الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة والعشرون
رأى المملوك في "شرح الوجيز" للعلامة تاج الدين بن يونس رحمه الله تعالى ما لفظه:-
والأصح أنه يجوز اقتناء الكلب لحراسة الدور وحفظ الماشية وللإعارة كحلى النساء. انتهى.
هل ذكر هذه الصورة غيره؟ وهل الحكم كما ذكره؟
وقد ذكر الرافعي أنه يحرم اقتناؤه قبل شراء الماشية ولمن لا يصيد، ثم قال ابن يونس وإذا جوزنا اقتناء الجرو للتعليم قال البغوي شرط الجواز أن يكون من نسل المعلم. انتهى.
فهل هذا شرط صحيح؟ حتى يكون الرافعي أخل به، وهل في
اشتراط ذلك خلاف أم لا؟
الجواب (الحمد لله)
أما صورة العارية فذكرتها أنا في " شرح المنهاج" فقلت: ولو اقتنى كلب صيد/ ولا يريد أن يصطاد به في الحال، ولا فيما بعد، لم يجز على المذهب، وإن أراد إعارته لمن يصطاد، ومعنى الحديث، إلا كلبا يصطاد به، هذا نص ما قتله في "شرح المناهج".
ومما يدل على أن معنى الحديث ذلك، الحديث الآخر:"من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا" فقد بان أن الصورة ذكرها غير ابن يونس، وأن الأصح فيها غير ما صححه، وأما تشبيهه بالإعارة كحلى
النساء، فالفرق بينهما أن ذلك معد لاستعمال مباح، وكل معد لاستعمال مباح لا زكاة فيه، وأيضا فإن الحلى ليس من الأموال النامية، ولهذا إذا لم يوجد قصد أصلا لم تجب الزكاة في الأصح، وكان الأصل فيه عدم الزكاة إلا عند قصد المحرم أو المكروه أو القنية.
والأصل في اقتناء الكلب المنع، إلا ما رخص فيه، وليس هذه الصورة مما رخص فيه، والحديث الذي فيه إلا "كلب صيد" مطلق، تقيد بالحديث الآخر الذي فيه "لا يغني عنه" وقد نقل إمام الحرمين إجماع الأصحاب على أن النهي عن الاقتناء نهي تحريم.
واستثنى من النهي كلب الصيد والماشية، وكذا كلب الزرع، لصحة
الحديث فيه، وكذا الذي في معناه كحراسة البوادي على ما قاله الأصحاب. وفي كلام القاضي حسين خلاف في حراسته في السفرن واختلفوا في الذي يقتني لحراسة الدور والدروب والأصح المنصوص الجواز وصحح آخرون المنع.
وقال ابن عبد البر من المالكية في "التمهيد" يجوز الكل إلا
أنه مكروه لغير الوجوه المذكورة في الحديث، لنقصان أجر مقتنيها.
وقال الشيخ محيى الدين النووي رحمه الله في "شرح مسلم" وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة، مثل أن يقتني كلبا إعجابا بصورته أو المفاخرة، فهذا حرام بلا خوف.
وأما الحاجة التي/ يجوز الاقتناء لها؛ فقد ورد الحديث بالترخيص فيه، لأحد ثلاثة أشياء: الزرع والماشية والصيد، وهذا جائز بلا خلاف واختلف أصحابنا في اقتنائه لحراسة الدور والدروب وفي اقتناء الجرو ليعلم، فمنهم من حرمه، لأن الرخصة إنما وردت في الثلاثة، ومنهم من أباحه وهو الأصح، لأنه في معناه.
واختلفوا أيضا فيمن اقتنى كلبا وهو رجل لا يصيد.
وأما اشتراط كون الجرو من نسل المعلم فقد وقع في كلام إمام الحرمين ما يفهمه، لأنه قال: ومن اقتنى جرو كلب حتى إذا استقل صاد ففي تحريم اقتنائه جروا وجهان: ذكرهما العراقيون: أحدهما: يجوز لأنه كلب صيد، والثاني: لا لأنه ليس ضاريا في الحال.
وقال المحاملي في "التجريد" فإن اقتنى جروا صغيرا من جنس الكلاب التي تصطاد حتى إذا كبر اصطاد به ففيه وجهان: ذكرهما أبو إسحاق في "الشرح" أحدهما: لا يجوز لقوله إلا "كلب صيد" والأصح يجوز، لأن كلاب الصيد جنس من الكلاب صغارها وكبارها، فهذا كلب صيد فجاز اقتناؤه.
قال وكذا إذا اقتنى كلبا للصيد، ولا يصطاد به الآن، لكن إذا احتاج، وكذا إذا كان من التجار وليس من عادته الصيد. انتهى. وهو يقتضي أن الأصح عنده في الصورتين على خلاف الأصح عند غيره، وفي إفهام اشتراط كون الجرو من نسل المعلم، أقوى من كلام الإمام.
وقال القاضي حسين وفي جواز اقتناء جرو كلب للصيد وجهان:
أحدهما: لا، لأنه ليس من كلاب الصيد، والثاني: يجوز، لأنه مرصد لأن يعلم فيصطاد، وهذه العبارة ظاهرها أنه لا يشترط، فليكن فيه خلاف والأصح الاشتراط.
وأما كون الرافعي أخل به فإن كان الأمر كما أشار إليه المحاملى من أن كلاب الصيد جنس فيتجه القول بالاشتراك، وعذر الرافعي في عدم ذكره أنه لا يكون إمساك الجرو للتعليم إلا في ذلك الجنس، ومن ضرورته أن يكون من نسله فلا حاجة/ إلى التصريح به.
والظاهر أن الأمر كما قال المحاملي، وإن لم يكن كذلك، وكان كل جرو صالحا للتعليم، اتجه هنا القول بتحريم الاقتناء، لأنه لا يسمى كلب صيد، وبهذا بأن صحة قول البغوي وعدم إخلال الرافعي، فإن الأصح الجواز وهو مشروط بذلك.
وإنما استغرب ما قاله ابن يونس لكونه أتى بعبارة ليست مألوفة، فالجرو الذي من جنس ما يصيد، القول بالجواز فيه يقرب لأجل الاسم ولأجل قرب تعلمه، والقول بالجواز في غيره بعيد إن قيل به، لانتفاء الأمرين، لكن هذا إنما أقوله في الجرو الذي يقصد تعليمه للصيد.
أما لو قصد تعليم جرو واقتناؤه للزرع أو للدروب، فالظاهر أن ذلك ليس جنسا مخصوصا، فلا يأتي هذا فيه، وقضية هذا أنه لا يشترط فيه إلا القصد أعني المقتني للدروب.
وقول المحاملي الجنس أولى من قول غيره النسل، لأنه قد يتولد بين صيود وغيره، فيكون من النسل ولا يكون من الجنس إلا أن يكتفي بكونه من نسل أحدهما، والله أعلم.