساب، ومن
التوسط المانع من أداء الشهادة ومقتضى الحمل على أنه ما رأى، وإنما تواتر عنده الخبر برؤيته، وذلك كاف في علمه بالشهر/ وشهادته به وهذا هو الأظهر، وهو الذي قدمنا عن ابن أبي الدم الجزم بقبوله.
فائدة: قال ابن أبي الدم، لا ينبغي للشاهد أن يقول أشهد على إقرار زيد، فإن الإقرار مشهود به، وزيد هو المشهود عليه، والذي قاله: صحيح، لكن في عبارة الشافعي التي حكيناها شهد على رؤية الهلال، فإما أن تجعل على بمعنى الباء، وإما أن ترد على ابن أبي الدم، وفي كلام الشيخ أبي إسحاق في (المهذب) مثل عبارة الشافعي وقال تعالى:(وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) وورد في الحديث: (على مثلها فاشهد) فالصواب القبول ومعنى الشهادة عليه الإطلاع عليه، والإخبار عنه. والله عز وجل أعلم.